الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النظر إلى موضع السجود
(من خطب الجمعة)
للشيخ الدكتور
عبد الرحيم الطحان
بسم الله الرحمن الرحيم
النظر إلى موضع السجود
رقم 14
الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونؤمن به ونتوكل عليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشدا، الحمد لله رب العالمين، شرع لنا دينا قويما، وهدانا صراطاً مستقيما، وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة، وهو اللطيف الخبير.
اللهم لك الحمد كله، ولك الملك كله، وبيدك الخير كله، وإليك يرجع الأمر كله، أنت رب الطيبين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين، وخالق الخلق أجمعين ورازقهم، (ما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها، ويعلم مستقرها ومستودعها، كل في كتاب مبين) .
وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله، أرسله الله رحمة للعالمين، فشرح به الصدور، وأنار به العقول، وفتح به أعينا عميا، وآذانا صما، وقلوبا غلفا، فجزاه الله عنا أفضل ما جزى به نبياً عن أمته، ورضي الله عن أصحابه الطيبين، وعن من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
(1) سورة فاطر: 3
(2)
) ) سورة النساء: 1
(3)
) ) آل عمران: 102
أما بعد: معشر الأخوة الكرام..
خير بقاع الأرض وأحبها إلى الله جل وعلا المساجد فهي محل نور رب العالمين وهي موطن عباد الله المهتدين وقد نعت الله جل وعلا من يعمرونها ويتواجدون فيها بأنهم رجال ثم وصفهم بأربع خصال لا تلهيهم هذه الدنيا عن طاعة ذي العزة والجلال يعظمون الله جل وعلا فيذكرونه ويصلون له يشفقون على عباد الله ويُحسنون إليهم فيعطونهم قسطاً من أموالهم ثم هم على أتم الاستعداد ليوم المعاد في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يُسبح له فيها بالغدو والآصال رجالٌ لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار.
(1)) ) سورة الأحزاب 70، 71
إخوتي الكرام: كنا نتدارس الصفة الثانية من صفات عباد الرحمن الذين يعمرون بيوت ذي الجلال والإكرام في الأرض ألا وهي إقامة الصلاة وقد مضى الكلام على هذه الصفة في موعظتين اثنتين وقلت إن المراد من إقامة الصلاة توفية الصلاة حقها علماً وعملاً فإذا قام الإنسان بذلك قرت عينه وابتهجت نفسه وذاق للصلاة حلاوة تتضاءل بجانبها جميع الحلوات واللذائذ والمشتهيات ويستعين الإنسان بعد ذلك بهذه الصلاة على شدائد الحياة وهذا ما كان يشير إليه نبينا صلى الله عليه وسلم ثبت في مسند الإمام أحمد، وسنن أبي داود بإسناد صحيح عن بعض الأنصار والأبرار رضي الله عنهم أجمعين- والحديث رواه الإمام الداراقطني في العلل عن بلال رضي الله عنهم أجمعين- أن -النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا بلال أقم الصلاة أرحنا بها أقم هذه الصلاة لنستريح فيها ولنتلذذ بها فنحن نناجي الحي القيوم عندما نصلي له أقم الصلاة أرحنا بها نعم إن الراحة تحصل بالصلاة على خلاف الكُسالى والمنافقين الذين يستريحون من الصلاة وشتان شتان بين من يستريح بها وبين من يريد أن يستريح منها فيراها كأنها ضريبة وإذا قام إليها يقوم وهو متثاقل فيريد أن يستريح منها وأن يتخلص من عناءها وكأنه ما فهم من الصلاة إلا هذه الحركات المتتابعات فهو يريد الراحة منها وحال المتقين يستريحون بها [يا بلال أقم الصلاة أرحنا بها] .
نعم تحصل الراحة بالصلاة فهي قرة العين كما تقدم معنا -إخوتي الكرام- وقد كان نبينا عليه الصلاة والسلام إذا اعتراه هم ودهاه حزن يفزع إلى الصلاة ويشرع لنا ذلك لنستعين بهذه الصلاة على كل شدة في هذه الحياة ثبت في المسند أيضاً، وسنن أبي داود بإسناد صحيح من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حَزَبَه أمر فزع إلى الصلاة أي نزل به أمرٌ مهم وشدة وحزن وكرب وغم فزع -عليه صلوات الله وسلامه- إلى الصلاة.
نعم إن الصلاة هي مفزع المؤمنين كيف لا وبها يناجون رب العالمين {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} (1) وقد كان السلف الكرام -رضوان الله عليهم أجمعين- عندما كانوا يقيمون هذه الصلاة كما يريد ربنا -جل وعلا- وكما أمر كانوا يتلذذون بها وكانوا يتسلون بها عن كل شدة تطرأ على أبدانهم وأجسامهم أخرج أبو داود في سننه، والحديث رواه الإمام ابن حبان، وابن خزيمة في صحيحهما، ورواه الحاكم في المستدرك، ورواه الإمام البيهقي في السنن الكبرى ودلائل النبوة على نبينا -صلوات الله وسلامه- وعلقه الإمام البخاري في صحيحه والحديث صحيح نص على تحسينه الإمام النووي، وصححه ابن خزيمة، وابن حبان، والإمام الحاكم، والذهبي -عليهم جميعاً رحمة الله-.
(1)) ) سورة البقرة 45
ولفظ الحديث عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: غزونا مع النبي عليه الصلاة والسلام في غزوته ذات الرقاع وسميت بذلك لأمور كثيرة أبرزها أمران أولهما: لف الخرق على أرجلهم فوضعوا الخرق على أرجلهم من شدة وعورة الطريق وعناء السفر فتنقبت أرجلهم فلفوا عليها الخرق وراياتهم تمزقت أيضاً وتقطعت فرقعوها غزوة ذات الرقاع يقول فلما دخل الليل قال النبي صلى الله عليه وسلم هل من رجل يكلئنا أي من يكلؤنا من يكلؤنا هذه الليلة، يحفظنا يحرصنا في هذه الليلة فانتدب لذلك صحابيان أنصاري عباد بن بشر، ومهاجري عمار بن ياسر -رضي الله عن الصحابة أجمعين- فقال النبي صلى الله عليه وسلم لهذين الصحابيين المباركين عباد بن بشر، وعمار بن ياسر كونا بفم الشعب أي في هذا المنفتح والطريق بين الجبلين كونا في أوله حتى إذا جاءنا طلب من المشركين تخبروننا فهذا هو الطريق الذي يأتون منه كونا بفم الشعب وأخذ النبي عليه الصلاة والسلام والصحابة الكرام بعد ذلك مضاجعهم ليستريحوا في الليل فقال عمار بن ياسر لعبَّاد بن بشر تريد أن أكفيك أول الليل وتكفيني آخره أو أنت تكفيني أول الليل وأكفيك آخره أي نتناوب في الحراسة فقال عباد بن بشر أنا أحرس أول الليل فقام يحرس وبجواره عمار بن ياسر مضجع نائم فجاء بعض المشركين فلما نظر إلى هذا الرجل وهو عباد بن بشر وجده قائماً يصلى فعلم أنه هو ربيئة القوم أي هو حارسهم وهو الذي يحفظهم ويكلؤهم ويراقبهم ويراقب الأعداء إذا جاءوا عليهم فسدد إليه السهم فضربه بسهم وقع في صدره وعباد بن بشر يصلي وورد أنه كان يقرأ سورة الكهف -رضي الله عنهورحم الصحابة والمسلمين أجمعين- فنزع عباد بن بشر هذا السهم وما التفت ولا قطع صلاته وبدأ في صلاته فسدد إليه ذاك الرجل سهماً آخر فوقع في صدره والدماء تنزف منه رضي الله عنه وأرضاه- فنزع هذا السهم وما قطع صلاته فسدد إليه سهماً ثالثاً فوقع في صدره فنزعه فلم اثخنته الجراح
وخشي أن يسقط على الأرض ميتاً وبعد ذلك يكشف المسلمون ولا يوجد من يحرصهم ولا من يوقظهم إذا داهمهم المشركون أيقظ عمار بن ياسر وجراحاته تنزف من صدره رضي الله عنهم أجمعين- فقال له عمار هلا أنبهتني في أول الأمر أي عندما شعرت بهذا العدو لِمَا لم تخبرني ولِمَا لم توقظني قال عباد بن بشر كنت في سورة فكرهت أن أقطعها سبحان الله كنت في سورة أنا أناجي الله وأتلذذ بحلاوة كلامه كيف أقطعها وهذه الجراحات لا نشعر بشدائدها في صلاتنا ووالله لولا أن أضيع ثغراً أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظه لقطع نفسي أو أنفذها إعلم يا عمار ما أيقظتك من أجلى ولا من أجل هذا المشرك لتطرده ما أيقظك إلا لأنني مؤتمن على هذا الثغر ولولا هذه الأمانة لما قطعت صلاتي حتى أُُنهي هذه السورة بتمامها أو أن أقتل وأنا في الصلاة [وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر] .
الفائدة التي تحصلها من ذكر الله الفائدة التي نحصلها من صلاتنا بذكر الله عندما نذكره أكبر من كل شيء أكبر من كون الصلاة تنهانا عن الفحشاء والمنكر وأكبر من كل طاعة ومن كل لذه ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون. -إخوتي الكرام- إذا أقام الإنسان الصلاة وفاها حقها علماً وعملاً نال بها الراحة وقرة العين وحصل بهجة النفس وانشراح الصدر وطمأنينة القلب عباد الله وتقدم معنا أنه لا بد لإقامة الصلاة من أمور قلت جماعها ينحصر في أربعة أمور أولها أن نؤدي الصلاة في وقتها وثانيها أن يحضر قلبنا عند أداء الصلاة لربنا وثالثها أن تسكن جوارحنا وأعضائنا الظاهرة ورابعها وهو الذي لم يتيسر الكلام عليه في الموعظة الماضية وقلت سأتكلم عليه في هذه الموعظة إن شاء الله إتمام أركانها من ركوعها وسجودها.
إخوتي الكرام: وهذا الأمر الرابع قبل أن أتكلم عليه تكلمت على الأمر الثالث وهو أن الجوارح ينبغي أن تسكن وأن تخشع كما خشع الباطن ينبغي أن يخشع الظاهر وعليه ينبغي أن تضبط عينيك وأن تضبط فمك وأن تضبط جميع جوارحك وأن تكون في سكون وخشوع وإخباتٍ لله -جل وعلا- وكنت أشرت على سبيل الإجمال أن النظر ينبغي أن يكون إلى محل السجود وقد سأل عدد من الأخوة عن هذا الأمر ولذلك أرى أن أتكلم عليه وهو يتعلق بالأمر الثالث ثم نتدارس الأمر الرابع إن شاء الله -عباد الله- إذا قام الإنسان للصلاة فينبغي ألا يُفَرِق نظره كما تقدم معنا إلى أي جهة من الجهات وينبغي أن يكون نظره موضع سجوده وقد وردت في ذلك أحاديثَ وآثارً ضعيفة تعتضد ببعضها فترتقي إلى درجة القبول بإذن الله -جل وعلا- من هذه الآثار ما رواه الإمام الطبري في تفسيره، ورواه ابن أبي حاتم، وابن المنذر، وعبد بن حميد في تفاسيرهم، رواه الحاكم في المستدرك، والبيهقي في السنن والأثر، ورواه الإمام الحازمي في الناسخ والمنسوخ، وسعيد بن منصور في السنن أيضاً عن محمد بن سيرين شيخ الإسلام والأثر مرسل وإسناده صحيح إلى محمد بن سيرين -عليهم جميعاً رحمات رب العالمين- قال: كان الصحابة الكرام ومعهم نبينا عليه الصلاة والسلام في أول الأمر إذا قاموا إلى الصلاة رفعوا رؤوسهم ونظروا فوقهم وتَلَفَّتوا يميناً وشمالاً فأنزل الله {قَدْ أَفْلَحَ المُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} يقول محمد بن سيرين في هذا الأثر فلما نزلت هذه الآية طأطأو رؤوسهم وفي رواية طأطأ رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه ونكّس رأسه والصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين كانوا على هذا الأمر فحنَوْ رؤوسهم كما في بعض الروايات.
وهذا الأثر رواه الحاكم في المستدرك والبيهقي في السنن أيضاً عن محمد بن سيرين متصلا عن أبي هريرة رضي الله عنه فهو متصل لكن كما قال البيهقي المحفوظ هو المرسل وقال الإمام الذهبي هو الصحيح هذا الأثر الأول طأطأو رؤوسهم حنَوْ رؤوسهم نكسوا رؤوسهم ونظروا محل سجودهم، وورد في سنن البيهقي وإسناد الأثر فيه ضعف كما قال الإمام النووي في المجموع عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له:[يا أنس ضع نظرك حيث تسجد] أي إلى موضع السجود هذا النظر ما ينبغي أن يزيد على ذلك وهذا الأمر نقل عن السلف الكرام -رضوان الله عليهم أجمعين-.
ثبت في سنن البيهقي والأثر رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق وإسناد الأثر فيه ضعف أيضاً وكما قلت الآثار تعتضد ببعضها عن أبي قلابة رضي الله عنه وهو عبد الله بن زيد الجَرْمَي من أئمة التابعين توفي سنة 104هـ أخرج حديثه أهل الكتب الستة كما قال عنه الإمام الحافظ بن حجر في التقريب ثقة فاضل عابد أخرج حديثه أهل الكتب الستة إلا أبا داود فأخرج عنه في كتاب القدر لا في كتاب السنن وهو عبد صالح أبو قلابة عبد الله بن زيد الجرمي ومن مناقبه وفضائله واحتياطه وحزمه وعزمه أنه عندما أريد على القضاء في بلاد البصرة هرب وشرد إلى بلاد الشام وتوفى هناك وكان يقول ما مثل القاضي العالم إلا كمثل رجل وقع في البحر فما عسى أن يسبح ثم يغرق هذا العبد الصالح يقول حدثني عشرة من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام أن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في قيامه وركوعه وسجوده وقراءته كانت كصلاة هذا الأمير يعني الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز -عليهم جميعاً رحمة الله جل وعلا- يقول الراوي عن أبي قلابة وهو سليمان بن داود الخولاني إمام ثقة حديثه في سنن أبي داود، وسنن الإمام ابن ماجه يقول سليمان بن داود الخولاني نظرت إلى صلاة عمر بن عبد العزيز وتأملتها فكان لا يجاوز بصره موضع سجوده هذا الأثر يدل على هذا الأمر وهو أن الإنسان إذا قام إلى الصلاة ينبغي ألا يجاوز هذا النظر موضع السجود وهذه الآثار كما قلت تعتضد ببعضها وتتقوى وهو أن الإنسان إذا قام إلى الصلاة ينبغي أن يكون نظره موضع سجوده.
إخوتي الكرام: وهذا الأمر الذي دلت عليه هذه الآثار وتعتضد ببعضها هو الذي أفتى بموجبه أئمتنا الأبرار هو الذي أفتى بُموجبها أي بموجب الآثار أئمتنا الأبرار -عليهم جميعاً رحمات العزيز الغفار- فهذا قتادة والأثر ثابت عنه في سنن البيهقي بإسناد صحيح أنه كان يقول الخشوع في القلب وإلباد البصر في الصلاة أي: يحصل الخشوع بهذين الأمرين أن يخشع القلب وأن يتفكر وأن يتدبر والباد البصر في الصلاة وإلباد البصر أي سكونه بحيث يكون إلى موضع السجود ولا يتجاوز ذلك فهو مستقر ثابت الخشوع في القلب والباد البصر في الصلاة وروى مثل هذا عن شيخ الإسلام محمد بن سيرين أيضاً -عليهم جميعاً رحمة الله- أنه كان إذا صلى لا يجاوز بصرُه موضع سجوده وكان يعجبه ذلك للمصلى أي إذا صلى الإنسان أن لا يجاوز بصره موضع سجوده وهذا الذي نص عليه أئمتنا الفقهاء -عليهم جميعاً رحمة الله-.
كما قرر هذا شيخ الإسلام الإمام النووي في المجموع، وشيخ الإسلام الإمام ابن قدامه في المغنى وعلى هذا أيضاً كتب المذاهب الأخرى كما في الفقه الحنفي في رد المحتار على الدر المختار للإمام محمد بن عابدين -عليهم جميعاً رحمات رب العالمين- وحاصل ما ذكروه أن الإنسان ينبغي في صلاته أن يضع بصره موضع سجوده في جميع أحوال صلاته سواء كان قائماً أو راكعاً أو ساجداً أو جالساً وهذا هو الذي نقل عن الإمام أحمد وقال الإمام النووي إنه أصح القولين وهناك قولٌ حكى في كتب الفقه أيضاً وهو أن هذه الآثار التي تدل على وضع البصر موضع السجود تُحمل على حاله الوقوف والقيام فإذا كان الإنسان قائماً يضع بصره موضع سجوده وأما إذا ركع فينبغي أن ينظر إلى قدميه وأما إذا سجد فينبغي أن ينظر إلى أرنبة أنفه وأما إذا جلس فينبغي أن ينظر إلى حجره بحيث لا يتجاوز نظره رؤوس أصابعه وهذه الكيفية منقوله عن شريك بن عبد الله ورجحها الإمام البغوي -عليهم جميعاً رحمة الله-.
ولا يقولن قائل ما الدليل على هذا الدليل؟ على هذا كما قال أئمتنا أن هذه الكيفية فيها قصر للنظر وإعانة على الخشوع عند أداء الصلاة لأن النظر كلما امتد وتبعثر تفرق القلب فبين العين والقلب صلة عجيبة فإذا امتدت العين إلى مكان بعيد تشوش القلب وعليه أنت إذا كنت قائماً تنظر إلى محل سجودك فإذا ركعت تنظر إلى قدميك فإذا سجدت لا يتجاوز النظر أرنبة الأنف وإذا جلست بعد ذلك تنظر إلى حجرك بحيث لا يتجاوز النظر أصابع اليدين اللتين على الفخدين إلى منتهى الركبتين وكل من القولين كما قلت إخوتي الكرام قرره أئمة الإسلام والأخذ بأيهما كان حسن إما أن تنظر إلى محل سجودك على الدوام في جميع أحوال صلاتك وإما أن تفعل هذا فانظر أيهما أخشع لقلبك فافعله ولا حرج إخوتي الكرام وكسر البصر وغضه ينبغي أن يصاحب الإنسان في جميع الأحوال سواء كان في حال الصلاة أو في غيرها من العبادات والأذكار ينبغي للإنسان ألا يَمُد نظره وألا يفرق بصره وكلما قصره كان خيرا له.
ولذلك ثبت في المستدرك والحديث رواه البيهقي في السنن وإسناد الحديث على شرط الشيخين صححه الحاكم وأقره عليه الذهبي وهو صحيح عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت عجبت للمرء المسلم عندما يدخل البيت وتعني بالبيت بيت الله الحرام الكعبة المشرفة إذا دخل الإنسان إلى داخلها عجبت للمرء المسلم عندما يدخل البيت كيف ينظر قبل السقف وهو في غير صلاة دخل إلى بيت الله دخل إلى الكعبة المشرفة فبدأ يتأملها وينظر إلى سقفها تقول عجبت للمرء المسلم إذا دخل إلى البيت كيف ينظر قبل السقف ينبغي أن يدع ذلك تعظيما لله وإجلالاً له إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما دخل البيت ما جاوز بصره موضع سجوده أي كان مطرقاً -عليه صلوات الله وسلامه- عندما دخل الكعبة المشرفة دون أن تقع صلاة إنما هذا من علامات السكينة من علامات الخشوع من علامات الأدب إذا كنت تذكر الله -جل وعلا- في غير صلاة إذا كنت تقرأ القرآن إذا كنت تصلي أيضاً فما ينبغي أن تفرق بصرك بيمين وشمال وخلفك وفوقك ينبغي أن تَقْصُر بصرك فكلما فعلت هذا كان أخشع لقلبك واتقى لربك عجبت للمرء المسلم إذا دخل البيت كيف ينظر قبل السقف ينبغي أن يدع ذلك تعظيماً لله -جل وعلا- وإجلالاً له إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما دخل البيت ما تجاوز نظره موضع سجوده.
والأثر كما قلت -إخوتي الكرام- صحيح على شرط الشيخين صححه أئمة الإسلام وقد ورد في سنن ابن ماجه ما يدل على حاله رفيعة كريمة للصحابة الكرام في صلواتهم والحديث حوله شيء من الكلام أذكره وأبين ما فيه إن شاء الله ولفظ الحديث عن أمنا أم سلمة رضي الله عنها وأورده الإمام ابن ماجه في كتاب الجنائز ومن العجيب أن يورد هذا الحديث في كتاب الجنائز في باب وفاة نبينا عليه الصلاة والسلام ودفنه مع أنه في ظاهر الأمر ليس له صلة بوفاة النبي عليه الصلاة والسلام ودفنه لكن أمنا أم سلمة رضي الله عنها تشير بهذا الحديث إلى تغير الناس بعد نبينا عليه الصلاة والسلام ولفظ الحديث عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: كان الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قاموا إلى الصلاة لم يعدو بصر أحدهم موضع قدميه فهو يصلي مطرق الراس لا يتجاوز بصره موضع قدميه تقول فلما قُبض النبي صلى الله عليه وسلم واستخلف أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه- صار أحدهم إذا قام للصلاة لم يعدو بصر أحدهم إذا قام يصلي موضع سجوده فتوسع الناس إلى هذا الأمر ولا زالوا ضمن المشروعية والجواز تقول فلما كان عمر واستخلف عمر رضي الله عنه وقبض أبو بكر رضي الله عنهم أجمعين- صار أحدهم إذا قام يصلي لم يعدو بصرهم موضع القبلة لم يعدو بصر أحدهم موضع القبلة فتوسعوا تجاوزوا القدمين ومحل السجود لكن لا ينظرون إلا إلى جهه القبلة إلا إلى الجهه الأمامية تقول أمنا أم سلمة رضي الله عنها فلما قتل عمر واستُخلف عثمان ووقعت الفتنة -رضي الله عن الصحابة الكرام أجمعين- تَلَفّت الناس في صلاتهم فنظروا يميناً وشمالاً أي تغيروا عن الهدى الصالح الذي كانوا عليه.
وهذا الحديث إخوتي الكرام فيه موسى بن عبد الله انفرد الإمام ابن ماجه بالإخراج عنه فلم يروي عنه أحد من الكتب الستة موسى بن عبد الله والإمام المنذري لما ذكر الحديث في الترغيب والترهيب قال إسناده حسن وليس فيه إلا موسى بن عبد الله بن أبي أمية المخزومي ولم أقف على جرحٍ أو تعديلٍ فيه ولا يحضرني جرحٌ أو تعديل فيه وهذا الحديث عندما تعرض له أئمتنا كما فعل الإمام أبو عبد الله محمد بن محمد بن محمد المَنْبِجيّ الحلبي في كتابه تسلية أهل المصائب قال إسناده مقارب بفتح الراء وكسرها مقارَب مقارِب أي رجال الإسناد يقاربهم غيرهم في الحفظ وهم يقاربون غيرهم في الحفظ إسناده مقارَب إسناده مقارِب وتبعه على هذا الاصطلاح الإمام السفاريني في غذاء الألباب شرح منظومة الآداب فقال إسناد الحديث مقارِب إسناد الحديث مقارَب أما الإمام المنبجي فتوفي سنة 785هـ وأما الإمام السفاريني الذي جاء بعده توفي سنة 1188هـ -عليهم جميعاً رحمات رب العالمين- موسى بن عبد الله بن أبي أمية المخزومي انفرد الإمام ابن ماجه بالإخراج عنه وقد حكم عليه الحافظ بن حجر العسقلاني في التقريب بأنه مجهول لأنه لم يرو عنه إلا واحد نعم ليس فيه كما قلت توثيق ولا تجريح والحديث كما قلت يعطينا سورة واضحة لأحوال السلف الكرام في العصر الأول وكيف كانت الأحوال تتغير في كل مرحلة فهم في عهد النبي عليه الصلاة والسلام لهم هذه الحالة لا يجاوز بصر أحدهم موضع قدميه في عهد أبي بكر رضي الله عنه لا يجاوز بصر الواحد منهم موضع سجوده في عهد عمر رضي الله عنه لا يجاوز بصر أحدهم القبلة فلما وقعت الفتنة وتغيرت القلوب نظر الناس يميناً وشمالاً وكيف يفعل الناس في هذه الأيام من النظر إلى سائر الجهات وكل هذا كما تقدم معنا اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة الإنسان.
وخلاصة الكلام إخوتي الكرام:
إذا صلى الإنسان ينبغي أن ينظر موضع سجوده ولا يجوز أن يرسل نظرة زيادة عن ذلك ولا بمقدار أنمله وإذا فعل هذا فقد شوش ذهنه وتسبب في تشويش قلبه ونقص من الخشوع بمقدار ما يُطلق بصره هذا فيما يتعلق بالنظر الذي سأل عنه عدد من الأخوة الكرام وكما قلت ينبغي للإنسان أن يقصر من نظره في الصلاة وفي غيرها ذكر أئمتنا في ترجمة العبد الصالح الربيع بن خثيم وهو تابعي مخضرم أدرك الجاهلية والإسلام ولم يرى النبي عليه الصلاة والسلام وهو من شيوخ التابعين الكرام توفي سنة 65هـ حديثه مخرج في الكتب الستة الربيع بن خثيم رضي الله عنه وأرضاه- يقول هذا العبد الصالح وكان تلميذاً لعبد الله بن مسعود كان إذا جاء إلى بيت شيخه عبد الله بن مسعود يقول أهل عبد الله بن مسعود لعبد الله بن مسعود جاء صاحبك الأعمى وما كان به عمى رضي الله عنه وأرضاه- كان منور البصر والبصيرة لكنه كان يطرق الراس في مشينه وفي جميع أحواله ولا يُفَرِّق نظره إلى سائر الجهات فكان إذا جاء إلى بيت شيخه يقول أهل عبد الله بن مسعود لعبد الله بن مسعود رضي الله عنهم أجمعين- جاء صاحبك الأعمى وكان إذا قام إلى الصلاة وسجد كأنه ثوب مُلقى فكانت العصافير تأتي وتقف على ظهره وهو ساجد لربه -جل وعلا- ومع ذلك كان يقول أدركنا أناساً ما كنا بجنبهم إلا لصوصاً يعني الصحابة الكرام كنا بجنبهم إلا لصوصاً نحن كاللصوص مع الصحابة الكرام فماذا نقول في هذه الأيام نسأل الله أن يتوب علينا وأن يعفو عنا إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين إطلاق النظر والبصر إلى سائر الجهات وحتى توسع الناس من رجالٍ ونساء بحيث تجلس المرأة أحياناً على البلكونه على الشرفة أو تفتح النافذة لتسرح نظرها إلى هذا وذاك يا أمة الله يا عبد الله غضوا أبصاركم واقصروا أعينكم فهذا أزكى لكم.
وأما ما يتعلق بالأمر الرابع الذي ينبغي أن يحرص عليه الإنسان لتحصل فيه إقامة الصلاة على التمام المحافظة على الوقت خشوع القلب خشوع الظاهر بعد ذلك ينبغي أن توفي الأركان حقها من قيام وركوع وسجود ينبغي أن تأخذ هذه الأركان حقها من اطمئنان ومن رفع من الركوع ومن رفع من السجود وقد أخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن الذي لا يؤدي هذه الأركان حقها ولا يطمئن فيها ولا يرفع ظهره وصلبه بعد ركوعه وبعد سجوده بحيث يواصل الركن الثاني بالأول دون أن يعتدل وأن يطمئن بأن هذا لا صلاة له ولا تجزئه صلاته ولو مات على هذه الحالة يموت على غير ملة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام.
ثبت في مسند الإمام أحمد، والسنن الأربعة والحديث رواه ابن حبان في صحيحه، وابن خزيمة في صحيحه، ورواه الطبراني في معجمه الكبير وأبو يعلى في مسنده وإسناد الحديث صحيح من رواية أبي مسعود الأنصاري البدري رضي الله عنه وأرضاه- قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول [لا تجزئ صلاةٌ لا يقيم الرجل فيها صلبه في الركوع والسجود] إذا ركعت ثم أردت ان تسجد أقم الصلب وأقم الظهر واعتدل قائما مطمئناً حتى تستوي تماماً ويحصل عندك شيء من الراحة والاطمئنان ثم تهوي إلى السجود وأما أنك ترفع بحيث لا يعتدل الارتفاع ثم تهوي إلى السجود لا تجزئ صلاة لا يقيم الرجل فيها صلبه في الركوع وفي السجود.
والحديث -إخوتي الكرام- روى عن عدة من الصحابة الكرام رواه الإمام أحمد أيضاً في المسند، وابن ماجه في السنن، وابن خزيمة في صحيحه، وابن حبان عن علي بن شيبان رضي الله عنه وأرضاه وهو من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:[لا صلاة لرجل لا يقيم صلبه في الركوع والسجود] والحديث رواه الإمام الطبراني في معجمه الكبير عن طلق بن علي ورواه الإمام أحمد في المسند بإسناد جيد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [لا ينظر الله إلى صلاةٍ لا يقيم الرجل فيها صلبه بين ركوعه وسجوده] وفي رواية [لا ينظر الله إلى رجل لا يقيم صلبه في صلاته بين ركوعه وسجوده] لا ينظر الله إلى هذه الصلاة ولا إلى فاعلها ولا صلاة له ولا يقبل الله صلاته إذا لم يسوي هذه الأركان ولم يطمئن فيها على وجه التمام.
وقد ثبت في معجم الطبراني الكبير، ومسند أبي يعلى، وصحيح ابن حبان من رواية أبي عبد الله الأشعري وهو يعرف بكنيته تابعي صالح قال: حدثنا أمراء الأجناد عمرو بن العاص وخالد بن الوليد وشُرَحبِيل بن حسنه رضي الله عنهم أجمعين- أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يصلي لا يتم ركوعه وينقر في سجوده فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: [لو مت لمت على غير ملة محمد عليه الصلاة والسلام لا تتم الركوع وتنقر السجود كما ينقر الديك الدجاج فلا تطمئن لا يتم الركوع ينقر في السجود] لو مت على هذا لمت على غير ملة محمد صلى الله عليه وسلم ثم قال -النبي صلى الله عليه وسلم: [إنما مثل من لا يتم ركوعه وينقر في سجوده كمثل الجائع يأكل التمرة والتمرتين هل يغني ذلك عنه شيئاً] جائع أكل تمرة لا تملأ بطنه ولا ترد جوعته وهكذا جاء ليصلي فما أتم الركوع أنقصه ونقر في السجود هذه صلاة ناقصة ليست بتامة ولا مقبولة.
وقد ثبت في معجم الطبراني الكبير بإسناد حسن عن بلال رضي الله عنه أنه رأى رجلاً أيضاً لا يتم ركوعه وينقر في سجوده فقال له "لو مت على هذا لمت على غير ملة محمد صلى الله عليه وسلم".
إخوتي الكرام: قد يسأل سائل فيقول ما الأمور التي يستعين الإنسان بها على إقامة الصلاة كما بينا أن يحافظ عليها في وقتها أن يحضر قلبه في صلاته أن يخشع ظاهره أن يتم بعد ذلك أركانها كما شرع الله وكما يحب والجواب أن ذلك يحصل بأمرين اثنين.
أولهما: قوة المقتضى وثانيهما انتفاء المانع أيها العبد المؤمن أيها المصلي أيها المسلم إذا علمت أن الله خلقك سبحانه وتعالى وأحسن إليك فما بكم من نعمة فمن الله واستحضرت تقصيرك نحو ربك -جل وعلا- إذا استحضرت هذه المعاني في بداية صلاتك إنك مخلوق لخالق وهو الله -جل وعلا- والله أحسن إليك بنعم لا تحصى وأنت مقصراً نحوه صلاتك حقيقة ستكون بين خوف ورجاء بين رغبة ورهبة ترغب فيها إلى الله وترهب منه مما عندك من تقصير فأنت بين حالتين في صلاتك إما أن تعبد الله بعد ذلك كأنه يراك وإما أن تعبد الله كأنك تراه أن تستحضر أحد الأمرين أعبد الله كأنك تراه فإذا لم يكن هذا وما وصلت إلى هذا المقام فلا أقل من استحضار.
الأمر الثاني ألا وهو أنه يراك سبحانه وتعالى ويراك وأنت عبده ومحسن إليه وأنت مقصر معه فاستحي منه في صلاتك وأحضر قلبك واخشع لربك -جل وعلا- هذا الأمر إذا استحضره الإنسان قوة المقتضى أي المقتضى للخشوع وحضور القلب أيها المصلي أتعلم أنك في صلاتك تقرأ أعظم سورة أنزلها الله -جل وعلا- على أنبيائه ورسله -عليهم جميعاً صلوات الله وسلامه- ما أنزل الله في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في القرآن مثلها لا يوجد سورة تعدل هذه السورة ألا وهي سورة الفاتحة.
وقد ثبت هذا عن نبينا عليه الصلاة والسلام في مسند الإمام أحمد، وصحيح البخاري ورواه أهل السنن الأربعة إلا الإمام الترمذي من حديث أبي سعيد بن المعلى، وثبت أيضاً في المسند، والترمذي، والنسائي، وصحيح ابن خزيمة، والمستدرك، وموطأ الإمام مالك من حديث أبي هريرة رضي الله عنهم أجمعين-.
وللحديثين قصة وفيه يقول -النبي صلى الله عليه وسلم[ما أنزل الله في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في القرآن مثلها أم الكتاب فاتحة القرآن هي السبع المثاني وهي القرآن العظيم الذي أوتيته] يا عبد الله عندما تقرأ هذه السورة وتصل إلى قول الله {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} التي هي بينك وبين رب العالمين هذه الآية كما قال أئمتنا سائر كتب الله -جل وعلا- شرح لها فالقرآن تضمن الكتب السماوية بأسرها ومضمون القرآن كما يقول أئمتنا الكرام في حزب المفصل الذي يبتدأ من سورة ق إلى نهاية القرآن ومضمون هذا الحزب في سورة الفاتحة وسورة الفاتحة مضمون في هاتين الجملتين إياك نعبد وإياك نستعين عبادة لله على الدوام واستعانة بذي الجلال والإكرام حب له على التمام تذلل له على الدوام وهذان ركنا لعبادة إياك نعبد ثم استعانة به في كل زمان ومكان.
استحضر هذا أيها المصلي عندما تقرأ هذه الآية ينبغي أن ينخلع القلب {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} وأما أن تقول إياك نعبد وأنت تعبد الريال. وأنت تعبد المرأة وأنت تعبد الهوى وأنت تعبد الشهوة وذهنك غاب عما تناجي به ربك فهذا حقيقة مما ينبغي أن يستحي منه الإنسان إياك نعبد.
{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} كن على علم بذلك أيها الإنسان عندما تصلي ثم بعد ذلك ينبغي أن تصرف الموانع عنك إذا وجد المقتضى فلا بد من انتفاء المانع والموانع كنت أشرت إليها سابقاً ينبغي أن تحصن أربعة أمور الخطرات والنظرات فما ينبغي في غير الصلاة أن يدخل قلبك وسوسة ولا أن تُشغله بما لا ينفع من أخطار رديئة فهذا سيعرض عليك في صلاتك وما ينبغي في غير الصلاة أن تُطلق بصرك هنا وهناك فالله يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور أضبط الخطرات واللحظات ثم اضبط بعد ذلك الخُطوات واللفظات {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاما} (1) .
(1)) ) سورة الفرقان: 63
ومن ضبط هذه الأمور الأربعة فهو صديقٌ صديق لا يخطر في قلبه إلا حق يرضاه الله ولا ينظر إلا إلى حلال أحله الله ولا يمشي إلا لمباح أحله وشرعه الله وبعد ذلك لا يتكلم إلا بما يحب الله حقيقة إذا حصنت نفسك خارج الصلاة ستتلذذ في الصلاة وأما هذه المنافذ مفتوحة والشياطين تدخل فيها من كل جهة ثم بعد ذلك إذا صليت تقول لا أجد حلاوة الصلاة يا عبد الله ألا سددت منافذ الشيطان خارج الصلاة أضبط خطراتك ولحظاتك وخطواتك ولفظاتك فإذا ضبطت هذا وقمت تصلي واستحضرت المعنى الأول قوة المقتضى من خلق الله لك وإحسانه إليك وتقصيرك في حقه حقيقة شتخشع في صلاتك وستعيش في الصلاة ما بين رغبة ورهبة ما بين خوف ورجاء وإذا لم يحصل هذا فيك فكم من إنسان -إخوتي الكرام- يصلي ولا يُحَصِّل من صلاته إلا جزءاً يسيراً كما ثبت في مسند الإمام أحمد، وسنن أبي داود، والنسائي والحديث رواه ابن حبان في صحيحه من حديث عمار بن ياسر رضي الله عنهم أجمعين- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن العبد ليصلي الصلاة وما يكتب له إلا نصفها إلا ثلثها إلا ربعها إلا خمسها إلا سدسها إلا سبعها إلا ثمنها إلا تسعها حتى بلغ إلا عشرها سبحان الله كتب له واحد من عشرة هذا إن كتب له وقد أحيانا لا يكتب له شيء من صلاة وقد يرتكب وزراً وكم من إنسان يصلي ويتحمل بصلاته خطايا ما لو وزعت على أهل مدينته وحيّه وبلدته لأهلكتهم وهو يصلي وحقيقة إذا كان الإنسان يصلي وذهنه يرتع في كل نقيصة ورذيلة ما حال يسيء الأدب مع رب العالمين في حضرة مناجاته سبحانه وتعالى.
ولذلك -إخوتي الكرام- لابد من استحضار هذا من سد منافذ الشيطان الأربعة ثم استحضار بعد ذلك إحسان الله إلينا وتقصيرنا في حقنا لعل الله يمن علينا إذا استحضرنا ذلك بحلاوة مناجاته عند صلاتنا له.
نسأل الله أن يرزقنا حلاوة الإيمان وخشية على الدوام إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين، أقول هذا القول واستغفر الله.
الحمد لله رب العالمين..