المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ مقدمة فى بيان منزلة العلم - خطب ودروس الشيخ عبد الرحيم الطحان - جـ ٦٦

[عبد الرحيم الطحان]

الفصل: ‌ مقدمة فى بيان منزلة العلم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين ورضى الله عن الصحابة الصادقين المفلحين عمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين

اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلا سهل علينا أمورنا وعلمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين اللهم زدنا علما نافعا وعملا صالحا بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين سبحانك الله وبحمدك على حلمك بعد علمك سبحانك الله وبحمدك على عفوك بعد قدرتك اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا

أما بعد إخوتى الكرام

سنتدارس كما قلت فى كل أسبوع موعظتين فى علم الفقه فى يوم الأحد ويوم الإثنين نسأل الله أن يعيننا على ذلك وأن يتقبل منا بفضله ورحمته

إخوتى الكرام وهذه أول موعظة فى هذا العلم المبارك سأقدم لهذا العلم مقدمة تقوم على أمرين اثنين:

الأمر الأول فى بيان منزلة علم الفقه فى الدين فى شريعة رب العالمين

والأمر الثانى فى تراجم أئمتنا المهتدين ساداتنا أئمة المذاهب الأربعة المتبعة سيدنا أبى حنيفة النعمان فقيه هذه الملة المباركة المرحومة الذى توفى سنة خمسين بعد المائة وهكذا سيدنا الإمام مالك رضى الله عنه وأرضاه أبو عبد الله الذى توفى سنة تسع وسبعين مائة والثالث سيدنا الإمام أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعى الذى توفى سنة أربع ومائتين والإمام الرابع الإمام المبجل سيدنا أحمد بن حنبل الذى توفى سنة إحدى وأربعين بعد المائتين ويكنى بأبى عبد الله أيضا عليهم جميعا رحمة الله ورضوانه

أما الأمر الأول إخوتى الكرام من هذين الأمرين كما قلت فى منزلة الفقه فى الدين فى شريعة رب العالمين فسأقدم لهذا الأمر الذى قلت كما قلت مقدمة سأقدم له‌

‌ مقدمة فى بيان منزلة العلم

وإذا ظهرت لنا منزلة العلم أحدد منزلة علم الفقه من العلم

ص: 1

إخوتى الكرام أما العلم فشأنه عظيم ويكفى بيان حقيقته ما قاله الإمام الشافعى رضى الله عنه وأرضاه

قال يكفى فى بيان شرف العلم أن كل أحد يحب أن ينسب إليه ولو فى أمر حقير يعنى العلم بأمر حقير لو قلت هذا يعرف ويعلم يعنى كيف يزرع الشجر كيف يبنى بيت الدجاج كيف يرتب الباب إذا وصفته نعته بالعلم حتى فى أمر حقير تراه يفرح يكفى فى شرف العلم أن كل أحد يحب أن يمدح به أن يوصف به ولو فى أمر حقير وكل أحد يحزن إذا رفع عنه هذا الوصف ولو فى أمر حقير

إذا قلت هذا يجهل يعنى أمرا من الأمور الحقيرة يعنى كأنه ينكسر خاطره فكل أحد يحب أن ينسب إلى العلم وكل أحد يكره أن ينسب إلى الجهل هذا يكفى فى بيان شرف العلم كما قال الإمام الشافعى رضى الله عنه وأرضاه

وقد جاءت الآيات المحكمات فى كتاب رب الأرض والسماوات والأحاديث المتواترات عن نبينا خير البريات على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه والآثار الكثيرات عن سلفنا أصحاب العقول الزاكيات فى بيان منزلة العلم وشأنه

أما الآيات سأقتصر منها على ثلاث:

الآية الأولى التى تبين لنا منزلة العلم وفضله ومكانة العالم ورتبته يقول ربنا الرحمن فى سورة آل عمران {شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم} [آل عمران/18] سبحانه وتعالى

شهد الله أنه لاإله إلا هو حكم سبحانه وتعالى بذلك وقال هذا وبينه حكم بذلك وقاله وبينه فشهد لنفسه بالألوهية والربوبية والوحدانية سبحانه وتعالى ثم ثنى بمن شهد له بذلك والملائكة وثلث بأولى العلم من أنبياء الله المباركين على نبينا وعليهم أفضل الصلاة وأتم التسليم ومن خلفائهم ورثتهم العلماء العاملين {شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم} الله جل وعلا هو القائم بالقسط المقيم للعدل سبحانه وتعالى بأمره وقسمه وجزائه،

ص: 2

بأمره أمر بالعدل والإحسان ونهى عن الفاحش والإثم والعدوان

وقسمه هو الذى يرزق من يشاء سبحانه وتعالى يعز من يشاء يحيى ويميت لا راد لحكمه ولا معقب لقضائه

وجزائه هو الذى يثيب كل عامل على ما عمل إن خيرا فخير وغن شرا فشر {فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره} (الزلزلة7-8)

{شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم}

والآية الثانية إخوتى الكرام فى سورة الزمر وفيها يقول ربنا عز وجل {أم من هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب} [الزمر/:9]

حقيقة لا يستوى من هو عالم مع من هو جاهل والعالم هو الذى يخشى الله عز وجل وثمرة العلم الخشية ولذلك هم يقنتون للحى القيوم آناء الليل ساعات الليل يحذرون الآخرة ويرجون رحمة الله جل وعلا هل يستوى من هذا شأنه ومن كافر بالله؟ لا

وهكذا لا يستوى العالم والجاهل {أم من هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب}

والآية الثالثة إخوتى الكرام فى سورة فاطر وفيها يقول الله عز وجل {ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود * ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك إنما يخشى الله من عباده العلماء إن الله عزيز غفور} [فاطر/27-28](إنما يخشى الله من عباده العلماء إن الله عزيز غفور)

ص: 3

إخوتى الكرام وجاء تركيب الآية بهذه الصيغة (إنما يخشى الله من عباده العلماء) ولم يقل رب الأرض والسماء إنما العلماء يخشون الله ليفيد إفراد العلماء بالخشية من الله عز وجل فهم الخاشون للحى القيوم سبحانه وتعالى هم الخاشون لا غيرهم ولو قال إنما العلماء يخشون الله لكان فى ذلك بيان للمخشى منه وهو الله لا إفراد العلماء بالخشية من الله عز وجل إنما المقصود هنا أنهم هم الذين يخشون لا غيرهم فإذن لبيان هذا الأمر قدم الله ذاته المباركة سبحانه وتعالى اسمه المبارك المفعول به (إنما يخشى اللهَ من عباده العلماءُ) فهم الذين يخشونه لا غيرهم ولو قال إنما العلماء يخشون الله فى ذلك بيان أن العلماء يخشون الله ولا يخشون أحدا غيره كما قال جل وعلا فى سورة الأحزاب (الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله) وليس فى تلك الآية من الوصف للعلماء كما هو فى سورة فاطر هنا نعتهم بالخشية التى هى خاصة بهم (إنما يخشى الله من عباده العلماء إن الله عزيز غفور)

نعم إخوتى الكرام إذا وجد العلم النافع سيتبعه عمل صالح وخشية لله عز وجل سبحانه وتعالى

القوة العلمية إذا لم تتبعها قوة عملية فلا خير فيها ولا مدح لأن الإنسان سيلتحق بأهل الملة الغضبية علم من غير عمل هذا طريق اليهود عليهم لعائن ربنا المعبود كمت تقدم معنا إيضاح هذا فى مواعظ التفسير عند قول ربنا الجليل (غير المغضوب عليهم ولا الضالين)

ولذلك إنما يخشى الله من عباده العلماء علم مع عمل أنتج الخشية لله عز وجل سبحانه وتعالى وكلما كثر علم الإنسان كلما زادت خشيته من ذى الجلال والإكرام

ص: 4

ثبت فى المسند والصحيحين وغير ذلك من دواوين السنة والحديث فى أعلى درجات الصحة من رواية أمنا الصديقة المباركة سيدتنا عائشة رضى الله عنها وأرضاها قالت صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا ترخص فيه فتنزه عنه أقوام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما بال أقوام يتنزهون عن الشىء أفعله أما والله إنى لأعلمهم بالله وأشدهم له خشية)

وتقدم معنا إخوتى الكرام ضمن مواعظ التفسير أيضا أن الشىء الذى فعله نبينا صلى الله عليه وسلم وترخص عنه من ترخص فسر بعدة أمور كما ورد فى الروايات الثابتة:

منها القبلة للصائم وتقدم معنا ثبت هذا فى صحيح مسلم وغيره

ومنها كما تقدم معنا إدراك الفجر على النبى عليه الصلاة والسلام وهو جنب أيضا هذا مما كان يترخص فيه وينوى الصيام بعد ذلك عليه الصلاة والسلام ويطلع عليه الفجر وهو جنب أحيانا فبعض الناس يعنى تنزه عن هذا ورأى أنه إذا طلع الفجر عليه وهو جنب لا يصح صومه

والأمر الثالث كما تقدم معنا من الأمور التى فعلها عليه الصلاة والسلام وسلك طريق القصد من أنه عليه صلوات الله وسلامه كان يصوم ويفطر ويصلى ويرقد ويتزوج النساء فقال من قال أين نحن من خاتم الأنبياء على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه ثم بعد ذلك بعضهم عزم على أن يقوم الليل وبعضهم على أن يصوم الدهر وبعضهم على أن لا يتزوج فقال النبى عليه الصلاة والسلام (من رغب عن سنتى فليس منى) أمر ثالث هذا

وأمر رابع قلت ذكره أئمتنا ولم أقف له على دليل وهو القصر فى السفر فعل هذا عليه الصلاة والسلام والفطر فى السفر فعله عليه صلوات الله وسلامه وترخص فيه فكأن بعض الناس ما أراد أن يفطر وما أراد أن يقصر الصلاة فهذا أيضا ذكر كما قلت ضمن الأمور التنزه عنها من تنزه فقال نبينا عليه الصلاة والسلام (إنى لأعلمهم بالله وأشدهم له خشية)

وقلت إخوتى الكرام مرارا إن منبع الكمالات بأسرها أمران اثنان

ص: 5

قوة عليمة وقوة عملية وما اجتمعتا إلا فى نبينا خير البرية على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه ولذلك هنا العلماء نعتوا بهذا الأمر إخوتى الكرام علم لكن معه خشية علم معه خشية إنما يخشى الله من عباده العلماء

ولو كان فى العلم دون التقى شرف لكان أشرف خلق الله إبليس

فخاصية العلماء الخشية من رب الأرض والسماء

روى الإمام الدارمى فى سننه فى المقدمة فى باب من قال العلم الخشية والأثر فى الحلية ورواه الخطيب فى كتاب الفقيه والمتفقه عن الحسن البصرى عليه رحمة الله ورضوانه أنه أفتى فى مسألة فقيل له إن الفقهاء يقولون بغير هذا فقال للسائل:

ويحك وهل رأيت فقيها، إنما الفقيه الزاهد فى الدنيا الراغب فى الآخرة البصير بأمر دينه المداوم على عبادة ربه

هل رأيت من تنطبق عليه هذه الصفات هذا هو الفقيه وهو الذى أشار إليه ربنا جل وعلا بقوله إنما يخشى الله من عباده العلماء وبقوله فى سورة الزمر {أم من هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب}

وأما الأحاديث إخوتى الكرام التى تبين لنا شرف العلم ومكانة العالم ورتبته فكثيرة وفيرة:

ص: 6

منها ما رواه الإمام أحمد فى المسند والحديث فى السنن الأربعة إلا سنن النسائى ورواه الإمام ابن حبان فى صحيحه والدارمى فى سننه ورواه الإمام ابن عبد البر فى جامع بيان العلم وفضله ورواه الخطيب فى كتاب الفقيه والمتفقه كما رواه أيضا فى كتاب الرحلة فى طلب الحديث ورواه البيهقى فى المدخل فى الصفحة خمسين ومائتين ورواه البيهقى فى شعب الإيمان أيضا والفسوى فى تاريخه والحديث صحيح صحيح من رواية سيدنا أبى الدرداء رضى الله عنه وأرضاه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع وإن العالم ليستغفر له من فى السماوات ومن الأرض والحيتان فى جوف الماء وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر على الكواكب كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب وإن العلماء ورثة الأنبياء إن الأنبياء لم يورثوا درهما ولا دينارا إنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر)

العلم ميراث النبى على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه كما أتى فى النص والعلماء هم وُرََََََََََََََََََََاثه

ما خلف المختار غير حديثه فينا فذاك متاعه وأثاثه عليه صلوات الله وسلامه

هذه الخيرات إخوتى الكرام يحصلها طالب العلم طلبه العلم فى هذه الحياة يوصله إلى نعيم الجنات الملائكة تضع أجنحتها تتواضع له، تظلله بأجنحتها ترافقه عندما يطلب العلم، يستغفر له من فى السماوات ومن الأرض حتى الحيتان فى جوف الماء وفضله على العُبَََادكفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب وهو خليفة النبى عليه الصلاة والسلام ووارثه

ص: 7

وروى الإمام الترمذى فى سننه وقال هذا حديث حسن غريب صحيح والحديث رواه الطبرانى فى معجمه الكبير والإمام ابن عبد البر فى جامع بيان العلم وفضله والخطيب فى كتابه الفقيه والمتفقه وهو فى غير ذلك من دواويين السنة والحديث إسناده صحيح من رواية سيدنا أبى أمامة الباهلى رضى الله عنه وأرضاه قال ذكر للنبى صلى الله عليه وسلم رجلان أحدهما عابد والآخر عالم ذكر للنبى عليه الصلاة والسلام رجلان أحدهما عالم والآخر عابد فقال عليه الصلاة والسلام (فضل العالم على العابد كفضلى على أدناكم) ثم قال عليه الصلاة والسلام (إن الله وملائكته وأهل السماوات وأهل الأرض حتى النملة فى جحرها وحتى الحيتان فى البحر ليصلون على معلم الناس الخير)(فضل العالم على العابد كفضلى على أدناكم) على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه

نعم إخوتى الكرام طلب العلم وتعليمه تعلمه وتعليمه مهنة الأنبياء على نبينا وعليهم جميعا صلوات الله وسلامه مهنتهم أن يتعلموا وأن يعلموا والله يقول لنبينا عليه الصلاة والسلام

(وقل رب زدنى علما) وبعثه الله عليه الصلاة والسلام معلما

روى الإمام ابن ماجة فى سننه والدارمى فى سننه أيضا والحديث رواه الإمام أبو داود الطيالسى فى مسنده ورواه البيهقى فى المدخل إلى السنن فى صفحة ست وثلاثمائة ورواه الخطيب فى الفقه والمتفقه والطبرانى فى معجمه الكبير ورواه الأمام ابن السنى فى كتاب رياضة المتعلمين وهكذا الإمام أبو نعيم أيضا والحديث إخوتى الكرام حكم عليه شيخ الإسلام الإمام العراقى عليه رحمة الله فى تخريج أحاديث الإحياء فى الجزء الأول صفحة سبع عشرة حكم على إسناده بالضعف وقال إسناده ضعيف وتابعه على ذلك الإمام الزبيدى فى شرح الإحياء فى الجزء الأول صفحة إحدى عشرة ومائة

ص: 8

والذى يظهر والعلم عند الله أن الحديث لا ينزل عن درجة الحسن لشواهده وللمتابعات لمن ضُعف من رواته من ضعف له متابع والحديث له شواهد فى الحديث رجلان صالحان مباركان فيهما ضعف بسبب عدم كمال تمام الضبط أولهما العبد الصالح عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الأفريقى شيخ بلاد أفريقيا وقاضيها العلم الإمام الصالح الأمَّار بالمعروف والنهَّاء عن المنكر رضى الله عنه وأرضاه

روى له البخارى فى الأدب المفرد وحديثه مخرج فى السنن الأربعة إلا سنن النسائى وقد توفى سنة ست وخمسين ومائة ضعيف فى حفظه وكان صالحا وصلاحه مجمع عليه وتمام ديانته متفق عليها رضى الله عنه وأرضاه عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الأفريقى والإمام أحمد رضى الله عنه تقدم معنا كان يجله ويحترمه مع أنه لم يدركه لكن يعنى لما يذكر يحتفل بذكره وبمكانته ويرى له يعنى شأنا فى الإسلام ويقول جهر بالحق أمام أبى جعفر وأبو جعفر الذى كان سيفه يسبق لسانه وجهر بالحق أمامه تقدم عندما قال له الظلم ببابك فاش جئت أشكو إليك ظلم العمال فى الأمصار النائية البعيدة فكلما اقتربت من مكانك رأيت الظلم أكثر حتى رأيت الظلم فاشيا ببابك (لا إله إلا الله)

وتقدم معنا خبره مع أبى جعفر ضمن محاضرات الحديث الشريف على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه

عبد صالح قانت وشيخه أيضا عبد صالح قانت اسمه أيضا عبد الرحمن هذا عبد الرحمن بن زياد بن أنعم وذاك عبد الرحمن بن رافع التلوقى المصرى أيضا من بلاد إفريقيا توفى سنة ثلاث عشرة بعد المائة وقيل بعدها أيضا ضعيف فى الحفظ وهو رجل صالح وخرج حديثه من خرج أحاديث عبد الرحمن بن زياد بن أنعم فخرج له البخارى فى الأدب المفرد وأهل السنن الأربعة إلا الإمام النسائى عليهم جميعا رحمة الله ورضوانه

ولفظ الحديث إخوتى الكرام عن سيدنا عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنهما قال:

ص: 9

مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بمجلسين أحد المجلسين فيه أناس يدعون الله ويرغبون إليه يذكرونه يحمدونه يصلون على النبى عليه الصلاة والسلام يسألونه الجنة ويستعيذون به من النار

والمجلس الثانى فيه أناس يتعلمون الفقه ويعلمونه فقال عليه الصلاة والسلام كلا المجلسين على خير كلاهما فى طاعة لله جل وعلا من يذكر ومن يتفقه كلا المجلسين على خير أما هؤلاء فيسألون الله ويرغبون إليه فإن شاء أعطاهم وإن شاء منعهم وأما هؤلاء فيتعلمون ويعلمون الجاهل وإنما بعثت معلما ثم أقبل عليهم عليه الصلاة والسلام وجلس معهم إنما بعثت معلما عليه صلوات الله وسلامه

وقد دعا نبينا عليه الصلاة والسلام لمن يحفظ نصوص الشريعة الحسان دعا له بالنضرة والرحمة بالبهجة فى قلبه والضياء فى وجهه فى هذه الحياة وما له عند الله أعظم وأعظم مما لا يخطر ببال أحد من المخلوقات نضرة ورحمة

قال نبينا صلى الله عليه وسلم (نضر الله امرأ سمع مقالتى بالتشديد والتخفيف نضَر الله امرء سمع مقالتى فوعاها فأداها كما سمعها فرب مبلغ أوعى من سامع ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه)

ص: 10

الحديث إخوتى الكرام رواه الإمام أحمد فى المسند والترمذى فى السنن وهكذا الإمام ابن ماجه فى سننه وابن حبان فى صحيحه من رواية سيدنا عبد الله بن مسعود ورواه الإمام الترمذى فى سننه وهكذا الإمام أبو داود والإمام ابن ماجة فى سننه أيضا وابن حبان فى صحيحه والإمام الضياء المقدسى فى الأحاديث الجياد المختارة من رواية سيدنا زيد ابن ثابت ورواه الإمام أحمد فى المسند والإمام ابن ماجة فى السنن من رواية سيدنا أنس بن مالك رضى الله عنهم وأرضاهم ورُوى الحديث عن غيرهم كما سيأتينا فهو من الأحاديث المتواترة عن نبينا إمام البررة عليه صلوات الله وسلامه وفى رواية هؤلاء نضر وروى بلفظ (رحم الله امرأ سمع مقالتى فوعاها فأداها كما سمعها فرب مبلغ أوعى من سامع ورب حامل فقه ليس بفقيه ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه)

رواية رَحِم رواها الإمام ابن حبان فى صحيحه عن سيدنا عبد الله ابن مسعود ورواها الإمام00عن سيدنا عبد الله بن مسعود وزيد بن ثابت أيضا فى صحيح ابن حبان ورواها الإمام الطبرانى فى معجمه الكبير والإمام ابن قانع فى تراجم الصحابة وأبو نعيم والإمام ابن عساكر عن النعمان ابن بشير عن أبيه بشير عن نبينا البشير النذير على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه رحم الله امرء أيضا

والحديث رواه الإمام الديلمى عن أبى هريرة أيضا رضى الله عنهم أجمعين بلفظ رحم وهناك بلفظ نضر

وكما قلت إخوتى الكرام إنه من الأحاديث المتواترة كما قرر أئمتنا انظروا قطف الأزهار المتناثرة من الأحاديث المتواترة للإمام السيوطى وهو الحديث الثانى فى صفحة ثمان وعشرين من الكتاب نص على تواتره وهكذا النظم المتناثر من الحديث المتواتر للشيخ الكتانى وهو الحديث الثالث فى نظم المتناثر فى صفحة أربع وعشرين

ص: 11

وقد قال الإمام ابن منده روى هذا الحديث أربعة وعشرون من الصحابة والإمام السيوطى زاد فى كتابه تدريب الراوى فقال روى عن ثلاثين صحابى عن نبينا على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه

وأفرده بجزء مستقل فى كتاب مستقل وتأليف مستقل عدد من أئمتنا منهم تلميذ الإمام ابن ماجة أبو عمرو أحمد ابن محمد المدينى الأصفهانى الذى توفى سنة ثلاث وثلاثين والثلاث مائة أفرد هذا الحديث فى جزء خاص ومنهم الخطيب البغدادى ومنهم من المعاصرين أبو الفيض أحمد ابن الصديق الغمارى وسمى كتابه المسك التبت فى تواتر حديث من سمع مقالتى

وتبت بلدة متاخمة للصين فى بلاد الصين لعلها فى هذه الأيام يقال فيها أجود أنواع مسك الظباء، المسك التبت فى تواتر حديث من سمع مقالتى

إخوتى الكرام العلم نور ولا بد من تحصيل العلم بلفظه وبفقهه فالنصوص لا بد من أن تضبط ولا بد من أن تفهم والعلم يقوم على هذين الأمرين فمن نقل النص فهمه فقد جمع بين الحسنيين ومن نقله ولم يفهمه فينقله إلى فقيه يفهمه ويستنبط منه أحكاما كما سيأتينا المحدثون صيادلة والفقهاء أطباء لكن العلم يقوم على هذين الأمرين على حفظ النص وعلى فقهه وفهمه وإذا ضاع أحدهما وجدت الجاهلية وإذا ضاعا يعنى أظلمت الحياة الدنيوية فلا بد من بقاء النصوص المباركة ولا بد من فهمها والفقه فيها

يقول شيخ الإسلام الإمام ابن تيمية عليه وعلى أئمتنا رحمات رب البرية فى مجموع الفتاوى فى الجزء السابع عشر صفحة سبع وثلاث مائة فى تفسير سورة الإخلاص والكتاب مطبوع أيضا ما يتعلق بتفسير سورة الإخلاص فى كتاب مستقل وهذا موجود أيضا كما قلت ضمن مجموع الفتاوى

ص: 12

يقول عليه رحمه الله (قد تخفى آثار الرسالة فى بعض الأزمنة أو الأمكنة بحيث يصير حالهم إما أنهم لا يعرفون اللفظ أو لا يعرفون معناه يعنى الجهل يقع إما فى اللفظ فلا يعرفونه ولا يتقنونه أو لا يعرفون معناه يقرأ القرآن وحديث النبى عليه الصلاة والسلام لكن من غير فقه النص حُفظ لكن لم يفقه ولم يعلم معناه قد تخفى بعض آثار الرسالة فى بعض الأزمنة أو الأمكنة بحيث يصل حالهم إما أنهم لا يعرفون اللفظ أى النص أو لا يعرفون معناه

قال فيصيرون فى جاهلية بسبب عدم الأنوار النبوية على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه فيقع الشرك والتفرق ولا يمكن أن يحصل يعنى شرك وتفرق إلا إذا انعدم هذين الأمرين نص موجود لا يفقه يعبد الناس الأحجار والأشجار ويختصمون فى هذه الديار

هذين لا بد إخوتى الكرام من وعيها لابد إذن من نص يفقه يعمل به إذن فيصيرون فى جاهلية بسبب عدم الأنوار النبوية فيقع الشرك والتفرق

فالفتن القولية والفتن العملية هى من الجاهلية وتكون بسبب خفاء الأنوار النبوية

قال الإمام مالك رضى الله عنه وأرضاه (إذا قل العلم ظهر الجفاء وإذا قلت الآثار ظهرت الأهواء)

قل العلم وظهر الجفاء ولذلك من بدا جفا لأنه يبعد عن أهل العلم قل العلم ظهر الجفاء وإذا قلت الآثار يوجد عند الناس علم لكن هذا العلم بدون أثر

الأمر تظهر الأهواء والبدع لأن هذا العلم سيكون علما آرائيا علما عقليا لا يستند إلى العلم النبوى الحق إلى الهدى الحقيقى

إذا قل العلم ظهر الجفاء إذا قلت الآثار ظهرت الأهواء

ولذلك إخوتى الكرام لابد من هذين الأمرين النص نحافظ عليه ثم بعد ذلك نفهمه ونفقهه

نعم من لم يستطع الفقه فلا أقل من أن ينقل هذا النص فله هذا الأجر عند الله جل وعلا (نضر الله امرأ رحم الله امرء سمع مقالتى فوعاها فأداها كما سمعها فرب مبلغ أوعى من سامع)

ص: 13

إخوتى الكرام لما تقدم من النصوص الحسان قرر أئمتنا الكرام أنه لا يطلب العلم إلا الرجل الشهم والأمر كما قال سيد المسلمين فى زمانه الإمام الزهرى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا وأثره فى الحلية وفى كتاب الفقيه والمتفقه وفى كتاب شرف أصحاب الحديث أيضا للخطيب البغدادى عليهم جميعا رحمة الله ورضوانه قال

(العلم ذكر ولا يطلبه إلا ذكران الرجال) العلم ذكر لا يحبه إلا ذكران الرجال ويكرهه مأنثوهم

والمراد إخوتى الكرام من الذكران كما وضحت هذا أيضا ضمن محاضرات التفسير قلت لفظ الرجل لفظ الذكورة يطلق أحيانا على ما يقابل الأنوثة ويطلق أحيانا على صفة الكمال فى الإنسان تقول مررت برجل رجل أبوه كما حكى ذلك سيبويه عن العرب مررت برجل رجل أبوه ،أبوه رجل قطعا إنما يقصد مررت برجل أبوه كامل الرجولة فيه صفات الشهامة والفتوة والنخوة والمروءة هنا العلم ذكر أى هذا العلم كريم لا يطلبه إلا من كان كريما من الإناث والذكور لكن بما أنه كما قلت صفة الرجولة صفة كمال من اتصف بالكمال يقال فيه يعنى صفة الرجولة أى الصفة التامة الكاملة الشهامة المروءة ،المرأة الكاملة تطلب العلم والرجل الكامل يطلب العلم

ومن انحرف عن العلم فقد انحرف عن الإنسانية كما سيأتينا يعنى لما سئل سيدنا عبد الله بن المبارك رضى الله عنه وأرضاه من الناس قال العلماء حقيقة إذا خرج عن هذا الوصف خرج عن الإنسانية

العلم ذكر أى العلم كريم وله شأن عظيم عند رب العالمين لا يطلبه إلا من كان كريما أى من فقد صفة يعنى دنيئة لا يطلب العلم ،من انحط عن الإنسانية لا يطلب العلم يقصد هذا، لا يقصد يعنى أنه رجولته ناقصة بمعنى ذكورته ذكوريته ناقصة لا ثم لا

العلم ذكر لا يطلبه إلا ذكران الرجال لا يحبه إلا ذكران الرجال لا يرغب فيه إلا ذكران الرجال ويكرهه مأنثوهم

ص: 14

ويقول العبد الصالح كما فى شرف أصحاب الحديث صفحة واحد وخمسين العباس ابن محمد الخراسانى (لا يطلب العلم إلا باذل ذكر وليس يبغضه إلا المخانيس)

وكما قلت هنا يريد من الذكورة أيضا صفة الشهامة والمروءة والكمال والتمام فى الإنسان

والباذل إخوتى الكرام هو السيد من الإبل الذى أكمل ثمانى سنين أو تسع سنين وليس بعد هذه الرتبة رتبة باذل ذكر وليس يبغضه إلا المخانيس

ومما ينسب إلى سيدنا على صهر النبى على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه والأبيات تنسب يعنى فى كثير من كتب أئمتنا فى الإحياء وشرح الإحياء والله أعلم يعنى بصحة النسبة لأنهم لم يذكروا الإسناد إلى سيدنا على رضى الله عنه وأرضاه

انظروا هذه الأبيات إخوتى الكرام مثلا فى شرح الإحياء فى الجزء الأول صفحة ثمان وثمانين والأبيات حكيمة محكمة إن قالها سيدنا على رضى الله عنه وأرضاه فهذه من معدنه والشىء من معدنه لا يستبعد وإن لم يقلها فقالها يعنى ربانى آخر من هذه الأمة المباركة رحمة الله ورضوانه على قائلها يقول:

الناس من جهة التمثال أكفاء أبوهم آدم والأم حواء

وإن يكن لهم فى أصلهم شرف يفاخرون فيه فالطين والماء

ما الفخر إلا لأهل العلم إنهم على الهدى لمن استهدى أدلاء

ووزن كل امرء ما كان يحسنه والجاهلون لأهل العلم أعداء

ففز بعلم تعش حيا به أبدا الناس موتى وأهل العلم أحياء

أبيات كما قلت محكمة حكيمة إن قالها سيدنا على رضى الله عنه وأرضاه فهى من الحكمة التى من الله بها عليه وإن لم يقلها فقائلها كما قلت ربانى فى هذه الأمة المباركة المرحومة

إخوتى الكرام الخاصية التى يتميز بها الإنسان عن بهيم الحيوان هى العلم وقد أشار إلى ذلك ربنا الرحمن فى سورة عروس القرآن وهى سورة الرحمن (الرحمن *علم القرآن*خلق الإنسان*علمه البيان)

علم القرآن من شاء من خلقه ممن رضى عليهم وأنعم عليهم

ص: 15

(الرحمن *علم القرآن*خلق الإنسان) تعيينا للمتعلم من الذى يتعلم القرآن صنف واحد من مخلوقات الرحمن وهى الإنسان أوليس كذلك هذا صنف هو الإنسان تعيين للمتعلم

(علمه البيان) لكيفية التعلم ،البيان الذى هو النطق تخبر عما فى نفسك وتفهم بعد ذلك خطاب غيرك

وهذان الأمران هما عماد تعلم القرآن فلو لم تبن عما فى نفسك ولم تفهم ما يحدث به غيرك لما استطعت أن تتعلم كلام الله عز وجل

(الرحمن *علم القرآن*خلق الإنسان) تعيينا لمن يتعلم القرآن ولذلك خلقت لهذا الأمر لتتعلمه لتعمل به فإذا ضيعته فقد خرجت عن إنسانيتك

(خلق الإنسان*علمه البيان) نمتاز عن بهيم الحيوان بهذا الأمر

علمه البيان) ونتعلم به كلام الرحمن سبحانه وتعالى فمن ضيع هذا فبإى شىء يمتاز كما قلت عن بهيم الحيوان

حقيقة إنه حى لكنه فى الحقيقة ميت ورحمة الله على الإمام ابن القيم عندما ينشد بيتين لطيفين فيما يظهر والعلم عند الله من نظم غيره وما أعرف قائله ويكررهما فى كثير من كتبه

انظروا مثلا إغاثة اللهفان فى الجزء الأول صفحة ثلاث وعشرين ومدارج السالكين فى الجزء الثالث صفحة واحد وستين ومائتين والأبيات أيضا فى شرح الإحياء فى الجزء الأول صفحة سبع وأربعمائة يقول عليه رحمة الله ورضوانه قائل هذين البيتين المحكمين:

وفى الجهل قبل الموت موت لأهله وأبادنهم قبل القبور قبور

وأرواحهم فى وحشة من جسومهم وليس لهم حتى النشور نشور

وفى الجهل قبل الموت موت لأهله الجاهل ميت، ميت وخرج عن صفة الإنسانية

وفى الجهل قبل الموت موت لأهله وأبادنهم قبل القبور قبور

يعنى أرواحهم قبضت فى أبدانهم كما أن أبدانهم ستقبض فى القبور التى فى صدع من الأرض غير موسد ولا ممهد نسأل الله حسن الخاتمة

وأرواحهم فى وحشة من جسومهم وليس لهم حتى النشور نشور

إخوتى الكرام (المرء بأصغريه بلسانه وقلبه) كا قال زُهير بن أبى سُلمى

لسان الفتى نصف ونصف فؤاده فلم يبق إلا صورة اللحم والدم

ص: 16

يعنى بأى شىء تمتاز عن بهيم الحيوان؟ بأصغريك لسان يتكلم علمه البيان وقلب يعقل ويفهم ما عدا هذا لحم ودم موجود فيك وفى سائر الحيوانات الأخرى

المرء بأصغريه بقلبه ولسانه

لسان الفتى نصف ونصف فؤاده فلم يبق إلا صورة اللحم والدم

يا عبد الله إن كنت تفتخر بقوتك فالجمل أقوى منك وإن كنت تفتخر بضخامة جثتك فالفيل أضخم جثة منك وإن كنت تفتخر وتدل بكثرة أكلك فالثور أعظم أكلا منك وإن كنت تفتخر بشجاعتك فالأسود أعظم شجاعة منك وأن تفتخر بكثرة وطئك فأصغر المخلوقات وهو العصفور الدورى أكثر سفادا منك، طيب بأى شىء تفتخر يا عبد الله يعنى هذه الأمور غلبك إليها الحيوان البهيم

إنما عندك بعد ذلك علمه البيان هذه التى فقدها بهيم الحيوان ولذلك الحيوان مهما أوتى من شراسة وقوة وضخامة جثة يهاب الإنسان لما ركز الله فيه من تمييز غريزى لأن هذا الإنسان له فضل عليه وأنه عنده ما يدبر به الصناعات الخفية وعنده ما يحصل به العلوم النظرية هذا صاحب عقل هذا امتاز بالبيان عنك أيها الحيوان

ولذلك مهما عظم كما قلت الحيوان يهاب من الإنسان وبعد ذلك يعنى أحيانا يدخل معه فى صراع هذا موضوع آخر لكن الأصل يهاب كل من يرى الإنسان من الحيوان يهابه يحترس منه إلا بعد ذلك كما قلت إذا يعنى أداه أن يغامر فيغامر من أسود مفترسة لكن فى الأصل فى الغالب تشرد من الإنسان000 الاتصال بها إنما إن انفرد به بعد ذلك وهو بحاجة إلى أكله أكله، أما أنه يعنى هو يأتى ويخالط بنى آدم يريد أن يصارعه لا بل بنو آدم هم الذين يطاردون الحيوانات مهما عظم شأنها وهى يعنى تتكفف كما يقال شرهم وتبتعد عنهم لكن إذا اضطرت ستدافع عن نفسها يعنى الهرة تدافع عن نفسها إذا اضطرت لكن هو فى الأصل يهاب الإنسان ويخاف منه

{ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا} [الإسراء/70]

ص: 17

ولذلك إخوتى الكرام لا بد من أن نحصل العلم النافع وأصله كما سيأتينا الفقه فهو أصل العلوم والتذكير حلوائها وأعمها نفع كما قال الإمام ابن الجوزى رحمة الله ورضوانه عليه كما سيأتينا فى بيان منزلة علم الفقه بعون الله وتوفيقه

العلم ضرورى من خرج عنه خرج عن الإنسانية سأل سيدنا عبد الله ابن المبارك رضى الله عنه كما فى الحلية من الناس قال العلماء من خرج عن هذا الوصف ليس من بنى آدم البهيم 00 لا يوجد ما يميزه عن الحيوان البهيم

من الناس قال العلماء

قالوا فمن الملوك قال الزهاد حقيقة الملك والغنى أن ستغنى عن الشىء لا به الملك والأمير فقير حتى إلى أعوانه وخدامه وأما الغنى الحقيقى الغنى أن تستغنى عن الشىء لا به فهذا لا بد إخوتى الكرام من وعيه الزهاد هم الملوك

قالوا فمن الغوغاء قال أعوان السلطان ،أعوان السلطان هؤلاء هم الغوغاء السفهاء الذين يبيعون دينهم بدنيا غيرهم

قالوا فمن السِفلة بكسر السين وإسكان الفاء، السفلة وهم السفهاء المنحطون قال الذين يأكلون الدنيا بالدين يتاجرون بدين رب العالمين

الناس هم العلماء والملوك هم الزهاد والغوغاء هم أتباع الأمراء والسفلة هم الذين يأكلون الدنيا بالدين

هذا كلام سيد المسلمين فى زمانه عبد الله ابن المبارك رحمة الله ورضوانه عليه

الناس هم العلماء الناس هم العلماء فمن خرج عن هذا الوصف خرج عن الإنسانية

ولذلك أخوتى الكرام كان أئمتنا يوصون بطلب العلم وينبغى أن يحفظ الإنسان هذا وأن يحرص عليه حتى يغادر هذه الحياة فوظيفته أن يتعلم وأن يعمل

نقل الإمام ابن الجوزى فى تلبيس إبليس صفحة تسع وعشرين وثلاثمائة عن سيدنا الإمام أحمد رحمة الله ورضوانه عليه أنه قال وكان يوصى تلاميذه وأصحابه بذلك وهى وصية للمسلمين إلى يوم الدين

المحبرة إلى المقبرة

دواة الحبر ينبغى أن تلازمك حتى تقبر

ص: 18

وفى سير أعلام النبلاء فى الجزء الرابع عشر صفحة ثمان وأربعين وثلاثمائة جاء رجل إلى العبد الصالح سهل ابن عبد الله التسترى ومعه كتاب ومحبرة فقال له إن استطعت ألا تفارقهما حتى تفارق الحياة فافعل حتى تدفن فى قبرك فافعل الكتاب والمحبرة لا تفارق هذين

فقال له أبا محمد فائدة وهى كنية لسهل بن عبد الله التسترى انصحنى بنصيحة فقال له (الدنيا كلها جهل إلا ما كان علما والعلم كله حجة إلا ما كان عملا والعمل موقوف على السنة والسنة تقوم على التقوى) احفظ هذا

الدنيا كلها جهل من أولها لآخرها إلا ما كان علما والعلم حجة إلا ما كان عملا والعمل ينبغى أن يكون على السنة والسنة تقوم على التقوى

نعم إخوتى الكرام الدنيا كلها جهل وكلها ظلمة وكل ما فيها ملعون إلا ذكر الحى القيوم وما أريد به وجه الكريم من علم نافع وعمل صالح

ثبت فى سنن الترمذى وقال هذا حديث حسن والحديث رواه الإمام ابن ماجة وحسنه شيخ الإسلام الإمام العراقى أيضا فى تخريج أحاديث الإحياء فى الجزء الأول صفحة سبع عشرة من رواية سيدنا أبى هريرة رضى الله عنه وأرضاه عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال

الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه وعالما ومتعلما))

والحديث إخوتى الكرام نقل عن عدة من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين بألفاظ مختلفة تبين لنا إلا ذكر الله وما والاه ،ما الذى يواليه ويشاكله ويماثله من أمور الطاعة التى يراد بها وجه الله جل وعلا

ففى رواية البزار عن سيدنا عبد الله بن مسعود رضى الله عنه مرفوعا إلى نبينا المحمود عليه صلوات الله وسلامه أنه قال (الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا أمرا بمعروف أو نهيا عن منكر أو ذكرا لله عز وجل

الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر لا يمكن أن يحصل ألا بعد العلم النافع

والذكر كما هو فى رواية أبى هريرة رضى الله عنه وأرضاه

ص: 19

والحديث إخوتى الكرام رواه الطبرانى فى معجمه الكبير من رواية سيدنا أبى الدرداء عن نبينا خاتم الأنبياء على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه أنه قال (الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ما ابتغى به وجه الله منها)

والحديث رواه أبو نعيم فى الحلية والضياء المقدسى فى الأحاديث الجياد المختارة عن سيدنا جابر ابن عبد الله رضى الله عنهما عن نبينا على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه أنه قال (الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ما كان لله منها)

ونقل هذا الأثر إخوتى الكرام عن كعب الأحبار موقوفا عليه من قوله فى سنن الدارمى (الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا من تعلم خيرا وعلمه) هذا كلام كعب الأحبار موقوفا عليه من قوله

فائدة أبا محمد الدنيا كلها جهل إلا ما كان علما والعلم كله حجة إلا ما كان عملا والعمل ينبغى أن يكون على السنة والسنة تقوم على التقوى من حصل فهذا هو حقيقة المتقى لله عز وجل وكان هذا العبد الصالح سهل بن عبد الله التستسرى يقول كما فى ترجمته فى السير فى الجزء الثالث عشر صفحة ثلاثين وثلاثمائة وأما المكان المتقدم فى الجزء الرابع عشر ذاك ليس فى ترجمته أورد ذلك الكلام ضمن ترجمة غيره ذكر كلامه سهل ابن عبد الله التسترى فى ترجمة الحلاج وبين أنه مخذول وأنه خرج عن الهدى النبوى ولم يلتزم بكلام أئمتنا أيضا ويعنى نصحهم فذكر كلام سهل فيما يتعلق بذم الحلاج أورد هذا أن ذاك خرج عن طلب العلم النافع والعمل الصالح واتبع الرأى والضلال والبدع

فالأثر الأول ليس فى ترجمة سهل إنما هذا فى ترجمته كان هذا العبد الصالح سهل بن عبد الله التسترى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا يقول الجاهل ميت والناسى نائم عله يستيقظ والعاصى سكران والمصر هالك

الجاهل ميت وفى الجهل قبل الموت موت لأهله

الجاهل ميت والناسى نائم عله يستيقظ والعاصى سكران والمصر نعوذ بالله منه هالك ويل للمصرين

ص: 20

وقيل له كما فى هذا المكان فى ترجمته إلى متى نكتب العلم؟ إلى متى حديث النبى عليه الصلاة والسلام إلى متى؟ قال حتى تموت ويصب باقى الحبر فى قبرك،

المحبرة هذه والقلم لا تتركهما طرفة عين فاطلب العلم حتى تموت ثم يصب باقى الحبر فى القبر يعنى لازم هذا على الدوام

إخوتى الكرام هذه منزلة العلم كما قلت وهى باختصار لا أريد أن أفيض منها أكثر من هذا

نتقل بعد إلى مكانة الفقه ومنزلته وحقيقة لا يمكن أن أتكلم على هذا الأمر فى هذه الموعظة إنما أذكر مقدمة لذلك ومنزلة الفقه ومكانته فى دين الله عز وجل أتكلم عليها فى موعظة تامة فى الموعظة الآتية بعون الله وتوفيقه لكن كما يقال التمهيد لما سيأتى فى الغد بعون ربنا المجيد

إخوتى الكرام العلوم علوم الشرع المطهر علوم الدين خمسة أنواع كما قرر أئمتنا الأتقياء قرر هذا أئمتنا قاطبة انظروها مثلا فى رد المحتار على الدر المختار فى الجزء الأول صفحة تسع وسبعين وفى حاشية الإمام الطحطاوى فى الجزء صفحة اثنتين وسبعين ومائتين وكما قلت هذا كلام أئمتنا قاطبة مدار أمور الدين على خمسة أمور:

أولها العقائد وثانيها الأخلاق والآداب قال أئمتنا الفقهاء عندما بحثوا فى أمور الدين والأولان يعنى هذان العقائد والآداب ليسا مما نحن بصدده نحن لا نبحث فى كتب الفقه لا فى العقائد ولا فى الأخلاق والآداب المواعظ والرقائق هذه لها كتب خاصة فعندنا كتب التوحيد وعندنا كتب الرقائق الرقاق والمواعظ والأخلاق والآداب وعندنا بعد ذلك كتب الفقه فيها ثلاثة أمور من خمسة من أمور الدين:

ص: 21

العبادات وبها بدأ الفقهاء كما سيأتينا والحكمة من بدئهم بها والمعاملات والعقوبات أمور الدين تقوم على هذه الأمور الخمسة عقائد آداب عبادات معاملات عقوبات فنحن سنتدارس ضمن مدارستنا لعلم الفقه ثلاثة من خمسة العبادات والمعاملات والعقوبات وليس موضوع علم الفقه كما سيأتينا ما يتوهم بعض الجهال كما قال بعض الإخوة يعنى فى الموعظة الماضية وهذا الآن الفاشى بين الناس نتعلم علم الفقه لنعرف كيف نصلى!! يا عبد الله يا عبد الله اتق الله فى نفسك وإذا كنت تجهل قدر هذا العلم لا تتكلم بالجهل لكن صرنا فى زمن الجاهل هو الذى سيوجه طلبة العلم نتعلم الفقه لنعرف كيف نصلى لا يا عبد الله

العلم هذا علم الفقه يبحث فى جميع شئون الحياة فى أعمال المكلفين من أولها لآخرها فى عباداتهم ومعاملاتهم لا يخرج نوع من معاملاتهم مع بعضهم إلا وهى فى الفقه ثم بعد ذلك فى العقوبات وعليه بيع وشراء نكاح وطلاق حرب وسلم جهاد فى سبيل الله جل وعلا جزية بعد ذلك إمرة

يا إخوتى الكرام جميع أحكام الدين تدخل فى الفقه عندك العقائد هذه التى خرجت عن موضوع علم الفقه واضح هذا ولا نبحث نحن فيما يتعلق بأمر العقائد إلا من زاوية وهى من خرج هذا ماذا نعامله نضرب رقبته واضح هذا ضمن بحث المرتد أما بعد ذلك تفصيل العقائد هذا يؤخذ من كتب التوحيد هناك قضية مسلمة إن خرجت عنها تضرب الرقبة

(ومن بدل دينه فاقتلوه)

ص: 22

هذا إخوتى الكرام لا بد من وعيه يعنى جميع شئون الحياة يبحث فيها علم الفقه الذى سنتدارسه عبادات معاملات عقوبات من خرج عن هدى الشرع المطهر له عقوبة ولا بد لكن هذه العقوبة سيأتينا إما أن تكون محددة وإما أن تكون مطلقة وهى عقوبة التعزير أوسع الحدود على الإطلاق هذه إخوتى الكرام لا بد من وعيها فندرس علم الفقه لنعرف دين الله ولنعرف الحياة الإسلامية كيف تكون وكيف ينبغى أن نوجدها أن نسعى إليها وأما ما عندنا يعنى من علم الفقه إلا الصلاة نتعلم كيف نصلى وكيف نتطهر وتبقى الأمور هذه يعنى تترك وتهجر لا ثم لا لأن واقع الأمر هجرت من الحياة هجرت

فعندما تأتى فى المعاملات يأتيك مثلا الربا أوليس كذلك محرم ومن أكبر الكبائر وتبحث بعد ذلك فى ربا الفضل وربا النسيئة الآن عماد عماد المعاملات فى هذه الأوقات ومحاربة لرب الأرض والسماوات هذا لا بد إخوتى الكرام من وعيه لنتعلم كيف نصلى وكيف نتعامل نأكل الربا ليل نهار وإذا رأيناه لا تتمعر وجوهنا غضبا للعزيز القهار ثم نعرف كيف نصلى أى صلاة ستقبل منا إذا كنا نتعامل بالربا أو نرضى به أو لا ننكره ونحاربه يا إخوتى الكرام هذا لا بد من وعيه سيأتينا ضمن المعاملات فهذا لا بد من وعيه وضبطه كما قلت عندنا فى مبحث التعزير يا إخوتى هذا الحد الذى هو أوسع الحدود الإسلامية وهى عقوبة على كل معصية ليس فيها حد مقدر

يعنى من حلق لحيته يعذر هذا فى الشرع المطهر

من تصور يعذر من اقتنى صورة يعذر من علق صورة يعذر نعم لا يوجد لذلك حد مقدر يعنى أن تجلد مائة أو أربعين من هنا عندنا حد التعزير من سجن من جلد من من حسبما يرى ولى الأمر هذا إخوتى الكرام لا بد منه هذا كله عُطل

ص: 23

غناء من غنى يعذر سفيه وترد شهادته عندنا فى كتب الفقه عند مبحث العدالة وأتى بخارم للمروءة وبمفسق يسقط عدالته وترد شهادة المغنى والرقاص باتفاق أئمتنا الفقهاء هذا لا بد من وعيه لا يذهب يغنى ويرقص وجاء ليصلى قالوا ليتعلم الفقه ليعرف كيف يصلى لا يا عبد الله

لنتعلم الفقه لنرى الحياة الإسلامية والحياة الجاهلية

وستأتينا هذه الأبحاث إن شاء الله ضمن موضوعات الفقه بعون الله وتوفيقه فدين الله جل وعلا من أوله لآخره كما قلت يقوم على خمسة أمور ثلاثة منها هى موضوع علم الفقه ولذلك فهو أصل العلوم نعم بعد ذلك الآداب والتذكير والمواعظ حلواؤها حقيقة هذه يعنى بهجة للناس عندما تتحدث عن الرقائق الترغيب فى الخير والجنة والتخويف من النار حلواؤها ويعم نفعها أعظمها نفعا لكن لا بد من هذه الأمور وهى الأحكام العملية فى هذه الحياة الدنيوية عبادات معاملات حدود وعقوبات ثلاثة من خمسة هى موضوع علم الفقه

والفقه حقيقة يعنى له شأن عظيم كما قلت ثلاثة من خمسة من أمور الدين لكن هو كما قال أئمتنا دواؤه دواء الدين علم الفقه

يقول العبد الصالح يحيى ابن عمار وهو من العلماء الأبرار توفى سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة يحيى ابن عمار أبو زكريا شيخ سجستا انظروا ترجمته الطيبة فى السير فى الجزء الثانى عشر صفحة اثنتين وثمانين وأربعمائة وفى هذا المكان قوله الذى سأذكرها ونقله عنه شيخ الإسلام الإمام ابن تيمية فى مجموع الفتاوى فى الجزء العاشر صفحة خمس وأربعين ومائة وفى مجموع الفتاوى شىء من يعنى التصحيف والتحريف صححوا ما فى مجموع الفتاوى على ما فى سير أعلام النبلاء من كلام هذا العبد الصالح يحيى ابن عمار أبى زكريا شيخ سجستا كا يقول العلوم خمسة:

ص: 24

أولها يقول علم تحصل به حياة الدين وهو علم التوحيد حياة الدين وحقيقة لا يمكن للإنسان أن يخرج من الشرك والكفران إلا بتوحيد ذى الجلال والإكرام الحياة تحصل بلا إله إلا الله محمد رسول الله عليه الصلاة والسلام والإيمان حياة الدين علم التوحيد

يقول علم هو قوت الدين وهو علم الموعظة والتذكير الذى تقدم معنا يقول عنه الإمام يحيى حلواؤها هذه هى الحلوى هذا قوت وحقيقة القلوب لا بد لها من ترغيب وترهيب لأجل أن تندفع إلى الخير وتبتعد عن الشر

وعلم هو دواء الدين وهو علم الفقه وحقيقة إذا ما تعلمه الإنسان سيكون عليلا وتوحيده ماذا بعد ذلك حياة لكن حياة هزيلة نعم إذا وحد الله وبعد ذلك فرط فى شىء من العبادة أو المعاملة أو ارتكب محرم الله ما كفر لكن الصحة تامة؟ صحة الدين ناقصة

هذا مثل إنسان يعنى حى لكن تطعمه كل يوم نصف تمرة وتحضر له نصف كأس من الماء يشرب لا يموت لكن كما قال جلدة وعظمة ونحيف شاحب اللون لو نفخت عليه لسقط ما مات لكن هذه ليست صحة وليست قوة وليست عافية وهنا عندك حياة ما عندك صحة تداوى بها نفسك من أجل أن تطرد الأسقام

إذا حياة الدين قوت الدين دواء الدين

والرابع نعوذ بالله منه داء الدين وهذا ينبغى أن نحذره حقيقة يقول ذكر أخبار ما جرى من منازعات بين سلفنا الكرام رضوا الله عليهم أجمعين ما جرى بين العلماء أحيانا من يعنى شىء من الكلام فى بعضهم ما جرى من السلف من خلاف مع بعضهم ذكر هذا داء الدين

والخامس وهو شرها أيضا علم إذا حصله الإنسان أهلك به دينه هلاك الدين وهو علم الكلام والفلسفة

هذه علوم خمسة انتبه لها حياة الدين قوت الدين دواء الدين داء الدين هلاك الدين فنحن إذا عندنا أصل الدين ودواء الدين وثلاثة من أمور خمسة يقوم عليها دين رب العالمين سندرسها كما قلت فى علم الفقه بعون الله وتوفيقه

ص: 25

يقول الإمام ابن الجوزى عليه على أئمتنا رحمة ربنا فى كتابه لفتة الكبد إلى نصيحة الولد وكتبها لولده فى صفحة خمس وأربعين (الفقه أصل العلوم والتذكير حلواؤها وأعمها نفعا)

وإذا فقد الإنسان هذا الأصل فاستمعوا لما سيقع له من مثال واحد سأذكره أختم الموعظة به بعون الله وتوفيقه

يقول الإمام ابن الجوزى فى صيد الخاطر صفحة اثنتين وسبعين ومائتين من أخبار شيخه الذى تلقى عنه وهو أبو محمد عبد الله بن أحمد الخشاب توفى سنة سبع وستين وخمسمائة للهجرة انظروا ترجمته فى المنتظم فى الجزء العاشر صفحة ثمان وسبعين ومائتين وفى السير فى الجزء العشرين صفحة ثلاث وعشرين وخمسمائة وفى الذيل على طبقات الحنابلة فهو من أئمة الحنابلة لكنه مزجى البضاعة فى الفقه يعنى هو من أتباع المذهب لكن بضاعته فى الفقه كاسدة كاسدة كاسدة كما ستسمعون حسب نقل تلميذه المبارك الميمون فى الذيل على طبقات الحنابلة فى الجزء الأول صفحة ست عشرة يقول عنه الإمام ابن الجوزى تلميذه سمع الحديث الكثير وقرأ منه ما لا يحصى وقرأ النحو واللغة العربية وانتهى إليه علمهما بل نعته الذهبى فى السير قال كان يضرب به المثل فى العربية والنحو ويقال هو فارسى زمانه يعنى أبى على الفارسى وكأبى على الفارسى

هذا العبد مع مكانته سأل عن حكم رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام عند الركوع والرفع من الركوع ما حكم رفع اليدين فقال ركن من تركه بطلت صلاته قال الإمام ابن الجوزى ما دهُش الحافظون من قلة فقهه رفع اليدين ركن

حقيقة يعنى ليس الفقه صناعته قرأ الحديث الكثير ومهر فى اللغة والنحو وصار إليه المنتهى فيهما لكنه مزجى البضاعة فى الفقه

وصل به الأمر أن يقول رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام ركن وهذا من المستحبات إخوتى الكرام ولو كبر ولم يرفع يديه فصلاته صحيحة ولعل كثيرا من العامة يرى هذا يعنى لعله لا يرى صحة الصلاة إذا لم يرفع يديه لأنه يرى الرفع فيظن أن هذا ركن

ص: 26

ولا بد إخوتى الكرام تمييز يعنى أفعال الصلاة عن بعضها ما هو ركن وما هو سنة ومستحب يأتينا كما قلت بيان منزلة علم الفقه وشأنه فى الموعظة الآتية بعون الله وتوفيقه

اللهم صل على نبينا محمد وعلى حميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليما كثيرا

اللهم أنا نسألك من كل خير أحاط به علمك فى الدنيا والآخرة ونعوذ بك من كل شر أحاط به علمك فى الدنيا والآخرة

اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا اللهم ارحمهم كما ربيانا صغارا

اللهم اغفر لمشايخنا ولمن علمنا وتعلم منا اللهم أحسن إلى من أحسن إلينا اللهم اغفر لمن وقف هذا المكان المبارك

اللهم اغفر لمن عبد الله فيه واغفر لجيرانه من المسلمين اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات

وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليما كثيرا والحمد لله رب العالمين

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إخوتى الكرام يسأل أخ كريم عن الأبيات المنسوبة إلى سيدنا على رضى الله عنه وأرضاه والتى قد ذكرتها آنفا

الناس من جهة التمثال أكفاء أبوهم آدم والأم حواء

هذه الأبيات منسوبة إلى سيدنا على رضى الله عنه وأرضاه بغير إسناد وقد ذكرت فى كتب الوعظ والإرشاد والآداب ولا يستبعد صدورها عن الفصيح المنطيق الحكيم البليغ رابع الخلفاء الراشدين عليهم جميعا رضوان رب العالمين وهذه الأبيات كما قلت إخوتى الكرام ذكرت فى إحياء علوم الدين وفى شرح الإحياء اتحاف السادة المتقين للإمام الزبيدى وقد أطال الإمام الزبيدى الكلام عليها وعلى وصف سيدنا على رضى الله عنه وأرضاه بالشاعرية انظروا كلامه فى ذلك فى اتحاف السادة المتقين فى الجزء الأول صفحة ثمان وثمانين وانظروه أيضا فى تاج العروس فى شرح القاموس للإمام الزبيدى أيضا فى الجزء السابع صفحة خمس وثمانين

ص: 27

نعم إن سيدنا عليا رضى الله عنه وأرضاه شاعر شاعر وقد قال الإمام الشعبى عليه رحمة الله كما فى الإستيعاب للإمام ابن عبد البر على هامش كتاب الإصابة فى الجزء الثالث صفحة ثلاثين ومائة قال الإمام الشعبى عليه رحمة الله كان سيدنا أبو بكر شاعرا وكان سيدنا عمر رضه الله عنهم أجمعين شاعرا وكان سيدنا على رضى الله عنه وأرضاه أشعر الثلاثة

إخوتى الكرام إن الأبيات المتقدمة ذكرها الإمام ابن عبد البر عليه رحمة الله فى جامع بيان العلم وفضله فى الجزء الأول صفحة ثمان وأربعين ويوجد اختلاف بينها وبين ما هو فى إحياء علوم الدين وشرحه اتحاف السادة المتقين والمعنى واحد فى الجميع

قال الإمام ابن عبد البر رضى الله عنه وأرضاه فى جامع بيان العلم وفضله كما ذكرت فى الجزء الأول صفحة ثمان وأربعين وينسب إلى سيدنا على رضى الله عنه وأرضاه من قوله وهو مشهور من شعره سمعت غير واحد ينشده له

الناس فى جهة التمثيل أكفاء أبوهم آدم والأم حواء

نفس كنفس وأرواح مشاكلة وأعظم خلقت فيهم وأعضاء

فإن يكن لهم من أصلهم حسب يفاخرون به فالطين والماء

ما الفضل إلا لأهل العلم إنهم على الهدى لمن استهدى أدلاء

وقدر كل امرىء ما كان يحسنه وللرجال على الأفعال أسماء

وضد كل امرىء ما كان يجهله والجاهلون لأهل العلم أعداء

هذا فيما يتعلق بالأبيات المنسوبة إلى سيدنا على رضى الله عنه وأرضاه

وأما فيما يتعلق بيت الشعر المنسوب إلى الإمام أبى الفضل العباس ابن محمد الخرسانى عليع وعلى أئمتنا رحمة ربنا فهو كما قلت أيضا فى شرف أصحاب الحديث فى صفحة واحدة وسبعين وهو ضمن ثلاثة أبيات حكيمة محكمة يقول فيها عليه رحمة الله

رحلت أطلب أصل العلم مجتهدا وزينة المرء فى الدنيا الأحاديث

لا يطلب العلم إلا باذل ذكر وليس يبغضه إلا المخانيس

لا تعجبن بمال سوف تتركه فإنما هذه الدنيا مواريث

ص: 28

ولفظ الذكور وهكذا لفظ الرجولة يراد بكل منهما كما قلت التمام والكمال والشهامة والمروءة والفضل فلا يطلب العلم إلا من كان كاملا شهما فاضلا

نسأل الله أن يعلمنا ما ينفعنا وأن يفقهنا فى ديننا وأن ينفعنا بما علمنا وأن يجعل علمنا حجة لنا لا علينا أنه ولينا وحسبنا

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين

والحمد لله رب العالمين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ص: 29