المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌إحساس الميت بالزائرين - خطب ودروس الشيخ عبد الرحيم الطحان - جـ ٧٥

[عبد الرحيم الطحان]

الفصل: ‌إحساس الميت بالزائرين

‌إحساس الميت بالزائرين

(من خطب الجمعة)

للشيخ الدكتور

عبد الرحيم الطحان

بسم الله الرحمن الرحيم

إحساس الميت بالزائرين

الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونؤمن به ونتوكل عليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فهو المهد ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً.

الحمد لله رب العالمين، شرع لنا دينا قويما وهدانا صراطاً مستقيما، وأسبغ علينا نعمه ظاهرةً وباطنةً وهو اللطيف الخبير.

اللهم لك الحمد كله ولك الملك كله، وبيدك الخير كله، وإليك يرجع الأمر كله أنت رب الطيبين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين وخالق الخلق أجمعين ورازقهم {فما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين} .

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} (1) .

وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله أرسله الله رحمةً للعالمين فشرح به الصدور وأنار به العقول وفتح به أعينا عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غلفاً فجزاه الله عنا أفضل ما جزى به نبياً عن أمته، ورضي الله عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} (2) .

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَاّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} (3) .

(1) سورة فاطر: 3

(2)

سورة النساء: 1

(3)

آل عمران: 102

ص: 1

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} (1) .

أما بعد: معشر الأخوة المؤمنين..

تقدم معنا أن من صفات الرجال الأكياس أنهم يخافون رب الناس وهم يتصفون بهذه الصفة الجليلة الكريمة مع كونهم لله، لله يتقون وإلى عباده يحسنون وتقدم معنا إخوتي الكرام أن هذه الصفة فيهم، أعني صفة الخوف من ربهم جل وعلا لها أسباب كثيرة في نفوسهم يمكن أن تجمع في ثلاثة أسباب.

أولها: إجلال الله وتعظيمه.

ثانيها: خوفهم من التفريط في حق ربهم جل وعلا فيما أمروا أو نهوا عنه.

وثالث: الأسباب التي تدفعهم للخوف من ربهم جل وعلا الخوف من سوء الخاتمة.

وتقدم معنا إخوتي الكرام أن لسوء الخاتمة سببان:

أولها: الأمن على الإيمان من الاستلاب فما أحد أمن على إيمانه أن يسلبه إلا سلبه وذهب منه.

والسبب الثاني: اغترار المرء بالحالة الحاضرة وعجبه بما يصدر منه من طاعات قاصرة ناقصة وغفلة عن ما فيه من آفات مهلكات وأبرز ذلك ثلاث بليات كما تقدم معنا.

أولها: النفاق، وقد مضى الكلام عليه وعلى ما قبله.

وثانيها: البدعة.

وثالثها: الركون إلى الدنيا.

أما البدعة وهي التي كنا نتدارسها إخوتي الكرام، قلت سنتدارسها ضمن ثلاثة مباحث.

أولها: في بيان حد البدعة ورسمها وحقيقتها.

وثانيها: في النصوص المحذرة منها.

وثالثها: الأمور في بيان أقسام البدعة وحدها وضبطها،،، وقلت إنها باختصار حدث في دين الإسلام عن طريق الزيادة أو النقصان مع عدم دلالة نصوص الشرع الحسان على ذلك الفعل المحدث وإن يزعم الإنسان بما أحدثه أنه يتقرب به إلى الرحمن هذا هو حد البدعة وهذا رسمها وهذا تعريفها..

(1) سورة الأحزاب 70، 71

ص: 2

قلت: إخوتي الكرام،، وقد ضل نحو حقيقة البدعة صنفان من الأنام صنفان غلوا ووسعوا مفهوم البدعة ودائرتها فبدعوا عباد الله الصالحين وحكموا بالبدعة على ما شهد عليه الدليل القويم وقال به إمام من أئمة المسلمين وقابلهم فريق آخر قصروا وفرطوا وقالوا لا بدعة ولا ابتداع في الدين وكلا طرفي قصد الأمور ذميم وما من أمر شرعه الله لعباده إلا وللشيطان نحوه نزعتان، نزعة غلوٍ ونزعة تقصير لا يبالي الشيطان بأي النزعتين وقع الإنسان.

وكنا إخوتي الكرام نناقش الفرقة الأولى التي غلت في مفهوم البدعة ووسعتها فحكمت بالبدعة على ما شهد له الدليل وقال به إمامٌ جليل، بل حكمت بالبدعة كما تقدم معنا على ورد فيه نص صريح عن نبينا الجليل على نبينا صلوات الله وسلامه واستعرضت بعض النماذج إخوتي الكرام مما احتمله الدليل وورد وحكم به بعض المتطرفين المتشددين الغالين في هذا الحين بأنه بدعة وابتداع في الدين ومثلت بذلك بوضع اليمين على الشمال بعد الرفع من الركوع، كما مثلت على ذلك بصلاة التراويح وأنه عشرون ركعة ويوتر الإنسان بثلاث ثم انتقلت إلى الأمر الثالث ألا وهو قراءة القرآن على الأموات عند القبور وقلت إن هذه المسألة لها ثلاثة ذيول تلقين الميت وتقرير سماع الأموات ما يجري عندهم ورؤيتهم لما يقع حولهم، وثالثها إهداء الطاعات والقربات إليهم.

ص: 3

إخوتي الكرام: وقد مر ما يتعلق بقراءة القرآن عند المقابر كما مر معنا تلقين الموتى وفي هذه الموعظة سنتدارس الأمر الثالث وهو الذيل الثاني للمسألة ألا وهو سماع الأموات لما يجري ويقع عندهم وحولهم وعلمهم بما يقع في ساحتهم ورؤيتهم لمن يزورهم واستبشارهم بذلك، هذه المسألة كما سيأتينا إخوتي الكرام وردت بها نصوص صريحة صحيحة ومع ذلك ترى في هذا الحين من يرفع صوته بلا حياء من رب العالمين ولا توقير لأئمة المسلمين فيرى بالابتداع والبدعة من قال الأموات يسمعون وأن الأموات يعلمون بحال الزائرين ويستبشرون بهم ويستأنسون وهذا الأمر إخوتي الكرام أمر غيبي لا دخل فيه لأي عقلٍ بشري والإنسان إذا أراد أن يتلكم في هذه القضية فإن كان مهتديا ينبغي أن يحتكم إلى النبي عليه الصلاة والسلام وقد قرر نبينا عليه الصلاة والسلام سماع الأموات وعلمهم بمن يزورهم وفرحهم واستبشارهم بالزائرين في أحاديثه الكثيرة الصحيحة الوفيرة يمكن أن تجمع تلك الأحاديث إلى ثلاثة أنواع وفيها ثلاث دلالات انتبهوا لها إخوتي الكرام لنكون على بينة من أمر ديننا ولنعرف بعد ذلك من المخرف الذي يخرج من نصوص النبي عليه الصلاة والسلام ويُبَدِّعَ أئمة الإسلام أو الذي يلتزم بهذه النصوص ويحتكم إليها، إذا علمنا هذه المسألة يظهر لنا من المخرف.

ص: 4

إخوتي الكرام: أما الدلالة الأولى، والأمر الأول، صرح نبينا عليه الصلاة والسلام بأن الأموات يسمعون وأخبرنا أن سماعهم أعظم وأدق من سماع الأحياء ووردت النصوص الصحيحة عن خاتم الأنبياء وعليه صلوات الله وسلامه ففي مسند الإمام أحمد والصحيحين وسنن النسائي من رواية أنس ابن مالك رضي الله عنه، والحديث رواه البخاري من رواية أنس عن أبي طلحة، ورواه الإمام أحمد ومسلم في صحيحه والنسائي في سننه من رواية أنس عن عمر ابن الخطاب، ورواه الشيخان في صحيحيهما من رواية عبد الله بن عمر، ورواه الإمام أحمد في المسند بسندٍ رجاله ثقات عن أمنا الصديقة بنت الصديق حبيبة حبيب الله أمنا عائشة على نبينا وعليها وعلى سائر آل نبينا وصحبه صلوات الله وسلامه، ولفظ الحديث من رواية هؤلاء الصحابة الخمسة الكرام أنس وأبي طلحة وعمر وعبد الله ابن عمر وأمنا عائشة رضي الله عنهم أجمعين أن النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن انتهى من موقعة بدرٍ أقام ثلاثاً وكانت هذه عادته عليه صلوات الله وسلامه إذا انتصر على قدم لا يبرح من ذلك المكان مدة ثلاثة أيام لئلا يقال ضرب وهرب كما يفعل بعض الناس وأن هذه الأيام فليست هذه الشجاعة عند أهل الإيمان، الشجاعة أن تضرب وأن تثبت وأن تتحدى أهل الأرض بعد ذلك لأنك واثق بالله والله سينصرك وكان نبينا عليه الصلاة والسلام هذه عادته في غزواته إذا مكنه الله ونصره يقيم ثلاثة أيام إذا كان بإمكان الخصم أن يعيد الكرة فنحن على استعداد، أقام ثلاثة أيام قداه أنفسنا وآباؤنا وأمهاتنا عليه صلوات الله وسلامه ثم ركب ناقته وتوجه إلى القتلى فوقف عليهم وقد قتل سبعون من المشركين في أول موقعة حكم الله بها وفيها بين الموحدين والكافرين فوقف عليهم وهو على ناقته المباركة على نبينا صلوات الله وسلامه فقال يا أبا جهل ابن هشام يا أمية ابن خلف يا عتبة ابن ربيعة يا شيبة ابن ربيعة هل وجدتم وما وعد ربكم حقاً فإني وجدت ما وعدني ربي

ص: 5

حقاً فقال سيدنا عمر ابن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه يا رسول الله صلى الله عليه وسلم تخاطب أقواماً قد جيفوا أنى يجيبوا وكيف يسمعون تخاطب أقواماً قد جيفوا بعد ثلاثة أيام وهم على رمال حارة وفوقهم شمس محرقة تخاطب أقواماً قد جيفوا أنى يسمعوا وكيف يجيبوا فقال النبي عليه الصلاة والسلام ما أنتم بأسمع لما أقول منهم غير أنهم لا يجيبون، إنهم يسمعون سماعاً أدق من سماعكم ويروني الآن رؤية أوضح من رؤيتكم لكن حيل بينهم وبين الكلام الذي يسمعه الأحياء مثلكم ما أنتم بأسمع لما أقول منهم غير أنهم لا يجيبون والحديث كما قلت في الصحيحين وغيرهما من رواية خمسة من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين وهذا حديث صحيح صريح في أن الأموات يسمعون سماعاً يزيد على سماع الأحياء كما قرر ذلك شيخنا المبارك في (أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن) ووسع الكلام في هذه المسألة إلى قرابة خمس وعشرين وقال هذا نص صريح صحيح في أن الأموات يسمعون ولا معارض له فالقول بموجبه متعين وهذا الذي قرره شيخ الإسلام الإمام ابن القيم وشيخه الإمام ابن تيمية وهذا المقرر عند علماء الشريعة الإسلامية ما أنتم بأسمع لما أقول منهم إذا هذا صريح من نبينا عليه الصلاة والسلام بأنهم يسمعون ويعلمون ما يجري حولهم والحديث الثاني الذي يقرر هذه الدلالة وهي الدلالة الأولى تصريح نبينا عليه الصلاة والسلام بسماع الأموات وعلمهم بما يجري حولهم كنت أشرت إليه في الموعظة الماضية وأذكره الآن الحديث رواه الإمام أحمد أيضاً في المسند وأخرجه الشيخان في الصحيحين والإمام النسائي وأبو داود في السنن من رواية أنس ابن مالك رضي الله عنه، والحديث رواه الإمام أحمد في المسند وأبو داود في السنن من رواية البراء ابن عازب وإسناده صحيح كالشمس ورواه الإمام أحمد في المسند وابن حبان في صحيحه والبزار في مسنده والطبراني في معجمه الأوسط من رواية أبي هريرة ورواه الطبراني في معجمه

ص: 6

الكبير والأوسط من رواية عبد الله ابن عباس رضي الله عنهم أجمعين، والحديث كما قلت من أصح الأحاديث فهو في الصحيحين وغيرهما من رواية أنس والبراء ابن عازب وأبي هريرة وعبد الله ابن عباس رضي الله عنهم أجمعين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال [إذا وضع الميت في قبره وتولى عنه أصحابه إنه ليسمع قرع نعالهم] وفي رواية المسند وأبي داود من رواية البراء ابن عازب [إنه ليسمع خفق نعالهم] وقد بوب الإمام البخاري على هذا في كتاب (الجنائز) فقال (باب الميت يسمع خفق النعال) ، يسمع قرع نعالهم، يسمع خفق نعالهم، [فإذا تولى عنه أصحابه أتاه ملكان منكر ونكير فيقعدانه ويقولان له ما كنت تقول في هذا الرجل الذي بعث فيكم] يعني محمداً على نبينا صلوات الله وسلامه [فأما المؤمن فيقول هو عبد الله ورسوله آمنا به وصدقناه فيقولان له هذا مقعدك من النار قد أبدلك الله به مقعداً من الجنة فيراهما معاً، وأما الكافر أو المنافق فيقولان له ما كنت تقول في هذا الرجل الذي بعث فيكم فيقول لا أدري كنت أقول ما يقول الناس فيقولان له لا دريت ثم يضربانه بمطرقة معهما بين أذنيه فيصيح صيحة يسمعه كل شيء إلا الثقلين][يسمع قرع النعال] ، [يسمع خفق النعال] سبحان ربي سبحان ذي العزة والجلال، إذا سمع الميت قرع النعال وخفق النعال ألا يسمع سماع الزائرين ألا يعلم بحالهم ويستبشر بهم عندما يزورنه بلى ثم بلى ورضي الله عن عون ابن عبد الله ابن عتبة ابن مسعود عندما نقل من عم أبيه عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه أثراً واستغرب منه الحاضرون فعلق عليه بما ستسمعون، والأثر رواه الإمام أحمد في (الزهد) وعبد الله ابن المبارك في كتاب (الزهد) ، و (الرقائق) أيضاً، والأثر مروي في سنن سعيد ابن منصور وفي مصنف ابن أبي شيبة ورواه أبو الشيخ أيضاً ورواه ابن أبي حاتم في تفسيره والبيهقي في شعب الإيمان والطبراني في معجمه الكبير عن عون ابن عبد الله ابن عتبة ابن

ص: 7

مسعودٍ، وهو من أئمة التابعين توفي قبل سنة عشرين ومائة للهجرة 120هـ وحديثه في صحيح مسلم والسنن الأربعة، إمام ثقة عدل رضا، عون ابن عبد الله ابن عتبة ابن مسعود، نقل عن عم أبيه عبد الله ابن مسعود رضي الله عنهم أجمعين، أنه قال إن الجبل لينادي الجبل كل يوم باسمه فيقول له مر بك أحدٌ ذكر الله فإن قال الجبل نعم يقول استبشر وفرح وتطاول بأنه مر عليه أحدٌ ذكر الله عز وجل،، نعم {وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَاّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِن لَاّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً} (1) فقيل لعون ابن عبد الله ابن عتبة كيف هذا قال سبحان الله أيسمعن الزور ولا يسمعن الخير، سبحان الله أيسمعن الزور ولا يسمعن الخير: يعني هذه الجبال والجمادات، الأرض والأشجار تسمع الزور ولا تسمع الخير قالوا وكيف ذاك قال أما قرأتم قول الله جل وعلا {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِداًّ * تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الجِبَالُ هَداًّ * أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَداً * وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً * إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلَاّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَداًّ * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ القِيَامَةِ فَرْداً} (2) السماوات تشقق من الكلمة بأن لله صاحبة وولد، تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيرا، (أيسمعن الزور ولا يسمعن الخير) ، وأنا أقول هل يسمع الأموات قرع النعال وخفق الأحذية ولا يسمعون كلام الزائر السلام عليكم دار قومٍ مؤمنين ولا يسمعون دعاء الزائر ولا يرونه ولا يستبشرون به؟ تعالى الله عما تتوهمون وتقولون علواً كبيرا هذه الدلالة الأولى.

(1)) ) سورة الإسراء: 44

(2)

) ) سورة مريم: 88 - 95

ص: 8

إخوتي الكرام: وكما قلت نص صريح من نبينا عليه الصلاة والسلام بأن الأموات يسمعون سماعاً يزيد على سماع الأحياء، نعم إنك لو دخلت على ساحة كبيرة واجتماع كبير وسلمت عليه لا يسمع سلامك إلا من كان بجورك وفي المقدمة، أما الأموات فإذا دخلت باب المقبرة ووصلت إلى أول قبر منها امتدت المقابر وقلت كما سيأتي معنا (السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين) لا يوجد ميت في تلك البقعة إلا يسمع صوتك ويجيبك ويستبشر بك ويفرح كما سيأتينا، ووالله لو كانوا من الأحياء لما سمعوا صوتك،، نعم السلطان للروح في عالم البرزخ وليست مقيدة بكثافة الجسم وفتور الجسم فتشعر بك وتسمع سلامك ولو كانت هذه الروح في بدنها الحي بها لما سمعت سلامك عن بُعْد، [ما أنتم بأسمع لما أقول منهم] هذا كلام النبي عليه الصلاة والسلام، هذه الدلالة الأولى إخوتي الكرام.

ص: 9

والدلالة الثانية: شرع لنا نبينا صلى الله عليه وسلم زيارة القبور والزائر يقال زائر والميت يقال لما في الزيارة من فوائد وخيرات فالإنسان يعتبر في المصير الذي سيصير إليه ويدعو لإخوانه وهذان أبرز مقصود زيارة الحي للميت يعتبر ويدعو وقد ثبت في مسند الإمام أحمد وصحيح مسلم والحديث رواه أبو داود والنسائي وهو صحيح صحيحٌ فهو في صحيح مسلم من رواية بريدة ابن الحصين رضي الله عنه وأرضاه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول [كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تذكر الآخرة] والحديث روي في المسند والحاكم في المستدرك من رواية أنس ابن مالك رضي الله عنه وفي رواية أنس في المستدرك كما قلت والمسند عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال [كنت نهيتكم عن زيارة القبور فإنها ترُقُّ القلب وتُدمع العين وتذكر بالآخرة ولا تقولوا هجراً] : أي كلاماً قبيحاً، فلا داعي لنياحةٍ ولا لاستغاثة بميت ولا بطلب الحاجات منه، إنما تزور تعتبر بما إليه ستؤول ثم تدعو لهذا العبد الذي انقطع عمله بما ينفعه في موته كما أذن لنا ربنا وأمرنا به.

ص: 10

إذاً الزائر زائر والميت مزور، قال شيخ الإسلام الإمام ابن القيم في كتابه (الروح) صفحة خمسة إلى صفحة ثمانية ص5 إلى ص8 يقول وهذا اللفظ يعني الزيارة والزائر زائر والميت مزور يقول لا يقال إلا إذا علم المزور بزيارة الحي وسمع صوته شعر به واستأنس به، لا يصح غير هذا البته في جميع لغات الأمم، فلا يسمى الإنسان زائر لمن يزوره إلا إذا علم به المزور إلا إذا شعر به إلا إذا سمع سلامه إلا إذا علم بزيارته أما أنك أمواتاً ويقال، أنت زائر وهو مزور هذا لا يصح فلفظ الزيارة عندما أمرنا نبينا عليه الصلاة والسلام بزيارة القبور يدل على أن المزور يعلم بحال الزائر ويسمعه ويستبشر به ويفرح بزيارته وهذا الأمر الذي استنبطه أئمتنا وردت به نصوص صحيحة صريحة كالشمس لا يخالف فيها إلا من كان مبتدعاً روى الإمام ابن عبد البر في كتاب الاستيعاب والتمهيد والحديث صححه شيخ الإسلام أبو محمد عبد الحق الإشبيلي وهو صاحب كتاب (العاقبة في التذكرة في أمور الموت وأمور الآخرة) وهو صاحب كتاب (الجمع بين الصحيحين) وله كتاب في الأحكام كبرى ووسطى وصغرى وقد توفي سنة واحد وثمانين وخمسمائة للهجرة 581هـ وهو من أئمة الإسلام الربانيين أبو محمد عبد الحق الإشبيلي الأندلسي عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا، هذا الحديث الإمام أبو محمد عبد الحق، ونقل تصحيح عنه أئمة الإسلام وأقروه منهم شيخ الإسلام ابن تيمية في (مجموع الفتاوى) في الجزء الرابع والعشرين صفحة واحد وثلاثين وثلاثمائة 24/331 ومنهم الإمام ابن القيم في أول كتابه (الروح) وهكذا الإمام السيوطي في كتاب (شرح الصدور في أحوال الموتى وزيارة القبور) وهكذا الإمام القرطبي في كتاب (التذكرة في أمور الآخرة) وغيرهم، فالحديث صحيح ولفظه من رواية عبد الله ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال سمعت النبي يقول [ما من أحدٌ يمر بقبر الرجل الذي كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا عرفه ورد عليه السلام] .

ص: 11

قال الإمام ابن القيم عليه رحمة الله في كتابه (الروح) وهذا نص صريح في أن الميت يسمع ويعرف من زاره بل ويرد عليه سلام.

نعم إخوتي الكرام: إن الميت انتقل من دار إلى دار والدار التي انتقل إليها كما سيأتينا دار البرزخ هي أدق من دار الدنيا بكثير وموازينها أضبط بكثير ولذلك يعرفه ويرد عليه السلام، أما أننا نحن لا نعي ما في تلك الدار فلعدم موافقة موازيننا لتلك الموازين، أما هو فيعلم ما يجري في البرزخ ويعلم ما يجري في الحياة الدنيا، ونحن نعلم ما يجري في الحياة الدنيا ولا نعلم ما يجري في البرزخ، فعلمه أدق من علمنا بكثير يعرفك ويرد عليك السلام.

ص: 12

وثبت في كتاب (دلائل النبوة) للإمام البيقهي والأثر رواه الإمام الحاكم في المستدرك بسندٍ صحيح من رواية أبي هريرة رضي الله عنهم أجمعين أن النبي صلى الله عليه وسلم وقف على قبر مصعب ابن عمير بعد موقعة أحد رضي الله عنهم أجمعين فبكى نبينا عليه الصلاة والسلام ثم قال [أشهد أنكم أحياء عند الله عز وجل ألا فزوروهم وسلموا عليهم والذي نفسي بيده لا يزورهم أحد ويسلم عليهم إلا ردوا عليه السلام إلى يوم القيامة] وهذا ليس خاصاً في ذلك الوقت بعد قتلهم وانتهاء موقعة أحد إنما هذا الحكم ثابت إلى يوم القيامة وقد روى الإمام الحاكم في المستدرك بإسنادٍ مدني صحيح كما قال هو ذلك رضي الله عنه وأرضاه عن عطاف ابن خالد وهو من العلماء الصالحين صدوق كما نعت بذلك في التقريب وقد أخرج حديثه البخاري في (الأدب المفرد) والإمام أبو داود في كتاب (القدر) وهو من رجال الترمذي والنسائي في السنن ينقل عطاف ابن خالد عن خالته أنها (زارت قبور الشهداء شهداء أحد فسلمت عليهم فسمعت جواباً لها ورد السلام من قبورهم يقولون لها وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، تقول فأخذتني قشعريرة فقالوا لي هؤلاء الأموات وهم في قبورهم إننا نعرفكم كما يعرف بعضنا بعضاً) هذا حال الموتى فأنت زائر والميت مزور وشرع لنا نبينا عليه الصلاة والسلام زيارة القبور، هل شرع لنا زيارة جماد لا يعي ولا يفقه ولا يشعر ما يدور حوله لا والله ولما رسخ هذا في أذهان الناس تركوا زيارة المقابر وانقطعت الخيرات من الأحياء نحو الأموات ولو علموا أن الأموات يستأنسون بهم عندما يزورونهم لما خلت المقابر من زائر يزورهم ويدعو لهم ليستأنسوا بهم ويفرحوا بهم عند زيارتهم لعل كثيراً من الناس لا يذهبون إلى المقابر إلا إذا مات لهم قريب أو حبيب وما عدا هذا ليس بينه وبين المقابر صلة، ثم إذا دفن والده أو ولده أو ولده كأنه انقطعت صلته به يا عبد الله أما تزوره لو كان حيا والله إن

ص: 13

زيارته آكد عليك إذا صار ميتاً لكن هذه المفاهيم الضالة التي وجدت في الأمة وأن الميت لا يسمع ولا يعي ولا يشعر ولا يستأنس نفرت الناس عن زيارتهم للموتى بعد موتهم.

إخوتي الكرام: إن الموتى كما أنهم يشعرون بزيارتك ويسمعون سلامك ويرونك عند زيارتهم إن الأمر أدق من ذلك بكثير فأعمالك تعرض عليهم أينما كنت وهم في قبورهم لأن السلطان للروح فإذا عملت خيراً استبشروا وفرحوا وإذا عملت غير ذلك حزنوا ودعوا لك بالهداية وهم أموات في قبورهم كما أخبرنا عن ذلك نبينا صلى الله عليه وسلم ففي الإمام أحمد، والحديث في إسناده رجل لم يسم كما قال شيخ الإسلام الإمام الهيثمي في (مجمع الزوائد) في الجزء الثاني صفحة واحد وثلاثين وثلاثمائة 2/331، والحديث من رواية أنس ابن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال [إن أعمالكم تعرض على أقاربكم وعشائكم من الأموات فإن كان خيراً فرحوا واستبشروا، وإن كان غير ذلك قالوا اللهم لا تمتهم حتى تهديهم كما هديتنا] وهذا العرض يكون على الصالحين على المقربين وأصحاب اليمين، وأما من هم في سجين فنسأل الله أن يكفينا شرهم وألا يجعلنا منهم إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.

ص: 14

وهذا الحديث إخوتي الكرام الذي هو المسند عن أنس رضي الله عنه وفي إسناده رجل لم يسم رواه ابن أبي الدنيا والطبراني في معجمه الكبير والأوسط من رواية أبي أيوب الأنصاري ورواه الإمام أبو داود الطيالسي في مسنده من رواية جابر ابن عبد الله والأسانيد الثلاثة لا تخلو من ضعف كما قرر أئمتنا لكنها تعتضد ببعضها وقد كان أئمة الإسلام عليهم رحمة الله ورضوانه يقررون هذا بناءاً على هذه الآثار، فهذا شيخ الإسلام الإمام ابن تيمية في (مجموع الفتاوى) في المجلد الرابع والعشرين صفحة واحد وثلاثين وثلاثمائة 24/331 وقد أفاض في هذا الكتاب وكرر هذا الكلام في عدد من الصفحات لكن في هذا المكان سئل عليه رحمة الله عن الأحياء وإذا زاروا الأموات هل يعلمون بزيارتهم وهل يعلمون بالميت إذا مات من قرابتهم أو غيره؟ فأجاب رحمه الله ورضا عنه: الحمد الله نعم قد جاءت الآثار بتلافيهم وتساءلهم وعرض أعمال الأحياء على الأموات كما روى ابن المبارك عن أبي أيوب الأنصاري وهذا الأثر الذي نقله الإمام ابن تيمية عن شيخ الإسلام عبد الله ابن المبارك بسنده إلى أبي أيوب الأنصاري، وهو في كتاب (الزهد) و (الرقائق) في صفحة خمسين ومائة صـ150 وبعد أن نقله الإمام عبد الله ابن المبارك عن أبي أيوب الأنصاري موقوفاً عليه بيَّن أنه روي مرفوعاً إلى النبي عليه الصلاة والسلام كما تقدم معنا في رواية ابن أبي الدنيا ومعجم الطبراني الكبير والأوسط يقول الإمام ابن تيمية (كما روى ابن المبارك عن أبي أيوب الأنصاري قال إذا قبضت نفس المؤمن تلقاها الرحمة من عباد الله كما يتلقون البشير في الدنيا فيقبلون عليه ويسألونه فيقول بعضهم لبعض انظروا أخاكم يستريح فإنه كان في كرب شديد قال فيقبلون عليه ويسألونه ما فعل فلان وما فعلت فلانة هل تزوجت، فإذا سأل عن الرجل قد مات قبله قال لهم إنه قد هلك فيقولون إنا لله وإنا إليه راجعون ذهب به إلى أمه الهاوية فبئست الأم وبئست المربية،

ص: 15

مات قبلك وما علمنا ذهب إلى سجين، قال فيعرض عليهم أعمالهم فإذا رأوا حسن فرحوا واستبشروا وقالوا اللهم هذه نعمتك على عبدك فأتمها عليه وإن رأوا سوءاً قالوا اللهم راجع بعبدك قال ابن صاعد رواه ابن سلام الطويل عن ثور ابن يزيد ورفعه إلى نبينا عليه الصلاة والسلام قال الإمام ابن تيمية وأما علم الحي بالميت إذا زاره وسلم عليه ففي حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم[ما من أحد يمر بقبر أخيه الذي كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا عرفه ورد عليه السلام] قال ابن المبارك ثبت ذلك عن النبي عليه الصلاة والسلام وصححه عبد الحق صاحب الأحكام.

ص: 16

وأما ما أخبر الله به من حياة الشهيد ورزقه وما جاء في الحديث الصحيح من دخول أرواحهم الجنة فذهب طوائف أن ذلك مختص بهم دون الصديقين وغيرهم والصحيح الذي عليه الأئمة وجماهير أهل السنة أن الحياة والرزق ودخول الجنة ليس مختصاً بالشهيد كما دلت على ذلك النصوص الثابتة ويختص الشهيد بالذكر يعني هو الذي ينوه به من أجل حكمة سيذكرها هذا الإمام لكون الظان يظن أنه يموت فينكب عن الجهاد أي يتأخر ويبتعد فأخبر بذلك ليزول المانع من الإقدام على الجهاد والشهادة كما نهى عن الأولاد خشية الإملاق لأنه هو الواقع وإن كان قتلهم لا يجوز مع عدم خشية الإملاق وهذا كما قلت يقرره إخوتي الكرام شيخ الإسلام الإمام ابن تيمية والمقرر عند أئمتنا علماء الشريعة الإسلامية وقد روى الإمام عبد الله بن المبارك في كتاب (الزهد) والأثر رواه ابن أبي الدنيا أيضاً، ورواه الإمام الأصبهاني في (الترغيب والترهيب) عن أبي الدرداء رضي الله عنه وأرضاه قال:(إن أعمال الأحياء تعرض على الأموات فيسرون ويساءون ثم قال اللهم إني أعوذ بك من أن يخزى خالي عبد الله بن رواحة من أجلي، اللهم إني أعوذ بك أن يعرض علي خالي عبد الله ابن رواحة عمل يمقتني من أجله وهو في قبره)، هذا أبو الدرداء رضي الله عنه وأرضاه والأثر إخوتي الكرام رواه ابن أبي الدنيا وبن أبي شيبة في مصنفه والحكيم الترمذي من رواية أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أنه كان يقول:(اللهم إني أعوذ بك أن تفضحني عند عبادة ابن الصامت وسعد بن عبادة) أي عندما تعرض أعمالي عليهما أعوذ بك أن أفتضح.

إخوتي الكرام: هذا الأمر أعني أن الميت المزور يعلم بحال الزائر، هذا مقرر عند أئمتنا كما قلت، وهم يتزاورون فيما بينهم، والآثار في ذلك كثيرة صحيحة وفيرة.

ص: 17

روى الإمام سعد في (الطبقات) وأبو نعيم في (الحلية) أنه التقى صحابيان جليلان مباركان سلمان الفارس وعبد الله ابن سلام رضي الله عنهم أجمعين فقال أحدهما لصاحبه إذا مات أحدنا قبل الآخر فليتراء من له قال ويكون ذلك يقول عبد الله ابن سلام لسلمان ويكون ذلك؟ قال نعم إن روح المؤمن مخلاة تذهب حيث شاءت وإن روح الكافر في سجين فلما مات سلمان الفارس وكانت وفاته سنة اثنتين وثلاثين للهجرة 32هـ وقيل ثلاث وثلاثين 33هـ وقيل ست وثلاثين 36هـ وعبد الله ابن سلام توفي سنة ثلاث وأربعين 43هـ رضوان الله عليهم أجمعين لما مات سلمان الفارس رآه عبد الله ابن سلام بعد موته مشرق الوجه بهي الصورة يتلألأ النور منه قال ما فعل الله بك يا أخي قال غفر لي ورحمني وأكرمني قال بأي شيء توصيني؟ قال عليك بالتوكل فنعم الشيء التوكل ونعم الشيء التوكل ثلاث مرات.

نعم إخوتي الكرام: إن هذا كان مقرراً عند الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين، ثبت في المسند وسنن ابن ماجة بسندٍ صحيح كالشمس عن محمد ابن المنكدر وهو من أئمة التابعين توفي سنة ثلاثين ومائة للهجرة 130هـ حديثه في الكتب الستة أنه دخل على جابر وهو يموت فقال يا جابر أقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم مني السلام فإذا كان هذا هل يحتمل هذه الأمانة صحابي وهلا أنكر على محمد ابن المنكدر وقال له ما علمي وأنا سأموت ولن أجتمع بالنبي عليه الصلاة والسلام ولا بغيره وكيف تحملني هذه الأمانة (أقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم مني السلام) والأثر كما قلت في المسند وسنن ابن ماجة بسند صحيح.

نعم يسن للرجل إذا احتضر وكان صالحاً وحسنت ظنك وعلمت أنه من أهل الخير أن تقول له هذه المقولة: (أقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم مني السلام) فإنه روحه ستلتقي بروح النبي عليه الصلاة والسلام وبالصحابة الكرام وبأهل الخير والإحسان، (أقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم مني السلام) .

ص: 18

إخوتي الكرام: إن شعور الميت أدق من شعور الحي وقد كان هذا مقرراً عند سلفنا وعلى رأسهم الصحابة وفي مقدمتهم رضوان الله عليهم أجمعين.

ثبت في مسند الإمام أحمد والأثر في المستدرك ورواه ابن سعد في (الطبقات) بسندٍ صحيح عن أمنا عائشة رضي الله عنها قالت لما دفن النبي صلى الله عليه وسلم في بيتي كنت أضع ثيابي وأقول ما هو إلا زوجي على نبينا صلوات الله وسلامه قالت فلما دفن أبو بكر رضي الله عنه كنت أضع ثيابي وأقول ما هو إلا زوجي وأبي فلما دفن عمر رضي الله عنه وأرضاه ما دخلت حجرتي إلا وأنا مشدودة على ثيابي وما وضعت عني ثيابي حياءً من عمر.

نعم والله إنه يراها كما يراها كما لو كان حياً في حجرتها وهذه هي المعاني عند سلفنا فكانت تستحي منه كما لو كان في الحجرة حياً فلا تضع ثيابها عنده، هذا هو علم سلفنا، وهذا هو كلام أمنا رضي الله عنها وأرضاها وابتلينا بشرذمة في هذه الأيام إذا قلت لهم إن الميت يسمع ويعلم من يزوره ويشعر بحاله ويستأنس به قالوا إنك مبتدع وهذه بدعة، فهل كانت أمنا عائشة على بدعة عندما كانت تستحي من أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب رضوان الله عليهم أجمعين؟ اللهم ألهمنا رشدنا يا أرحم الراحمين.

إخوتي الكرام: هذه دلالة ثانية،، إن الأموات يعلمون بحال الزائر ويسمعونه ويستبشرون به وعلمهم بذلك أدق وأضبط وأوسع من علم الحي بكثير.

ص: 19

وأما الدلالة الثالثة إخوتي الكرام: شرع لنا إذا زرنا القبور أن نسلم على الأموات بصيغة نخاطبهم بها لا نخاطب الجمادات ولا يصح مخاطبة أحد بهذه الصيغة إلا إذا كان يعي ويسمع ويشعر، نقول له السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، كما سأورد الأحاديث في ذلك السلام عليكم هذا سماع من هذا الخطاب لمن يعي ويسمع ويشعر ويجيب ولا شك في ذلك، ووالله إن كلام النبي عليه الصلاة والسلام أعلى وأجل من أن يوجه هذا الكلام منه إلى من لا يعي ولا يسمع ولا يفقه وهو أعلى حكمة من أن يقول لنا سلموا على جماد لا يشعر ولا يسمع ولا يحس ولا يرى سبحان الله جمادات نسلم عليها إنه كما قلت يسمع سماعاً أدق من سماع الأحياء ولذلك نخاطب الأموات بالصيغ التي ستأتينا.

ثبت في مسند الإمام أحمد والحديث في صحيح مسلم ورواه الإمام النسائي وابن ماجة ومسند أبو داود الطيالسي عن أمنا عائشة رضي الله عنها قالت قلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم[ماذا أقول إذا زرت القبور قال قولي السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون] وفي رواية ابن ماجة ومسند أبي داود الطيالسي [السلام عليكم دار قوم مؤمنين أنتم لنا فرط ونحن لكم تبع اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم] ورواه أبي داود الطيالسي [اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تضلنا بعدهم] هذا كله كلام النبي عليه الصلاة والسلام في حديث أمنا عائشة: [السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين] خطاب يوجه إلى من يعي، من يشعر، من يسمع لمن يرى، لمن يرد [السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين] .

ص: 20

نعم إخوتي الكرام: إن زيارة القبور مشروعة ونخاطبهم بهذا وهي كما تشرع للرجال تشرع للنساء، والحديث صحيح وفيه نبينا عليه صلوات الله وسلامه يقول لأمنا عائشة قولي كذا وهي تدخل في عموم الترخيص فإنها تذكر بالآخرة والمرأة بحاجة أن تتذكر الآخرة كما يحتاج الرجل وهي بحاجة إلى أن يستأنس أقاربها وأن تدعو لهم كما يحصل من الرجل والأحاديث في ذلك إخوتي الكرام كثيرة صحيحة وفيرة، وهذا هو المعتمد عند مذهب الحنفية والأئمة الشافعية رضوان الله عليهم أجمعين، قالوا إن زيارة النساء للقبور مكروهة كراهة تنزيه وللمالكية ثلاثة أقوال الجواز والكراهة والتفريق بين الشابة والعجوز الكبيرة، وللإمام أحمد قولان قول بالجواز وقول بالكراهة والراجح من هذه الأقوال ما هو مقرر عند الحنفية وإلى هذا ذهب شيوخ الإسلام المتأخرون فهو الذي رجحه الإمام القرطبي وهو من المالكية والإمام الشوكاني في (نيل الأوطار) وهذا الذي ذكره الإمام أبو محمد عبد الحق في كتاب (العاقبة) وهو المقرر عند أئمتنا والأحاديث في ذلك كثيرة صحيحة وفيرة، وأما ما ورد في المسند والسنن الأربعة إلا سنن ابن ماجة والحديث في صحيح ابن حبان وسنن البيهقي من رواية عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما قال لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زوارات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج فالحديث إما أن يكون منسوخاً بما تقدم كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها فإنها تذكر الآخرة، وإما أن يراد من الزوارات ما قرره الإمام القرطبي وإلى هذا قال واستراح الإمام الشوكاني، إما أن يكون المراد من الزوارات صيغة مبالغة المكثرات للزيارة فالمرأة تزور أياماً ما بين الحين والحين والرجل يكثر من من الزيارة لأن هدى الإسلام في المرأة أن تكون قعيدة بيت وأنا أعجب للناس في هذه الأيام عندما رخصوا للمرأة أن تذهب إلى المدرسة ورخصوا لها أن تذهب إلى المتنزهات ورخصوا لها أن تذهب إلى البر ورخصوا لها أن

ص: 21

تذهب إلى السياحة ورخصوا لها أن تذهب إلى الأسواق ورخصوا لها إلى زيارة الجيران وإذا قلت لهم تزور القبور لتتذكر الآخرة قالوا هذا حرام المرأة ينبغي أن تجلس في البيت، هلا عرفتم هذا الحكم عند ذهابها إلى السوق، هلا عرفتم هذا الحكم عند ذهابها إلى المدرسة وقد تلتقي بضالات مضلات أخبث من الشيطان الرجيم، كل هذا مرخص فيه وإذا أرادت أن تزور أباها أو أخاها أو زوجها من أجل أن تستحضر ما نصير إليه وهي أولى بأن تستحضر أمور الآخرة من الرجل وأن تدعو لقريبها تمنع سبحان الله؟؟ ثم سبحان الله؟؟ وهنا أمنا عائشة رضي الله عنه والحديث كما قلت في صحيح مسلم وغيره ماذا أقول إذا زرت المقابر وما زجرها وقال إن هذا بدعة وليس من حق النساء أن يزرن [قولي السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون] وقد وردت أحاديث كثيرة فيما يقوله الزائر عندما يزور القبور منها ما في المسند أيضاً وصحيح مسلم، والحديث رواه ابن ماجة في سننه والبغوي في (شرح السنة) من رواية بريدة رضي الله عنه وأرضاه قال [كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلمهم إذا زاروا القبور أن يقولوا السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين نسأل الله لنا ولكم العافية] هناك كما تقدم معنا [يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين نسأل الله لنا ولكم العافية وإنا إن شاء الله بكم لاحقون] وفي رواية الإمام أحمد:[أنتم فرطنا ونحن لكم تبع] وثبت أيضاً الحديث في سنن الترمذي من رواية عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما قال أقبل النبي صلى الله عليه وسلم على ناقته حتى إذا وصل إلى قبور المدينة توجه إليهم عليه صلوات الله وسلامه ثم قال: [السلام عليكم يا أهل القبور يغفر الله لنا ولكم] وهي صيغة ثالثة أنتم سلفنا ونحن بالأثر وثبت أيضاً في المسند وصحيح مسلم والسنن الأربعة إلا سنن الترمذي من رواية أبي

ص: 22

هريرة رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى المقبرة فقال: [السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون] ثم قال فداه أنفسنا وآباؤنا وأمهاتنا عليه صلوات الله وسلامه [وددنا لو رأينا إخوننا فقال الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين أو لست إخوانك يا رسول الله] عليه صلوات الله وسلامه [قال بل أنتم أصحابي وإخواني الذين يأتون بعدكم يؤمنون بي ولم يروني] يود ويتمنى نبينا عليه صلوات الله وسلامه أن يرانا ووالله إن رؤيته أحب إلى أنفسنا من كل شيء وليتنا رأيناه بأنفسنا وأموالنا وأهلينا وأولادنا عليه صلوات الله وسلامه [وددنا لو أنا رأينا إخواننا أو لسنا إخوانك يا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بل أنتم أصحابي وإخوني الذين يأتون بعدكم يؤمنون بي ولم يروني قالوا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم وكيف تعرف من يأتي بعدك من أمتك فقال عليه الصلاة والسلام أرأيتم لو أن رجلاً له خيل غر محجلة] ، الغرة بياض في جبهة الفرس، والتحجيل بياض في قوامها [لو أن رجلاً عنده خيل غر محجلة بين خيل دهم بهم] أي سوداء شديدة السواد لا يخالطها لون آخر، [أما كان يعرف خيله؟ قالوا بلى قال فإن أمتي يدعون يوم القيامة غراً محجلين من آثار الوضوء] يأتون ووجوههم وأعضاؤهم وأعضاء وضوئهم تتلألأ وأنا أعرفهم وأميزهم من بين سائر الأمم [فإن أمتي يدعون يوم القيامة غراً محجلين من آثار الوضوء ألا ليزادن رجال عن حوض كما يزاد البعير الضال فأقول هلم هلم، فيقال لي إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول سحقاً سحقاً] اللهم لا تجعلنا منهم يا أرحم الراحمين.

إخوتي الكرام: هذه الألفاظ التي يقولها الزائر للمزور هل نخاطب جماداً لا يعي ولا يعقل ولا يسمع ولا يشعر؟ يتنزه كلام سيد الحكماء وخاتم الأنبياء عليه صلوات الله وسلامه أن يأمر أمته بأن يخاطبوا جماداً لا يعي ولا يشعر ولا يسمع ولا يفقه ولا يرد.

ص: 23

إخوتي الكرام: وختام الكلام في هذه المسألة، إن النصوص فيها كما قلت صريحة صحيحة كثيرة شهيرة وهي تتعلق في أمر غيبي فإذا كنا نؤمن بالله فينبغي أن نؤمن بالغيب وينبغي ألا نكثر الشكوك والريب، إن الاعتراض على سنة النبي عليه الصلاة والسلام ليس من علامات اتباع السلف، إنما من علامات اتباع الفلاسفة الذي كانوا يدخلون أراءهم في شرع ربهم جل وعلا ويحاكمون المنقول إلى نخريف العقول وعندنا قاعدة ذهبية ينبغي أن نعض عليها بالنواجذ ألا وهي كل ممكن ورد به السمع الصحيح يجب الإيمان ومن لم يؤمن به فهو ضال مضل كل ممكن أي أمر متصور وجوده وعدمه ورد به السمع الصحيح الذي لا ينطق عن الهوى يجب الإيمان به فسماع الميت وشعوره وإدراكه وعلمه بمن يزوره ممكن ورد به السمع فإذا كنا نؤمن بالرب فينبغي أن نؤمن بالغيب {آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا} (1) .

اللهم اجعل هدانا تبعاً لشرعك بفضلك ورحمتك. أقول هذا القول وأستغفر الله.

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله خير خلق الله أجمعين، اللهم صلِّ على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيرا وارض اللهم عن الصحابة الطيبين الطاهرين الصادقين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

(1)) ) سورة آل عمران: 7

ص: 24

إخوتي الكرام: هذا الأمر كما قلت مقرر عند علماء الإسلام وقد بوب الإمام السيوطي عليه رحمة الله في شرح الصدور باباً يشير به إلى هذا فقال (باب زيارة القبور وعلم الموتى بمن يزورهم ورؤيتهم مقرر عند أئمة الإسلام) وسأختم الكلام على هذه المسألة بحادثة وقعت في العصر الأول وهي تتعلق بما جرى في البرزخ وأقر الحكم فيها سيد هذه الأمة بعد نبينا على نبينا وعلى آله وصحبه صلوات الله وسلامه ووافقه الصحابة الكرام دون منازع، وهذه القصة يرويها الإمام الحاكم في المستدرك والطبراني في معجمه الكبير ويرويها أبو يعلى في مسنده ويرويها الإمام ابن عبد البر في كتاب الاستيعاب وإسنادها صحيح كالشمس عن ابنة ثابت ابن قيس ابن شماس رضي الله عنه وثابت ابن قيس من الصحابة الأنصار وكان خطيبهم وثبت في المستدرك وغيره في ترجمته أنه عندما قدم النبي عليه الصلاة والسلام المدينة خطب ثابت فقال والله ليمنعنك مما نمنع منه أنفسنا وأولادنا فما لنا يا رسول الله عليه الصلاة والسلام فقال [الجنة] فقال ثابت ربح البيع، ثابت ابن قيس بشر بالجنة كما في الصحيحين ويرهما بما حضر قتال المرتدين في عهد إمام الصديقين أبي بكر رضي الله عنه وعن سائر الصديقين والمؤمنين سنة اثنتي عشرة للهجرة 12هـ في موقعة اليمامة في بلاد نجد وقد قتل من الصحابة في تلك الموقعة خمسمائة صحابي وقتل معهم أيضاً خمسمائة من المسلمين فالمجموع ألف نصفهم من الصحافة منهم ثابت ابن قيس وقتل من قراء القرآن جمع غفير كثير خمسمائة من الصحابة يتوفون في هذه الموقعة ولما التقى الجمعان وحصل ما حصل قال ثابت ابن قيس رضي الله عنه وأرضاه بئسما تعلمون به أقرانكم هكذا لا تقاتلون بشدة ثم أخذ ثوبين أبيضين فحنطهما وقاتل حتى قتل فكفن في ثوبيه ومعه حنوطه رضي الله عنه وأرضاه، ثابت ابن قيس ابن شماس بعد أن قتل رضي الله عنه وأرضاه مر به بعض المسلمين الضعاف الذين إيمانهم ضعيف وقد يكون بدنهم قوياً

ص: 25

فسرق درعه التي كانت عليه ثم ذهب ذاك إلى رحله وإلى خبائه وستره وثابت ابن قيس رضي الله عنه وأرضاه استشهد ودفن فتراءى لبعض الصحابة في تلك الموقعة ممن هم على قيد الحياة وقال يا أخي اذهب إلى خالد ابن الوليد وكان أميراً للجيش رضي الله عنه وأرضاه في قتال المرتدين فقل له إن فلاناً سرق درعي وهو في مكان كذا من الجيش وقد وضع عليه برمة وفوق البرمة رحله وعلامة درعي كذا وكذا فليأخذه خالد منه وإذا رجعت إلى المدينة فأقرأ أبا بكر رضي الله عنهم أجمعين فأقرأه مني السلام وقل له فلان وفلان من عبيدي أحرار لوجه الله وعلى كذا فيقضه عني ولي مال في مكان كذا فليأخذه وليعطيه إلى الورثة ثم قال يا عبد الله إياك أن تقول هذا حلم ولا حقيقة له، أنا ثابت ابن قيس ابن شماس أخبرك اذهب إلى خالد وأخبر أبا بكر بذلك رضي الله عنهم أجمعين فاستيقظ هذا الرجل وذهب إلى خالد فأخبره فذهب خالد بنفسه رضي الله عنه إلى المكان الذي وصف له ورفع الرجل خلفه ثم نقلت هذه الوصية إلى أبي بكر رضي الله عنه فأنفذها قال الإمام ابن عبد البر في كتاب (الاستيعاب) ما نعلم أحداً نفذت وصيته بعد موته إلا ثابت بن قيس ابن شماس.

ص: 26

قال الإمام ابن القيم رضي الله عنه معلقاً على هذا في كتاب (الروح) يقول وهذا من فقه الصديق وفقه خالد وفقه الصحابة أجمعين وهذا حكم بالقرائن التي تقوم مقام البينة فالمراد من البينة أن يظهر الحق بأي أمارة وأي دلالة كانت وهنا عندنا بينة كالشمس في رابعة النهار درعي في مكان كذا عند رجل في طرف من الجيش فوقه برمة وفوقه رحله وبعد ذلك فلان وفلان من عبيدي أحرار وعندي مال في مكان كذا فلتأخذه أبو بكر رضي الله عنه، البينات والدلالات تقوم مقام شاهدين، بل أكثر، وللإمام ابن القيم كتاب كبير يزيد على ثلاثمائة صفحة سماه (الطرق الحكمية في السياسة الشرعية) عن طريق الحكم بالقرائن والوصول إلى حقيقة القضية بما يلابسها والظروف التي تحيط بها وهنا يقول هذا من فقهه وهنا عليه الإمام ابن القيم على هذه القصة فقال إذا علم الميت بهذه الجزئيات بدرعه وعن سرقها وماذا وضع فوقها ثم قال اذهب إلى خالد وإلى بكر رضي الله عنهم أجمعين فلأن يعلم الميت بزيارة الحي له وسلامه وبأن يشعر به ولأنه يراه من باب أولى ثم قال والسلف الكرام مجمعون على هذا.

ص: 27

وقد تواترت عنهم الآثار بأن الميت يرى من يزوره ويسمعه ويستبشر بزيارته وهذا الكلام يقوله الإمام ابن كثير بالحرف أيضاً فما أعلم هل اتفقت العبارتان أم أخذ الإمام ابن كثير هذا الكلام من شيخ الإسلام الإمام ابن القيم عيهم جميعاً رحمة الله يقول الإمام ابن كثير في تفسيره عند تفسير سورة الروم عند قول الحي القيوم {فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ المَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ * وَمَا أَنْتَ بِهَادِ العُمْيِ عَن ضَلالَتِهِمْ إِن تُسْمِعُ إِلَاّ مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُم مُّسْلِمُونَ} (1) ويقرر هذا في الجزء الثالث صفحة ثمان وثلاثين وأربعمائة 3/438 من تفسيره يقول نفس العبارة المتقدمة والسلف مجمعون على هذا وقد تواترت عنهم الآثار بأن الميت يشعر بمن زاره ويعلمه ويسمع سلامه ويستبشر به ويرد عليه.

إخوتي الكرام: هذا ما يتعلق بهذه المسألة.

وأما مسألة إهداء الطاعات والقربات إلى الأموات فأرجئ الكلام على ذلك إن شاء الله إلى الموعظة الآتية إن أحيانا الله.

(1)) ) سورة الروم: 52، 53

ص: 28

اللهم صلِّ على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيرا، اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام ومن أمته منا فتوفه على الإيمان، اللهم ثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، اللهم لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب، اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، اللهم كره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين، اللهم اجعلنا من أحب خلقك إليك ومن المقربين لديك وإذا أردت فتنة بعبادك فاقبضنا إليك غير مفتونين، اللهم صلِّ على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا، اللهم اجعل حبك وحب رسولك صلى الله عليه وسلم أحب إلينا من كل شيء، أحب إلينا من أنفسنا وأموالنا وأهلينا وأولادنا وأحب إلينا من الماء البارد في اليوم القائظ، اللهم اجعل هوانا تبعاً لشرع نبينا بفضلك وبرحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم صلِّ على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا، اللهم إنا نسألك من كل خير أحاط به علمك في الدنيا والآخرة ونعوذ بك من كل شر أحاط به علمك في الدنيا والآخرة، اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا، اللهم ارحمهم كما ربوّنا صغارا، اللهم اغفر لمشايخنا ولمن علمنا وتعلم منا، اللهم أحسن إلى من أحسن إلينا، اللهم اغفر لمن وقف هذا المكان المبارك، اللهم اغفر لمن عبد الله فيه، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميعٌ قريبٌ مجيب الدعوات، والحمد لله رب العالمين، اللهم صلِّ على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم

{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ} (1)

(1)) ) سورة الإخلاص: 1 - 4

ص: 29