الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تحذير التائب
من الذكر بضمير الغائب
(من خطب الجمعة)
للشيخ الدكتور
عبد الرحيم الطحان
تحذير التائب
من الذكر بضمير الغائب
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونؤمن به ونتوكل عليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فهو المهد ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً.
الحمد لله رب العالمين، شرع لنا دينا قويما وهدانا صراطاً مستقيما، وأسبغ علينا نعمه ظاهرةً وباطنةً وهو اللطيف الخبير.
اللهم الحمد كله ولك الملك كله، وبيدك الخير كله، وإليك يرجع الأمر كله أنت رب الطيبين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين وخالق الخلق أجمعين ورازقهم {فما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين} .
وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله أرسله الله رحمةً للعالمين فشرح به الصدور وأنار به العقول وفتح به أعينا عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غلفاً فجزاه الله عنا أفضل ما جزى به نبياً عن أمته، ورضي الله عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
(1) سورة فاطر: 3
(2)
سورة النساء: 1
(3)
آل عمران: 102
أما بعد: معشر الأخوة الكرام..
لازلنا نتدارس منزلة عبادة الذكر في الإسلام وما جرى نحو هذه العبادة من ابتداع من قبل المتأخرين من أمة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام.
إخوتي الكرام: تقدم معنا أن عبادة الذكر هي أفضل الطاعات بعد أداء الواجبات، وهذه العبادة غيرها المبتدعون المخرفون في العصور المتأخرة وتغييرهم دار على أمرين اثنين:
أما أنهم أحدثوا عبادة زعموا أنهم بها يذكرون ربهم كالقصائد والأشعار التي أحدثت في هذه الأمة من قبل الصوفية، ومن قبل من يزعمون الجهاد في هذه الأيام وعلقوا عليها وأعرضوا عن كلام ذي الجلال والإكرام.
وأما أنم جاءوا إلى صيغ الأذكار الشرعية فتلاعبوا في تغييرها وغيَّروا الكيفية.
وكنا نتدارس الأمر الثاني من أحوالهم في الموعظة الماضية وسأكمل الحديث عليه في هذه الموعظة بإذن الله جل وعلا، وكما هي عادتنا قبل أن نبدأ في إزهاق الباطل ودمغه ودحضه يحسن بنا بل يجب علينا أن نتدارس منزلة الحق ومكانته وفضيلته لتتعلق القلوب به وليسكن في الصدر ثم بعد ذلك نرد الباطل وندحضه.
(1) سورة الأحزاب 70، 71
إخوتي الكرام: تقدم معنا منزلة الذكر في الإسلام وقلتُ إن صيغ الأذكار تتفاوت عند ذي الجلال والإكرام فأعظمها كلمة التوحيد لا إله إلا الله فهذه هي أفضل ذكر يذكرها العبد ربه جل وعلا، وكنت ذكرت في الموعظة السابقة شيء من فضائل الذكر من هذه الكلمة، وكما قلت لن أتحدث عن أحكامها العظام ولا عن جميع فضائلها الحسان ولا على ما يترتب عليها من خيرات في العاجل والآجل، وإنما سأتكلم على جزئية يسيرة، ألا وهو الأجر الذي يعطيه الله لمن يذكره في هذه الصيغة فقط دون ما يترتب عليها من أحكام، فبهذه الكلمة ينجو الإنسان من النيران، بهذه الكلمة يستوجب الإنسان الشفاعة من النبي عليه الصلاة والسلام، بهذه الكلمة يدخل غرف الجنان، بهذه الكلمة يتمتع بالحور الحسان، بهذه الكلمة يعصم دمه في هذه الحياة فيصبح من أولياء الرحمن، لمن أتكلم هذه الآثار الحسان، وإنما أتكلم عن الأجر الذي يعطيه الله لمن يقول لا إله إلا الله، وقد ذكرت كثيراً من الأجور التي يمن بها العزيز الغفور على من يذكره بهذه الصيغة في الموعظة الماضية، وسأزيد ذلك تقريراً في نفس الموضوع دون أن أنتقل إلى جزئيه أخرى.
إخوتي الكرام..
من ذكر الله بهذه الصيغة فله من الأجر من الله ما لا يخطر ببال أحد.
ثبت في معجم الطبراني الكبير بسند حسن من رواية أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم.. قال [من قال لا إله إلا الله كتب له كذا وكذا حسنة] أي كتب من الحسنات ما لا يحيط به المخلوقات، والكريم إذا أطلعه الجزاء فلا يعلمه إلا هو فهو الكريم وهو رب الأرض والسماء، ومن قال هذه الصيغة وأكثر من قولها وواظب عليها بالليل والنهار فله أجر كبير عند ربنا الجليل.
ثبت في سنن الترمذي، وقال الترمذي هذا حديث حسن غريب، والحديث في إسناده الضحاك بن حمرة الاملوكي الواسطي وفيه ضعف وقد حسن الإمام الترمذي حديثه لعل ذلك لشواهده، ولفظ الحديث من رواية عبد الله ابن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال [من هلل الله بالغداة مائة مرة وبالعشي مائة مرة كان كمن اعتق مائة نفس من ولد إسماعيل] .
وتقدم معنا في الموعظة الماضية ما للمعتق من أجر عند الله جل وعلا، فمن اعتق رقبة واحدة في هذه الحياة اعتقه الله من النار وأوجب دار كرامته، أوجب له الجنة بفضله ورحمته، وهنا إذا هللت الله بالغداة مائة وبالعشي مائة فلك هذا الأجر عند الله كأنك أعتقت في ذلك اليوم مائة نفس من خيار أنواع الرقيق، من العرب إذا استرقوا من ولد إسماعيل.
نعم إخوتي الكرام: إن هذه الكلمة لها أثر عظيم عند ذي الجلال والإكرام.
ثبت في سنن البزار ومعجم الطبراني الكبير، والحديث رواه الإمام النسائي في كتابه (عمل اليوم والليلة) وابن أبي الدنيا، وإسناد الأثر صحيح من رواية سيدنا عمران بن حصين رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للصحابة الكرام [أما يستطيع أحدكم أن يعمل كل يوم مثل أحد عملاً، قالوا وكيف نستطيع أن نعمل كل يوم مثل أحد عملا، نحن أضعف من ذلك وأعجز يا رسول الله، فقال كلكم تستطيعونه، قالوا وكيف ذاك؟ فقال لا إله إلا الله أعظم من أحد وسبحان الله أعظم من أحد، والله أكبر أعظم من أحد.
نعم لا يثقل شئ مع اسم الله جل وعلا والميزان الذي كفته تسع السماوات والأرض كما ثبت هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم، ففي مستدرك الحاكم بسند صحيح على شرط مسلم أقره عليه الإمام الذهبي من رواية سيدنا سلمان الفارسي رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال [يوضع الميزان يوم القيامة فلو وزن فيه السماوات والأرض لوسعته فتقول الملائكة ربنا من يزينها هنا، من يستطيع أن يأتي بعملاً ليرجح ميزانه الذي كفته تسع السماوات والأرض، فيقول لمن شئت من خلقي، فتقول الملائكة سبحانك ما عبدناك حق عبادتك.
إن كلمة التوحيد التي يأتي بها الموحد وهي في بطاقة صغيرة تثقل الميزان ولا يثقل شئ مع اسم الرحمن جل وعلا.
نعم إخوتي الكرام: هذه الكلمة لها هذا الأثر عند ذي الجلال والإكرام، كلمة التوحيد من قالها فقد أتى بعمل أعظم عند الله من جبل أحد، وأخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أنه من هلل الله نظر الله إليه، ومن نظر الله إليه سينال رحمته قطعاً وجزماً، والحديث بذلك في كتاب (عمل اليوم والليلة) للإمام النسائي وهو في السنن الكبرى له والحديث رواه الإمام الخطيب البغدادي من رواية أبي هريرة رضي الله عنه، وأما الإمام النسائي فرواه من رواية يعقوب بن عاصم من رجلين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ويعقوب بن عاصم من أئمة التابعين وهو ثقة إمام عدل طيب مبارك حديثه في صحيح مسلم وهو من رجال سنن النسائي وأبي داود وهنا يروي هذا العبد الصالح يعقوب عن رجلين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وفي رواية أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال [ما من عبد يقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيءٍ قدير، إلا خرقت هذه الكلمة أبواب السماوات حتى تصل إلى الله جل وعلا فإذا وصلت إليه نظر الله إلى قائلها من أهل الأرض وحق لمن نظر الله إليه أن يعطيه سؤله] أو كما قال، وفي رواية الخطيب البغدادي عن أبي هريرة رضي الله عنه [ما من عبد يقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، إلا صعدت إلى الله جل وعلا، هذه الكلمة لا يحجبها شيء ليس دونها حجاب تخترق الحجب وتصعد فإذا وصلت إلى الله نظر الله إلى صاحبها وحق على الله ألا ينظر إلى أحد إلا رحمه، إذا نظر الله إليك تنال سؤلك ويعطيك حاجتك، إذا نظر الله إليك رحمك أرحم الرحمين، والحديث إسناده صحيح.
وصفة النظر من الصفات التابعة لمشيئة الله جل وعلا، فهو الذي ينظر إلى من يشاء، وإذا نظر إلى إنسان فقد رضي عنه ورحمه وقد أخبرنا ربنا أنه لا ينظر إلى من غضب عليه كما ذكر الله ذلك في سورة (آل عمران) :{إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلاً أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذابٌ أليم} .
وقد ثبت عن أبي عمران الجويني وهو من أئمة التابعين الكبار وحديثه في الكتب الستة وهو إمام ثقة عدل، ثبت عنه في كتاب (حلية الأولياء) في الجزء الثاني صفحة أربع عشرة ومائتين 2/214 عنه قال (ما نظر الله إلى أحد إلا رحمه ولو نظر الله إلى أهل النار لرحمهم، ولكن قدر ألا ينظر إليهم) والإمام ابن تيمية قرر هذا في (مجموع الفتاوى) في الجزء الثالث عشر صفحة أربع وثلاثين ومائة 3/134 أيضاً وبيَّن أن صفة النظر تابعة لمشيئة الله جل وعلا، فهو ينظر إلى من شاء ممن رضي عنه ولا ينظر إلى من شاء ممن غضب عليه.
فإذا هلل الإنسان بهذه الكلمة المباركة نظر الله إليه وإذا نظر الله إلى عبدٍ أعطاه سؤله، وإذا نظر الله إلى عبد رحمه، الذي يهلل الله يجد هذه المنزلة عنده جل وعلا يكتب له كذا وكذا من الحسنات، إذا قال هذه الصيغة مائة مرة بالغداة والعشي مائة مرة فكأنه أعتق مائة نفس من ولد إسماعيل عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، إذا هلل الله مرة واحدة نظر الله إليه، ومن نظر الله إليه أعطاه سؤله ورحمه، فهنيئاً لمن ينظر الله إليه، وهنيئاً ثم هنيئاً لمن ضحك الله إليه.
ثبت في مسند الإمام أحمد وأبي يعلى ومعجم الطبراني الكبير والأوسط بسندٍ رجاله ثقات كما في مجموع الزوائد للإمام الهيثمي في الجزء الخامس صفحة اثنتين وتسعين ومائتين 5/292 عن نعيم بن همار رضي الله عنه وهو من الصحابة الأبرار يقال له نعيم بن هبار ويقال نعيم بن هدار وقيل غير ذلك كما في (أسد الغابة) عن نعيم بن همار أن نبينا المختار قال [إذا ضحك ربك إلى عبد في الدنيا فلا حساب عليه] نعم هذه الصيغة بها هذه الآثار ولا فوق ذلك من هذه الآثار، إن هذه القلوب يخلق فيها الإيمان كما يخلق الثوب على الأبدان فلابد من تجديد الإيمان على الدوام ويجد ويذكر الرحمن جل وعلا.
ثبت في مستدرك الحاكم ومعجم الطبراني الكبير وإسناد الحديث صحيح من رواية عبد الله ابن عمرو ابن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال [إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب فسلوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم] نسألك برحمتك التي وسعت كل شيء أن تجدد الإيمان في قلوبنا، وأن توفقنا إلى الشيء الذي يحصل به تجديد الإيمان في قلوبنا فإنك أرحم الراحمين.
بأي شيء يجدد الإيمان، بذكر الرحمن سبحانه وتعالى وأوضح ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ففي مسند الإمام أحمد ومستدرك الحاكم وفي معجم الطبراني الكبير وإسناد الحديث صحيح من رواية أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم[جددوا إيمانكم، قالوا بأي شيء نجدد إيماننا؟ قال قولوا لا إله إلا الله] بهذه الكلمة يحصل بها تجديد الإيمان.
نعم: بها يحصل بها الدخول في الإيمان وبها يحصل بها تجديد الإيمان، بها تنجو من النيران، بها تدخل غرف الجنان، بها تستحق شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم، بها تستحق رحمة ذي الجلال والإكرام.
جددوا إيمانكم ـ بأي شيء نجدد إيماننا قال قولوا لا إله إلا الله، لا إله إلا الله أفضل الأذكار وأفضل ما نطق بها أنبياء الله وقد أمرنا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بذلك ففي مسند أبي يعلى وإسناد الحديث رجاله ثقات كما قال الإمام الهيثمي رجاله رجال الصحيح إلا ضمام بن إسماعيل فهو ثقة، لم يخرج أحد من أصحاب الكتب الستة في كتبهم، إنما أخرج الإمام البخاري في (الأدب المفرد) وهو ثقة إمام عدل رضا، ورواه الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد، ورواه ابن عساكر، وإسناده صحيح من رواية أبي هريرة رضي الله عنه عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال [أكثروا من قول لا إله إلا الله قبل أن يحال بينكم وبينها ولقنوا بها موتاكم] هي أول واجب وهي أوجب واجب هي أعظم واجب هي آخر واجب، هنيئاً لمن ختم له بكلمة التوحيد، هذه بعض فضائل الذكر بكلمة لا إله إلا الله، فإذا كان لهذه الكلمة هذه الفضائل والخيرات والبركات كما تقدم معنا أن أفضل الأذكار كلام العزيز الغفار وكما أن صيغ الأذكار تتفاوت في الثواب فهذا سور القرآن تتفاوت في الثواب وكنا نتدارس أعظم سور القرآن ثواباً ومنزلة ألا وهي سورة الإخلاص كما أن أفضل صيغ الأذكار كلمة الإخلاص، فتقدم منزلة سورة الإخلاص هذه السورة من تعلق بها، سورة وجيزة بليغة فيها صفة اله ونسبه سبحانه وتعالى هو أحد، صمد، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.
ثبت في الصحيحين والسنن الكبرى للإمام النسائي والحديث في كتاب (الأسماء والصفات) للإمام البيهقي وهو في أعلى درجات الصحة عن أمنا عائشة رضي الله عنها بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثاً وأمر عليهم واحداً منهم فكان يصلي بهم ويختم صلاته بقل هو الله أحد، إذا انتهى من القراءة قبل أن يركع يقرأ سورة الإخلاص، فقال له قومه، يجزئك أن تقرأ السورة الذي قرأتها أو أن تقرأ سورة الإخلاص فعلام تقرن بين السورة التي تقرأها وبين سورة الإخلاص بعد ذلك قال: ما أنا بفاعل ما تقولون ولا يمكن أن أقتصد على سورة كلما أقرأ أختم الركعة بقل هو الله أحد فإن شئتم قدموا غيري ولا مانع عندي وكانوا لا يريدون تقديم غيره فهو أميرهم وأقرأهم، قيل هو كلثوم بن الهرم من الأنصار الأبرار، كما ذكر الحافظ ابن حجر في (فتح الباري) في الجزء الثاني صفحة ثماني وخمسين ومائتين 2/258 وقيل غيره، انظروا الحقيقة الكلام في بيان المراد بهذا الصحابي رضي الله عنه.
فلما عادوا ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم[قال سلوه لأي شيء يفعل ذلك؟ فسألوه: فعلام تختم قرأتك بقل هو الله أحد؟ فقال لأنها صفة الرحمن أنا أحبها فقال نبينا صلى الله عليه وسلم أخبروه بأن الله يحبه] وفي مسند الإمام أحمد وصحيح البخاري ومسند الترمذي، والحديث رواه الإمام البيهقي في السنن الكبرى وابن الفريس في (فضائل القرآن) وهو في صحيح البخاري كما قلت فالحديث صحيح من رواية أنس بن مالك أن بعض الأنصار الأبرار كان يصلي في مسجد قباء بقومه فكان يفتتح قراءته بقل هو الله أحد، هذا يختم، وهذا يفتتح، فعتب عليه قومه إما أن تقتصر على {قل هو الله أحد} أو على السورة التي تقرأها بعدها فهذا يجزئك، فقال: ما أنا بفاعل فإن شئتم قدموا غيري كما قال ذاك وما كانوا يريدون أن يتقدم غيره لحسن قراءته ولكثرة حفظه فعرضوا هذا على النبي صلى الله عليه وسلم فستدعاه النبي عليه الصلاة والسلام وسأله علام تفعل ذلك؟ قال: يا رسول الله إنها صفة الله وأنا أحب أن أقرأ بها فقال: حبك إياها أدخلك الجنة، وفي بعض الرواية الحديث عن أنس رضي الله عنه أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال إن أخي مولع بسورة الإخلاص يكثر من قراءتها فقال بشره بالجنة.
فمن أكثر من قراءتها أحبه الله، فمن أكثر منها ولهج بها له بشارة بفضل الله ورحمته أنه من أهل الجنة، هذه السورة هي صفة الله ونسب الله وعندما سأل أهل الأرض عن أنساب الله أنزل الله هذه السورة فيجب بنا أن نقرأها وأن نلهج بها ويعطينا عليها من الأجور ما لا يخطر ببال أحد من المخلوقات.
ثبت هذا في سنن الإمام أحمد وسن الترمذي، والحديث رواه الإمام البيهقي في (الأسماء والصفات) وهو في تفسير الطبري والبغوي ورواه الإمام ابن المنذر في تفسيره وأبو الشيخ في كتابه (العظمة) وبوب عليه الإمام ابن أبي عاصم في كتابه (السنة) باباً فسماه (باب نسبة الرب جل وعلا) والحديث إسناده حسن وأقره عليه الإمام الذهبي وله شواهد كثيرة ولفظ الحديث من رواية أبي المنذر أبي بن كعب رضي الله عنه قال قال المشركون للنبي صلى الله عليه وسلم أنسب لنا ربك فأنزل الله {قل هو الله أحد * الله الصمد * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَد} (1) ٌ.
(1) سورة الإخلاص
وقد تكرر هذا من المشركين في زمن نبينا الأمين عليه الصلاة والسلام فكان الجواب ينزل بهذه الصورة، ثبت ذلك في معجم الطبراني الأوسط والأثر رواه الإمام الطبري في تفسيره وأبو يعلى بسنده أيضاً، كتاب (الأسماء والصفات) للإمام البيهقي ورواه ابن المنذر في تفسيره وابن الضيريس في (فضائل القرآن) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: أتى رجلاً أعرابياً إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد صف لنا ربك، يا محمد أنسب لنا ربك، فأنزل جل وعلا سورة الإخلاص {قل هو الله أحد * الله الصمد * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَد} (1) ٌ وهذا الأثر حسن إسناده الإمام السيوطي عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا وتكرر هذا في غير هؤلاء في رواية عبد الله بن مسعود في معجم الطبراني الكبير وكتاب (العظمة) لأبي الشيخ قال، قالت قريش للنبي صلى الله عليه وسلم أنسب لنا ربك فأنزل الله {قل هو الله أحد * الله الصمد * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَد} (2) ٌ وعلى هذا فالسورة مكية وتكرر نزولها في المدينة المنورة عندما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذه البقعة المباركة فسأله اليهود كما سأله عتاة قريش عن نسبة الرب وصفة الرحمن فأنزل الله هذه السورة أيضاً.
ثبت هذا أيضاً في تفسير ابن أبي حاتم، والحديث رواه البيهقي في (الأسماء والصفات) ورواه أبو الشيخ في كتابه (العظمة) عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال، قالت اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم صف لنا ربك فأنزل الله سورة الإخلاص {قل هو الله أحد * الله الصمد * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَد} (3) ٌ.
وثبت هذا من رواية أنس بن مالك رضي الله عنه كما ورد هذا في كتاب
(1) سورة الإخلاص
(2)
سورة الإخلاص
(3)
سورة الإخلاص
(العظمة) لأبي الشيخ، والأثر رواه السمرقندي في فضائل سورة الإخلاص قالت اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم صف لنا ربك فأنزل الله جل وعلا:{قل هو الله أحد * الله الصمد * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَد} (1) ٌ.
فالآثار المتقدمة الثلاثة من رواية أبي بن كعب، من رواية جابر بن عبد الله، وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهم تدل على أن السورة مكية، والاثاران الآخران من رواية ابن عباس وأنس رضي الله عنهم تدل على أن السورة مدنية، وقد ورد ما يؤيد القول الأول من رواية جماً غفيراً من التابعين وكلاً مبهم له حكم الرفع إلى نبينا الأمين عليه الصلاة والسلام، ثبت ذلك في تفسير الطبري من رواية عكرمة وأبى العالية وأثر أبي العالية رواه الإمام الترمذي أن سورة الإخلاص نزلت عندما سأل المشركون عن نسب الحي القيوم فنزل {قل هو الله أحد * الله الصمد * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَد} (2) ٌ والذي يدل عل أنها مدنية نقل أيضاً عن جماً غفير من التابعين منهم قتادة في تفسير الطبري وابن المنذر والأثر رواه بن الرزاق وإسناده صحيح إلى قتادة ومنهم سعيد بن ثبت في تفسير الطبري وابن المنذر ومنهم أيضاً الضحاك بن مزاحم، ثبت ذلك في كتاب (السنن) للإمام الطبراني.
(1) سورة الإخلاص
(2)
سورة الإخلاص
إذن مكية، مدنية، والجمع بين هذا ما ذهب إليه أئمتنا وهو المعتمد في هذا وقرره الإمام الزركشي في كتاب (البرهان في علوم القرآن) الجزء الأول في صفحة ثلاثين 1/30 فقال (وهذه السورة مما تكرر نزولها وقد يتكرر نزول بعض القرآن لمزيته وأهميته، تكرر نزولها لتكرر سبب النزول) فنزلت في مكة عندما سأل المشركون عن نسب الحي القيوم، فلما هاجر نبينا المعصوم عليه الصلاة والسلام إلى المدينة المنورة وسأله اليهود عن نسب ربنا جل وعلا أنزل الله السورة بعينها وهذا ما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية في (جواب أهل العلم والإيمان تحقيق ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من أن سورة الإخلاص {قل هو الله أحد} تعدل ثلث القرآن في صفحة تسعين ومائة صـ190 بيَّن أن هذه السورة مكية، مدنية نزلت في مكة جواباً للمشركين، ونزلت في المدينة جواباً لليهود.
إذن هذه لها شأن عظيم، من أحبها أحبه الله وأدخله الله الجنة، وقد كان سلفنا يلهجون بذكر الله بذكر لا إله إلا الله كما كانوا يلهجون بذكره بقراءة سورة الإخلاص {قل هو الله أحد * الله الصمد * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَد} (1) ٌ فما الذي حصل بعد ذلك، إنما الأمر تغير وتكدر كما تقدم معنا، أعرض الناس عن أفضل الأذكار عن كلمة التوحيد، وأعرض الناس عن أفضل الكلام عن كلام الله المجيد، وعن التقرب إليه بصفته وبهذه السورة التي فيها نسبه جل وعلا، أعرضوا عن التعبد لله بهذه الصيغ الشرعية التي لها أجور كثيرة وفيرة، فلجأوا إلى قصائد وأشعار وإلى أذكار زعموا أنها كهذه الأذكار أو أنها أعظم في المنزلة وهم أتوا صيغ الأذكار الشرعية فغيروا كيفيتها، تقدم معنا أنه ما ابتدعوه ذكر أن بالاسم المفرد الله هو، مظهراً أو مضمراً حق قيوم، قهار، غفار، يجلس ويردد أسماء من هذه الأسماء الحسنى المباركة دون أن يذكر جملة مفيدة، تقدم معنا أن هذا من الأذكار المبتدعة، وتقدم معنا أنه غلا كثير من المخرفين المتأخرين فقالوا أن لا إله إلا الله ذكر العوام وأن ذكر الله بالاسم المفرد (الله، الله) ذكر الخواص، وأن ذكر الله بالاسم المفرد (هو، هو) ذكر خواص الخواص، وتقدم معنا إخوتي الكرام تفنيد هذه الأوهام، وأن هذا من البدع التي لم يأذن بها ذو الجلال والإكرام.
(1) سورة الإخلاص
فالذكر بالاسم المفرد قلت لا دليل عليه وهو مبتدع، وما ذكر نبينا ربنا بهذه الصيغ، وما دلل عليه هؤلاء من صحة كلامهم من كلام الله ومن أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن أدلة عقلية وكنت ذكرتها إخوتي الكرام في الموعظة الماضية وبينت ما هو ثابت في القرآن والسنة واستدلوا به لا دلالة فيه على ما قالوا وما لم يثبت وقالوا إنه يدل على قولنا فقلت إنه ليس بثابت فلا يجوز الاحتجاج به. وتقدم معنا هذا، وأما الحجج العقلية التي أتوا بها كما نقلوه عن الشبلي وغيره من أنه لا يريد أن بذكر الله بكلمة التوحيد لا إله إلا الله حتى لا يموت بين النفي والإثبات فقلت غاية ما يقال عن هذا أنه من الخطأ الذي يقدر فيه قائله وليس هو من السعي الذي يشكر عليه ولا يجوز أن يتبع في هذا إخوتي الكرام، هذا تقدم، ومن هذه الجزئية قلت سأكمل الكلام عن ذلك على ما بعدها إن شاء الله.
إخوتي الكرام: إن كثيراً من الناس غلوا في هذا الذكر المبتدع، أفضل الأذكار (الله، الله)(هو، هو) ووصل الأمر ببعض الصوفية المتأخرين كما يحكى عنهم ذلك حجة الإسلام وأعجوبة الزمان الإمام الغزالي في (الأحياء) 3/18 ويكرر هذا في ص74.
والإمام المبارك الإمام الغزالي يعد أنه حكى ذلك عن الصوفية، ليته رده وأبطله، وفنده بل ظاهر كلامه أنه يقرره ويحتج به وهو باطلٌ باطل لاشك فيه يذكر هذا الإمام المبارك في المكانيين المتقدمين الفارق بين الصوفية وغيرهم وأن غيرهم يحصلون العلوم عن الطرق التعليمة، أولئك يتعلمون ويجلسون بين يدي المشايخ ويكون في حلق الذكر، وأم هؤلاء عن طريق الإلهام كيف الإلهام أيها الإمام؟ قال وطريق الصوفية أقرب وأيسر وأسلم والإنسان يحصل المطلوب بسرعة، كيف هذا قال أنه يفرغ نفسه عن مشاغل الدنيا ولا يفعله بمال ولا أهل ولا ولد، يجلس في حجرة مظلمة لا يراه أحد، وإن قدر أنه يتصور أنه يراه أحد فينبغي أن يلف رأسه بثوب أو أن يدخل رأسه في جبة أو أن يدثر بثوب ثم يجلس في هذه الحجرة المظلمة فيقول (الله، الله، الله) ولا يقرأ قرأناً ولا ينظر في تفسير ولا في حديث ولا يتدبر معنى آية أو حديث لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ويبتعد من قراءة القرآن وحديث النبي صلى الله عليه وسلم وعن التدبر والتأمل جلس في حجرة مظلمة، ولف رأسه بثوبه وأطرقه ثم يقول (الله، الله، الله) يقول حتى بعد ذلك قالها مصورة اللفظ حتى عن لسانه، ويستقر هذا المعنى في قلبه ثم بعد ذلك أيضاً يغفل عن هذا حيث يتعلق بربه فعند ذلك يظهر له البوارق الربانية، والأنوار الرحمانية ويرى جلال كحضرة الإلهية إخوتي الكرام: يقرر هذا في هذين المكانين وكلامه أخذ قرابة صفحة ولا أريد أن أقرأه من أوله إلى آخره وهو كلام باطل لاشك فيه وليت هذا الإمام الهمام علق عليه بما يبين أن هذا الطريق فيه نسف الإسلام من أوله لآخره وفيها لبساط الشريعة وتعطيل أحكام الله جل وعلا.
فالله أمرنا أن نتعلم كتابه وحديث نبيه عليه الصلاة والسلام والعلم بالتعلم، وهؤلاء يريدون منا أن نخلو في حجرة مظلمة لتعشش الشياطين في أذهاننا ونحن نعبد الشيطان بعد ذلك ونزعم أننا نعبد الرحمن وقياس حال الأولياء على حال خاتم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام قياس في منتهى البعد والفساد والشناعة، فذاك معصوم وعند ما ينزل عليه الوحي يحاط من جميع الجهات من بين يديه ومن خلفه رصدا ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم وأحاط بما لديهم وأحصى كل شيء عددا كما أخبر ربنا عن ذلك في كتابه في سورة (الجن) :{عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً* إلا من ارتضى من رسولٍ فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا* ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم وأحاط بما لديهم وأحصى كل شيء عددا} .
ما الصعلوق منا إذا اجلسا في حجرة مظلمة وابتعد عن القرآن وعن حديث نبينا عليه الصلاة والسلام ليتخيل في مختليه أشياء وأشياء ما العصمة لما تخيل له وما العمدة فيما ظهر له من أنوار فهو من الحضرة الإلهية لا من الشياطين الغوية، إن الإلهام لا يجوز أن يعول عليه أحد أياً كان؟ أما ما اخترعه الصوفية من أن الإلهام مصدر الأذكار هذا من وساوس الشيطان يقول علماؤنا (وينبذ الإلهام بالعراء أعني به إلهام.. الأولياء وقد رآه بعض من تصوف وعصمة النبي توجب اقتداء، النبي صلى الله عليه وسلم عندما يلقى في روعه عندما يحدث وينزل عليه الوحي فهو معصوم فيجب علينا أن نتبعه وأن نقتفي أثره وأما هذا الولي فلا ثم لا، لذلك لخان الصالحون من الصوفية لإلهام فلا أقبلها إلا بشاهدين عدلين من الكتاب والسنة وكان الصالحون من الصوفية يقولون: دوروا مع الشرع حيث دار، لا مع الكشف (الإلهام) فإنه يخطأ.
والله ضمن لشرعه العصمة وما ضمن لأوهامنا وساوسنا العصمة، إننا إذا أردنا أن نحصل العلم الشرعي بأن نجلس في حجرة مظلمة، وأن نلف رأسنا بثوب وأن نقول بعد ذلك (الله، الله، الله) لتحصل لنا الفتوحات وتتنزل علينا الخيرات والبركات فهذا ضلال وطيٌ لبساط الشريعة من أوله إلى آخره، علق الإمام ابن الجوزي في كتابه (تبليس إبليس) صفحة ثلاث وعشرين وثلاثمائة وصفحة ثاني وثمانين ومائتين صـ323 صـ282 على هذا الكلام بعبارة قاسية، ونعم ما قال قال المصنف رحمه الله وهو الإمام ابن الجوزي توفي سنة سبع وتسعين وخمسمائة من الهجرة 597هـ والإمام الغزالي توفي سنة خمس وخمسمائة 5005هـ سنة، بينهما اثنتان وتسعون سنة.
يقول الإمام ابن الجوزي (عزيز عليَّ أن يذكر هذا الكلام منه ففيه فإنه لا يخفى قبحه فإنه في الحقيقة طي لبساط الشريعة التي حثت على تلاوة القرآن وطلب العلم وعلى هذا المذهب قرر) رأيت الفضلاء من علماء الأمصار ما سلكوا هذا الطريق، إنما اشتغلوا بالعلم أولاً وعلى ما قد رتب أبو حامد معنى الغزالي تخلو النفس بوساوسها وخيالاتها ولا يكون عندها من العلم ما يطر وذلك فيلعب بها إبليس أي ملعب غيرها الوسوسة محادثة كأن الله يحدثه ولكن الشيطان يوسوسه فيريها الوسوسة محادثة ومناجاة ولا تتكرر أنه إذا طهر القلب انصبت عليه أنوار الهدى فينظر بنور الله إلا أنه يجب تطهيره بمقتضى العلم لا بما ينافيه، ابتعد عن العلم الشرعي وسنن النبي عليه الصلاة والسلام تنصب عليه الأنوار، ما تنصب عليه إلا الظلمات والإقرار إنما عالم صالح حفظ كتاب الله ووعى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، نعم إذا طهر قلبه من التعلق بالدنيا تنصب عليه الأنوار وينظر بنور العزيز القهار، قال الإمام ابن الجوزي: ثم إن لا تنافى بيده العلم والرياضة بل العلم يعلم كيفية الرياضة ويعين على تصحيح الرياضة وإنما تلاعب الشيطان بأقوام أبعدوا العلم وأقبلوا على الرياضة بما ينهى عنه العلم والعلم بعيد عنهم، فتارة يفعلون الفعل المنهي عنه وتارة يؤثر ومر ما غيره أولى سنة، وإنما كان يفتي في هذه الحوادث العلم وقد عزلوه فنعوذ بالله من الخذلان، ثم روى عن بعض من عاصرهم من أهل الشطط والزيغ ممن دخلوا هذه الخلوات ثم بعد ذلك انسلخوا من دين رب الأرض والسماوات، فيحكى قصة عن بعض هؤلاء المخذولين أنه كان يقول: القرآن حجاب والرسول حجاب ليس إلا عبد ورب، يقول دعك من القرآن ومن النبي، إذا أجلس في حجرتك وقول (هو، هو) ، ففتتن جماعة به فأهملوا العبادات ثم اختفى مخافة القتل، هذا بعض الزنادقة الذين كانوا في القرن السادس للهجرة فماذا يقول الإمام ابن الجوزي لو أدرك زنادقة أيامنا في
هذا الزمان.
إخوتي الكرام: كل من عزل العلم عن هذه الحياة فهو جاهل يحب نفسه ويعبد شيطانه وإن زعم أنه يعبد ربه وكل من يغير علم يعمل أعماله مردودة لا تقبل لذلك لابد أن تزين بيوت المسلمين بكتب العلم الشرعي من كتاب الله وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب أئمتنا السلف ليكرر العبد النظر فيها بين الحين والحين، وأما أنه يريد تنزل عليه الفتوحات وهو بعيد عن الكتاب والسنة فيهات هيهات أن يحصل له ما يريد.
إخوتي الكرام: عندما بحث أئمتنا في أنواع الأدلة فهما تعددت فهي تنقسم إلى أربعة أنواع، نوعان شرعيان سلفيان مقبولان، ونوعان مبتدعان مخترعان بدعيان مردودان، السلفيان الشرعيان هيما النصوص الشرعية من الكتاب السنة، والدليل الثاني الفطرة البشرية التي تقلدها العقول بلا تمطع ولا تكلف، والأدلة المخترعة النظر الفلسفي العقلي المتعمق فيه كما حصل من أصحاب الهذيان والدليل أنهم يعولون على أدلة الكشف والعقول ولا يقفوا على الأدلة التي جاء بها الرسول صلى الله عليه وسلم.
إخوتي الكرام: هذا يتبع ما تقدم أن الذكر بالاسم المفرد أفضل الأذكار، يقدمه على كلام الله وعلى تدبره وعلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى فهمه ونجلس في حجرة مظلمة ونقول (الله، الله) ، هذا طريق المضالين وليس بطريق المهتدين واعلموا عباد الله أن الصوفية الصادقين بريئون من هذا المسلك، فهذا الشيخ الصالح شيخ العارفين سهل ابن عبد الله أبو محمد التستاري الزاهد الصوفي شيخ الصوفية المهتدين في القرن الثالث الهجري يقول (اجهدوا ألا تلقوا الله إلا ومعكم المحابر،) وقيل له إلى متى يكتب الرجل الحديث قال حتى يموت ويصب باقي حبره في قبره وكان يأتي إلى أمير المؤمنين في الحديث الإمام أبي داود شيخ أهل السنة وصاحب السنن فيقول له لي إليك حاجة، فيقول أبو داود وما هي؟ فيقول سهل: حتى تقول قضيتها مع الإمكان فيقول سهل: أخرج لي لسانك التي حدثت به أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أقبله فأخرج أبو داود لسانه فقبله وهو القائل كما في (الحلية) وكتاب (الزهد) للإمام البيهقي (لا معين إلا الله ولا دليل إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم) انظروا هذا وغيره من ترجمته العطرة في (سير أعلام النبلاء) صفحة ثلاثين وثلاثمائة صـ330 وما بعدها، وسهل توفي سنة ثلاث وثمانين ومائتين 283هـ وقد أثنى عليه كل من ترجمه وملأ الإمام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم بكتبهم بالنقل عنه ووصفه الإمام ابن تيمية بأنه من أكابر المشايخ وأئمة الهدى ونقل عنه في (الاستقامة) الجزء الثاني صفحة خمسين ومائة 2/150 أنه قال (كل وجدٍ لا يشهد له الكتاب والسنة فهو باطل) .
إخوتي الكرام: كنت ذكرت في مواعظ سابقة قصة هذا العبد الصالح مع الإمام أبي داود فاعترض عليها بعض السفهاء وأكثروا الشغب من غير دليل ولا أدب فربنا يرزقنا الأدب معه ومع خلقه.
نعم إخوتي الكرام إن الصوفية الصالحين بريئون من أوهام المخرفين المتأخرين وقد اشتهر عن الإمام ال وتوفي سنة ثمان وتسعين ومائتين 298هـ اشتهر عنه أنه قال: (علمنا مضبوط بالكتاب والسنة، فمن لم يحفظ القرآن ويكتب الحديث ولم يتفقه لا يقتدي به) رحمة الله عليه، أين مثله كما يقول الإمام الذهبي في ترجمته.
وأما الذكر بالاسم المضمر وهو ــ هو، هو، فهو أشنع من الذكر بلفظ الجلالة مظهرة الله، الله.
هو، هو ــ مضمر، وهناك مظهر، ولم يرد في الشريعة ما بهذا ولا بهذا، أما هو، هو، وقيل إنه أفضل الأذكار، وأنا أعجب من الجديد على ذكر لم ينقل عن أعلم البرية صلى الله عليه وسلم ويعارض به ما قال به النبي صلى الله عليه وسلم أنه أفضل الأذكار وأن أفضل ما قاله هو والنبيون من قبله هو، لا إله إلا الله، وهذا يأتي ويقول هو، هو من أفضل الأذكار، وأول من أهذا الذكر المبتدع ودعا إليه الحسين بن منصور الحلاج صاحب، الضلال والاعوجاج الذي أباح العلماء دمه، فقتل سنة تسع وثلاثمائة للهجرة 3009هـ لما كان يقوم به من بدع وزندقة واسم كتابه (هو، هو) انظروا ضلالته في (سير أعلام النبلاء) في الجزء الرابع عشر صفحة أربعة عشر وثلاثمائة 14/314 فما بعدها حيث ترجمه في أربعين صفحة وتبعه على ذلك الضلال ابن عربي صاحب اللصوص والفتوحات الهلكية وهو علي بن محمد الطائي الحاكم الأندلسي توفي سنة ثماني وثلاثين وستمائة 638هـ وألف كتاب سماه (الهو) وكتبه ابن عربي مشحونة بالضلالات فإن تاب منها قبل موته فالله يقبل توبة من تاب إليه ممن يشاء من عباده، ونقلت كلام العز بن عبد السلام في دروس الترمذي رزقنا الله العلم الن الإمام الرازي غفر الله لنا وله، في أول تفسيره في الجزء الأول صفحة خمسة وأربعين ومائة 1/145 إلى صفحة اثنتين وخمسين ومائة صـ152 ذكر أحد عشر دليل في تفصيل الذكر بالاسم المفرد (هو، هو) على (الله، الله) ومن باب أولى على (لا إله إلا الله) .
إن قلب المؤمن يتفطر عندما يسمع هذا، وقال:(وإذا قرنت المكتوب بين ما أجده من اللذة في القلب من الذكر بالاسم المفرد المضمر (هو، هو) وجدت أن المكتب لا يفي بما في القلب فعلمت أنه لا يمكن للإنسان أن يحيط بأسرار هذا الذكر (هو، هو) أحد عشر دليل منها: هذا أفضل الأذكار لأنه خال عن الإشعار بالسؤال فهذا يدل على تعظيم خالص لله، فلا تقول يا الله ارحمني، يا رب توب عليَّ لكن أنت الآله (هو، هو) .
الأمر الثاني: (هو، هو) هذا صيغ الغائب وأنت عندما تذكرها كأنك تذكر الله بها كأنك تقول من أنا حتى أثنى عليك ما فيك من صفات العظمة فمن أنا.
أمر ثالث يقول: هذا الذكر بالفظ (هو) يوجب الدهشة والحيرة، فمطلوب للإنسان أن يدهش ويتحير في جلال الله عظمته ووجه ذلك لأن الله جل وعلا ما احتجب عنا إلا لنقصنا ولو حصل الكمال فينا لمن علينا ولأريناه كما سمين بإلكمال في الجنة فنراه بما أن النقص فينا هو الذي حجبنا عن ربنا فينبغي أن نلهج (هو، هو) لأن نقصنا هو الذي فجبنا عنه فلا ينبغي أن نذكره بما فيه من صفات الكمال والجلال، ثم قال: إن من يذكر الله بما فيه من بهذه الصيغة (هو، هو) تعترية الدهشة والدهشة مطلوبة إلى غير ذلك من الكلام في تفضيل الذكر بهو على الذكر الله، الله، عن باب أولى على كلمة التوحيد (لا إله إلا الله) .
وأنا أريد أن أقول مرو هذا إلى النبي عليه الصلاة والسلام لا إلى الرازي ولا إلى الغزالي ولا إلى كبير ولا إلى صغير فمن أراد أن يقول إن هذه الصيغة هي أفضل الأذكار نقول هات الدليل على ذلك من كتاب نبينا المختار عليه الصلاة والسلام، عرف الخلق الخالق على البيان وتوضيح المطلوب، فإذا كان الذكر (هو، هو) ، هذا ذكر النبي عليه الصلاة والسلام ربه به، وهل علم أمته هذه الأذكار.
إخوتي الكرام: أذكار بدعية عكف عليه الناس في هذه الأيام يعبدون الشيطان ويعبدون أهوائهم وهم يظنون أنهم يذكرون الرحمن، ليتك إذا ذكرت الله بهذه الصيغ تخرج رأساً ترأس لا أجر ولا وزر، إنما سترتكب وزراً، لو قدر أنه لا حرج من الذكر بها فأين الثرى من الثرية، وأين البعر من الدر عندما تقول هو لا معكم به أجراً، وعندما تقول (لا إله إلا الله) لا منزلة من الله أعظم من جبل أحد، عندك عقل تميز به بين الآخرين، لو سلمنا تنزلاً أن ذكر الله باسم الله مظهراً أو مضمراً جائز لكن الفضيلة التي تحصل لك أنت ولا غيرك أن تثبت له فضيلة من الفضائل وأما هناك فقد أخبرك نبيك صلى الله عليه وسلم عما يكون من فضائل وأجد فعلام تذهد منها أيها الإنسان.
إخوتي الكرام: لابد من اتباع نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام والسلف الذين اتبعوه بإحسان وفي جميع أحوالنا وكل خبر في اتباع من سلف وكل شر في ابتداع من خلف.
أسأل الله ربنا أن يلهمنا رشدنا وأن يجعل هواناً تبعاً لشرع نبينا صلى الله عليه وسلم.
أقول هذا القول واستغفر الله.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن محمد عبده ورسوله خير خلق الله، اللهم صلِ على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيراً، وارض اللهم عن الصحابة الأبرار رضي الله عنهم أجمعين.
إخوتي الكرام: إن كلمة التوحيد لها أجرٌ جليلٌ جليل عند ربنا الكريم وقد كان نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم يذكر أصحابه بها دائماً، ذكر عند الإمام أحمد والحديث رواه الإمام الطبراني في معجمه الكبير، وفي مسند البزار، ورواه الإمام النسائي وهو في مستدرك الحاكم، ورواه الإمام الضياء المقدسي في الأحاديث، وإسناد الحديث حسن كما قال الإمام المنذري في (الترغيب والترهيب) في الجزء الثاني صفحة 415، ورجال الإسناد موثقون كما مجمع الزوائد في الجزء الأول صفحة 19، وأعاد الحديث في الجزء العاشر كتاب (الأذكار) صفحة 81.
ولفظ الحديث عن يعلى بن شداد بن أوس رضي الله عنهم حدث عن أبيه شداد ابن أوس وعبادة بن الصامت حاضر يصدق فالحديث من رواية صحابيين جليلين يقول شداد بن أوس كنا مع النبي عليه الصلاة والسلام يوماً فقال عليه الصلاة والسلام [هل فيكم غريب؟] ويريد بذلك هل فيكم أحد من أهل الكتاب، دخل النبي على أصحابه في مجلس به كثيرون فقال [هل فيكم غريب؟ فقالوا لا يا رسول الله فقال: أغلقوا الباب، فأغلقوا الباب فقال: ارفعوا أيديكم فرفع الصحابة الكرام أيديهم ثم قال لهم النبي قولوا لا إله إلا الله ثم حمد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ربه فقال: الحمد لله اللهم إنك بعثتني بهذه الكلمة وأمرتني بها ووعدتني عليها الجنة ثم قال للصحابة الكرام: قوموا فقد غفر الله لكم، والله لو كنا نعظم ربنا لما فترت ألسنتنا عن ذكر الله بها، من أجلها أرسل الرسل من أجلها أنزلت الكتب، من أجلها أسس الجنة والنار، ليعبد الله وحده لا شريك له، فكيف بعد ذلك أعرضت عقول الضالين عن هذا الذكر إلى أذكار ولم يأذن بها ربنا الكريم.
اللهم صلي على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين.
اللهم اجعلنا من أحب خلقك إليك، ومن المقربين لديك وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين.
اللهم اجعل حبك وحب رسولك صلى الله عليه وسلم أحب إلينا من كل شيء، أحب إلينا من الماء البارد في اليوم القائظ.
اللهم صلِ على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم أنزل علينا من بركات السماء، وأخرج لنا من بركات الأرض بفضلك ورحمتك.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم
{قل هو الله أحد * الله الصمد * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَد} (1) ٌ
(1) سورة الإخلاص