المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌في بدعية الذكر بالاسم المفرد - خطب ودروس الشيخ عبد الرحيم الطحان - جـ ٨٥

[عبد الرحيم الطحان]

الفصل: ‌في بدعية الذكر بالاسم المفرد

المعتمد

‌في بدعية الذكر بالاسم المفرد

(من خطب الجمعة)

للشيخ الدكتور

عبد الرحيم الطحان

بسم الله الرحمن الرحيم

المعتمد في بدعية الذكر بالاسم المفرد

الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونؤمن به ونتوكل عليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فهو المهد ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً.

الحمد لله رب العالمين، شرع لنا دينا قويما وهدانا صراطاً مستقيما، وأسبغ علينا نعمه ظاهرةً وباطنةً وهو اللطيف الخبير.

اللهم الحمد كله ولك الملك كله، وبيدك الخير كله، وإليك يرجع الأمر كله أنت رب الطيبين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين وخالق الخلق أجمعين ورازقهم {فما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين} .

{يا أيها الناس اذكروا نعمت الله عليكم هل من خالقٍ غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو فأنى تؤفكون} .

وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله أرسله الله رحمةً للعالمين فشرح به الصدور وأنار به العقول وفتح به أعينا عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غلفاً فجزاه الله عنا أفضل ما جزى به نبياً عن أمته، ورضي الله عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

{يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدةٍ وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تسائلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا} .

{يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتنَّ إلا وأنتم مسلمون} .

{يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً} .

أما بعد: معشر الأخوة الكرام..

ص: 1

لازلنا نتدارس شناعة البدعة في الإسلام، وأنها توجب للإنسان سوء الخاتمة، وتقدم معنا أن البدعة هي الحدث في دين الإسلام عن طريق الزيادة أو النقصان، مع زعم التقرب بذلك الحدث إلى الرحمن، وذلك الحدث لا تشهد له نصوص الشرع الحسان.

إخوتي الكرام: وقد استعرضنا نماذج من البدع التي وجدت في هذه الأيام، منها بدع حول الدعاء، حيث انحرف كثير من الناس عن الالتجاء إلى رب الأرض والسماء، والتجئوا إلى الأموات والأحياء، ومنها ما يتعلق بعبادة الذكر، حيث انحرفوا عن الأذكار الشرعية، ثم عكفوا بعد على الأشعار الصوفية أو الجهادية، وفي هذه الموعظة المباركة سنتدارس بدعة من البدع التي انتشرت أيضاً ألا وهي تغيير الأذكار الشرعية المأثورة عن نبينا خير البرية صلى الله عليه وسلم، أي تغيير صيغتها والتلاعب بألفاظها إلى صورة لم يأذن بها رب العالمين، ولم تنقل عن نبينا الأمين عليه الصلاة والسلام.

وكما هي عادتنا إخوتي الكرام، نفتتح الموعظة بتقرير الحق ليرسخ في الذهن وليتمكن من القلب، ثم نكر بعد ذلك على الباطل لتدمغه.

ص: 2

إخوتي الكرام: تقدم معنا منزلة ذكر الرحمن في الإسلام، وأن هذه العبادة هي أفضل العبادات التي يتقرب بها العبد إلى ربه بعد أداء الفرائض والواجبات، وإذا كان لهذه العبادة أعني ذكر الله جل وعلا هذه المنزلة في الإسلام، فإن صيغها تتفاوت في الأجر والرتبة والحظوة والمنزلة، فأعلى صيغ الأذكار كلمة التوحيد، التي من أجلها خلق الله الخليقة، وأسس الجنة والنار، وأرسل الرسل، وأنزل الكتب، كلمة لا إله إلا الله، فهذه أفضل الأذكار، وهي أفضل الطاعات التي يتقرب بها العبد إلى العزيز الغفار، وقد قرر هذا نبينا المختار عليه صلوات الله وسلامه، ففي مسند الإمام أحمد والكتب الستة، والحديث في (الأدب المفرد) للإمام البخاري أيضاً، ورواه الإمام أبو عيين في كتاب (الإيمان) ، وهو في أعلى درجات الصحة، عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:[الإيمان بضع وسبعون شعبة، فأعلاها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان] .

[الإيمان بضع وستون شعبة] ولا تعارض بين الروايتين، كما قرر أئمتنا لدخول القليل في الكثير.

ص: 3

نعم إخوتي الكرام، أفضل الطاعات وأعلى الأذكار وأعظم الحسنات كلمة التوحيد لا إله إلا الله، وقد ثبت في مسند الإمام أحمد من رواية أبي ذر رضي الله عنه وأرضاه [أنه قال لنبينا صلى الله عليه وسلم أوصني فقال له النبي صلى الله عليه وسلم إذا أسأت فاعمل بعدها حسنة تمحها] قال أبو ذر يا رسول الله أمن الحسنات لا إله إلا الله؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم هي أفضل الحسنات] ، والحديث كما قال الإمام الهيثمي في المجمع رجاله ثقات لكن في إسناد الحديث شمر بن عطية الكاهلي الأسدي، وهي ثقة كما قال الهيثمي وهو من رجال الغمام النسائي في (السنة) ، والإمام الترمذي في (السنن) ، وأخرج له أبو داود في (مراسيله) ، وحكم عليه الحافظ في (التقريب) بأنه صدوق، وهذا العبد الصالح شمر بن عطية روى الحديث عن اشياخه ولم يسم أحداً منهم عن أبي ذر رضي الله عنهم أجمعين، والحديث تشهد له نصوص كثيرة سيأتي بعضها إن شاء الله.

ص: 4

نعم إخوتي الكرام، أفضل الحسنات وأعلى شعب الإيمان وأفضل الطاعات وأفضل الأذكار كلمة التوحيد لا إله إلا الله، وقد ثبت في سنن الإمام أحمد والسنة الأربعة إلا سنن أبي داود، والحديث في صحيح ابن حبان، والمستدرك للحاكم، وإسناده صحيح كالشمس، من رواية جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال [أفضل الذكر لا إله إلا الله، وأفضل الدعاء الحمد لله] وقد تقدم معنا في موعظة سابقة توجيه الشق الثاني من هذا الحديث الثابت [أفضل الدعاء الحمد لله] قلت لأن الدعاء ينقسم إلى قسمين، إلى دعاء مسألة، وإلى دعاء عبادة، وهذه من صيغ دعاء العبادة، وهي من أعظم الصيغ [الحمد لله] وإذا أثنى السائل على المسؤول فقد تعرض لإجابة سؤله وإن لم يسأله حاجته كما تقدم تقرير هذا من كلام العبد الصالح ابن محمد سفيان ابن عيينة سيد المسلمين في زمانه عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا أنه قال (إذا كان مخلوق يقول لمخلوق، إذا كان أمية ابن أبي الصلت يقول لعبد الله بن جدعان عندما يصرحه أأذكر حاجتي أم قد كفاني حياءك، إن شيمتك الحياء إذا آتنى عليك المرء يوماً كفاه من تعرضه الشتماء) .

ص: 5

أفضل الذكر لا إله إلا الله وأفضل الدعاء الحمد لله، فأعظم الطاعات وأفضل الأذكار التي يتقرب بها المخلوق إلى خالقه، كلمة التوحيد لا إله إلا الله، وقد أخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن أفضل كلمة خرجت من بين شفتين الطاهرتين الكريمتين ومن بين شفاه أنبياء الله ورسله منذ أن أرسل الله آدم إلى أن ختم رسله بنبينا محمد على نبينا وعل جميع أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه أن أفضل كلمة خرجت من تلك الأفواه الطيبة المباركة من أفواه أنبياء الله ورسله هي كلمة التوحيد لا إله إلا الله، ثبت الحديث بذلك في موطأ الإمام مالك من رواية طلحة بن عبيد الله بن كريب بغير التصغير وهو ثقة من أئمة التابعين الطيبين ومن رجال صحيح مسلم وسنن أبي داود مرسلاً إلى نبينا صلى الله عليه وسلم.

والحديث رواه الإمام الترمذي في سننه من رواية عمرو بن شعيب عن أمية عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [أفضل الدعاء دعاء يوم عرفه، وخير ما قلت أنا والنبيون قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيءٍ قدير] .

إخوتي الكرام: وسأستعرض في هذه الموعظة المباركة شيئاً من الأجور التي يحصلها الذاكر لله جل وعلا بهذه الصيغة، أعني كلمة التوحيد لا إله إلا الله وسأذكر الأجور التي يحصلها الإنسان على قول هذه الصيغة إذا قالها مطلقاً دون أن يتحدد ذلك بوقت أو مكان، ودون أن أتحدث عن فضائلها الحسان وأحكامها العظام، كما سأقص شيئاً من الحديث على فضل النطق بها، من نطق هذه الكلمة مرة أو عشر مرات أو مائة أو مائتين أو أكثر دون أن يتحدد ذلك بوقت أو مكان ودون أن أبحث في بقية أحكامها الحسان، ما أجر من نطق بها؟ ما أجر من كررها؟ ما أجر من عبد الله بها، كلمة التوحيد، إخوتي الكرام لذلك أجور كثيرة وقربات وبركات، فالكلمة الواحدة من هذه الصيغة إذا قلتها تعدل عدل رقبة عند الله جل وعلا.

ص: 6

ثبت ذلك في سنن الإمام أحمد والحديث رواته رواه الصحيح كما قال الإمام الهيثمي في المجمع، والحديث صححه الإمام المنذري وغيرهما من أئمتنا عليهم جميعاً رحمة الله، والحديث من رواية البراء بن عازب رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال [من منح منحة ورق أو منحة لبنٍ أو هدى زقاق كان كعتاق رقبة ومن قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كلي شيء قدير كان كعتق رقبة] .

والورق هي القرضة والمال أي من أقرض إنساناً ومنحه مساعدة وليس المراد هنا العطية بلا مقابل، إنما عطية لتستردها فهو في حاجة فأقرضه إن أقرضته مالاً فلك عند الله أجر عتق رقبة، وسيأتينا ما في عتق الرقبة من أجور، والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه، وهكذا من منح منحة لبنٍ فكأنه أعتق رقبة، أعطيته ناقة أو شاة أو بقرة لينتفع بدرها وتستردها بعد ذلك فلك أجر عتق رقبة، ومن هدى زقاقاً والزقاق هو الشارع والطريق، إنسان ضال تائه ضائع فسرت معه وأوصلته إلى مكان حاجته فلك عند الله أجر عتق رقبة، وهذه الأمور الثلاثة كلها فيها شفقة على المخلوق وديننا كما تقدم معنا يقوم على دعامتين، تعظيم للخالق وشفقة على المخلوق، فإذا أشفقنا على المخلوق لنا هذا الأجر العظيم عند ربنا الكريم، فماذا تحصل من أجر إذا عظمنا الخالق واثنينا عليه بما هو أهله، فمن قال مرة واحدة لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير كان كعتق رقبة.

ص: 7

والحديث في المسند كما قلت ورواته في الصحيح، فرجاله رجال الصحيح، والحديث صحيح، نعم رواه الإمام أحمد في رواية ثانية وابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه، وهكذا ابن أبي شيبة، ورواه الإمام الطبراني في الكبير بلفظ عشر مرات بدل مرة [من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير عشر مرات كان كعتق رقبة] وسيأتينا إن شاء الله توجيه الاختلاف بين الروايات التي نقلت عن نبينا خير البريات عليه الصلاة والسلام من قال مرة كان كمن عتق رقبة وهذا المعنى ثبت أيضاً في معجم الطبراني الكبير بسند صحيح كما نص عليه الإمام الهيثمي والمنذري، من رواية سيدنا أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال [من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير مرة واحدة كان كعدل محررين] أي كمن حرر عبداً أو أمةً أو حرر عبدين أو أمتين، وفي رواية أيضاً في معجم الطبراني وإسنادها صحيح أيضاً من رواية أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال [لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير كان كمن أعتق أربعة من ولد إسماعيل] هذا الأجر لمن يقول هذه الصيغة مرة واحدة، وإذا قلتها أكثر من ذلك إلى عشر مرات فاستمع للأجر العظيم الذي نص عليه نبينا خير البريات عليه الصلاة والسلام.

ثبت في مسند الإمام أحمد والصحيحين والحديث رواه الإمام الطبراني في معجمه الكبير ورواه البيهقي في كتابه (الدعوات) الكبير وهو في أعلى درجات الصحة، من رواية أبي أيوب رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال [من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير عشر مرات كان كمن أعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل] .

ص: 8

كان كمن أعتق أربعة أنفس من خير أنواع العبيد، من العرب إذا استرقوا، وهم من نسل هذا النبي المبارك، فكم تنال أجراً في تحريرهم إذا قلت هذه الكلمة عشر مرات لك هذا الأجر العظيم عند رب الأرض والسماوات.

والحديث كما قلت في الصحيحين ورواه الإمام البخاري وابن أبي شيبة في مصنفه والنسائي في كتابه (عمل اليوم والليلة) ، رحمة الله ورضوانه عليهم أجمعين، عن عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه موقوفاً عليه من قوله أنه قال [من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير كان كمن أعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل] .

وهذا الكلام له حكم الرفع إلى نبينا عليه الصلاة والسلام قطعاً وجزماً فمثله لا يقال من قبل الرأي وعليه هو مرفوع من رواية هذين الصحابيين المباركين من رواية أبي أيوب، ومن رواية عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاهم وفي بعض روايات عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال [لأن أقول عشر مرات لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير أحب إليَّ من أن أعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل] .

وإذا زدت في العدد والمقدار وقلت هذه الصيغة مائة مرة فلك من الأجر الشيء الكثير كما جاء عن نبينا البشير النذير عليه صلوات الله وسلامه.

ص: 9

ثبت في موطأ الإمام مالك ومسند الإمام أحمد، والحديث في الصحيحين وسنن الترمذي، وسنن ابن ماجة ورواه الإمام النسائي في (عمل اليوم والليلة) ورواه الإمام البغوي في (شرح السنن) والإمام ابن حبان في صحيحه كما رواه الإمام ابن أبي شيبة في مصنفه، وهو في أعلى درجات الصحة، فهو في الصحيحين من رواية أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال [من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كان كعدل عشر رقاب وكتب له مائة حسنة ومحيت منه مائة سيئة وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا من عمل أفضل منه] .

وتوجيه هذه الروايات في الأختلاف في الأجور التي يحصلها الإنسان عند النطق بهذه الكلمة فإذا قالها مرة له رقبة أو أربعة رقاب أو أجر محرر أو محررين، وهكذا إذا قالها عشر مرات له عتق أربع رقاب، فما هو الجمع بين هذه الروايات ذلك عدة أقوال أذكر ثلاثة منها باختصار، الذي مال إليه الحافظ ابن حجر في الترجيح بين هذه الروايات وهو فيما يظهر فيه بعد، والقول الثاني مال إليه الإمام القرطبي في كتابه (المفهم في شرح صحيح مسلم) وهو من أحسن الأجوبة.

ص: 10

وأحسن منه الجواب الثالث ألا وهو أن ذلك يختلف باختلاف حال الذاكرين، فمن قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير وقد امتلأ قلبه بتعظيم الله جل وعلا وكأنه حاضر بين يديه كأنه أعتق بهذه الجملة الواحدة أربعة أنفس من ولد إسماعيل عليه وعلى نبينا صلوات الله وسلامه، وإذا خف حضوره بين يدي الله خف من أجره لكنه لا ينقص عن أجر إعتاق رقبة مؤمنة، وتقدم معنا مثل هذا التوجيه في الأجور التي يحصلها الإنسان عندما يصلي على النبي عليه الصلاة والسلام وتقدم معنا رواية المسند بإسناد صحيح من رواية ابن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال [من صلى عليَّ صلاة واحدة صلى الله عليه وملائكته سبعين صلاة] وقلت لا تعارض بين هذا وبين الروايات الثانية الصحيحة التي أظهرت أن الله يصلي على من يصلي على نبيه عليه الصلاة والسلام، يصلي عشر مرات على من يصلي على النبي عليه الصلاة والسلام واحدة، قلت هذا على حسب ما يقوم بالقلب من تعلق بالنبي عليه الصلاة والسلام وسبيل إليه ومحبة له عليه صلوات الله وسلامه وفداه أنفسنا وآباءنا وأمهاتنا، والأمر هنا كذلك، والأمر هنا كذلك، وهذا كما قلت جواب الإمام أبي العباس القرطبي وهو جواب معتبر قوي، وأحسن منه فيما يظهر لي وهو الذي يفحم من كلام النووي رحمه الله أنه لا منافاة بين هذه الأجور لدخول القليل في الكثير كما يقرر هذا بكثرة في شرح صحيح مسلم والعدد لا، وعليه إذا بهذه الصيغة أجر إعتاق رقبة، لا يتنافى مع أجر محررين أو مع أجر أربعة رقاب، والعلم عند الكريم الوهاب.

إخوتي الكرام: إذا قال الإنسان هذه الصيغ مرة أو عشر مرات أو مائة مرة ينال هذه الأجور، منها عتق الرقاب وأجور أخرى كثيرة تصاحبها.

ص: 11

وعتق الرقاب وما أدراكم ما عتق الرقاب؟ له أجر عظيم عند الكريم الوهاب سبحانه وتعالى، فمن أعتق رقبة في هذه الحياة فهي فكاكه من النار كما أخبر عن ذلك نبينا المختار عليه الصلاة والسلام.

ففي مسند الإمام أحمد والصحيحين والحديث في سنن الترمذي ورواه الإمام البيهقي في السنن الكبرى وفي كتاب (الدعوات) الكبير كما رواه الإمام البغوي في شرح السنة، ورواة الحديث من رواية أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال [من أعتق رقبة مسلمة أعتق الله بكل عضو منه مضواً منه من النار حتى فرجه بفرج] وثبت في مسند الإمام أحمد وسنن أبي داود والنسائي صحيح من رواية عمرو بن عيشة أبي نجيح رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال [من أعتق رقبة مؤمنة كانت فكاكه من النار] سبحان الله، إذا قلت لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير يكتب لك كعتق رقبة، كعتق محرر أو محررين كعتق أربعة رقاب، فما هذا الأجر العظيم الذي يغدقه ربنا الكريم على عباده المؤمنين، سبحانك لا نحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وإذا زدت في العدد فقلت هذه الصيغة مائتين فلك أجر عظيمٌ عظيم لا يسبقك من تتقدمك ولا يدركك من لحقك إلا إذا قالوا أكثر منك، ثبت الحديث بذلك في مسند الإمام أحمد، ومعجم الطبراني الكبير ومستدرك الحاكم بإسناد صحيح من رواية عبد الله بن عمرو ابن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال [من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير مائتي مرة لا يسبق من كان قبله ولا يدركه من يأتي بعده إلا من عمل بأفضل من عمله] نعم رواه الحاكم وضبط العج بمائة وهل هذا في طباعة المستدرك أو أن الرواية مائة ومائتين العلم عند الله جل وعلا لكن رواية رواية الإمام أحمد ورواية الطبراني العدد فيهما مائتان.

ص: 12

قال الإمام الهيثمي في الجمع في كتاب (الأذكار) باب التسهيل بمائة أو أكثر، وكما قلت إسناد الحديث صحيح وقد حسنه الإمام المنذري عليه رحمة الله في كتاب (الترغيب والترهيب) ، وهذه الأجور يحصلها كلام الله جل وعلا، وإذا كان في صيغ الأذكار صيغة هي أفضل الأذكار كلام الله جل وعلا أيضاً سورة هي أعظم السور عندما تتلوها ولك عليها أجر عظيم عند ربنا الكريم سبحانه وتعالى، وكما تقدم معنا الأجور المطلقة التي يحصلها الإنسان عند قراءة كلام الرحمن دون تحديد السورة منه، أجور كثيرة وتنال أجور كثيرة معنا، عنه لبعض السور إذا قرأت يزداد أجرك كما أن هناك الأذكار إذا قلتها لك أجر عند ربنا سبحانه وتعالى.

إخوتي الكرام: كل حرف من القرآن تؤجر عليه بعشر حسنات ولا ينقص الأجر والثواب عن هذا الحد، كما أخبر عن ذلك نبينا صلى الله عليه وسلم والحديث في سنن الترمذي ومستدرك الحاكم وقال الترمذي هذا حديث حسن غريب ورواه الإمام البخاري في (التاريخ) الكبير كما رواه الإمام الخطيب البغدادي في (تاريخ بغداد) والحديث رواه الإمام ابن الضريس في كتابه (فضائل القرآن) ورواه الإمام البيهقي في (شعب الإيمان) وكما قلت إسناده صحيح من رواية عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال [من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول ألم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف] فلك على النطق بهذه الحروف الثلاثة ثلاثون حسنة وعند الله مزيد، لكن بعض السور لها أجور مضاعفة كما أن صيغ الأذكار لها منزلة وأجور مضاعفة، وأفضل السور التي تحصل عليها أجراً كبيراً عند قراءتها سورة الإخلاص.

ص: 13

كما أن أفضل الأذكار كلمة الإخلاص، وسورة الإخلاص هي سور الرحمن {قل هو الله أحد * الله الصمد * لم يلد ولم يولد * ولم يكن له كفواً أحد *} فهذه السورة تعدل ثلث القرآن عند ربنا الرحمن، وإذا قرأتها عشر مرات بنى الله لك قصراً في الجنة وإذا زدت فالله جل وعلا أكثر وأطيب وأوسع سبحانه وتعالى، وهذه المعاني كلها ثابتة عن نبينا صلى الله عليه وسلم ثبت في مسند الإمام أحمد، والحديث في صحيح البخاري وسنن أبي داود والنسائي ورواه الإمام البيهقي في السنن الكبرى وابن الضريس في فضائل القرآن من رواية أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وأرضاه قال مر رجل على رجل في الليل وهو يصلي يقرأ سورة الإخلاص ويرددها فلما طلع الصبح جاء هذا الرجل الذي سمع رجلاً يردد سورة الإخلاص جاء ليخبر النبي صلى الله عليه وسلم عما رأى وسمع وشاهد وكأنه أي المخبر من الصحابة يتقال هذه السورة وستقل أجرها فقال النبي عليه الصلاة والسلام [والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن] وهذا المعنى متواتر عن نبينا عليه الصلاة والسلام، أجزم بذلك وأقطع به وأسأل عنه أمام الله عز وجل، وقد روى هذا المعنى عن أكثر من عشرة من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين عن نبينا عليه الصلاة والسلام وفي هذه الروايات التصريح بأن سورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن فمن هذه الروايات رواية أبي الدرداء رضي الله عنه وأرضاه، وهي في مسند الإمام أحمد وصحيح مسلم، وفي كتاب (فضائل القرآن) لأبن الضريس وفي سنن النسائي ورواها الإمام أبو عيينة في كتاب (فضائل القرآن) ومثلها رواية أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه وأرضاه، وهي أيضاً في سنن الإمام أحمد وسنن الترمذي وسنن النسائي ورواها أبو عيينة في (فضائل القرآن) ، وابن الضريس في (فضائل القرآن) والبخاري في (التاريخ الكبير) ورواها البيهقي في (شعب الإيمان) ولفظ روايتي أبي الدرداء وأبي أيوب رضي الله عنهم وأرضاهم والروايتان صحيحتان ثابتتان

ص: 14

عن نبينا عليه الصلاة والسلام أن نبينا قال للصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين [أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن في ليلة؟ فقالوا يا رسول الله نحن أضعف من ذلك وأعجز فقال عليه الصلاة والسلام والذي نفسي بيده إن سورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن] فإذا جن عليك الليل فاقرأ هذه السورة مرة واحدة كأنك قرأت ثلث القرآن.

وثبت في سنن الإمام أحمد وصحيح مسلم وسنن الترمذي من رواية أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال [احشدوا حشد] أي اجتمعوا جموعاً كثيرة نفيرة ومثيرة فلما اجتمع الصحابة الكرام خرج عليهم النبي عليه الصلاة والسلام وقال سأقرأ عليكم ثلث القرآن فقرأ سورة الإخلاص ثم دخل حجرته فقال الصحابة ما ذهب النبي عليه الصلاة والسلام، ودخل حجرته إلا لأمرٍ طرأ من السماء ثم خرج النبي عليه الصلاة السلام وهم جموع لا زالوا مكانهم قال ما لكم قالوا قلت لنا ستقرأ علينا ثلث القرآن وقرأت سورة الإخلاص ثم دخلت إلى بيتك المبارك فقال عليه الصلاة والسلام والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن] من رواية أبي سعيد وأبي الدرداء وأبي أيوب وأبي هريرة، وروى هذا المعنى من رواية عدة من الصحابة الكرام، انظروها في كتب السنة الشريفة، روى من رواية ابن أنس وأبي ابن كعب وعبد الله بن عمر وعبد الله بن مسعود ومن رواية معاذ بن جبل والنعمان بن بشير ومن رواية أم كلثوم بنت عقبة رضي الله عنهم أجمعين، فبها هذا المعنى أن سورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن وقد اختلفت أنظار أئمتنا في توجيه المراد بهذا الحديث وابرز ما قيل في ذلك قولان:

الأول: تعدل ثلث القرآن من حيث الثواب والأجر والله يختص ما يشاء بما يشاء سبحانه وتعالى، فمن قرأ سورة الإخلاص له كأجر من قرأ عشرة أجزاء من القرآن الكريم.

ص: 15

والثاني: هي ثلث القرآن من حيث الموضوع، وإلى هذا ذهب شيخ الإسلام الإمام ابن تيمية عليه رحمة الله وألف كتاباً في ذلك سماه (جواب أهل العلم والإيمان بتحقيق ما أخبر به رسول الرحمن من أن قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن) وحاصل كلامه وكلام غيره في هذا الشأن أن القرآن من حيث الموضوع ينقسم إلى ثلاثة أقسام توحيد، وأحكام شرعية من عبادات ومعاملات وغير ذلك، قصص والقصص جاء لتقرير هذين الأمرين وتوكيدهما وإثباتهما، لتقرير التوحيد وإثبات الأحكام الشرعية، فالقرآن لما كان ينقسم إلى ثلاثة أمور توحيد، وأحكام شرعية، وقصص، سورة الإخلاص تمحصت في توحيد الخالق جل وعلا حتى ثلث القرآن من هذا الاعتبار.

وأنا أقول لا مانع من الجمع بين الأمرين هي ثلث القرآن من حيث موضوعها، وهي ثلث القرآن من حيث ثوابها والأجر على قراءتها والله ذو الفضل العظيم.

إخوتي الكرام: هذه السورة لها شأن عظيم من قرأها عشر مرات بنى الله له قصراً في الجنة، ثبت هذا في مسند الإمام أحمد ومعجم الطبراني الكبير (وعمل اليوم والليلة) لأبن السني من رواية معاذ بن أنس الجهني ورواه الإمام الطبراني في معجمه الأوسط من رواية أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه ورواه الإمام الدرامي في سننه من رواية أبي عقيل زهرة بن معين عن سعيد ين المسيب مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم[أن من قرأ سورة الإخلاص عشر مرات بنى الله له قصراً في الجنة] وفي رواية أبي هريرة والرواية المرسلة لسعيد بن المسيب [من قرأها عشرين مرة بني له قصران، ومن قرأها ثلاثين مرة بني له ثلاثة قصوراً فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه، إذاً نستكثر قصوراً يا رسول الله.

سبحان ربي العظيم وقصر في أي دار في دار باقية لا تفنى ولا تزول.

ص: 16

إخوتي الكرام: كم نتنافس ونشقى ونتعب وننحني في تحصيل كوخ في هذه الحياة، ثم نزهد بعد ذلك في قصور الجنات، إن هذه هي السفاهة والحماقة بعينها [إذاً نستكثر قصوراً فقال النبي عليه الصلاة والسلام الله أكثر وأطيب] وفي رواية الدارمي [الله أوسع] وملكه سبحانه وتعالى لا ينقضي ولا يحيط به إلا هو سبحانه وتعالى.

إخوتي الكرام: وهذه الروايات لا تنزل عن درجة الحسن بحال.

أما رواية سعيد بن المسيب فهي مع إرسالها حكم عليها الإمام ابن كثير بأن هذا المسند حسن الإسناد ومن بحث في رجال إسنادها يرى أن جميع رجال الإسناد رجال أئمة ثقات إثبات من رجال الصحيحين إلا عبداً واحداً صالحاً ولياً وهو أبو عقيل زهرة بن معين فهذا خرج له النبلاء فقط وأهل السنن الأربعة ولم يخرج له الإمام مسلم وقد توفي 135هـ قال الإمام الدارمي بعد أن روى الحديث من طريقه إلى سعيد بن المسيب في (التقريب) قال ثقة عاين ولما ترجمه الإمام الذهبي في (الكاشف) قال كان من الأولياء وتقدم معنا ما يتعلق بتعريف الإبدال والأحاديث الواردة فبهم فلا يتعين ذلك عن أذهانكم ورواية أبي هريرة رضي الله عنه فيها ضعف من حيث الإسناد ورواية معاذ بن أنس الجهني لكن الحديث لا ينزل عن درجة الحسن بحال، وهذا ثابت من كلام نبينا المختار عليه الصلاة والسلام.

إخوتي الكرام:

هذه هي الأجور والمقام التي يحصلها من يذكر الله بأعظم صيغ الذكر بكلمة الإخلاص لا إله إلا الله، وبكلامه في السورة التي نزلها في بيان النسبة ونسبها سبحانه وتعالى وهي سورة الإخلاص.

وإذا كان ال بكلمة التوحيد ويكثر من قراءة هذه السورة المباركة وهي سورة الإخلاص.

ما الذي حصل بعد ذلك؟ إن الأمر تغير بانتكاس العقول وعبد الناس أنفسهم وهم يظنون أنهم يعبدون ربهم.

{أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم كالأنعام بل هم أضل سبيلا} .

ص: 17

{أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم سمعه وفله وجل على بحر غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون} .

إخوتي الكرام: حصل في هذه الأمة فرقة ضالة وثبتت فيها ثابتة حرفت وغيرت الأذكار الشرعية المأثورة عن خير البرية عليه الصلاة والسلام، وعكفوا على أذكار مبتدعة زعموا أن شريعة الله المطهرة تدل عليها ولا يشهد لذلك كتاب ولا سنة ولا قول عالم من هذه الأذكار باللفظ المفرد بكلمة (الله، الله،) ، (حي، حي) ، (قهار، قهار)(سميع، سميع)(أحد، أحد) ومنها الله بالإسم المفرد مضراً (هو، هو، هو، هو) تراهم يعكفون على هذه الصيغ (الله، الله، الله) ثم يحرفون الصيغة أيضاً بحيث يسقط الألف واللام أحياناً والهاء يبدلها إلى حا فتراهم من سرعة كلامه اح أح عندما يتكلم وبعد ذلك (هو، هو) يعوي ويمد هذه الكلمة، يا عبد الله علام هذا علام هذا؟

ألا ذكرت الله بأفضل كلمة نطق بها خير خلق الله عليه الصلاة والسلام ونطق بها أنبياء الله ورسله عليهم جميعاً صلوات الله وسلامه (لا إله إلا الله) علام هذا التكلف (حي، حي، قهار، قهار، أحد، أحد، هو، هو) علام هذا، واشتط هؤلاء ففريق قال إن هذا جائز وفريق قال هذا أفضل الأذكار، فلا إله إلا الله ذكر العوام، والله، الله بالاسم المفرد مظهراً ذكر الخواص، هو، هو بالاسم المفرد مضمراً ذكر خواص الخواص، من هؤلاء خواص الخواص؟

ص: 18

أنا أريد أن أعلم، إذا ما كان نبينا عليه الصلاة والسلام خير خلق الله هو خاصة الخاصة وهو أحب الخلق إلى الله، فمن هو خاصة الخاصة؟ الذي يذكر الله بهذه الصيغة هو، هو؟ وأعرف بعض الناس يجلس كل يوم قبيل الفجر فيذكر الله عشر آلاف مرة بصيغة الله، الله، وهو، هو في كل يوم صيغة فقلت يا عبد الله والله ما أشك إن شاء الله من حسب ما يبدو من حالك إنك تريد ذكر الله وعبادة الله وتحب الله على حسب ما يظهر لكم هذا لذكر المبتدع المحدث ما أعلم هل ستخرج رأساً برأسي فلا أجراً ولا ترتكب وزراً أم سترتكب وزراً بهذا، ألا قلت بدل هذا صيغة منقولة عن حبيبك عن رسولك عن نبيك عليه الصلاة والسلام، الكف عن كلمة التوحيد، على التسبيح، على التحميد، على الحوقلة، على أي صيغة من صيغ الأذكار عشر آلاف مرة قبيل الفجر كل يوم يقول هذا بقراءة ساعتين إلى ثلاث ساعات.

عجباً من جد أهل الباطل وأهل البدع في باطلهم وبدعهم وعجزنا عن حقنا والذي يطنطن صباح مساء في التوحيد ما أظن أنه يقوم قبل الفجر الربع ساعة ليقول هذه الصيغة المباركة لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيءٍ قدير، ألا من رحمة ربك، وانظر إلى أهل البدع وجدهم في ضلالهم وبدعهم وعجزنا وضعفنا وخورنا عن حقنا وعن الهدى الذي جاء نبينا صلى الله عليه وسلم.

إخوتي الكرام:

أذكار مبتدعة الله، ثم تغيير في الصيغة ثم هو، هو عكفوا على هذا في خاصة أنفسهم وفي بيوت ربهم وحولوا بيوت إلى مكان للذكر المبتدع من قبل أنفسهم كما حولها الصوفية إلى مكان للقصائد والأشعار والرقص مع تبرير فعلهم ووجد أيضاً في هذا الوقت من يبرر هذا النقل وله أدلة من هنا ومن هناك وغاية ما أيدوا به هذا ثلاثة أمور.

ص: 19

أولها: قالوا إن هذا يدل على جوازه كتاب وسنة رسول عليه الصلاة والسلام والتعليلات العقلية، أما القرآن قالوا إن الله تعالى نص على جواز الذكر بالاسم المفرد بكلمة الله في كتابه فقال جل وعلا في سورة الأنعام {قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون} والآية إخوتي الكرام في بدايتها {وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشرٍ من شيءٍ قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نوراً وهدىً للناس تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيراً وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباءكم قل الله} أي الله هو الذي أنزل ذلك الكتاب والكتب السماوية، قل الله أنزله، {قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون} ليس {قل الله} أي أذكر الله بهذه الصيغة قل (الله، الله، الله، قهار، قهار، قهار) قل الله واستمع إلى الآية {قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نوراً وهدىً للناس تجعلونه قراطيس} والقراطيس هي الصحف المفرقة وكان أهل الكتاب عليهم لعنات الكريم الوهاب يكتبون التوراة والإنجيل في صحف مفرقة ليظهروا ما أرادوا وليكتموا ما أرادوا، فإذا التي لم يوافق أهوائهم كتموا الصحيفة التي فيها هذا الأمر، ومن أجل هذا كره من أئمتنا تجزئة القرآن وأمروا بأن يطبع كاملاً ويتبع آخره أوله من أجل ألا نتشبه بأهل الكتاب الذين كانوا يقطعون كتبهم وإذا حصل هذا من باب التيسير على النشء فلا حرج، إنما من أجل ألا نتصف بهذه الصفة، كان أئمتنا يكرهون تجزئة القرآن، {تجعلونه قراطيس} تكتبونه على أوراق متفرقة فإذا أردتم أن تستدلوا بشيء لكم أخرجتم هذه الصحيفة، وإذا الشيء فيه حجة عليكم كتمتم تلك الصحيفة وقلتم هذه الصحف ليس فيها ذلك الكلام {تبدونها وتخفون كثيراً وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباءكم} من أنزل الكتاب؟ {قل الله ثم ذرهم في خوضهم يعلبون} أي الله أنزل مبدأ والخبر محذوف مقدر لا تخفي على أحد، وأئمتنا يقولون المحذوف إذا دل عليه مذكور كان في حكم الملفوظ {قل الله} .

ص: 20

وكان رؤية بن الحجاج عليه رحمة الله إذا سأل كيف أصبحت قال خير ما قال (الله) أي أصبحت بخير ما قال الله حرف الجر يحذفه.

وأما أن تقول {قل الله} يعني أذكر الله بهذا الاسم المبارك (الله، الله، الله) فهذا من باب التلاعب بكلام الله جل وعلا، ولما مر بعض الأعراب على مؤذن يؤذن فنصب لفظ الرسالة في الآذان فقال (أشهد أن محمداً رسول الله) فوقف الأعرابي فلما انتقل المؤذن إلى الجملة الثانية (حي على الصلاة) نادى الأعرابي بأعلى صوته أيها المؤذن أمجنون أنت قف. أين الخبر (أشهد أن محمداً رسول الله) بأي شيء ستخبر عنه، صادق؟ كاذب؟ رسول الله حقاً وصدقاً؟ أخبر عنه، فجعل الرسول بدلاً من محمد أين الخبر، إنما الخبر رسول الله، فاخبر حصل بصفة الرسالة، أجزت بكلام تام القائدة يحسن السكوت عليه.

لو قال الشيوعي هذه الكلمة (الله) مليار مرة لما صار من عداد الموحدين حتى يقول لا إله إلا الله، (الله، الله) ماذا تقص، الله جليل كريم أم بخلاف ذلك، الله حق أو باطل، أخبر وتكلم بلام يحسن السكوت عليه، ويفيد قائدة معلومة واضحة، أما الله، الله، الله، ثم إذا طرأ عليه تحريف فهو أشنع وأشنع فالآية لا تدل على ذلك بوجه من الوجوه.

ص: 21

ومرة ناقشت بعض الزائرين في بلاد مصر من الذين لهم شأن وقال هذا مذكور في كتاب الله، قلت الذكر بالاسم المفرد مذكور في كتاب الله؟ قال نعم الله هو؟ قال {فسبح باسم ربك العظيم} واسم الله، الله فتقول الله، الله وقال جل وعلا في سورة الأعلى {سبح اسم ربك الأعلى} ، {واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلا} ، قلت يا عبد الله سنفسر كلام الله جل وعلا على حسب أهوائنا وكما نريد أم عندنا طريق سديد لنا نبينا الحبيب عليه الصلاة والسلام، قال كما نقل عن النبي عليه الصلاة والسلام وعن أئمتنا، قلت لما نزلت {فسبح باسم ربك العظيم} قال نبينا الأمين عليه الصلاة والسلام اجعلوها في سجودكم، والحديث في المسند وسنن ابن ماجة وأبي داود والدارمي وابن مردويه في تفسيره وابن المنذر في تفسيره وإسناد الحديث صحيح كالشمس من رواية عقبة بن عامر رضي الله عنه وأرضاه قال [لما نزلت {فسبح باسم ربك العظيم} قال اجعلوها في ركوعكم] ماذا نقول في ركوعنا؟ (الله، الله) أم نقول سبحان ربي العظيم، [ولما نزلت {سبح اسم ربك الأعلى} قال نبينا عليه الصلاة والسلام اجعلوها في سجودكم] ماذا نقول في سجودنا (الله، الله) أم نقول سبحان ربي الأعلى.

أما أن نذكر الله بكلمة لا تدل على شيء لا على إيمان ولا على كفران، لا على حب ولا على بغض، لا على تكريم ولا على تحقير، فهذا ليس بذكر لله الجليل سبحانه وتعالى، وأشنع من هذين المسلكية ما ذكره الإمام الرازي في تفسيره عن تفسير سورة الصمد في الجزء 32/179 قال في هذه الآية فائدة معتبرة أشير بها إلى المقامات الثلاثة.

ص: 22

{قل هو الله أحد} قال هو هذه للمقربين، الله لأصحاب اليقين، أحد لأصحاب الشمال، الذكر بهو يقول هذا للمقربين، قال لا تهم لا يتصورون الله بكيفية فلا يعرف كيف الله إلا الله فهم يقولون هو، هو، هو، ولا يشهدون غيره، وأما الذين شاهدوه وشاهدوا الأخيار وعظموه فهم يقولون الله، الله، الله، وأما أهل الشمال فهؤلاء الذين جعلوا التعدد لله جل وعلا، والشركاء فيقال لهم أحد.

والله هذا من تفسيرات الباطنية والتلاعب بكلام رب البرية.

والإمام الرازي عليه رحمة الله صاحب كتاب مفاتيح الغيب والتفسير الكبير توفي سنة 606هـ نحبه ونكن له ولأئمتنا كل احترام وتقدير لكن الحق أحق بالإتباع، وهذا الكلام لابد أن ينزه عنه كلام الله جل وعلا من باب تفكيك كلام الله والتلاعب بمدلوله.

{قل هو الله أحد} تأتي تفكك هذه الجملة وتقول هو لصنف والله لصنف واحد لصنف ما هو الدليل على هذا يا عبد الله؟

إخوتي الكرام بحث شيخ الإسلام الإمام ابن تيمية في (مجموع الفتاوى في الجزء 10/226 إلى صـ236 وعاد المبحث في صـ556 إلى صـ566 في هذه القضية في عشرين صفحة وبين بأن الذكر بالاسم المفرد لم ترد شريعة الله المطهرة سواء سمات مظهراً أم مضمراً فارجعوا إلى تفصيل الكلام على ذلك في هذين المكانين المشار إليهما.

إخوتي الكرام:

هذا ما استدل به من آيات القرآن على زعم الزاعمين أنه هناك أدلة من كلام رب العالمين تدل على جواز الذكر بالاسم المفرد وأما أدلة السنة فقد استدلوا على ذلك بأدلة كثيرة أبرزها دليلان، دليل مكذوب بإجماع أئمتنا، ودليل صحيح باتفاق أئمتنا، ولا دلالة فيه على ما يقولون.

ص: 23

أما الحديث المكذوب فقالوا إن النبي صلى الله عليه وسلم لقن علياً الذكر بالاسم المفرد أن يقول الله، الله، الله، الله، قال أئمتنا كما في (مجموع الفتاوى) في المكانين المشار إليهما وهذا ما قرره أئمتنا رحمة الله عليهم أجمعين، قالوا هذا حديث مكذوب باتفاق أهل العلم بالحديث لا يوجد في دواوين الإسلام.

والحديث الثاني صحيح لكن لا دلالة فيه على المطلوب وقد استدل به كثير من الناس وقابلني بعضهم بهذا الدليل وقال ما تقول فيه قلت ما أقول فيه إلا كما يقول أئمتنا فاستمع.

الحديث إخوتي الكرام في مسند الإمام أحمد وصحيح مسلم ورواه الإمام الترمذي في سننه، وهو في صحيح ابن حبان ومستدرك الحاكم ورواه عبد بن حميد في مسنده ورواه أبو يعلى في مسنده والإمام أبو نعيم في حليته، (حلية الأولياء) من رواية سيدنا أنس بن مالك خادم النبي عليه الصلاة والسلام قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول [لا تقوم الساعة على رجل يقول الله، الله] بالضبطتين وسيأتي توجبها إن شاء الله.

ص: 24

وفي رواية [لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض الله، الله] إذا حصل هذا تقوم الساعة فقال الرجل هذا الحديث ثابت، يقول الله قلت يقول الله، معناها يذكر الله قال لا قلت استمع إلى رواية الحديث، الحديث رواه الحاكم في المستدرك بسند صحيح أيضاً من رواية عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال [لا تقوم الساعة حتى لا يقال الله، الله] والحديث رواه أبو تميم في (حلية الأولياء) في الجزء 3/35 من رواية أنس ثم نقله عن مجاهد من رواية ثلاثة من الصحابة آخرين من رواية عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهم أجمعين وقال رواية هؤلاء عن مجاهد مجموعه غريبة والرواية الصحيحة الثابتة عن أنس وأننا أقوله ورواية أيضاً عبد الله بن مسعود صحيحة ثابتة في المستدرك، وهذا الرواية إخوتي الكرام المراد منها ما وضحته الروايات الأخرى وهو الذي فهمه أئمتنا، الأمام النووي في صحيح مسلم في شرح صحيح مسلم في الجزء الثاني صـ178 في كتاب (الإيمان) بوب على هذا فقال (باب ذهاب الإيمان في أخر الزمان) وليس الحديث مسوقاً لأثبات الذكر بهذه الصيغة أو بغيرها، أي خروج ناس من الذين تعش الزمان عدم وجود أحد من الموحدين، وهذا يكون عند مجيء الريح اللينة الطيبة من بلاد اليمن عندما تأخذ روح كل مؤمن ومؤمنة ولا يبقى إلا شرار الخلق وعليهم تقوم الساعة.

فإذاً هذا هو المراد من الحديث، ويدل على هذا رواية ابن حبان والحاكم في المستدرك وعن بن حميد [لا تقوم الساعة حتى لا يقول أحد لا إله إلا الله] وفي رواية [حتى لا يقال لا إله إلا الله] زاد الحاكم في بعض الروايات والخطيب البغدادي في كتاب (تاريخ بغداد) من رواية أبي هريرة أيضاً، ورواية الحاكم من رواية أنس رضي الله عنهم أجمعين [حتى لا يقال لا إله إلا الله ولا يؤمر بالمعروف، ولا ينهى عن المنكر] والحديث ورد ما يقرر هذا المعنى له في كتاب

ص: 25

(تهذيب الآثار) للإمام الطبري، (وتاريخ نيسابور) للإمام الحاكم من رواية بريدة رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال [لا تقوم الساعة حتى لا يعبد الله في الأرض قبل مائة سنة] يبقى الناس من يأذن الله ويشركون ولا يوجد عابد لله مائة سنة ثم بعد ذلك تقوم الساعة وعليه لا يقول الله ليس المراد لا بذكر الله بهذه الصيغة إنما لا يوجد من يوحد الله ولذلك قال أئمتنا (الله، الله) إما أن تكون خبراً والمبني محذوف الله ربنا الله إلهنا، وإما أن تقول منصوب على التقدير كما تقول الأسد، الأسد، وعليه لا يقال الله، الله، أي لا يقول أحد اتقوا الله، خافوا الله، لا يقول أحد الله ربنا، أي لا يوجد مؤمن موحد في ذلك الزمن، وليس المراد من الحديث ذكر الله بهذه الصيغة (الله، الله) فكل هذا كما قلت إخوتي الكرام، استدلال على المطلوب وليس في الحديث دلالة على ذلك بوجه من الوجوه.

إخوتي الكرام:

هذه كما قلت أدلة تعلقوا بها من السنة، وأما أدلة عقلية فحقيقة هي كثيرة حول الذكر بالاسم المفرد المظهر (الله، الله) والاسم المضمر (هو) أذكر بعض هذه التعليلات العقلية العليلة التي ذكروهما ويقين التعليلات عندهم خاصة مني يتعلق بلفظ (هو) أذكرهما مقدمة لفضل ذكر الله بكلمة الإخلاص وسورة الإخلاص في الموعظة الآتية إن شاء الله.

نقل عن بعض من يقولون بالذكر بالاسم المفرد كالشبلي وهو دلف بن جحدر أبو بكر الشبلي كان شيخ ال والصوفية في زمنه وقد توفي سنة 334هـ كان يعكف على ذكر الله بهذه الصيغة (الله، الله) فقيل له ألا تقول لا إله إلا الله، فانظر إلى التعليل البلل والفلسفة ال قال

ص: 26

(أخشى أن أموت بين النفي والإثبات) يعني أخشى إن قلت لا إله أموت فأكون قد كفرت، سبحان الله العظيم، وإذا حصل هذا ماذا جرى، إنما الأعمال بالنيات، أفرض لو أن لسانك أخطأ وقلت اللهم أنت عبدي وأنا ربك كما نقل صاحب الراحلة أخطأ من شدة الفرح ماذا جرى الله هو الذي يعلم ما في القلوب سبحانه وتعالى، فهل أنت تريد تنفي الألوهية عن رب البرية، حتى يلزم من ذلك محذور إذا مت بين النفي والإثبات، وهذا كلام باطل والإمام الشبلي كان يعتريه شيء أحياناً من جفاف الدماغ لشدة مجاهدته فأئمتنا قالوا ما حصل منه هو من باب الخطأ المقدور لا من باب السعي المشكور فلا يقتدى به في هذا الأمر ونلتمس له عذراً ونرد قوله وقول كل قائل إذا لم يكن القول له مستنداً من نبينا عليه الصلاة والسلام، والإمام ابن تيمية في (مجموع الفتاوى) في المكانين المشار إليهما آنفا قال (يغفر للإمام الشبلي لقوة إيمانه بربه وكثرة مجاهدته ووقوع هذا الكلام منه في حال سكره ووجده) ويراد بالسكر الهيمام الذي يعتريه عند ذكر الرحمن يغفر له لهذا، لكن هذا من باب الخطأ المقدور لا من باب السعي المشكور قال وقد وافقه على ذلك أبو يزيد البسطاسي وهو عيسى بن تيفور وتوفي سنة 261هـ وافقه على ذلك وهو على شاكلته في ذلك ثم قال (والمشايخ الذين هم أصح حالاً من هؤلاء ما كان يذكرون الله بهذه الصيغة لا مظهرةً ولا مضمرة ثم قال وإذا تنازع الناس فيتبقى رد الأمر إلى نبينا صلى الله عليه وسلم، هل ورد عنه أم لا.

إخوتي الكرام:

ص: 27

انظروا ترجمة الشبلي أن شئتم في (سير أعلام النبلاء) في الجزء 15/367 وقد أنصفه الإمام الذهبي ونقل شيئاً من كلامه الحسن أنه عندما سئل عن العارف الموحد الصادق فقال له صدر مشروح وقلب مجروح وجسم بين يدي الله مطروح، وهو من الكلام الحسن الذي نقل عن هذا العبد الصالح وهكذا العبد الصالح أيضاً أبو يزيد البسطاسي وأن نقل عنه ما نقل فيرد ما خالف السنة، ولا نحتكم إلا إلى سنة نبينا عليه الصلاة والسلام، انظروا أيضاً إلى ترجمته في (سير أعلام النبلاء) في الجزء 13/88، ونقل من كلامه شيئاً كثيراً يعد ما نعته بأنه سلطان العافين، ومن كلامه الطيب العذب أنه كان يناجي الله جل وعلا فيقول ليس العجيب من حبي لك وأنا عبد فقير، إنما العجب من حبك لي وأنت ملك قدير، وكان يقول لله جل وعلا هذا فرحي بك في حال خوفي منك، فكيف يكون فرحي بك إذا أمنتك، سبحان ربي العظيم، كلام حق يقوله هذا العبد الصالح ومن كلامه وحكم به الإمام الذهبي ترجمته أنه كان يقول لو حقت لي تهليله ما باليت بعدها، فاجرى من هذا وذاك من أمثالها في حال غيبوبة العقل عنهما فكما قلت خطأ مقدر إن شاء الله فاعله، ولا يجوز الإقتداء به.

إخوتي الكرام: ينبغي أن نذكر الله بما اثر عن نبينا عليه الصلاة والسلام، وقد أمرنا نبينا عليه الصلاة والسلام أن نكثر من قول لا إله إلا الله وأخبرنا بأن من قالها وكانت آخر كلامه دخل الجنة، كما ثبت في المسند وسنن أبي داود ومستدرك الحاكم، والحديث إسناده صحيح كالشمس من رواية معاذ بن جبل رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال [من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة] .

ص: 28

وقد أمرنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن نلقن الموتى كلمة التوحيد لا إله إلا الله وما أمرنا أن نلقنهم الله، ولا هو، لئلا يموتوا بين النفي والإثبات على زعم الزاعم والأحاديث في ذلك كثيرة وفيرة ومتواترة أيضاً أقطع وأسأل أما الله أن أحاديث تقين الميت كلمة التوحيد لا إله إلا الله متواترة منقولة عن عشرة من الصحابة الكرام أو أثرين رضي الله عنهم وأرضاهم.

فمن هذه الروايات ما في المسند وصحيح مسلم والسنن الأربعة، والحديث رواه ابن حبان والسنن الكبرى للبيهقي والمصنف لأبن أبي شيبة من رواية أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال [لقنوا موتاكم لا إله إلا الله] والحديث في صحيح مسلم أيضاً وسنن بن ماجة ورواه ابن حبان والبيهقي من رواية أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:[لقنوا موتاكم لا إله إلا الله] وروى هذا المعنى الإمام النسائي عن أمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها والطبراني في معجمه الكبير عن عبد الله بن مسعود والروايات كلها مرفوعة إلى نبينا المحمود عليه الصلاة والسلام.

وروى أيضاً حديث التلقين من رواية عبد الله بن عباس وجابر بن عبد الله وروي من رواية حذيفة بن اليمان، وروي من رواية عروة بن مسعود الثقفي وغير هؤلاء انظروا مجمع الزوائد جزء 2/322 في كتاب (الجنائز) باب (في تلقين الميت لا إله إلا الله) .

إخوتي الكرام: فلابد من العكوف على الأذكار الشرعية المنقولة عن نبينا خير البرية عليه الصلاة والسلام.

أما هذه الأذكار المبتدعة (الله، وهو) والتغيير بعد ذلك في صيغ هاتين اللفظيين فهذا زيادة ضلال وبدع إلى ضلال وبدع والصالحون من أهل السلوك ينكرون هذا، ينقل الإمام الأخيري في منظومته التي ألفها في التصوف وقد توفي سنة 983هـ عن أئمة التصوف الصادقين إنكار هذا فيقول، وقال:

وقال بعض السادة المتبعة

في رجز بهجوية المبتدعة

ص: 29

ويذكرون الله بالتغيير

وينهقون النهق كالحسير

وينجون النيج كالكلاب

طريقهم ليست على الصواب

وليس فيهم من فتى مطيع

فلعنة الله على الجميع

أي من انحرف عن شريعة النبي عليه الصلاة والسلام وابتدع من البدع ما لم يأذن به الله، فيستحق هذه العقوبة عند الله.

أسأل الله أن يجعل هوانا تبعاً لشرعه إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين، أقول هذا القول وأستغفر الله.

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله خير خلق الله أجمعين.

اللهم صلي على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيراً وارض اللهم عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

ص: 30

إخوتي الكرام: ما تقدم معنا من أن كلمة التوحيد لا إله إلا الله وحده لا شيك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لقولها أجور كثيرة إذا قالها الإنسان مرة أو عشر مرات أو مائة مرة أو مائتين مرة في هذا دلالة واضحة على أن الأذكار الشرعية ورد لها قدر وحد عن خير البرية عليه الصلاة والسلام بما يزيد على مائة وما قاله بعض الناس في هذه الأيام أنه ما وقف على رواية فيها ذكر الله بعدد يزيد على مائة فالرواية التي تقدمت من رواية عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما ترد هذا القول وتبطله ثم رتب على هذا فقال، فما يقوله بعض الناس من أنه لابد من اتخاذ سبحة لعد التسبيح بها لأنه يصعب علينا أن نعد بأصابعنا قال هذا جاء من بدعة أخرى وهي أنهم أرادوا أن يذكروا الله بعدد معين ما ورد في الشرع أخباره، وغاية ما ورد في الشرع الذكر بعدد مائة وما ورد أكثر من هذا ومائة يمكن أن ت الأصابع وعليه اتخاذ السبحة باطل وهو بدعة، وخير الكلام بأنه إلى هذا من قبل بعض السلف الكرام كإبراهيم النخعي بأن السبحة بدعة، ثم بعد ذلك قال مفاسد السبحة لا تحصى وذكر هذا في سلسلة الأحاديث الضعيفة في الجزء 1/110 وطول الكلام ولم يأت بطائل فذكر في ذلك سبع صفحات وما تقدم معنا إخوتي الكرام نص صريح من أنه ورد من الأذكار ما يقدر ما يزيد على مائة كما تقدم معنا.

الأمر الثاني، القول بأن السبحة بدعة ما أعلم أحداً من سلفنا الكرام المتقدمين قال هذا ونسبة هذا إلى الإمام النخعي وهو حدد المكان سأذكر المكان وأشير إلى نسبة حقيقة فيها شيء من التخريف في المفر كما ستسمعون، وأما اتخاذ السبحة فكما قلت سابقاً هي تدخل في دائرة الإباحة فحذار أن نفتري على سنة النبي عليه الصلاة والسلام فنقول سنة ولها شأن.

ص: 31

وحذر أيضاً أن تقول على النبي عليه الصلاة والسلام فتقول أنها بدعة خلاف سنته وخلاف هديه اتق ربك إنا تدخل في دائرة الإباحة، وهي شكل من أشكال العد فإن عد بالحصى أو بالنوى أو بالسبحة أو بالأصابع، بأي ذلك حصل منه، أجزأ وإن كان العد بالأصابع أفضل.

وهذا ما قرره أئمتنا وكنت قد بينت أن شيخ الإسلام الإمام ابن تيمية قرر هذا في مجموع الفتاوى جزء 22/507 فقال والتسبيح بالخرز لا بأس به بل هو مستحب إن أحسنت النية فيه، والاستحباب لا يقصد منه أنه استحباب لدليل ثابت بالخرز إنما يقصد منه أن هذا مشروع بالجملة ولا حرج فيه وهذا ما قرره أئمتنا، انظروا في (بذل المجهود في شرح سنن أب داود) في الجزء 7/351 وانظروه أيضاً في (عون المعبود في شرح سنن أبي داود) في الجزء 1/555 والإمام السيوطي ألقى رسالة في ذلك في أول المجلد الثاني 2/2 فبما سماها المنحة في السبحة، وأما أثر الإمام النخعي الذي استدل به على كراهة السبحة ولا دليل فيه كما قلت على ذلك هو موجود في المصنف 2/ 391 ونحن إخوتي الكرام عندما ننقل عن بعض سلفنا، نحن واسطة بيننا وبين القراء فينبغي أن نتقي الله أولاً في الصدق في النقل، ثم في الصدق في بيان المراد بهذا النقل وكل من انحرف عن هذين الأمرين فيتصف بصفة الخيانة عند رب الكونيين، الإمام ابن أبي شيبة في كتابه المصنف عقد بابين لذلك.

الباب الأول قال (باب في عقد التسبيح وعدد الحصى) بعقد بالتسبيح وبعد أيضاً بالحصى وبعد بهما وأورد هذا في صفحتين متتاليتين عن عدد من السلف من صحابة وتابعين كانوا يعدون بالتسبيح والنوى والخرز وغير ذلك ثم قال (باب من كره عقد التسبيح) ولا يريد من ذلك اتخاذ سبحة إنما يريد عد التسبيح، فاسمعوا لما ترجم به الإمام ابن أبي شيبة والآثار التي أوردها.

ص: 32

الأثر الأول نقله عن إبراهيم النخعي قال كان عبد الله بن بي مسعود يكره العدد ويقول أيمن الله حسناته فما كان إذاً يكره السبحة لأجل السبحة ولا يكره العد بالأصابع لأجل الأصابع ولا يكره العد بالحصى لأجل الحصى إنما سلفنا الكرام يريدون من الذاكرين أن يكونوا على همة عظيمة، أن يذكر كل واحد منهم ربه آناء الليل وأطراف النهار وإلا يقتصر على عدد معين، ثم يقول أنت تعد حسناتك على الله جل وعلا، المقصود أذكر الله كثيراً دون أن تعد لذلك قدراً، نعم هذا همم الصحابة وأما نحن فضعفنا لا يعلمه إلا ربنا ولابد من أن ننظم أمورنا مع ربنا لئلا يلبس الشيطان علينا، فإذا أردنا أن نذكر دون عدد معين قد يأتي الواحد منا بذكر ربه عشر مرات يقول ذكرت ربك مائة ألف قم يكفيك لذلك لابد من أن نضبط الأمر لما حصل فينا ما حصل من نقص وتفلت.

الأمر الثاني يورده بعد ذلك فيقول سألت بن عمر عن الرجل يذكر الله ويعقد فقال تحاسبون الله؟ فليس موضوع سبحة أو حصى أو يد، تحاسبون الله؟ يعني أنت تجلس تقول أن ذكرت الله خمسة آلاف مرة تريد أن تحاسب الله، تعدون حسناتكم.

ثم آخر الآثار وهو الذي ذكره قال كان إبراهيم النخعي ينهي ابنته إن تعين العشاء على فتل خيوط التسابيح التي يسبح بها، لم من أجل كراهية العد لئلا يمن الإنسان بحسناته ولئلا يحاسب ربه على طاعاته، وهذا ما عقد عليه الإمام ابن أبي شيبة باباً فقال (باب من كره عقد التسبيح) .

وليس الكلام كما قلت في سبحة أو في عد بأصابع يد أو عد بحصى، إنما كان سلفنا يريدون من المؤمنين أن يكونوا على همة عالية وأن يستغرق الإنسان في ذكر ربه آناء الليل وأطراف النهار.

اللهم صل على نبينا وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيرا.

ص: 33

اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق العصيان واجعلنا من الراشدين، اللهم اجعلنا من أحب خلقك إليك، ومن المقربين لديك، وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين.

اللهم اجعل حبك وحب رسولك صلى الله عليه وسلم أحب إلينا من كل شيء، أحب إلينا من أنفسنا وأموالنا وأهلينا وأولادنا، أحب إلينا من الماء البارد في اليوم القائظ.

اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم اسقنا وأغثنا، الله أنزل علينا من بركات السماء وأخرج لنا من بركات الأرض بفضلك ورحمتك.

ص: 34