الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فضل النفقة الواجبة
(من خطب الجمعة)
للشيخ الدكتور
عبد الرحيم الطحان
فضل النفقة الواجبة
17
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونؤمن به ونتوكل عيه ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشدا.
الحمد لله رب العالمين مشرع لنا ديننا قويماً وهدانا صراط مستقيم وأصبغ علينا نعمة ظاهرة وباطنة وهو اللطيف الخبير.
اللهم لك الحمد كله ولك الملك كله وبيدك الخير كله وإليك يرجع الأمر كله أنت رب الطيبين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين وخالق الخلق أجمعين ورازقهم، فما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كلٌ في كتاب مبين.
وأشهد أن نبياً محمد عبد الله ورسوله أرسله الله رحمة للعالمين فشرح به الصدور وأنار به العقول وفتح به أعيننا عمياً وأذاناً صماً وقلوب غلفا فجزاه الله عنا أفضل ما جزى به نبينا من أمته ورضي الله عن أصحابه الطيبين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
(1) سورة فاطر: 3
(2)
سورة النساء: 1
(3)
آل عمران: 102
أما بعد: معشر الأخوة المسلمين..
أحب البقاع إلى الله جل وعلا وأفضل البقاع في هذه الأرض المساجد فهي بيوت الله وفيها نوره وهداه وإليها يؤوي المؤمنون الموحدون المهتدون وقد نعت الله من يأوي إلى بيوته بأنهم رجال ثم وصفهم بأربع خصال لا تلهيهم الدنيا- ويذكرون الله ويصلون له ويشفقون على عباد الله ويحسنون إليهم ثم يستعدون بعد ذلك للقاء ربهم {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ لَاّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ القُلُوبُ وَالأَبْصَارُ} (2) .
وقد تدارسنا إخوتي الكرام الصفتين الأوليين من صفات هؤلاء الرجال أن الدنيا لا تلهيهم وأنهم بعد ذلك يصلون لله جل وعلا ويعظمونه ويعرفون حقوق الله عليهم وكنا نتدارس الصفة الثالثة ألا وهي إيتاء الزكاة وقد مضي الكلام على هذه الصفة في موعظتين اثنتين مضى الكلام على سبب اقتران الزكاة بالصلاة – في هذا الموضع وعلى فريضة الزكاة ووجوبها وعلى التحديد من عدم إخراجها.
ثم تدارسنا بعد ذلك إخوتي الكرام النفقات التي أوجبها الله على أهل الإسلام من زكاة واجبة ومن نفقات على الأهل ومن حقوق واجبة طارئة تجب على الإنسان إذا تعينت.
(1) سورة الأحزاب 70، 71
(2)
سورة النور: 36، 37
وسنتدارس في هذه الموعظة إن شاء الله فضل النفقة الواجبة وإذا مد الله في أعمارنا نتدارس في الموعظة الآتية فضل الصدقة المندوبة ثم ننتقل بعد ذلك إلى مدارسة الصفة الرابعة من صفات هؤلاء الرجال الأبرار عباد الله إخراج النفقة الواجبة له أجرٌ عظيم – عند رب العالمين فمن فعل هذا لن يخاف مما يستقبله ولن يحزن على ما يخلفه وقد ضمن الله له أجره عنده كما قرر ربنا جل وعلا هذا في سورة البقرة فقال بعد أن حذر من الربا وزجر عنه: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كُفَّارٍ أَثِيمٍ} - {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} (1) .
فمن أعطى الزكاة ودفعها كما أوجب الله وشرعها له أجرٌ عظيم عند رب العالمين فالتمرة الواحدة كما تقدم معنا يبارك له فيها وهكذا اللقمة حتى تكون أكبر من جبل أحُد {لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} فما يستقبله من شدائد ومكروهات فالله سيتولى أمرهم ويدخلهم نعيم الجنات ولا هم يحزنون على ما يخلفونه من مالٍ وأهل وولد فالله وكيلهم على ذلك وهو خير الحافظين سبحانه وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} (2) .
(1)) ) سورة البقرة: 276، 277
(2)
) ) سورة البقرة: 276، 277
وقد ذكر الله جل وعلا في مطلع هذه السورة الكريمة أعني سورة البقرة أن من صفات المتقين أنهم يخرجون الحق الواجب من أموالهم كما شرع رب العالمين {الم * ذَلِكَ الكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ} (1) .
فمن صفات هؤلاء الأخيار أنهم يخرجون من أموالهم ما أوجبه عليهم العزيز الغفار {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} وهذا شامل لأمرين اثنين كما ذهب إلى ذلك شيخ المفسرين الإمام الطبري عليه رحمة الله شامل لإخراج الزكاة الواجبة وشاملٌ لإخراج النفقة الواجبة على النفس والزوجة والأولاد ويفهم من كلام الإمام ابن كثير الميل إلى هذا والآية تشمل هذا قطعاً وجزماً لكنها تدل على ما هو أوسع من هذا كما ذهب إليه الإمام القرطبي عليه رحمة الله فالآية تشمل النفقات الواجبة الثلاثة تشمل الزكاة الواجبة ذات النصب المحددة المقدرة. تشمل النفقة الواجبة على النفس والأهل والولد كما تشمل الحق الطارئ على الإنسان في حالة كما تشمل النفقة المستحبة المندوبة مغموم اللفظ شامل لجميع هذا ومما رزقناهم ينفقون من واجبات ومستحبات عبادة الله وإنما كان لإنفاق المال هذه المنزلة عند ذي العزة والجلال فله أجر عظيم عند الله ولا يخاف مما يستقبله ولا يحزن على ما يخلفه وهو من عباد الله المتقين إنما كان الأمر كذلك لأن المال محبوب محبوب إلى النفس هو محبوب ومرغوب ومن أجله كره كثيراً من الناس لقاء علاّم الغيوب وركنوا إلى هذه الحياة من أجل هذه الدريهمات وعليه.
(1)) ) سورة البقرة: 1- 5
إخراج هذا المال حقيقة برهان على محبة ذي العزة والجلال فالإنسان عندما يخرج هذا المال كما شرع ربنا جل وعلا ببرهان ذلك على محبته لربه جل وعلا فلا يترك الإنسان محبوباً إلا كما هو أحب عنده لديه فإذا ترك هذا المال وهو محبوب عند النفس دل على أن محبته لله جل وعلا هي المحبة الحقيقية الكاملة وأما هذا المال فلا يتصرف فيه إلا كما يريد ذي العزة والجلال والصدقة ببرهان وفيها تزكية لنفس الإنسان ولذلك إذا أردت أن يرق قلبك وأن يخشع وأن تكون محبوب عند الله جل وعلا فأكثر من هذه الصدقة.
ثبت في مسند الإمام أحمد بسند رجاله رجال الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فشكى إليه قسوة القلب فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ضع يدك على رأس اليتيم وأطعم المسكين والحديث صحيح إخوتي الكرام إذا أرت أن يرق قلبك لا طف اليتيم وأحنو عليه واشفق عليه فضع يدك على رأسه براً ومآنسه وملاطفة وأطعم بعد ذلك المساكين إذا أرت أن يرق قلبك ضع يدك على رأس اليتيم وأطعم المسكين.
نعم إخوتي الكرام: إن من يتصدق ويبذل المال في سبيل ذي العزة والجلال وكما شرع الله جل وعلا يدفع غضب الله عنه ويحصل له رضى الله جل وعلا كما ثبت في سنن الترمذي وصحيح ابن حبان والحديث حسن من رواية أنس رضي الله عنه وأرضاه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "الصدقة تطفئ غضب الرب وتدفع ميتة السوء " –الصدقة تطفئ غضب الرب وتدفع ميتة السوء فيذهب غضب الله عنك عندما تتصدق ويجعل لك رضاه ثم بعد ذلك تحفظ منه ميتة السوء التي تسوؤك في العاجل والآجل. الصدقة تطفئ غضب الرب وتدفع ميتة السوء.
أخوتي الكرام: قد أخبرنا نبينا عليه الصلاة والسلام أن من أسباب دخول الجنة ومن شروط دخولها إيتاء الزكاة كما شرع الله جل وعلا وأوجب وكان النبي صلى الله عليه وسلم يبين هذا في المواسم العامة الجامعة لأن هذه الأمة شعيرة عظيمة من شعائر الإسلام وهي إحدى دعائم الإسلام التي يقوم عليها ففي مسند الإمام أحمد وسنن الترمذي وصحيح بن حبان ومستدرك الحاكم وإسناد الحديث صحيح عن أبي أمامه الباهلي رضي الله عنه وأرضاه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: في حجة الوداع أيها الناس اتقوا الله اتقوا الله وصلوا خمسكم وصوموا شهركم وأدوا زكاة أموالكم وأطيعوا ذا أمركم تدخلون جنة ربكم أداء الزكاة سبب لدخول الجنة ولحصول رضوان الله أدوا زكاة أموالكم وقد شهد النبي صلى الله عليه وسلم لمن حافظ على الزكاة وغيرها من شعائر الإسلام بأن له أجر الصديقين عند رب العالمين.
ثبت في مسند البزار وصحيح بن خزيمة وصحيح ابن حبان وإسناد الحديث صحيح كالشمس من رواية عمرو بن مرة الجهني رضي الله عنه وأرضاه قال جئت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أرأيت إن شهدت أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله وصليت الصلوات الخمس وأخرجت الزكاة وصمت رمضان وقمته أين أنا – وممن أكون فقال النبي صلى الله عليه وسلم أنت من الصديقين والشهداء إذا شهدت أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله ثم بعد ذلك صليت الصلوات الخمس صمت رمضان وقمته أخرجت الزكاة أنت من الصديقين والشهداء وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقرر هذا في أحاديثه الكثيرة فإذا سأل عليه صلوات الله وسلامه عما يدخل الجنة وعما يقرب إليها وعما يكون سببا لدخولها كان يبين عليه صلوات الله وسلامه إن إخراج الزكاة سببا لدخول الجنة.
ففي الصحيحين وغيرهما من حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه وأرضاه قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرني بعمل يدخلني الجنة فقال النبي صلى الله عليه وسلم تعبد الله ولا تشرك به شيئاً وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان، عباد الله إيتاء الزكاة وإخراجها سبب لدخول جنة الله جل وعلا وسبب لرضوان الله جل وعلا.
والأحاديث في ذلك كثيرة وفيرة منها ما ثبت في سنن النسائي وابن ماجه والحديث رواه ابن خزيمة في صحيحه وابن حبان في صحيحه أيضاً والحاكم في مستدركه وإسناده الحديث الصحيح من رواية أبي هريرة وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهم أجمعين قالا خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال في خطبته عليه صلوات الله وسلامه والذي نفسي بيده ثلاثاً ثم أطرق النبي صلى الله عليه وسلم وسكت قال أبو هريرة وأبو سعيد رضي الله عنهم أجمعين فأكب كل واحد منا يبكي حزناً على يمين رسول الله صلوات الله وسلامه ثم رفع النبي صلى الله عليه وسلم رأسه نرى في وجهه البشرى فقال عليه الصلاة والسلام ما من عبد يصلي الصلوات الخمس ويصوم رمضان ويخرج الزكاة ويجتنب الكبائر السبع إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية وقيل له أدخل بسلام وإذا صلى الصلوات الخمس صام رمضان إخراج زكاة ماله اجتنب بعد ذلك السبع الموبقات من الشرك بالله ومن السحر ومن قتل النفس ومن عقوق الوالدين ومن أكل مال اليتيم وأكل الربا ومن التولي يوم الزحف ومن قذف المحصنات الغافلات المؤمنات.
كما ثبت التنصيص على ذلك من قوله خير البريات عليه صلوات الله وسلامه في المسند والصحيحين من رواية أبي هريرة رضي الله عنهم أجمعين من فعل هذا فتحت له أبواب الجنة الثمانية وقيل له أدخل بسلام أخوتي الكرام هذا فيما يتعلق بإخراج الزكاة الواجبة من فضلٍ عظيم أوجبها الله علينا فيها تطهير لنا من رذيلة البخل والتعلق بهذه الدنيا فيها مواساة لعباد الله وربط بيننا وبين عباد الله جل وعلا برباط المحبة والود والوئام فيها بعد ذلك أجرٌ عظيم عظيم عند ذي العزة والإكرام فسبحانه أعطانا المال وسبحانه وشرع لنا ما يطهرنا من أرذل الخصال وما يؤلف بين قلوبنا وسبحانه كيف رتب بعد ذلك أجوراً عظيمة على إخراج هذا المال.
إخوتي الكرام: وكنا أن هذا الأمر يجب للإنسان عندما يخرج الزكاة الواجبة فهذا الأمر أيضاً يجب عليه أيضاً وقد جاءت الأحاديث الكثيرة في بيان الفضل العظيم الكثير لمن أخرج هذه الحقوق الطارئة إذا وجبت عليه فأجره أعظم. ماذا لم تجب وإذا لم تجب عليه فله أجر أيضاً عظيم كما سيأتينا في الموعظة الآتية عند بيان فضل النفقة المستحبة المندوبة عبادة الله مما ورد من أجر على الحقوق الطارئة التي تطرأ عليك غير الزكاة الواجبة ما ثبت في المسند والكتب للسنة عدا سنن أبي داود من رواية أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله أو كالقائم الليل والصائم النهار. أي له أجر المجاهد في سبيل الله وله أجر الذي يقوم الليل ولا يفطر وله أجر الذي يصوم النهار ولا يفطر فإذا تعينت عليك مساعدة يتيم مساعدة مسكين لك هذا الأجر العظيم عند رب العالمين وإذا لم يتعين إنما قمت به تطوع فلك هذا الأجر أيضاً وفضل الله عظيم عظيم.
وقد أخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم عن الأجر العظيم الذي يحصله من يكفل اليتيم ويحسن إلى المسكين في هذه الحياة ففي صحيح البخاري والحديث رواه الإمام أبو داود والترمذي وهو في مسند الإمام أحمد من رواية سهل بن سعد الساعدي رضي الله عن الصحابة أجمعين قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين. وأشار النبي صلى الله عليه وسلم بالسبابة والوسطى وفرج بينهما أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين وأشار بإصبعيه السبابة والوسطى وفرج بينهما عليه صلوات الله وسلامه والأحاديث في ذلك كثيرة وهذا اليتيم إذا قمت بكفالته لك هذا الأمر سواء كان يتيم لك من قرابتك وتجب نفقته عليك أو سواء كان يتيم من غير قرابتك وتجب نفقته عليك أو لا تجب لك هذا الأجر العظيم عند رب العالمين.
ففي مسند الإمام أحمد وصحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه والحديث رواه الطبراني في الأوسط بسند صحيح عن أمنا عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال كافل اليتيم له أو لغيره أنا وهو في الجنة كهاتين وأشار بالسبابة والوسطى كافل اليتيم له أو لغيره كان هذا اليتيم مما تجب عليه نفقته وهو من قرابته كما لو كان هذا اليتيم أخٍ لك فمات أبوك وأنت قمت على كفلته ورعايته أو كان هذا اليتيم بعيدٍ عنك ليس بينك وبينه صلة نسب إنما بينكم صلة الإسلام ومساعدة في دين الرحمن كافل اليتيم له أو لغيره أنا وهو في الجنة كهاتين وأشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى السبابة والتي تليها إخوتي الكرام وإذا تعينت كافله اليتيم على الإنسان وكان ضعيفاً فبذل جهداً في كاملته مع ضعفه له أجراً لا يخطر ببال أحد عند الله جل وعلا.
ثبت في مسند أبي يعلي بسند حسن من رواية أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا أول من يفتح باب الجنة غير أني أرى امرأة تسابقني أرى امرأة تبادرني تريد أن تسبقني وأن تدخل قبلي فأقول لها ويحك من أنت فتقول أنا امرأة قعدت على أيتام لي سبحان الله. سبحان الله تساوي نبينا عليه الصلاة والسلام في دخول الجنة لهذا الأمر الذي قامت به أنا امرأة قعدت على أيتام لي. أنا أول من يفتح أبواب الجنة غير أني أرى امرأة تبادرني فأقول لها ويحك من أنت فتقول أنا امرأة قعدت على أيتام لي والحديث كما قلت اسناده حسن وقد روى في سنن أبي داود من رواية عوف بن مالك رضي الله عنه بإسنادٍ فيه ضعف ويشهد له الأثر المتقدم عن أبي هريرة رضي الله عنه في مسند أبي يعلي ولفظ رواية أبي داود عن عوف بن مالك رضي الله عنهم أجمعين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أنا وامرأة سفعاء الخدين في الجنة كهاتين وأشار إلى السبابة والوسطى امرأة آمت من زوجها أي تأيمت ومات زوجها وهي ذات منصب وجمال فحبست نفسها على أولاداً لها صغاراً حتى ماتوا أو بانوا. ففرج عنها بزواج أو حسن حال هذه هي والنبي عليه صلوات الله وسلامه في الجنة كهاتين كما بين لنا النبي عليه الصلاة والسلام وقول النبي صلى الله عليه وسلم في هذه المرأة السفعاء الخدين أن في خديها كدرة وتغير وفيهما كُمدٌ أي ليس فيهما طراوة ولا بهجة ولا لينة لشدة العيش التي تقاسيه وتتحملها مع أولادها ولا يوجد من تتزين له فعندما تحملت شدة في هذه الحياة عوضها الله نعيم عظيم لا ينفذ بعد الممات وامرأة سفعاء الخدين عباد الله هذا أجرٌ عظيم أيضاً على النفقة الطارئة التي تجب عليك من يتيم قريب ينبغي أن تقوم به أمر من يتيم غريب ليس بينك وبينه قرابة في نسب لكن تعينت عليك مساعدته لعدم وجود من يكفله فكل هذا مما تحصل عليه هذه الأجور العظيمة عند الله جل وعلا.
وأما النفقة على الأهل من زوجة وأولاد ووالدين وغيرهما مما يجب عليك أن تنفق عليهم ففي ذلك أيضاً أجرٌ عظيم ثبت في مسند الإمام أحمد ومعجم الطبراني الكبير والحديث إسناده حسن عن المقدام بن مسعد كرب رضي الله عنه يقول: "ما أطعمت به نفسك فهو صدقة وما أطعمت به زوجتك فهو صدقة وما أطعمت به ولدك فهو صدقة وما أطعمت به خادمك فهو صدقة". طعام واجب ينبغي أن تأكله وأن تقدمه إلى من تجب عليك نفقتهم ومع ذلك ضمن الله لنا هذا الأجر العظيم على هذه النفقة الواجبة التي نقدمها للزوجة والولد والخادم ولهذه النفس فعندما تطعم نفسك وأهلك لك صدقة عظيمة عند الله جل وعلا وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يبين لنا أن من يسعى في هذه الحياة ليُعف نفسه أو ليطعم أبويه أو لينفق على أولاده فلا ينقص أجره عن أجر المجاهد في سبيل الله جل وعلا.
ثبت في معجم الطبراني الكبير والحديث في درجة الحسن عن كعب بن عجزة رضي الله عنه وأرضاه قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فمر علينا رجل فأعجب الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين من جلده ونشاطه فقالوا ليت هذا يكون في سبيل الله أي ليته يخرج في القتال وفي الغزوات وفي السرايا فقال عليه الصلاة والسلام إن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله وإن كان خرج يسعى على أولاد له صغار فهو في سبيل الله وإن كان خرج يسعى على نفسه يعفها في سبيل الله وإن كان خرج رياء وبطرا فهو في سبيل الشيطان، إذا عندما يحصل مالاً وينفق به نفقته واجبة على نفسه على عياله على والديه له أجر المجاهد في سبيل الله وله على هذه النفقة أجر عند الله جل وعلا والأحاديث في ذلك إخوتي الكرام كثيرة كثيرة فطيبوا نفساً بما تزكو وطيبُ نفس بما به تساعدون وطيب نفس بما تقدمونه إلى أهليكم وتنفقون.
ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له يا سعد إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها حتى ما تجعل في فيِّ امرأتك حتى ما تطعم به امرأتك حتى في أوقات المداعبة والملاعبة لوضعت في فمها حبة عنب فلك أجر عظيم عند رب العالمين: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَراًّ يَرَهُ} (1) .
إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها حتى ما تجعل في فيِّ امرأتك نعم إخوتي الكرام يؤجر الإنسان على ما ينفقه على أهله وهذا له أجر عظيم يفوق على أجر الصدقة النافلة عند رب العالمين لأن هذا نفقة واجبة. هذا حق واجب وأجر الواجب أكثر من أجر التطوع بكثير وقد أخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن كل ما يقدمه الإنسان إلى أهله وأولاده يؤجر عليه حتى الماء عندما يشربون.
ثبت الحديث بذلك في مسند الإمام أحمد والحديث رواه الطبراني في معجمه الكبير ورواه البخاري في التاريخ الكبير والحديث حسن لشواهده وتعدد رواياته عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " إن الرجل إذا سقى أهله الماء أجر إن الرجل إذا سقى أهله الماء أجر".
قال العرباض بن سارية رضي الله عنه وأرضاه فذهبت إلى زوجي وسقيتها الماء وأخبرتها بما سمعته من خاتم الأنبياء عليه صلوات الله وسلامه إن الرجل إذا سقى أهله الماء أجر إخوتي الكرام وقد كان السلف الصالح يدركون هذا المعنى ويعلمون أن النفقة على الأهل يؤجر عليه الإنسان فكانوا يبذلون هذا المال في النفقة على العيال تقرباً لذي العزة والجلال.
(1)) ) سورة الزلزلة: 7، 8
أخرج الإمام أحمد في المسند والطبراني في معجمه الكبير والحديث رواه أبو داود والطيالسي في مسنده وأبو يعلى في مسنده أيضاً وإسناده حسن عن عمرو بن أمية الضمري وهو من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين قال مر رجل بمرط " وهو الكساء الذي تلبسه المرأة من صوف أو خز" على عثمان بن عفان أو على عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم أجمعين على واحد منهما فكأنه استغلاه فلم يأخذه فاشتراه عمرو بن أمية الضمرى فسأله بعد ذلك عثمان أو عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم أجمعين ماذا فعلت بالمرط الذي ابتعته قال تصدقت به على سُخيلة بنت عبيدة بن الحارث وهي زوجته فقال له عثمان أو عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم أجمعين كل ما تصنعه إلى أهلك صدقة – يعني إذا أعطيتها مرط وقدمت لها غذاء وماء هذا صدقة وأنت تقول تصدقت به على سخيلة قال نعم سمعت ذاك من رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهب عثمان أو عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم أجمعين إلى النبي صلى الله عليه وسلم وذكر له قول عمرو بن أمية الضمرى يا رسول الله يقول إنك كل ما صنعته إلى أهلك أي يصنعه المؤمن مع أهله فهو صدقة فقال عليه الصلاة والسلام صدق عمرو كل ما تصنعه إلى أهلك صدقه عليهم. ما تقدمه من مرط من طعام من شراب كل هذا تُثاب عليه عند الكريم الوهاب سبحانه وتعالى سبحان الله نفقة واجبة إذا تركتها أثمت ولعنت ومع ذلك إذا فعلتها لك هذا الأجر العظيم عند رب العالمين والحمد لله الذي هدانا للإسلام ومن علينا بنبينا محمد عليه الصلاة والسلام إخوتي الكرام وإذا كان يؤجر الإنسان على هذه النفقة واجبة فإن الأجر يتضاعف عندما يكون المتفق عليهم من الضعاف كما لو كانوا حضاراً أو كانوا نباتاً فلك أجر عظيم عظيم عند رب العالمين.
ثبت في مسند الإمام أحمد ومسند البزار والحديث رواه الطبراني في معجمه الأوسط عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهم أجمعين ورواه الإمام أحمد في المسند وابن ماجه في السنن عن عقبة بن عامر رضي الله عنهم أجمعين وهذا لفظ حديث جابر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من كن له ثلاث بنات ويؤوهن ويرحمهن ويكفلهن أوجب الله له الجنة البتة – أوجب الله له الجنة البتة أي قطعاً وجزماً ولا ترد في ذلك والله أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين ثلاث بنات يؤولهن يرحمهن ويكفلهن أوجب الله له الجنة البتة فقال رجلٌ واثنتان يا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال واثنتان قال جابر فرأى بعض المتقدم أن لو قال واحدة واحدة لقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وواحدة.
وأنا أقول لجابر رضي الله عنه ورد ما توقعته في روايات أخرى عن نبينا صلى الله عليه وسلم ففي مستدرك الحاكم بسند صحيح كالشمس صححه الحاكم وأقر عليه الذهبي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من كن له ثلاث بنات فصير على ضرائهن ولئوائهن أدخله الله الجنة برحمته إياهن فقال رجل واثنتان يا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رجل وواحدة يا رسول الله قال وواحدة سبحان الله النفقة الواجبة على هذه البنت المسكينة إذا قصرت في النفقة تذم وتعاقب وتلعن وإذا أنفقت عليها وقمت بكفالتها ورعايتها وربيتها كما يريد الله ويحب هذه المرأة توجب لك الجنة بفضل الله ورحمته.
إخوتي الكرام: أقول للذين يريدون أن يزجوا بالبنات والنساء في مجال الحياة في الأسواق وفي دور العمل أقول لهؤلاء اسمعوا إلى هذين الحديثين الشريفين إذا كان عندك ما تطعم به هذه المرأة فاتقي الله إننا نطعم أعراضنا لا من عرق جبيننا والله أننا نطعمه من لحومنا ونسقيه من دمائنا ولا تزج بها في الأماكن العامة لتختلط بالرجال ولتتعرض للابتذال ولتكون بعد ذلك سلعة رخيصة لكل سائم لا وزن له ولا اعتبار.
إخوتي الكرام: المرأة عندنا عرض يصان جوهرة مكنونة وعندما تنفق عليها يبارك الله لك في رزقك ويرزقك من حيث لا تحتسب ثم لك هذا الأجر العظيم عند رب العالمين أليس من العار أن تكلف ابنتك أو أختك أو زوجتك من أجل أن تعمل لأجل أن تأكل هي أو تأكل أنت أو يأكل من في البيت وبإمكانك أن تعمل وإذا كان ذاك العمل بالضوابط الشرعية فالأمر فيه هوادة أما أن تزج بها بعد ذلك في أماكن فيها اختلاط وبلاء ثم بعد ذلك تقول إنني محتاج أي حاجة أيها الإنسان إن الحر يأكل ورق الشجر ولا يعرض عرض لهذا الدنس وهذه الريبة وهذه الشبهة فينبغي إخوتي الكرام أن نعي هذه الأمور وأن نقنع بما قسمه الله لنا وأن نرضى به وأن تطيب بعد ذلك نفوسنا لما نخرجه للفقراء والمساكين عن طريق الزكاة والواجبة وبما نقدمه للمحتاجين عن طريق الحقوق الطارئة وبما ننفقه على الأهل والأولاد أسأل الله جل وعلا أن يلهمنا رشنا وأن يبصرنا بعواقب أمورنا وأن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم.