الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصلاة كما أرادها الله
(من خطب الجمعة)
للشيخ الدكتور
عبد الرحيم الطحان
بسم الله الرحمن الرحيم
الصلاة كما أرادها الله
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونؤمن به ونتوكل عليه ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا.
الحمد لله رب العالمين شرع لنا دينا قويما وهدانا صراطا مستقيما وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة وهو اللطيف الخبير.
اللهم لك الحمد كله ولك الملك كله وبيدك الخير كله وإليك يرجع الأمر كله أنت الطيبين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين وخالق الخلق أجمعين ورازقهم (فما من دابة في الأرض إلا علي الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين) .
وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله أرسله الله رحمة للعالمين فشرح به الصدور وأنار به العقول وفتح به أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا فجزاه الله عنا أفضل ما جزى به نبيا عن أمته ورضي الله عن أصحابه الطيبين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
(1) سورة فاطر: 3
(2)
) ) سورة النساء: 1
(3)
) ) آل عمران: 102
أما بعد: معشر الإخوة المؤمنين..
أشرف البقاع وأحبها إلي رب الأرض والسماء المساجد فهي بيوت الله فيها نوره وهداه وهي محل عباد الله المهتدين وقد نعت الذين يعمرونها بأنهم رجال ووصفهم بأربع خصال: فهم لا تلهيهم الدنيا وهم يعظمون الله جل وعلا فيذكرونه ويصلون له ويشفقون علي عباد الله ويحسنون إليهم ويتصدقون عليهم وهم يستعدون ليوم المعاد للقاء رب العباد {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ لَاّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ القُلُوبُ وَالأَبْصَارُ} (2) .
إخوتى الكرام: كنا نتدارس الصفة الثانية أنهم يذكرون الله ويقيمون الصلاة وقد تقدم معنا ما يتعلق ببيان معنى الإقامة ولفظ الصلاة، وباختصار إقامة الصلاة يراد بها توفية الصلاة حقها علما وعملا فإقامة الشيء حقه عملا وعلما والصلاة هي الأقوال والأفعال المفتتحة بالتكبير والمختتمة بالتسليم بشرائط مخصوصة.
(1)) ) سورة الأحزاب 70، 71
(2)
سورة النور: 36، 37
عباد الله إذا أقام الإنسان الصلاة كما أراد الله جل وعلا هنيئا له ينال رضوان الله وله عهد عند الله أن يغفر له إذا أقام الصلاة وفاها حقها علما وعملا ثبت في مسند الإمام أحمد وسنن أبي داود والنسائي والحد يث رواه الإمام مالك في الموطأ وابن حبان في صحيحه ورواه البيهقي في السنن الكبرى وأبو داود الطيالسي في مسنده وهو حديث صحيح،صحيح إسناده كالشمس عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال أشهد أنني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:(خمس صلوات افترضهن الله من أحسن وضوءهن وصلاهن لوقتهن وأتم ركوعهن وسجودهن وخشوعهن كان له عند الله عهد أن يغفر له ومن لم يفعل فليس له عند الله عهد إن شاء عذبه وإن شاء غفر له) .
إذاً لابد من إقامة الصلاة أن تحسن وضوءها وأن تصليها في وقتها وأن تتمها بركوعها وسجودها وخشوعها فإذا حصل منك ما يريده الله من هذه الصلاة فقد نلت هذه الجائزة وهذا العهد عند الله جل وعلا فهو أن يغفر لك فهو خير الغافرين وهو أرحم الراحمين. لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة.
فالمطلوب من الصلاة إقامتها توفيتها علما وعملا ثبت في الصحيحين والحديث في مسند الإمام أحمد وسنن أبي داود والنسائي عن أمير المؤمنين ذي النورين عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه أنه دعي بوضوء فتوضأ ثم قال: رأت النبي صلي الله عليه وسلم توضأ وضوئي ثم قال النبي صلي الله عليه وسلم: (من توضأ مثل وضوئي ثم قام فصلي ركعتين لا يحدث فيهما نفسه بشيء غفر له ما تقدم له من ذ نبه) .
فقد أقام الصلاة أحسن الوضوء وصلي صلاة خالصة لله ما شغله منها مشاغل جزاؤه أن يغفر الله له ما تقدم من ذنبه وإذا صلي الإنسان وما أقام الصلاة ما وفي الصلاة حقها علما وعملا فالويل له ثم الويل له إنه سارق لكنه أشنع الشراك وأخبث السارقين عند رب العالمين فإذا سرق الإنسان متاع غيره فهذا منقصة وذلك كبيرة والسارق ملعون فكيف من يسرق من صلاته التي هي عبادة لله خالصة للحي القيوم وقد وضح نبينا صلي الله عليه وسلم هذا وبين لنا أن من صلي دون إقامة للصلاة أي دون توفية الصلاة حقها علما وعملا فهو سارق ثبت الحديث بذلك في معجم الطبراني الكبير والحديث رواه ابن خزيمة في صحيحه والحاكم في مستدركه وصححه وأقره عليه الذهبي وهو صحيح. صحيح من رواية أبي قتادة الأنصاري قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: (أسوأ الناس سرقة الذي يسرق من صلاته) والحديث ثابت عن نبينا عليه الصلاة والسلام وروي عن جمع من الصحابة الكرام رواه ابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه والطبراني في المعجم الكبير والأوسط والإمام الدارمي عن أبي هريرة رضي الله عنه.
أيضا رواه الإمام أحمد في المسند وأبو يعلى في مسنده عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وأرضاه ورواه الإمام مالك عن معاذ بن مرة ورواه الطبراني في معاجمه الثلاثة بإسناد جيد عن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: (أسرق السارقين من يسرق من صلاته) أشنع السارقين وأخبثهم من يسرق من صلاته التي هي عبادة لله جل وعلا.
المطلوب منا نحو الصلاة أن نقيمها ليحصل بعد ذلك فائدتها في الدنيا والآخرة {وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} (1) .
(1) العنكبوت: 45
إخوتي الكرام: ولإقامة الصلاة كلام طويل، طويل لا يمكن أن أتكلم عليه علي وجه التفصيل في هذه الموعظة المختصرة المباركة إنما أتكلم عن أربعة أمور هي معاقد ومجامع إقامة الصلاة وأما تفصيل ما يتعلق بالصلاة مفتاحها وهو الطهور إلي تحريمها وهو التكبير إلي تحليلها وهو التسليم وما يكون بين ذلك فلعلنا نتدارس هذا ونعود إليه بعد تفسير هذه الآية الكريمة التي نعت الله فيها الرجال الذين يعمرون بيوته في هذه الحياة بأربع خصال بعد الكلام عليها نعود إن شاء الله إلي مدارسة ما يتعلق بالصلاة من مفتاحها إلي تحليلها.
إخوتي الكرام: لكي يحقق الإنسان إقامة الصلاة كما يريد ذو الجلال والإكرام ينبغي أن يعتني هذه الأمور الأربعة.
أولها: أن يؤدي الصلاة في وقتها {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتا} (1) فرضا مؤقتا ينبغي أن تؤدي كل صلاة في وقتها فلله حق في الليل لا يقبله في النهار ولله حق في النهار لا يقبله في الليل.
ونفذ ما أمرك الله كما يحب الله وكما بين الله سبحانه وتعالى فهذه الصلوات ينبغي أن تؤدى في الأوقات التي حددها لنا خير البريات عليه صلوات الله وسلامه وإذا أردت أن تنال القبول عند رب الأرض والسماوات فبادر إلي أداء الصلاة في أول الأوقات فهذا أحب شيء إلي رب الأرض والسماوات.
ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: سألت النبي صلي الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله: أي العمل أحب إلي الله عز وجل قال: الصلاة علي وقتها قلت ثم أي قال بر الوالدين قلت ثم أي قال الجهاد في سبيل الله. يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه حدثني بهن رسول الله صلي الله عليه وسلم ولو استزدته لزادني أعظم حقوق الله عليك بعد توحيده الصلاة وأحب شيء إلي الله تفعله في هذه الصلاة أن تؤدي الصلاة في أول وقتها.
(1) النساء:103
ولذلك ثبت في سنن الترمذي وسنن أبي داود من حديث أم ثروة وهي أخت أبي بكر الصديق رضي الله عنه وعنها وعن سائر الصحابة الكرام وهي أخته من أبيه أنها قالت سألت النبي صلي الله عليه وسلم عن أحب الأعمال إلي الله فقال: أحب الأعمال إلي الله الصلاة في أول وقتها فحافظ علي هذا الأمر أعني الصلاة في وقتها وبادر إلي ذلك وإياك،إياك أن تؤخر الصلاة إلي آخر الوقت أو إلي خروج الوقت فهذا مضيعة للصلاة فالله عز وجل بعد أن ذكر المنعم عليهم من عباده المخلصين في سورة مريم:{فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَياًّ} (1) .
ويقول ربنا العظيم في سورة الماعون: {فَوَيْلٌ لِّلْمُصلينَ * الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} (2) وإضاعة الصلاة والسهو عنها شامل لأمور ثلاثة كما حقق أئمتنا المفسرين وفي مقدمتهم الإمام المبارك ابن كثير في تفسيره عليه وعلي أئمتنا جميعا رحمات رب العالمين.
إضاعة الصلاة والسهو عنها شامل بالترك عنها كلية وشامل لتأخيرها إلي آخر الوقت وشامل لعدم إيقاعها علي الوجه المطلوب فإذا صليتها في أول الوقت دون خشوع وإتمام لها فقد ضيعتها وقد سهوت فيها وعنها أي عن فعلها علي وجه التمام والكمال تضيع الصلاة والسهو عنها شامل في هذه الأمور الثلاثة.
(1)) ) سورة مريم: 59
(2)
) ) سورة الماعون: 4، 5
وقد ثبت في أصح الكتب بعد كتاب الله جل وعلا في صحيح البخاري في كتاب مواقيت الصلاة بابا يشير إلي هذا فقال باب تضييع ساق بسنده المتصل أصح إسناد عن الإمام الزهري أنه دخل علي أنس بن مالك رضي الله عنه يشكو الحجاج إلي عبد الملك بن مروان يقول دخلنا علي أنس بن مالك وهو يبكي فقلت له ما يبكيك يا أبا حمزة فقال: لا أعلم شيئا مما كان علي عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم إلا قد ضيع إلا هذه الصلاة وهذه الصلاة عملتم فيها ما عملتم أي من التأخير عن وقتها والحجاج يؤخر الصلاة إلي آخر وقتها وكان هو الذي يؤم المسلمين فذهب أنس بن مالك إلي بلاد الشام من البصرة يشكو الحجاج ويخبر الخليفة عبد الملك بن مروان بأن الحجاج غير سنة النبي صلي الله عليه وسلم وأضاع الصلاة وفي رواية الترمذي أنه قال ـ أي أنس بن مالك رضي الله عنه ما أعلم شيئا مما نحن عليه علي عهد النبي صلي الله عليه وسلم إلا وقد ضيع فقال له أبو عمران الجوني وهذه الصلاة أي نحن نصلي فكيف نقول كل شيء قد ضيع منا أليس قد عملتم فيها ما عملتم أي من تأخيرها عن وقتها التي هي أحب الأوقات إلي الله جل وعلا أخرتم الصلاة عن أول الوقت أليس قد عملتم فيها ما عملتم إذا تضييع الصلاة والسهو عنها شامل لهذه الأمور الثلاثة لتركها بالكلية كتأخيرها إلي آخر الوقت لعدم إيقاعها علي الوجه المطلوب فكل من حصل صفة من هذه الصفات فله من الذم بمقدار الصفة التي فيه.
فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَياًّ} (1) ، {فَوَيْلٌ لِّلْمُصلينَ * الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} (2) .
(1)) ) سورة مريم: 59
(2)
) ) سورة الماعون: 4، 5
وقد أخبرنا نبينا صلي الله عليه وسلم أن من أخر الصلاة حتى خرج وقتها فقد حبط عمله ثبت الحديث بذلك في مسند الإمام أحمد وصحيح البخاري والحديث رواه الإمام النسائي وابن ماجه من حديث بريدة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم (من ترك صلاة العصر حبط عمله) والمراد من الترك أن يؤخرها حتى يخرج وقتها.
كما ثبت هذا في بعض روايات الحديث أن النبي صلي الله عليه وسلم قال (بكروا بالصلاة في يوم الغيم فإنه من فاتته صلاة العصر فقد حبط عمله) أي يوم الغيم لا تظهر الشمس فقد تغرب وأنت تظن أن النهار باق ولذلك باكروا بالصلاة لئلا تغرب الشمس عنه فاتته صلاة العصر.
وقد ثبت في الكتب الستة إلا صحيح البخاري وسنن ابن ماجه فهو في صحيح مسلم والكتب الثلاثة من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلي عليه وسلم يقول: (تلك صلاة المنافقين، وفي بعض روايات الحديث تلك صلاة المنافقين يجلس يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني شيطان حتى إذا كانت صفراء قام فنقر أربعا حتى لا يذكر الله فيهن إلا قليلا فهي صلاة المنافق سبحان الله يصلي وهو منافق يصلي والويل له نعم ما أقام الصلاة ليس المقصود من الصلاة تأديتها إنما المقصود من الصلاة إقامتها وتقدم معنا أن لفظ الإقامة توفية الشيء علما وعملا ولذلك قال سفيان هذه الآية في سورة المائدة: {قُلْ يَا أَهْلَ الكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ} (1) هي أشد آية في القرآن أخوف آية في القرآن ليسوا علي شيء ولا وزن لهم عند الرحمن وإذا ما وفوا ما أنزل الله إليهم حقه علما وعملا.
(1)) ) سورة المائدة: 68
وهكذا يا أمة محمد على نبينا وعلى أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه لستم على شيء حتى تقيموا القرآن وسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم توفوا هذين الشيئين علما وعملا عباد الله فلابد من المحافظة على الصلاة في وقتها ليتحقق فيك شيء من إقامة الصلاة ولا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة.
وأخبرنا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أن الذي تفوته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله ثبت الحديث في المسند والصحيحين والسنن الأربعة والحديث رواه الإمام مالك في الموطأ والدارمي في المسند ورواه ابن خزيمة في صحيحه وهو في أعلى درجات الصحة من حديث ابن عمر رضي الله عنهم أجمعين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الذي تفوته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله الوتر هو النقص والضياع أي كأنما أضاع أهله وماله أو ضاع منه أهله وماله الذي تفوته صلاة العصر فكأنما وتر من فاتته صلاة العصر إذا أضاع الصلاة حتى خرج وقتها هذا حاله وتلك عقوبته فلابد من المحافظة على وقت الصلاة.
والأمر الثاني الذي ينبغي أن نحافظ عليه يتحقق فينا أيضا شيء من إقامة الصلاة حضور القلب عند مناجاة الرب في هذه الصلاة فينبغي أن تتأمل فيما تقرأ فيما تذكر وأن يحضر قلبك وأن لا يشرد ذهنك والله جل وعلا أخبرنا أن المؤمنين فازوا بالرضوان العظيم والنعيم المقيم لصفات كريمة فيهم أولها يخشعون في صلاتهم {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} (1) وإنما قدم هذه الصفة لأنها أصل لما عداها فإذا خشعت في صلاتك واستقامت صلاتك استقامت سائر أعمالك وإذا فسدت الصلاة فبقية الأعمال أفسد وأشنع.
(1)) ) سورة المؤمنون: 1-2
{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} (1) وقد أخبرنا النبي صلي الله عليه وسلم أن الإنسان إذا خشع في صلاته يتلذذ بها فتصبح هذه الصلاة قرة عين له ثبت في المسند والسنن والحديث رواه الإمام البيهقي في السنن والحاكم في المستدرك وقال: (صحيح على شرط مسلم وأقره الذهبي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: حبب إلي من دنياكم الطيب والنساء وجعلت قرة عيني في الصلاة) .
وهذا الحديث يرويه الكثير من الوعاظ بلفظ حبب إلي من دنياكم ثلاث وهذه الزيادة باطلة لم تثبت عن رسول الله صلي الله عليه وسلم ومع بطلانها وعدم ثبوتها هي مفسدة للمعنى فمناجاة الله عز وجل وذكره والأنس بمناجاته وحلاوة عبادته ليست من أمور الدنيا حبب ألي من الدنيا الطيب فهو غذاء للعقل والنساء ففي ذلك راحة للعقل والجسم ونشاط وصحة للبدن وإخراج ذرية تعبد رب البرية توحد الله وتجاهد في سبيله ولكن اللذة العظمى وجعلت قرة عيني في الصلاة نعم من خشع في صلاته كانت الصلاة قرة عين له.
(1)) ) سورة المؤمنون: 1-2
وقد أخبرنا الصحابة الكرام عن حال نبينا صلي الله عليه وسلم عندما كان يصلي ويناجي الرحمن أن قلبه وصدره كان يخفق من خشية الرحمن وخشوعه في صلاته عند مناجاته ربه جل وعلا ثبت في الحديث في ذلك في مسند الإمام أحمد وسنن أبي داود والحديث رواه الإمام الترمذي في الشمائل النبوية على نبينا محمد صلوات الله وسلامه ورواه أعني الحديث الإمام النسائي في السنن أيضا وهو في صحيح ابن حبان والسنن الكبرى للإمام البيهقي عن عبد الله بن الشخير رضي الله عنه قال أتيت النبي صلي الله عليه وسلم وهو يصلي فسمعت لصدره أزيزا كأزيز المرجل من البكاء أي كأزيز القدر الذي عليه الماء يغلي ويفور فكان قلب النبي صلي الله عليه وسلم يخفق في صدره فيظهر هذا الصوت منه صلوات الله عليه وسلامه فسمعت لصوته أزيزا كأزيز المرجل.
وفي بعض روايات أبي داود وصحيح ابن حبان فسمعت لصدره صوتا كصوت الرحى أي كصوت الطاحون عندما تدور وتطحن البر هذا حال نبينا صلي الله عليه وسلم عندما يتلذذ بمناجاة الله وعى هذا درج الصحابة الكرام والتابعون لهم بإحسان ولن يزال هذا الوصف في عباد الرحمن إلى لقاء ذي الجلال والإكرام.
قيل للعبد الصالح عامر بن عبد قيس وهو من أئمة التابعين أدرك الصحابة الطيبين رضوان الله عليهم أجمعين قيل له إذا قمت تصلي هل تحدث نفسك في صلاتك تكلمها تبحث معها تفكر في شيء فقال أو شيء أحسن من الصلاة حتى أحدث نفسي به يوجد أحلى من الصلاة ومن مناجاة الله حتى أحدث نفسي به فقالوا إنا نحدث أنفسنا في صلاتنا قال بأي شيء يذكر الجنة والنار والحور والولدان إذا قمتم إلى الصلاة تحدثون أنفسكم بما يكون في الآخرة قالوا لا بالأهل والأولاد والأموال نحدثها بأمر الدنيا قال سبحان الله أو يفعل ذلك مسلم يقع هذا في قلبه والله لأن تختلف الأسنة في صدري أحب إلي من أن تحدث نفسي بشيء من ذلك مسلم يفعل هذا بين يدي الله والله جل وعلا ينظر لي قلوبنا وهي في كل واد تهيم نصلي صلاة لو قدمت لزبال لردها علينا وما قبلها فكيف بذي العزة والجلال من تكبيرة الإحرام إلي الإنتهاء منها بالسلام لا يعقل منها شيئا أي صلاة صليتها أي صلاة فعلتها.
إخوتي الكرام: الذي حصل أن النبي صلي الله عليه وسلم قد أخبرنا أول ما سيرفع من هذه الأمة الخشوع وهذا الذي حصل ونسأل الله أن يلطف بأحوالنا وأن يذيقنا حلاوة مناجاته إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين ثبت في معجم الطبراني الكبير بسند حسن كما قال الهيثمي في المجمع والمنذري في الترغيب والترهيب عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: (أول ما يرفع من هذه الأمة الخشوع فلا ترى فيها أحدا خاشعا) نعوذ بالله من هذا.
والحديث إخوتي الكرام مرفوع في هذه الرواية وروي عن صحابيين اثنين موقوف عليهما روي عن عبادة بن الصامت وعن شداد بن أوس رضي الله عنهم أجمعين أما حديث عبادة فهو في آخر حديث أبي الدرداء الثابت في المسند وسنن الترمذي وابن ماجه ومستدرك الحاكم والحديث صحيح صححه الحاكم ووافقه عليه الذهبي عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: كنا جلوسا مع النبي صلي الله عليه وسلم فشخص ببصره ألي السماء ثم قال هذا أوان يختلس فيه العلم أي يضيع العلم ويذهب فقال زياد بن لبيد الأنصاري رضي الله عنه كيف يختلس العلم يا رسول الله وقد قرأنا القرآن وأقرأناه أولادنا ونساءنا والله لنقرأن القرآن ولنقرأن أولادنا ونساءنا فقال النبي صلي الله عليه وسلم: ثكلتك أمك يا زياد كنت أعدك من أفقه أهل المدينة هذه التوراة والإنجيل عند أهل الكتاب فما أغنت عنهم أي إذا ذهب الخشوع من القلب وذهب تعظيم الرب من صدر الإنسان فما ينفعه إذا قرأ القرآن أو حفظ حديث النبي صلي الله عليه وسلم هذه التوراة والإنجيل عند أهل الكتاب فما أغنت عنهم نعم إذا فقد الخشوع حرف الإنسان الكلم عن مواضعه ويشتري بآيات الله ثمنا قليلا ويتأول ويترخص ويخرج من دين الله وهو يظن أنه يعبد الله قال جبير بن نفير لما سمع هذا الحديث من أبي الدرداء فذهب إلى عبادة بن الصامت رضي الله عنه فقلت ألا تسمع ما يحدث به أخوك أبو الدرداء رضي الله عنهم أجمعين قال وما ذاك فحدثه بهذا الحديث قال صدق أبو الدرداء ألا أخبرك بأول شيء يرفع من هذه الأمة أول ما يرفع من هذه الأمة الخشوع حتى أنك لتدخل المسجد الجامع فلا ترى فيه رجلا خاشعا نعوذ بالله من هذا والحديث إسناده صحيح وفي هذه الرواية موقوفا على عبادة بن الصامت وله حكم الرفع وروي عن شداد بن أوس أيضا أخرج الحديث عنه من رواية عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه وأرضاه الإمام الطبراني في معجمه الكبير والإمام البزار وابن خزيمة في صحيحه رضي الله عنهم وساق
عوف بن مالك الأشجعي الحديث كنحو رواية أبي الدرداء قال جبير بن نفير فذهب به إلى شداد وقلت ألا تسمع ما يحدث به أخوك عوف بن مالك وهناك ذهب إلى عبادة قال صدق عوف بن مالك أول ما يرفع من هذه الأمة الخشوع نعم سيأتي على الناس زمان كما ثبت في مستدرك الحاكم بسند صحيح عن عبد الله بن عمرو بن العاص موقوفا عليه وله حكم الرفع إلى نبينا صلي الله عليه وسلم سيأتي على الناس زمانا يجتمعون فيه في المسجد ليس فيه مؤمن يؤذنون ويصلون وليس فيهم من يؤمن بالحي القيوم) .
والحديث ثابت في المستدرك بسند صحيح كالشمس أول ما يرفع من هذه الأمة الخشوع حتى إنك لتدخل المسجد الجامع فلا ترى فيه رجلا خاشعا هذا أول ما يرفع من هذه الأمة إخوتي الكرام ولا يتعارض هذا الأثر مع الأثر المصرح فيه بأن أول ما يرفع في هذه الأمة وينقض من أحكام الإسلام الحكم بما أنزل الله وفساد جهاز الحكم لا تعارض بين الأمرين وقد أشار نبينا صلي الله عليه وسلم إلى الأمر الثاني أذكر دليله وأقرره ثم أجمع بين الأمرين إن شاء الله.
أخرج الإمام أحمد في المسند والحديث في معجم الطبراني وصحيح ابن حبان من رواية أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه وأخرجه الإمام أحمد في المسند عن فيروز الديلمي ورواية أبي أمامة في درجة الحسن عن نبينا صلي الله عليه وسلم أنه قال لتنقضن عرى الإسلام عروة،عروة فأولها نقضا الحكم وآخرها الصلاة أول ما ينقض من حيث الظاهر الحكم وآخر ما يبقى من شعائر الإسلام الصلاة لكن ليصلين أقوام ولا دين لهم فأول ما رفع الخشوع وهذا أمر بين العبد وربه لا يطلع عليه إلا الله وما فساد الحكم إلا من ضياع هيبة الرب من القلب عندما لم يخشع الناس في صلاتهم ولم يعظموا الهيبة لربهم جل وعلا وأفسدوا الصلة بينهم وبين ربهم سلط عليهم الفاسدين {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} (1) فأول ما يرفع الخشوع وهذا أمر باطني وأما هذه الصلاة أي التي هي شعيرة ظاهرة بحركات واضحة معلومة مرئية تبقى وهي آخر شعائر الإسلام بقاءاََ أما الحكم فسيضيع بعد الخشوع لكن فساد الحكم واضح ظاهر للعيان ولذلك أولها نقضاََ أي من حيث الظاهر وأما من حيث الواقع أول ما يفقد في هذه الأمة الخشوع وأنك لا ترى في المسجد خاشعا وكون الحاكم سيفسد والأمانة ستضيع.
(1)) ) سورة الرعد: 11
ثبت هذا في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم كان يحدث أصحابه فقام رجل فقال يا رسول الله متى الساعة فمضى في حديثه سمع ما قال فكره ما قاله وقال بعضهم بل لم يسمع فلما انتهى النبي صلي الله عليه وسلم من حديثه قال أين السائل عن الساعة قال ها أنا ذا يا رسول الله صلي الله عليه وسلم قال إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة قال وما إضاعتها يا رسول الله قال إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة حقيقة الأوضاع العامة ستخل وما اختلت الأوضاع العامة إلا بعد فساد القلوب وخرابها إلا بعد ظلمها وعشش الشيطان فيها فلما ضاعت هيبة الرب من القلب سلط الله من يسومهم سوء العذاب من يعاقبهم لعلهم يرجعون فسد الحكم بعد أن فسد الناس الصلة بينهم وبين أحكم الحاكمين بين رب العالمين سبحانه وتعالى.
إخوتي الكرام..
لابد من الأمر الثاني ألا وهو حضور القلب بين يدي الله عز وجل صلاة في وقتها مع حضور القلب ومناجاة الله فيها الأمر الثالث الذي ينبغي به الإنسان في صلاته ليتحقق فيه وصف إقامة الصلاة إذا خشع قلبك فينبغي أن تخشع جوارحك وأن يسكن بدنك وأن لا تتحرك خلال صلاتك واضبط عينيك واضبط سائر جوارحك واضبط فمك أتدري بين يدي من أنت،أنت بين يدي رب العالمين بين يدي أحكم الحاكمين بين يدي الإله العظيم الذي إذا أراد شيئا فإنما يقول له كن فيكون أنت بين يدي من لو عذب الخليقة بأسرهم لما اعترض عليه معترض ولا منعه مانع اعلم أنت بين يدي من بين يدي الجبار بين يدي العزيز القهار فتأدب إذا كان الناس يتأدبون في مناجاة الملوك والأمراء فتأدب عند مناجاة رب الأرض والسماء حذار من حركة اليد والرجل أو نظرة عين كل هذا نهينا عنه وإذا لم يخشع الظاهر فسلام، سلام على خشوع الباطن إن خشوع الظاهر لعله يدل على خشوع الباطن أما عدم خشوع الظاهر فهذا دليل قوي على عدم خشوع الباطن حركات في الصلاة هذه ما كانت أن تفعل.
ثبت في صحيح البخاري والحديث رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه والحديث ثبت في صحيح مسلم من رواية أبي هريرة ومن رواية جابر بن سمرة رضي الله عنهم أجمعين وروي عن عدة من الصحابة الكرام عن أبي سعيد الخدري وابن عمر وهو حديث صحيح،صحيح في أعلى درجات الصحة ولفظ الحديث عن نبينا صلي الله عليه وسلم أنه قال: ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم لينتهين عن ذلك أو لتخطفن أبصارهم.
نعم إذا كنت تصلي فما ينبغي أن ترفع النظر إلى العلي الأعلى سبحانه فهو القاهر فوق عباده وهو العلي العظيم وإذا كنت تكلم كبيرا فلا نحد النظر فيه ولا تصعد النظر إليه بل تطرق وتنظر إلى جهة السفل فكيف إذا كنت تناجي من قلت في أول صلاتك في تكبيرة الإحرام الله أكبر لا ثم لاثم بعد ذلك كما قال الإمام أحمد بن حجر عليه رحمة الله الأنوار تنزل على المصلي عندما يصلي فإذا رفعت بصرك ربما لمع هذا البصر وربما اختطف وذهب من هذه الأنوار التي تنزل عليك فإذا ليس من الأدب أن تحد النظر فيمن تكلمه وتناجيه وتخاطبه ثم هذه الأنوار بعد ذلك تفقد بصرك إذا أدمت النظر إليها ولذلك لينتهين عن ذلك أو لتخطفن أبصارهم وإذا تلفت الإنسان بنظره يمينا وشمالا فالويل له وقد أعرض الله عنه وما تحقق فيه وصف إقامة الصلاة.
ثبت في مسند الإمام أحمد وسنن أبي داود والنسائي والحديث إخوتي الكرام صحيح رواه ابن خزيمة في صحيحه والحاكم في مستدركه وهو كما قلت من رواية أبي ذر رضي الله عنه وأرضاه قال سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول إن الله لا يزال مقبلا على العبد في صلاته ما لم يلتفت فإذا التفت أعرض عنه انتبه لبصرك عندما تصلي البصر لا يجاوز محل السجود محل سجودك أنظر إليه خاشعا ذليلا أما أن تبعثر ذات اليمين وذات الشمال وكل ذلك دليل على عدم حضور القلب عند مناجاة الرب.
وقد ثبت في صحيح البخاري وفي مسند الإمام أحمد والنسائي وسنن أبي داود والحديث في صحيح ابن خزيمة ومستدرك الحاكم أيضا عن أمنا عائشة رضي الله عنها قالت سألت رسول الله صلي الله عليه وسلم عن الإتفات في الصلاة فقال تلك خلسة يختلسها الشيطان والخلسة هي أخذ الشيء في خفية أي أن الشيطان يوسوس لك أن تنظر يمينا أو شمالا ليسرق من صلاتك وليخرجك من وصف إقامة الصلاة فاضبط النظر ثم اضبط هذه الجوارح حذار، حذار وإياك، إياك من أن تمد يدك إلى رأسك وإلى لحيتك وإلى انفك واليد على طول الصلاة كأنها مراوح تشتغل أي صلاة هذه أما تتقي الله في نفسك عندما تناجي ربك.
ثبت في المسند والصحيحين والسنن الأربعة من حديث خادم نبينا الحبيب عليه صلوات الله وسلامه أن النبي قال لا تمسح الحصى فإن كان ولابد فواحدة تسوية الحصى سبحان الله ومسح الحصى يكون عندما يسجد الإنسان على الأرض والأرض ليست مستوية أن يسويها لأجل أن يضع جبهته مع ذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم لا تمسح الحصى فإن كان لابد فواحدة وقال الحافظ ابن حجر ضبط بالرفع فواحدة تجزؤك وهي مقدار الضرورة مسحت مكان السجود لأجل أن تضع جبهتك عليه واحدة تسوية الحصى أي من أن تسوي الحصى هذا إذا كان ولابد فمسحة واحدة.
وقد ثبت في صحيح ابن خزيمة بإسناد صحيح عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مسح الحصى في الصلاة فقال النبي صلي الله عليه وسلم واحدة يرخص لك واحدة وإذا كثرت الحركات في الصلاة كما ضبط ذلك أئمتنا الفقهاء رضوان الله عليهم فوصل إلى ثلاث حركات متتابعات بطلت الصلاة وأنك لم تصلي كما لو أحدث الإنسان في صلاته سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مسح الحصى فقال واحدة وقال لأن تدعها خير لك من مائة ناقة سود الحدق أي فإذا كنت تصلي فحذار حذار من الحركات.
إخوتي الكرام: وما يشيع في كتب الوعظ ويتناقله الوعاظ لأن نبينا صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يعبث في لحيته فقال له لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه الحديث لم يثبت عن نبينا صلى الله عليه وسلم وإسناده ضعيف تالف حكم عليه بعض أئمتنا بالوضع لوجود وضاع في إسناده نعم رواه الحكيم الترمذي في نوادر الأصول والغالب في ما ينفرد به هذا الإمام في هذا الكتاب شديد الضعف أو موضوع ما يروى في نوادر الأصول مما ليس في كتب أئمتنا التي عول عليها واعتمدت ففي إسناد الحديث الضعف نعم معناه صحيح لو خشع قلب الإنسان لخشعت جوارحه.
ولذلك أثر هذا الكلام عن العبد الصالح سعيد بن المسيب عليه وعلى أئمتنا جميعا رحمة الله ثبت في سنن البيهقي معلقا عن سعيد بن المسيب أنه رأى رجلا يعبث في فقال له لو خشع قلبك لخشعت جوارحك ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه ورواه الإمام عبد الله بن المبارك في الزهد والرقائق عن سعيد بن المسيب ولا يثبت رفع هذا الأثر إلى نبينا صلى الله عليه وسلم لكن معناه صحيح فاضبط عينيك واضبط جوارحك واضبط فمك من التثاؤب إذا كنت تصلي فالتثاؤب مكروه في محل وقت وليس من صفات الرجال ليس من صفات أهل الجزم أن يتثاءبوا هذا من خصال الشيطان.
وقد ثبت في صحيح البخاري والسنن الأربعة والحديث في مسند الإمام أحمد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب ـ إذا لم يكن العطاس بسبب الزكام والمرض ففيه شحن للذهن وتنشيط للهمة ـ فإذا تثاءب أحدكم في صلاته فليرد ذلك ما استطاع ولا يقل ها كما يتثاءب المتثائب فإذا قال ها ضحك منه الشيطان) .
وقد نص أئمتنا الفقهاء على أن من تثاءب فخرج منه هذا اللفظ فقد بطلت صلاته أيضا لأنه كلام الناس ها يرفع صوته وهذا الصوت يشبه صوت الكلب كما قال النبي صلى الله عليه وسلم والحديث في سنن ابن ماجه وغيره إذا تثاءب أحدكم فليرد ذلك ما استطاع ولا يعوي كالكلب نعم عندما يعوي الكلب يرفع رأسه ثم يفتح فاه ثم يصوت هذا الصوت الذي يشبه صوت الكلب هل يليق بك وأنت تناجي الرب أن تخلط في مناجاتك صوتا كصوت الكلب لا ثم لا.
فقد ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا نتثاءب أحدكم فليرد ذلك ما استطاع وفي رواية فليكظم ما استطاع فإن الشيطان يدخل إلى جوفك عندما تتثاءب وتفتح فاك.
إخوتي الكرام..
لابد من مراعاة هذا الأدب ألا وهو الأدب الثالث ضبط الجوارح بعد أن ضبطت القلب ثم بعد ذلك المحافظة على المواقيت وأما الأدب الرابع وهو متعلق بتعديل هيئات الصلاة وأركانها وإتمام ركوعها وسجودها فأترك الكلام عليه في أول الموعظة الآتية إن شاء الله وأسأل الله برحمته التي وسعت كل شيء إن أحيانا أن يحينا على الإسلام وإن أماتنا أن يتوفانا على الإيمان وأسأله أن يجعلنا من الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين، وأقول قولي هذا وأستغفر الله.