المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌المذاهب الأربعة (بحث)   للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان النظرة الواعية المحكمة للمذاهب السديدة المتقنة   سأتكلم عنها - خطب ودروس الشيخ عبد الرحيم الطحان - جـ ٨٧

[عبد الرحيم الطحان]

الفصل: ‌ ‌المذاهب الأربعة (بحث)   للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان النظرة الواعية المحكمة للمذاهب السديدة المتقنة   سأتكلم عنها

‌المذاهب الأربعة

(بحث)

للشيخ الدكتور

عبد الرحيم الطحان

النظرة الواعية

المحكمة للمذاهب السديدة المتقنة

سأتكلم عنها ضمن ثلاثة أمور:

1.

معالم ضرورية لابد من الاعتناء بها تقوم على عشرة أمور.

2.

ما موقفنا من مسائل الاتفاق والاقتران مما نقل عن أئمتنا الكرام.

3.

بيان سبب الاقتصار على المذاهب الأربعة المتبعة عن العقول النيرة المشرقة.

دين الله تعالى يقوم على أمرين اثنين عبادة الله جل وعلا والإخلاص له في جميع شؤون الحياة واتباع نبينا صلى الله عليه وسلم.

وهذان الأمران مدلول كلمة الإسلام لا إله إلا الله محمد رسول الله إياك أريد بما تريد وتقدم أن اتباع نبينا صلى الله عليه وسلم يحصل بثلاثة أمور حسان.

أولهما: التمسك بسنته على التمام.

وثانيها: أن يكون التمسك حسب فهم سلفنا الكرام.

وثالثها: كل علم يؤخذ ممن برَّز فيه وشهد له بالتحقيق والإتقان من قبل أصحابه والأقران تقدم هذا بأدلته، وانحرف عن هذا فرق من أهل الزيغ والضلال. وذكرت نماذج منهم ومن آرائهم وقلت ينبغي أن نحصن أنفسنا منهم ومن بلائهم وآخر ما ذكرته في الموعظة الماضية قلت هناك أمر يتعرض له المسلم في هذه الحياة في جميع الأوقات ينبغي أن نكون على حذر منه وقلت إننا في هذه الأيام نخير بين العجز والفجور وبين عرض الدنيا ومعصية الرحمن. وبين العجز والامتهان فقلت إن العاقل يختار الأمر الأول وقررت ذلك من كلام نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وبما أنه شاء الله أن تمتد الموعظة إلى هذه الموعظة ذلك الأمر الذي قلت ينبغي أن نعتني به وهو أننا سنخير بين العجز والفجور أزيده إيضاحاً ثم الكلام على المذاهب الأربعة.

ص: 1

.. إن العاقل في هذه الأيام يختار العجز على الفجور في هذه الأيام القلائل وهي في حقيقة الأمر ظل زائل وقد كان أئمتنا الكرام الأفاضل رضوان الله عليهم أجمعين يحذرون كل باطل ويحترزون مما يشغلهم عن الله القوي القادر سبحانه وتعالى ولاشك أن همة العاقل يجب أن تكون منصرفة إلى التزود للآخرة من هذا الوقت الحاضر. هذا العبد الصالح القانت الإمام الرباني الزاهد حيوة بن شريح المصري وهو حيوة بن شريح بن صفوان أبو زرعة المصري ثقة ثبت فقيه زاهد كما ترجمه بهذه النعوت الموجزة الحافظ ابن حجر في كتابه الموجز التقريب وقد خرج حديثه أهل الكتب الستة وقد توفي سنة ثمان وخمسين أو تسع وخمسين بعد المائة عليه رحمة الله (وانتبهوا إخوتي الكرام إلى الفرق بينه وبين إمام رباني آخر ذاك حمصي وهذا مصري وذاك حيوة بن شريح بن يزيد الحضرمي الحمصي ثقة إمام مبارك توفي سنة أربع وعشرين ومائتين روى له البخاري وحديثه في السنن الأربعة إلا سنن النسائي ويكنى بأبي العباس وعليه الفارق بينهما أمران الجد والكنية مع البلد) .

ص: 2

.. وحيوة بن شريح أبو زرعة المصري لم يترجم له أبو نعيم في الحلية والسبب في ذلك كما قال الإمام الذهبي في السير 6/404 وأورد ترجمة حيوة بعد ترجمة سيدنا أبي حنيفة رضوان الله عليهم أجمعين قال: لم يترجم له أبو نعيم في الحلية قال ما عرف كثيرا من صلحاء المصريين فله عذر في ذلك لبعد الأوطان وصعوبة الاتصال في ذلك الزمان وإلا لو عرفه أبو نعيم لقدم ترجمته على غيره ففيه من الصلاح والخشوع والإخبات ما ليس في كثير ممن ترجمهم في الحلية يقول الذهبي: من لم يورده ولا سائر صلحاء المصريين في الحلية لأنه ما 1) عرفهم حيوة ين شريح أبو زرعة المصري يقول في السير هو الإمام الرباني الفقيه شيخ الديار المصرية قال شيخ الإسلام عبد الله بن المبارك عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا ما نعت لي أحداً إلا كانت رؤيته دون نعته إلا حيوة بن شريح فكانت رؤيته فوق نعته. هو أكثر مما وصف لي بكثير هذا يقوله عبد الله بن المبارك عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا وتواثرت الكرامات عن هذا العبد الصالح القانت يقول خالد بن العذر – بفتح العين وكسرها – من تلاميذ حيوة بن شريح قال: كنت في مجلسه وكنت معه على انفراد فوقع في قلبي قلت إن الشيخ في حالة رثه في حالة فقر مدقع لو دعي ربه ليغدق عليه من نعمه وفضله قال فالتفت حيوة بن شريح يمينا وشمالا فلما لم ير أحداً أخذ مدرة من الأرض ونبذها إليَّ فقلبها الله تبراً خالصا في يدي ثم قال لي ما خير في الحياة إلا للآخرة والله أعلم بما يصلح عباده قلت فماذا أفعل فيها قال: استنفقها على نفسك قال فهبته والله أن أردها إليه – بعد ذلك تقول لم لا يدعو- يا عبد الله أعلم بما يصلح عباده وهو راض بما قسمه الله له ولا تظن أن هذا لهوان من الله على هذا الإنسان لهوان هذا الإنسان على الرحمن لا ثم لا ولذلك أنظر ماذا حصل عندما أخذ هذه المدرة وقلبها الله تبراً خالصاً والكرامات كثيرة في هذا الأمر متواترة.

ص: 3

.. يقول الإمام ابن حجر في تهذيب التهذيب 3/70 في ترجمته: قال ابن حبان كان مستجاب الدعاء يقال كان يأخذ الحصاة فتتحول في يده إلى تمرة والذي يظهر لي أنه تصحيف والصحيح إلى تبرة كأنه يقول فهذا مشتهر معروف بين الناس. جاءه مرة كما في السير وتذكرة الحفاظ 1/185 جاءه بعض الناس بعد رؤية رآها وكان عليه دين كثير وعطاء العالم في السنة ستون دينار وهذا الرجل عليه دين ثلاثمائة دينار يعني مثل عطاء العالم في خمس سنين يقول: فنمت وأنا مغموم فسألت ربي أن يفرج عني فقيل لي إذا أردت أن تقضى حاجتك إذهب إلى حيوة بن شريح فغلست ثم ذهبت إليه فوجدت حوله دنانير مصبوبة فقال ويحك لا تأخذ إلا بمقدار دينك قال فعددت ما عليَّ فأخذته وانصرفت هذا في كتب أئمتنا رضوان الله عليهم أجمعين أنت سألت والله أطلعني على ذلك وهو العليم الخبير وهذه الدنانير صبت من حيث لا أحتسب قال ابن كثير معلقا على مثل هذه الحوادث 3/399 عند قوله تعالى " قال إنما أوتيته على علم عندي.. الآية".

يقول: ما يجريه الله من خلق العوائد على يدي بعض الأولياء من قلب بعض الأعيان ذهبا أو فضة أو غير ذلك فهذا لا ينكره مسلم ولا يرده مؤمن ولكن ليس هذا من قبيل الصناعات ولكن عن مشيئة رب الأرض والسماوات واختياره وفعله كما جرى لحيوة بن شريح المصري سأله سائل وعلم حاجته ولم يكن عنده ما يعطيه فأخذ حصاة من الأرض فأجالها في يده ثم وضعها في يد السائل فقلبها الله ذهباً أحمر. هذا في تفسير ابن كثير عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا الجليل.

ص: 4

.. هذا العبد الصالح كما قلت كان يبتعد عن كل ما يشغله عن الله تعالى فإذا خيرنا بين العجز والفجور نختار العجز كما كان يختاره هذا العبد الصالح يقول شيخ الإسلام عبد الله بن وهب وتقدم حاله وهو الذي يقول: لولا مالك والليث لضل الناس وقال لولا مالك والليث وعمرو بن الحارث لما اهتدينا. عبد الله بن وهب من شيوخ الإسلام قال: كنا نأتي حيوة بن شريح فنتعلم منه الفقه فكان يقول لنا أبدلني الله بكم عمودا أقوم وراءه يقول: أسأل الله أن يبدلني بكم عمودا أقوم وراءه. قال عبد الله: فأجاب الله دعاءه وحقق أمنيته فاعتزلنا في آخر الأمر وتفرغ لعبادة الله عز وجل انظروا لحال سلفنا.

وتقدم معنا عدد من شيوخ الإسلام امتنعوا عن التحديث وعن نشر كلام نبينا النفيس عليه الصلاة والسلام لما رأوا أن النيات تكدرت فأثروا الإشتغال بأمر الآخرة لئلا يضيع الوقت لما تكدرت النيات فكيف نحن إذا خيرنا بين العجز والفجور أولئك في طاعة لما رأوا أن غيرها أعظم منها وأنفع لقلوبهم وأصلح لشأنهم تركوا المفضول وأخذوا الفاضل ونحن كما قلت مراراً نسأل الله العافية نختار أخف الضررين في هذا الوقت فلنحذر من بيع الدين بالدنيا في هذه الأيام.

نعم إخوتي الكرام أن همة النجباء منصرفة إلى إرضاء رب الأرض والسماء همة النجباء تنصرف إلى إرضاء رب الأرض والسماء وبذلك يتميز العقلاء عن الغوغاء وما أكثرهم في هذه الأيام: والغوغاء في الأصل يطلق على الجراد إذا ماج بعض في بعض واختلط بعضه في بعض ويراد عندنا من الغوغاء في شريعة الله المطهرة هو من يتلهى في هذه الدنيا ولا يتزود منها للممات ومن يشتغل بما لا ينفعه بعد موته فالعاقل يحترز عما لا منفعة فيه في الدنيا والآخرة.

ص: 5

.. روى الخطاب في العزلة بسنده عن الإمام المبارك أبي عاصم النبيل الضحاك بن مخلد. ثقة ثبت مبارك من شيوخ الإسلام الكبار ت212 أو214هـ، السير9/480 وكان يقول ما اغتبت أحداً منذ أن عقلت وعلمت أن الغيبة حرام. ونعت بالنبل لأنه كان في مجلس شيخه شيخ المسلمين ابن جريح فجاء فيل عظيم إلى البلدة فسارع من في المجلس لرؤيته فبقي هو في مجلس شيخه قال لِمَ لَمْ تخرج؟ قال إجلالاً لك وهيبة منك واحتراما لك فقال أنت كيس نبيل فصار هذا اللقب عليه ولا يترجم إلا به. كان الإمام أحمد إذا جاءه طلبة العلم ليتلقوا منه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لهم أخرجوا عني عندكم أبو عاصم وتأتون إليَّ. هذا الإمام المبارك جاءه رجل كما في كتاب العزلة فقال جرى بيني وبين زوجتي مشادة فقالت لي أنت من الغوغاء فقلت لها: إن كنت من الغوغاء فأنت طالق ثلاثاً وعلى مذهبنا ومذهب أئمتنا المعتمد أن الطلاقات الثلاثة تقع إذا حنث الإنسان وهذه فتيا سيدنا أبي عاصم النبيل فقال أفتني أبا عاصم هل طلقت مني الزوجة وبانت البينونة الكبرى ماذا الأمر قال: لا بد من امتحان نتبين هل أنت من الغوغاء أم من العقلاء ثم أورد عليه ثلاثة أسئلة – طبقوها على الناس في هذه الأيام – قال له:

هل أنت ممن يحضرون المناطحة بين الكباش والمناقرة بين الديوك؟ قال: لا.

هل أنت ممن يحضرون السلطان إذا عرض أهل السجون وقال هذا يستحق كذا وهذا يستحق كذا وهذا أجلد من ثلاث يعرضهم ويذكر ما فعلوا؟ قال لا.

هل أنت ممن يقف على الطريق يوم الجمعة ليرى الأمير إذا خرج موكبه ليذهب إلى الصلاة؟ قال لا.

قال زوجتك في عصمتك بارك الله فيك وأنت ما حنثت ولست من الغوغاء.

ص: 6

.. رئيس محكمة للتمييز في بعض البلاد عندما سيأتي المسؤول الأكبر في ذلك المكان خرج بنفسه يضرب بالدف ويرقص في الشارع العام. إذا كان هذا رئيس محكمة التمييز التي هي أعلى المحاكم وليس بعد حكمها حكم، يخرج يطبل ويرقص في وسط الشارع من أجل العرض الحرام واستمع لكلام أبو عاصم عندما يفتي العوام. أخبرني بعض إخواننا الكرام ونعم ما عبر به في بعض البلاد وليس من عاداتهم هذا قال لي كيف نحط الناس بين عشية وضحاها قال ما كنا نألف هذا. عندما يأتي مسؤول يجتمعون للقائه وهو في قصره وهم في الساحة في منتهى الامتهان وهذا العاتي كل ربع ساعة ونصف ساعة يفتح النافذة وينظر إليهم يلوحون بأيديهم ويصيحون ويصفقون ويصرخون – هؤلاء عندهم كرامة عندهم مروءة عندهم شهامة أنتم في الشارع الشمس تطلع على رؤوسكم في منتهى البهدلة وذلك الذي في قصره يلوح بيده – دخلتم الجنة من أبوابها الثمانية هذا انحطاط الأمة وهذه هي الغوغائية التي تعيشها البشرية فالعاقل يأبى بنفسه أن يكون من هذا الصنف الخبيث الخسيس الذي يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل.

قيل لسيد المسلمين عبد الله بن المبارك كما في السير 8/399: مَنْ الناس؟ قال: "العلماء. قيل له فمن الملوك؟ قال: الزهاد قيل له فمن السفلة؟ قال: الذين يعيشون بدينهم يأكلون بدينهم قيل له فمن الغوغاء؟ قال: أصحاب السلطان الذين يخرجون في الحفلات

.

نعم العقلاء يترفعون عن أوصاف الغوغاء ونحن في زمن كما قلت نخير بين العجز والفجور وقد أخبرنا نبينا المبرور صلى الله عليه وسلم أن الأمة ستنحط وتصاب بهذا الأمر فلنحصن أنفسنا ونسأل الله أن يثبت الإيمان في قلوبنا.

ص: 7

.. روى الإمام الطبراني في معجمه الكبير، المجمع 5/238 والأثر في معجم الطبراني الصغير 2/42، ورواه أبو نعيم في الحلية في ترجمة التابعي راوي الحديث كما سيأتيكم 5/165 يزيد ابن مرثد من العلماء العباد القانتين والحديث رواه الخطيب في تاريخ. بغداد 3/298 ولفظ الحديث من رواية سيدنا معاذ بن جبل رضي الله عنه وأرضاه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"خذوا العطاء ما دام عطاءاً " وهي الأعطيات من بيت المال وكان عطاء سيدنا حيوة بن شريح ستين ديناراً في السنة وكان إذا أخذها تصدق بها قبل أن يصل إلى بيته. ثم بعد ذلك إذا نام واستيقظ يجد الدنانير تحت الفراش فعلم قريب له بذلك فأخذ عطاءه وتصدق به فلما رجع إلى بيته قلب الفراش فما وجد شيئاً ونظر إلى البساط الذي تحت الفراش ما وجد شيئا فجاء إلى حيوة وقال: ضيعت عليّ فلوسي. قال ماذا؟ قال أنت تعطي عطاءك تراه تحت فراشك وأنا أعطيت العطاء فما رأيت شيئا قال ويحك أنا أعطي ثقة وأنت تعطي تجربة والله لا يجرب. والكرامة ثابتة في سائر الكتب التي ترجمت لسيدنا حيوة بن شريح.

ص: 8

.. ولفظ الحديث " خذوا العطاء ما دام عطاءاً فإذا صار رشوة على الدين فلا تأخذوه". وصار يعطى العالم من أجل أن يسكت ثم ينظرون لوزن العالم ويعطى على حسب وزنه. "ولستم بتاركيه يمنعكم الحاجة والفقر ثم قال نبينا صلى الله عليه وسلم: ألا إن رحى الإسلام دائرة فدوروا مع الإسلام حيث دار ألا وإن الكتاب والسلطان سيفترقان فكونوا مع الكتاب - فكونوا مع القرآن- ألا إنه سيكون عليكم أمراء يقضون لأنفسهم ما لا يقضون لكم فإن عصيتموهم قتلوكم وإن أطعتموهم أضلوكم. قالوا يا رسول الله: فكيف نصنع قال: اصنعوا كما صنع أصحاب نبي الله عيسى نشروا بالمناشير وحملوا على الخُشُب موت في طاعة الله خير من حياة في معصية الله". الحديث قال عنه الإمام أبو نعيم في الحيلة غريب من حديث معاذ وقال الإمام الهيثمي في المجمع يزيد بن مرثد وهو تابعي جليل مبارك لم يسمع من معاذ والوضين بن عطاء وهو الراوي عن يزيد بن مرثد وثقة ابن حبان وغيره وضعفه جماعة وبقية رجال ثقات والذي يظهر أنه ليس في الحديث إلا علة الانقطاع كما ستسمعون وله شاهدان يتقوى بهما. أما يزيد بن مرثد فهو أبو عثمان الهمداني الصنعاني من صنعاء دمشق ثقة إمام مبارك له مراسيل لم يخرج له إلا أبو داود لكن في مراسيله لا في سننه انظروا ترجمته الطيبة في التهذيب 11/359، الحلية 5/165 قال في أول ترجمته البكاء الموجد يزيد بن مرثد. طلب ليولى القضاء في عهد الوليد بن عبد الملك فامتنع فما قبل إمتناعه فلبس فروة مقلوبه وخرج حافياً حاسراً وبيده رغيف خبز وعرق يأكله في وسط الطريق. وعلى الاصطلاح الشرعي المروءة ستضيع ولا يصلح للقضاء. فذهب الناس إلى الوليد وقالوا يا أمير المؤمنين أن يزيد بن مرثد قد اختلط عقله فأعفاه فتخلص من الإكراه على القضاء بهذه الحالة التي حصلت له مثل مسعر بن كدام تجانن حتى أعفي من القضاء.

ص: 9

.. في الحلية في ترجمته قال له عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ومالي أرى عينيك لا تجفان قال وما مسألتك وكما قال سلفنا ليس البكاء من كثرة الذنوب إنما البكاء من صفاء القلوب – وما مسألتك قال لعل الله ينفعني قال يا هذا لو أن الله توعدني أن يحبسني في حمام إذا عصيته فكان يحق لي أن أبكي فكيف هذا وقد توعدني أن يحبسني في نار جهنم (سنفرغ لكم أيها الثقلان) .

وكما قال بعض السلف لو أن شرطي تهددني ما استطعت أن أنام. فقال عبد الرحمن بن يزيد هذه الحالة تعرض لك في خلواتك قال ما مسألتك. قال لعل الله ينفعني قال ياهذا والله عندما أكون مع أهلي وأريد أن أفضي إليها أبكي وتبكي إلى الصباح وعندما يوضع الطعام تعتريني هذه الحالة فإذا مددت يدي بكيت وبكت الزوجة. فتقول الزوجة يا ويحها إنها معي في نصب عظيم يزيد بن مرثد من العلماء القانتين الربانيين وهو من التابعين لكن لم يثبت سماعه من سيدنا معاذ بن جبل وسيأتينا للحديث شواهد بعون الله وتوفيقه أما الوضين بن عطاء وهو الراوي عن مرثد هو أبو عبد الله أو أبو كنانة الخزاعي الدمشقي صدوق كما حكم عليه الحافظ في التقريب صدوق سيئ الحفظ رمي بالقدر. روى الإمام أبو داود وبن ماجه والنسائي في فضائل سيدنا علي. وعليه الوضين بن عطاء إن شاء الله حديثه في درجة القبول ويزيد بن مرثد ثقة إمام مبارك لكن الحديث فقط فيه علة الانقطاع وله شاهدان.

الأول رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق كما في جمع الجوامع 1/507 من رواية الصحابي الجليل سيدنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه باللفظ المتقدم تماما وليس عندي تاريخ دمشق للنظر والإسناد وإنما عزاه السيوطي إلى تاريخ دمشق لابن عساكر عن ابن مسعود.

ص: 10

.. والشاهد الثاني: في سنن أبي داود كتاب الخراج والإمارة باب في كراهية الافتراض في آخر الزمان يعني يكون للإنسان فرض عطاء ثابت من بيت المال في آخر الزمان لأن هذا سيكون من قبل الدنس والحطام – والحديث في الحلية 10/27 أسد الغابة 6/123 رواه بسنده إلى الصحابي الجليل ذي الزوائد – قال الإمام المنذري في تهذيب السنن 4/207 له صحبة ولا يعرف اسمه معدود في أهل المدينة المنورة على منورها صلوات الله وسلامه. ولفظ حديثه: "يا أيها الناس خذوا العطاء ما دام عطاءاً فإذا تجاحفت قريش على الملك وعاد العطاء رشى جمع رشوة- تجاحفت أي أجحف بعضها ببعض وظلم بعضها بعضا وأخذت الامارة بالإكراه والغصب وظلم الأمراء.

فالعطاء لن يكون عند ذلك تنفيذا للشريعة الغراء إنما سيكون شراء للذمم – وصار العطاء رشى على الدين فلا تأخذوه " وتكملة الحديث ألا وإن رحى الإسلام دائرة. الحديث في سنن أبي داود ضعيف الإسناد ومع هناك إنقطاع لعل كل واحد منها يتقوى بالآخر والعلم عند الله تعالى: ضعيف الإسناد رواه سليم بن مطير عن أبيه مطير بن سليم والابن سليم بن مطير لين الحديث لم يخرج إلا أبو داود كما حكم عليه الحافظ في التقريب وأما والده مطير بن سليم مجهول الحال في التقريب وخرج له أبو داود أنظر ترجمة مطير بن سليم في المغنى للذهبي 2/663 قال: قال البخاري لم يثبت حديثه. والمعنى ثابت فروى عن سيدنا عبد الله بن مسعود وسيدنا معاذ وسيدنا ذي الزوائد وفي كل طريق ما تقدم من الكلام ما عدا طريق ابن عساكر والأول فيه انقطاع والثالث فيه ضعف والمعنى ثابت.

ص: 11

.. والحديث "خذوا العطاء مادام عطاءاً فإذا صار رشوة على الدين فلا تأخذوه ولستم بتاركيه يمنعكم الحاجة والفقر ألا وان رحى الإسلام دائرة فدوروا مع الإسلام حيث دار ألا وإن الكتاب والسلطان سيفترقان فكونوا مع الكتاب ألا وإنه سيكون عليكم أمراء يقضون عليكم لأنفسهم مالا يقضون لكم فإن عصيتموهم قتلوكم وإن أطعتموهم أضلوكم قالوا فكيف نضع يا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال كما صنع أصحاب نبي الله عيسى – على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه نشروا بالمناشير وحملوا على الخشب " - أي صلبوا وسمروا عليه وثبتوا وما تركوا دينهم ولا اختاروا الفجور على العجز فاختاروا العجز على الفجور كما فعل قبلهم أهل الرشد والعقول هذه الحالة التي تعرض علينا وعلى كل مسلم ولا يشترط أنه يعرض من السلطة الحاكمة لا بل يعرض عليك في كل شيء من الحياة.

ص: 12

.. كثير من المعاملات لا تتم إلا بدنس وعليه الإنسان سيتقيد ما يمكن إلا عن طريق بنك ربوي- يا عبد الله اختر العجز على الفجور. كثير من المعاملات ما يمتنع المسلم إلا لما يرى فيها من مخالفة رب الأرض والسموات قد يحصل مصلحة ولكن ولنفرض أحيانا أنه بعد أن يشتري بيتاً من أجل أن يسكن فيه إنسان ثم بعد ذلك يرى الدنس الذي حصل عند الأنام سيستعمل فيه ما حرم الله فيقول أنا الآن سأكون مشارك لمن يسكن في البيت إذا لا أفعل هذا. مع أنه سيحصل مغنما وعرضا. فاختار العجز على الفجور. عنده مال وبإمكانه أن ينميه ولكن كيف سيتحرك أينما تحرك سيقع في معصية الله عز وجل. فيختار العجز على الفجور. فالأمر ليس قاصرا بين الإنسان وبين السلطان. كل من في بيته تلفاز فهو غوغائي فقال بعض الأخوة إما أن يطلق وإما أن يكون التلفاز قلت والله إذا تعين الأمر فطلاق نساء الدنيا كلهن أيسر من إقتناء هذا الجهاز الملعون ويغن الله كلا من سعته. لا يا عبد الله إذا أصرت حقيقة التنازل عنها أيسر من التنازل عن الدين فالعجز أو الفجور هذا في جميع شؤون الحياة لا تظن أنه في عطاء سلطان فقط آخذ أو لا آخذ ونسأل الله العافية والثبات. في هذا الزمان الذي نعيش فيه حقيقتان يقابل الإنسان من الشدائد والصعاب عندما يختار العجز على الفجور – مع ذلك سيقابل الصعاب – فما الذي يسهل عليه أن يختار العجز على الفجور أمران هما من أعظم الأمور التي يستعين الإنسان بها على اختيار العجز على الفجور.

1.

أن يتصف بصفة القناعة والقناعة كما قال أئمتنا راحة:

هي القناعة فالزمها تعش ملكا

لو لم يكن فيها إلا راحة البدن

وانظر لمن ملك الدنيا بأجمعها

هل راح منها سوى بالقطن والكفن

ص: 13

.. وكثيرا ما كانت تعرض الأعطيات على سيدنا الإمام المبجل أحمد بن حنبل فيرفضها ثم يذكرها أولاده بعد سنين ويقولون عرض علينا وعرض فيقول يا أولادي لو أخذناها لنفذت هي كنا أنفقناها ونحاسب عليها قليل يكفي خير من كثير يلهي ويطغى. والإنسان في هذه الحياة مهما اشتدت به الكربات لن يموت جوعا. والقناعة ضابطها كما قال أئمتنا قلة تمنيك ورضاك بما يكفيك هذه هي القناعة لا تتمنى ولو كان لك وادياً من ذهب لأردت ثانيا ولو كان لك واديين لأردت ثالثاً. ارض بالموجود ولا تحرص على المفقود. هذه هي القناعة وهذا القليل فيه راحة وإذا جاء الكثير بدون معصية الله الجليل فلا حرج لكن إذا جاء بدنس فالسلامة لا يعدلها شيء. وهنيئا لمن رزق القناعة ثبت في حم، م، ت، جه، ك، هق، عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" قد أفلح من أسلم ورزق كفافا وقنعه الله بما أتاه.." ومما ينسب للإمام الشافعي رضي الله عنه أنه كان يقول:

أمت مطامعي فأرحت نفسي

فإن النفس ما طمعت تهون

وأحييت القنوع وكان ميتا

ففي إحيائه عرض مصون

إذا طمع يحل قلب عبد

علته مهانة وعلاه هون

العبد حر ما قنع والحر عبد ماطمع

ثبت في: حم، ت، حب، ك، ابن المبارك زهد: عن فضالة بن عبيد قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "طوبى لمن هدى للإسلام وكان عيشه كفافا وقنع" إذا اتصف الإنسان بهذا يهون عليه أن يختار العجز على الفجور.

ص: 14

2.

الموت وهذا الأمر غاب عن بالنا وخليق بنا أن نذهب كل أسبوع في يوم من الأيام إلى المقبرة لا لنمر كما يقال مرور الكرام نسلم من وراء السور ونمشي لا بل ندخل إلى داخل المقبرة بعد الفجر والناس في نوم غفلة أو ذهبوا إلى أعمالهم واخلو مع هؤلاء الموتى قرابة ربع ساعة نصف ساعة وتأمل حالهم وابكى على نفسك ولو أمكنك أن تعلم أحوالهم وما هم فيه لقالوا لك نتمنى ليس يوماً من أيامك لكن لحظة من لحظاتك. لكن حيل بيننا وبين ما تملكه أنت ولا تقدر قيمته. فاتعظ بهذا الموت الذي هو هادم اللذات ومفرق الجماعات هو الذي ستنتقل به إلى ظلمة اللحود وإلى بيت الغربة والدود وما أقربه لنا. كم من إنسان خرج من بيته وما عاد وكم من إنسان جسمه سليم سليم ثم بعد ذلك لعله طارئة أخذ إلى المستشفى وما عاد إلى بيته كم – وكم من إنسان يفارق الحياة من غير مقدمات. فإذا القناعة ما استساغتها النفس ذكرها بالموت خذها كل أسبوع إلى المقبرة وعد ما شئت من أموات وعددهم لا يحصى تأمل هذا وإذا استحضرت هذا يهون عليك كل شيء القليل تراه كثيرا وتقول هذا يبلغنا المقيل والمصير. إذا دخل الإنسان المقبرة انقطع سعيه لا ينفعه إلا عمله ونسيه بعد ذلك أهله وأصحابه حتى الزوجة التي بينك وبين الصلة لا يعلمها إلا الله تنساك بعد دفنك وقد تتزوج عددا من الأزواج بعدك ولذلك عدد من الصالحين حصل لهم ما حصل من الزهد في الحياة والانقطاع عن المخلوقات عندما سمعوا من يخاطب بعض الأموات بهذين البيتين المحكمين:

مقيم إلى أن يبعث الله خلقه

لقاؤك لا يرجى وأنت قريب

تزيد بلى في كل يوم وليلة

وتُنسى كما تبلى وأنت حبيب

ص: 15

.. يعني لا تنسى مباشرة فكما لا تبلى مباشرة تنسى كذلك. حقيقة هذا يقطع القلب ولا نعلم هل سنموت في هذه الليلة أو في هذه الساعة في الغد علم ذلك عند رب العالمين "فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون" وهذا الحق الذي لا مرية فيه كأنه باطل لا صحة له وما رأينا بحق أشبه بباطل كما قال الأئمة مثل الموت حق لا يختلف فيه إثنان وكأنه باطل لا وجود له فلا بد من الاتعاظ بالموت بذكر الموت. أين أصولك فأنت ميت وابن ميت وذو نسب في الميتين عريق. وكم من إنسان جمع المليارات وتركها أوفر ما كانت. ألا نعتبر بهذا ألا يصدنا عن غينا وفجورنا وبيع ديننا بدنيانا استمع إلى هذا الحديث الذي وجهنا فيه نبينا صلى الله عليه وسلم إلى هذا الأمر.

ثبت في حم، جه. تاريخ البخاري وابن أبي شيبه وأبو يعلى في مسنده - هق سنن – وفي مصباح الزجاجة 3/293 قال فيه مقال وسيأتينا هذا المقال لم يؤثر فيه ونص على تحسينه أئمتنا رضوان الله عليهم أجمعين وما في سنن ابن ماجه يوجد تصرف من عمل المحقق الشيخ محمد فؤاد عبد الباقي يغفر الله لنا وله. وما له باع في العلم الشرعي فأحيانا يتصرف في العبارة بما يغير معناها قال: قال في الزوائد: إسناده ضعيف وليس كذلك إنما قال فيه مقال وشتان ما بين العبارتين وفيه مقال في بعض الرواة والمعتمد توثيقه وشتان بين هذا وبين الحكم على الحديث بالضعف. ونص على تحسينه الإمام المنذري في الترغيب 4/240 ونقل المناوي عنه التحسن في الفيض 3/163 وأقره وهو كذلك عن البراء بن عازب رضي الله عنه وأرضاه قال: كنا في جنازة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس رسول الله على شفير القبر فبكي حتى بل الثرى ثم قال: يا إخواني لمثل هذا فأعدوا – يبكي نبينا صلى الله عليه وسلم حتى بل الثرى – أعدوا العدة لمثل هذا المصرع الذي ستستقبلونه عما قريب.

ص: 16

.. ومع ما في الموت من غصص وكرب فهو محبوب لأهل الفضل والأدب كيف لا وهو الذي يوصل المؤمن إلى لقاء الرب وما عند الله خير للأبرار رحمة الله على الإمام القانت منصور بن إسماعيل الشافعي الضرير توفي سنة 306 هـ السير 14/278، والعزلة ص73 وطبقات الشافعية للسبكي 3/478 يقول ونعم ما قال:

قد قلت إذا مدحوا الحياة فأكثروا

في الموت ألف فضيلة لا تعرف

منها أمان عذابه بلقائه

وفراق كل معاشر لا ينصف

هذان الأمران: القناعة في هذه الحياة واستحضار الموت في كل حين.

الاتصاف بهذين الأمرين يلزمنا باختيار العجز على الفجور.

نعود إلى الكلام على المذاهب الأربعة:

... جرى تشويش كثير حول المذاهب الأربعة سادتنا الكرام الإمام أبي حنيفة النعماني والإمام مالك بن أنس والإمام الشافعي والإمام أحمد بن حنبل عليهم جميعاً رحمة الله ورضوانه. فقيل هذه المذاهب بدعة وقيل الالتزام بها شرك في الطاعة وقيل إنها فرقت بين المسلمين وقيل من احتكم إليها لم يحتكم إلى شرع رب العالمين وقيل لا نقلدها ولا نقلد أبا بكر وعمر رضوان الله عليهم أجمعين وقيل وقيل كلام باطل هزيل ذكرت بعض من قال به في هذه الأيام ونسأل الله حسن الختام. وقلنا سنتدارس هذه المذاهب من ثلاثة أمور:

1.

معالم عشرة لا بد من وعيها على التمام لنكون على بينة من المذاهب الأربعة.

2.

موقف أهل الرشد والوفاق من المسائل التي حصل فيها اتفاق وافتراق.

3.

سبب الاقتصار على المذاهب الأربعة المتبعة عند العقول النيرة المشرقة.

... المعالم العشرة التي ينبغي أن نعيها ولولا أن تكون بدعة لقلت للناس اكتبوها وعلقوها في بيوتكم وكتابتها في ورقة وتعليقها قليل في حقها ونقشها في الجبين قليل في حقها ينبغي أن تنقش في القلوب وأن يعيها كل مسلم لا سيما في هذا الزمن زمن الفتن والعيوب.

ص: 17

1.

ليعلم من يشوشون على المذاهب الأربعة الحسان ويبهتون أتباعها بالإفك والبهتان ليعلموا مصدر الأحكام كتاب الرحمن سبحانه وتعالى وحديث نبينا عليه الصلاة والسلام وما بني عليهما من إجماع أهل الإسلام والأقيسة السوية الحسان. هذا مصدر الاحكام الشرعية عند المذاهب الأربعة واتباع المذاهب الأربعة كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والإجماع ولا يكون إلا عن نص وقياس سوي سديد الحاق مسكوت بمنصوص عليه. وهذا أعني مصدر الأحكام كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والإجماع والقياس حسبما فهم ونقل عن سلفنا عن أئمتنا رضوان الله عليهم أجمعين فإذا نقلوا الإجماع في مسألة فعلى نقلهم المعول والخروج عن ذلك ضلال ومضيعة وتقدم كلام بعض الزائغين في هذا الحين وقلت ما سبقه في هذا الإفك المبين إلا النظام وغيره من الدجاجلة الزائغين المنحرفين.

مصادر الأحكام القرآن والسنة والإجماع والقياس:

2.

المذاهب الأربعة الحسنة حوت تلك الأمور الحكيمة المحكمة بطريقة سوية متقنة مصدر الأحكام الأمور الأربعة ما في المذاهب الأربعة مأخوذ من الأمور الأربعة يطالب من يفتري على المذاهب الأربعة أن يأتي بحكم لم يصدر مصدره من كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام والإجماع والقياس السوي الرشيد ما في كتب المذاهب الأربعة حوى الأحكام التي أخذت من تلك الأصول السديدة السوية وعليه من زعم أن الاحتكام إليها ليس احتكام إلى القرآن سفيه زائغ ومن قال أنه كان حنفيا ثم اهتدى فهو مبتدع محدث ما يوجد في هذه المذاهب الأربعة إلا ما دلت عليه تلك الأصول التي هي مصدر الأحكام.

3.

الالتزام بها – المذاهب الأربعة الحسان – مسلك سديد والأخذ بها عمل رشيد والتعصب لها خلق حميد وما بعد ذلك إلا الظلال البعيد.

ص: 18

..

قال الشيخ محمد بخيت المطيعي عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا في كتابه القول الجامع في الطلاق البدعي والمتتابع ص18 قال كل مذهبه من هذه المذاهب الأربعة شرع الله القويم وصراطه المستقيم قال: يجب العمل به على من أداه إليه اجتهاده أو تبع ذلك المجتهد أو قلده كل مذهب من المذاهب يجب على المجتهد أن يتبعه وأن يأخذ به يعني فهم الإمام مالك شرع في حقه وهكذا الإمام الشافعي وباقي الأئمة. فهم المجتهد شرع في حقه عندما أمرنا الله أن نتبع كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم حسبما يفهم هذا المجتهد فهم فهما هو ملزم به – يعني عندما فهم بعض الصحابة رضوان الله عليهم. أنه لا يراد من قول النبي صلى الله عليه وسلم – لا يصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة – لا يراد تأخير الصلاة إنما يراد التعجل وعليه لا مانع من الصلاة في الطريق هذا حكم شرعي في حقهم وجب عليهم إتباعه يصلوا في الطريق وإلا أثموا من فهم هذا الفهم لو أخّر الصلاة أُثم لأنه الأن حكم الشرع في حقه هذا الفهم ومن خالف وقال لا نعم في عزيمة رسول الله صلى الله عليه وسلم– ولا حرج إذا أخّرنا الصلاة حتى نصل إلى بني قريظة فلو خالفوا وصلوا في الطريق أُثموا فهم المجتهد شرع في حقه وعليه هذه المذاهب الأربعة شرع الله القويم وصراطه المستقيم يجب على المجتهد أن يعمل بها لأن هذا ما أداه إليه اجتهاده ومن يجب عليه أن يعمل بها أيضا من تبع المجتهد يعمل بها أيضا.

... والناس بين قسمين لا ثالث لهما إما مجتهداً وإما مقلداً أو متبعاً فالمجتهد فهم هذا فريضة الله في حقه بإجماع أهل الإسلام أن يعمل ما أداه إليه اجتهاده فهم من النص هذا وهو مجتهد باتفاق علماءنا الكرام باتفاق أهل الإسلام باتفاق أهل الحل والعقد وإذا اجتهد فلا يعتبر اجتهاده باطلا ولا يعتبر سفيها عندما يجتهد يتسور على الأدلة لا عنده عدة الاجتهاد ما يؤديه إليه اجتهاده هو حكم شرعي في حقه. ننتقل إلى من بعده.

ص: 19

..

يقول الله تعالى" فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون " نحن لا نعلم تفاوت الأدلة ولا مراتبها وجب علينا أن نسأل أهل الاجتهاد فأفتانا الإمام أبو حنيفة بما توصل إليه أفتانا الإمام مالك بما توصل إليه وهكذا باقي الأئمة. فهذا حكم شرعي.

... هذه المذاهب الأربعة شرع الله القويم وصراطه المستقيم من خالف في ذلك أو افترى عليها فعليه غضب رب العالمين وهذا لا بد من وعيه واحذروا السفاهات التي تقال هنا وهناك من غير وعي عندما يقال آراء رجال قل له لا تستحي من ذي العزة والجلال الرأي الذي يبنى على الهوى وعلى الرأي المجرد وعلى الذي يؤخذ من عرف أو من مصدر غير شرعي أما هذا فهم شرعي وتقول رأي رجال فهمك إذاً رأي رجال وسنعطل النص ولا يعمل بفهمي ولا بفهمك إذاً قول النبي عليه الصلاة والسلام لا يصلين أحد منكم العصر إلا في بني قريظة وكل من الفريقين أخذ برأي إذاً ما عندنا شرع في هذه القضية أهملنا النص لكن لو أنصفنا نقول ما فهمتموه شرع يقبلة الله ويثيب فاعله وما فهمناه شرع يقبله الله كذلك. أما نقول رأي رجال وكل واحد نبذ الآخر بالزيغ والضلال وافترقت الأمة وتقاتلت ولا يمكن أن يجتمع على شعيرة من الشعائر هذا لا بد من وعيه. هذه المذاهب الأربعة شرع الله القويم وصراطه المستقيم فإن قيل كيف تعددت! الذي يقول هذا ينبغي أن تقطع رأسه لا بقطع لسانه.

... إذا وسع الله علينا أمرا وجعل الحكم الشرعي يدور بين قولين أو ثلاثة أو أربعة ما الحرج في ذلك وكل منها هدى. وما أجمع عليه أئمتنا من خرج عنه فهو ضال –وسيأتينا ضمن خطوات البحث أن إجماعهم حجة قاطعة واختلافهم رحمة واسعة – والعلماء في هذه الشريعة المباركة واجتهاداتهم مع الشريعة الأم مع دين الإسلام كشرائع الأنبياء مع الإسلام العام تماما كما أن كل نبي له شريعة خاصة وكلهم يدينون بدين الحي القيوم عندنا كذلك نحن ننتمي للإسلام وعندنا أصول من خرج عنها فهو ضال كفور.

ص: 20

..

الاحتكام إلى الكتاب والسنة والإجماع والقياس. وما فيه إجماع من خرج عنه فهو ضال وما عدا ذلك نقول اختلاف أئمتنا كالاختلاف بين أنبياء الله ورسله وهل في ذلك الاختلاف منقصة؟ هم رسل الله والأصل الجامع بينهم واحد " شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه "وهذا الكلام كلام خطير وحذاري أن ينسبه واحد إليَّ كلام خطير وشأنه جليل. قاله الإمام ابن قدامة في المغنى وقاله شيخ الإسلام ابن تيمية ولا أعلم خلافا له بين أئمتنا أن العلماء مع شريعة خاتم الأنبياء كالشرائع المتعددة في الديانات السابقة. كما قلت هذا شرع الله القويم وصراطه المستقيم فما فهمه الإمام الشافعي نقول عنه شرع وهدى وما فهمه الإمام شرع وهدى وما فهمه سيدنا عمر في الأمر الأول من عدم توريث الأشقاء مع الأخوة الأم في المسألة المشتركة ماذا نقول عنه؟ شرع وقضى به الإمام أبو حنيفة والأمام أحمد.

ص: 21

..

وما رجع عنه سيدنا عمر وقال نشرك الأشقاء مع الأخوة الأم وبه أخذ الإمامان مالك والشافعي هذا شرع وهذا شرع يأتي إنسان ويقول القضاء الأول هوى وآراء رجال والثاني هوى آراء رجال إذا ما عندنا حكم في هذه المسألة وهات نص في المسألة سيقول ما عندي نقول ما عندك اخرس واسكت هات نصاً شرعيا في المسألة. وكل حكم من هذين الحكمين بني على أدلة شرعية قوية بحيث يحار الناظر بين القولين في ترجيح أحد القولين عنده لاقى حقيقة الأمر هذا حكم شرعي. وهذا حكم شرعي- وتقدم دراسة المسألة موسعة في مباحث الفرائض هذه المذاهب الأربعة شرع الله القويم وصراطه المستقيم هذا كلام أئمتنا وكلام الزائغين الذي ينشر في المجلات في هذا الحين أن الاحتكام إلى المذاهب الأربعة ليس احتكاما إلى الكتاب والسنة هذا ينبغي أن يقطع لسانه وقطع اللسان في حقه قليل ينبغي أن تقطع رقبته ألا تستحي من الله مذاهب الأئمة الأربعة في جانب والكتاب والسنة في جانب آخر ثم قل له هات أنت لنا الأحكام حتى تسمع من الهذيان والتخريف مالا يخطر ببال إنسان نحن عندنا جرأة على الهدم والتضليل لكن قل له هات لنا أحكاما لا يستطيع وتراه يخرف بعد ذلك عندما يأتيك بحكم يقول هذا طيب وهذا حسن وهذا من رأيه دون أن يسنده إلى شرع ربه عز وجل.

...

... ***************

المعلم الرابع من المعالم العشرة:

ص: 22

..

لا يجب على المسلم أن يلتزم مذهبا منها بعينه فكلها هدى – نعم الخروج عنها زيغ وضلال وردى وقد انحصر فيها الحق – في المذاهب الأربعة – كما نص على ذلك أئمتنا الكرام رضوان الله عليهم أجمعين – تقدم معنا كلام العبد الصالح يحيى بن هبيرة في الإفصاح 2/343 وكتب في هذه المسألة ما يزيد على صفحتين. وقلت لكم لما أطلعني الأخوة الكرام على هذا الكلام سجدت شكراً لله أن هذه الألفاظ التي أقولها في الأصل مقولة بنفس العبارات عن أئمتنا رضوان الله عليهم أجمعين أن الحق منحصر فيها وما خرج عنها هلاك ومضيعة تقدم معنا كلامه بطوله سأذكر منه محل الشاهد وهو إمام صالح قانت وتقدم معنا أنه ما وُزِّر لبني العباس مثله وهو من شيوخ الإمام ابن الجوزي.

ص: 23

..

يقول الإمام يحيى بن الهبيرة رحمه الله: اجتمعت الأمة على أن كل منها المذاهب الأربعة المتبعة يجوز العمل به لأنه مستند إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته وانتهى الأمر من هؤلاء المجتهدين إلى ما أراحوا فيه من بعدهم وانحصر الحق في أقاويلهم ودونت العلوم وانتهت ثم قال اتضح الحق وبان وعليه لا يشترط في هذه الأزمان صفة الاجتهاد في القاضي وعليه إذا لم تكن فيه صفة الاجتهاد لا يضره لأنه في مأمن عندما يتقيد بهذا المذهب لكن إذا لم تكن فيه صفة الاجتهاد وقل له استنبط الأحكام من الكتاب والسنة سيتلاعب أو ليس كذلك سيتلاعب بالكتاب والسنة إذا لم تكن أهلية الاجتهاد فيه يتلاعب ويصبح القضاء الشرعي يتبع الهوى.

ص: 24

فقال هؤلاء كفونا المؤنه وأراحونا فالالتزام بأقوالهم سلامة ونجاة وانحصر الحق في أقاويلهم ودونت العلوم وانتهت ثم قال: المجتهد كما أنه يعمل بما أداه إليه اجتهاده وهذا في حقه حكم شرعي وهكذا من تبعه ومن قلده كما قال الشيخ محمد بخيت بيومي تماما فأنت عندما تتبع المجتهد كأنك اجتهدت واستنبطت هذا الحكم لكن الفارق بينك وبينه ما هو؟ ذاك عنده أهلية الاجتهاد فاجتهد وأنت لست عندك الأهلية فتبعته فهو حكم شرعي في حقه وكذلك أنت تابع له فهو حكم شرعي قال: لأنه في معنى من أداه إليه اجتهاده أي من الأحكام عندما يتبع المجتهد كأنه هو الذي اجتهد واستنبط الأحكام نعم بعد ذلك أشار إلى أمرين لابد العناية بهما قال: ما اتفقوا عليه الالتزام به واجب وتقدم مراراً أن اتفاقهم ينزل منزلة الإجماع ودونه أيضا ينبغي أن يراعيه القاضي وهو ما عليه الأكثر ما عليه الجمهور فيفتى دائما بما عليه الأكثر فهذا أحوط وهذا أقرب إلى الحق وهذا أقرب إلى الصواب وكلها حق وصواب لكن على حسب الاستبراء للذمة وبما أن المسألة احتملت واحتملت نأخذ بما عليه الأكثر يحتمل إصابة الحق في قولهم أكثر مع أن القول الآخر صواب وحق وهدى لكن هنا يعني يوجد مجال لإطمئنان النفس أكثر وكلها أحكام شرعية هذا ما أوصى به ابن هبيرة في الإفصاح قال القاضي فقط يختار ما عليه الأكثر ليكون أحوط له في هذا الأمر.

... وهذا الأمر الذي قرره ابن هبيرة أشار إليه الإمام الذهبي في السير 7/117 يقول عليه رحمة الله بعد أن بحث في أمر الاجتهاد في قرابة ثلاث صفحات.

... يقول: لا يكاد يوجد الحق فيما اتفق أئمة الاجتهاد الأربعة على خلافه مع اعترافنا أن اتفاقهم على مسألة لا يكون إجماع الأمة ونهاب أن نجزم في مسألة اتفقوا عليها أن الحق على خلافهم. هذا كلام الإمام الذهبي إذاً الحق انحصر في أقوالهم رضي الله عنهم وأرضاهم.

ص: 25

..

إذا لا يجب على المسلم أن يلتزم واحداً بعينه يقال إلزم هذا المذهب ويحرم عليك أن تأخذ غيره أو إذا أخذ به يقال يحرم عليك أن تتبع مذهبا آخر من هذه المذاهب الأربعة. لا ثم لا الأمر فيه سعة لكن ما ينبغي أن يترك للتشهي ولا للهوى ولا للترخص لكن لو قدر أنه التزم بمذهب الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه وأرضاه ثم بعد ذلك التزم بمذهب الإمام أحمد بمذهب الإمام الشافعي لا حرج ولا ضير في ذلك على الإطلاق التزم بمذهب كما سيأتينا في خطوات البحث ووقف على قول في مذهب آخر رأي أن الأدلة في الظاهر تشهد له فقال مال قلبي إلى قبول هذا القول وأعمل به فأنت على هدى المقصود ضمن الدائرة ومتى ما خرجت عن المذاهب الأربعة هلكت وصرت في مضيعة.

المعلم الخامس من المعالم العشرة:

ص: 26

..

ينبغي أن نحرص غاية الحرص على تعلم الأدلة الشرعية على الأحكام الشرعية ولذلك يستحب لنا أن نقرأ في كتب الفقه التي تعني بالأدلة على الأحكام المستنبطة من مصادرها من الكتاب والسنة والإجماع والقياس _ ينبغي أن نتعلم الأدلة الشرعية. أما أن نتعلم الفقه بدون الأدلة درجة نازلة لا أقول حرام لا ثم لا لكن يا عبد الله لتزداد حجتك كما قال سيدنا الإمام الشافعي: من كتب الحديث قويت حجته فتصدر الحكم وتقرره بدليله ولذلك هؤلاء على من يشوشون على من هم خلو الأذهان ليس عنده فقه ولا سند لذلك الفقه يأتي يلبس الهذيان وإلا لو اجتمع أمام طالب علم يقول هات سمي مسألة أنت تقول الحق موجود في غير الأربعة والأربعة فيها ما فيها هات مسألة ضل فيها المذاهب الأربعة هات مسألة سيقف أمامك مبهوتاً تقابله بالمسائل الشرعية التي قررها أئمتنا وقل له هات ماذا عندك والله ليس في وسعه أن يتكلم كلمة واحدة هذيان لكن عندما يقابل أصحاب الأذهان الفارغة يصطادهم بهذا التشويش تتبعون النبي صلى الله عليه وسلم أو تتبعون أبا حنيفة رضي الله عنه – حتما على حسب فطرة الناس يقولون نتبع النبي صلى الله عليه وسلم إذا دعونا من أبي حنيفة.

... نتبع النبي صلى الله عليه وسلم على حسب فهم من على حسب فهمك يا ضال هذا الزمان فلا بد إذاً من تعلم الأدلة.

... قال سيدنا الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه وأرضاه كما في قواعد علوم الحديث للإمام القاسمي ص52 نقلا عن الميزان للإمام الشعراني يقول: لا يزال الناس في صلاح ما دام فيهم من يطلب حديث النبي صلى الله عليه وسلم فإذا طلبوا العلم من غير حديث فسدوا.

أخوتي الكرام: هذا الفساد له عدة جهات وأسبابه.

ص: 27

أولها: من يطلب الفقه من غير حديث من غير دعائم من غير معرفة مصادر هذا الفقه هذا قد يزين له الشيطان أقوال رجال قد يلتقي بواحد من عتاة الإنس يقول ما تقوله من أحكام كله هذيان كل هذا آراء من الإنسان ما دليله يقف مبهوتاً يفسد حقيقة فإذاً قد يفسد هو يقول أنا أخترع الأحكام وما يعلم المسلم أنه لا يوجد جزئية إلا وربطت بمصدر شرعي. وعندما يقابل بهؤلاء لا يستطيع أن يجيبهم إنما عندما يعلم الحجج والبينة قل يا عبد الله الدليل كذا وأنت مخطئ فيما تقول: وتقدم معنا كلام الإمام ابن تيمية في دفاعه عن سيدنا أبي حنيفة رضي الله عنه وأرضاه تقدم مراراً قال: من اتهمه أنه يقدم القياس على النص فقد أخطأ عليه إما بظن وإما بهوى يكذب حقيقة يقول إذا كان الإمام أبو حنيفة يقدم الحديث حتى الذي فيه ضعف عند الجمهور يقدمه على القياس فيوجب نقض الوضوء بالقهقهة في الصلاة خلاف القياس وخلاف ما عليه الجمهور تقديما للحديث الذي ورد في ذلك وهو ضعيف كما تقدم معنا فمن قال يقدم القياس على النص أخطأ عليه أما بظن – ظن وهو واهم – أو بهوى يتحامل عليه وهكذا يقال في حق أئمة الإسلام قاطبة وهذا كلام الإمام المبارك لا يزال الناس في صلاح مادام فيهم من يطلب الحديث. فإذا طلبوا العلم من غير حديث فسدوا لأنه سيأتينا أن الفقيه إذا لم يكن صاحب حديث فهو أعرج لا يمشي مشية محكمة وهنا يقرر الأحكام ولا يسندها إلى مصادرها ودعائمها.

ص: 28

..

وقال الإمام أبو حنيفة أيضاً: لولا السنة لما فهم أحد القرآن وقال أيضاً من خرج عن السنة فقد ضل وأثر على العبد الصالح أبي عروبة – الحسين بن محمد الحراني – وكلامه في شرف أصحاب الحديث ص70 –وتوفي هذا الإمام المبارك سنة 318 هـ – كان يقول: الفقيه إذا لم يكن صاحب حديث فهو أعرج. لأن كلامه لا يسند إلى أدلة فحاله كحال الذي يختل في مشيته – وفي أوائل مدارستنا لسن الترمذي قلت عندما نتدارس حديث النبي صلى الله عليه وسلم نحصل فوائد كثيرة منها الفوز بكثرة الصلاة والسلام على نبينا صلى الله عليه وسلم ومنها تعلم مصادر الأحكام وأدلتها هذا لا بد أن تعيها الأمة وإلا أحكام تقطع عن مصادرها وأصولها هذا مضيعة كحال الأعرج والأمر الثالث: الفوز بالنضرة والرحمة الذين دعى بهما النبي صلى الله عليه وسلم لمن يتعلم حديثه عليه صلوات الله وسلامه.

المعلم السادس من المعالم العشرة:

... ينبغي على طالب العلم والعالم أن يفتي بالمشهور وأن يدع ما هو شاذ مهجور ولا ينبغي للعالم أن يفتي العامة إلا بمذهبهم المقبول محافظة على صفاء العقول ودفعاً للتشويش المرزول.

ص: 29

..

إخوتي الكرام: لو قدر أن إنسان مالكي مع ناس يدينون الله بمذهب الإمام مالك. وان قضية ما دليل الإمام أبي حنيفة عنده أظهر في هذه القضية الأقوال كلها شرعية ولكن ارتاح لدليل الإمام أبي حنيفة وهذا لا حرج فيه – وهذا مطلوب من طالب العلم ولكن عند الفتيا لا يفتي الناس إلا بمذهب ذلك الإمام لئلا يصبح تشويش وهذيان ولغط وخصام ووحدة الأمة تقدم على كل شيء حكم شرعي لاح لك أنه مرجوح والثاني أرجح اعمل بما لاح لك ولكن عند الفتيا لست بمجتهد متبع للمذاهب أو مقلد: وهذا المذهب الذي يدين الله به أهل هذه المنطقة أفتى الناس به مع أنك تفعل بخلاف ذلك لا غضاضة ولا حرج لأنك استوعبت القضية ولكن هؤلاء سيعتبرون الخروج عن المذهب ضلالا وانحرافاً وزيغاً وفساداً والأمة بعد ذلك..بعضها في بعض فمصلحة الأمة ووحدتها تتقدم على كل شيء فأنت لا تفتي العامة إلا بما هو مقبول عندهم لا أقول على حسب أهوائهم لكن على حسب المذهب الذين يدينون الله تعالى به وأنت لو كنت في بلد يدينون الله بمذهب الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه وأرضاه وافقهم على ذلك وأنت في فعلك يوجد ترجيحات واختيارات لكن عند الفتيا تقيد بالمذهب وهؤلاء تبعوا هدى الله المستقيم وشرعه القويم الذي هو في هذا المذهب كما هو في بقية المذاهب فأنت لئلا تصدع الصف وتشتت الشمل وتفرق الأمة وتجعل الخصام بينها فقل له الأمر فيه سعة هذا مذهب معتبر وهذا معتبر وأنت تقتدي بالإمام أبي حنيفة ولا تريد أن تقرأ الفاتحة وراء الإمام قول حق وهدى وصلاتك مقبولة –صحيحة – ومن كان حنفي المذهب فلا تجب عليه قراءة الفاتحة ولا تلزمه وتقرير المسألة ضمن مواعظ الفقه –الأمر فيه سعة احتملته الأدلة ورحمة الله واسعة –وأنت بعد ذلك عندك اطلاع انشرح صدرك لهذا أو لهذا أفعل لكن عندما يستفتيك وهو يدين الله بمذهب سيدنا أبي حنيفة قل له بالمذهب.

ص: 30

أما إذا قلت حديث النبي صلى الله عليه وسلم"لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب "وتقول هذا حديث النبي صلى الله عليه وسلم يا عبد الله رفقا بنفسك وهل أبو حنيفة رضي الله عن قال هذا الحكم من بيت أبيه وأمه أوأيضاً من قول النبي صلى الله عليه وسلم من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة.

... وتقدم أن الحديث صحيح وتقدم تخريجه: إذاً هذا دليل وذاك دليل فبقي فهوم مختلفة من مصادر ثانية من الذي رجح فهمك على فهم الإمام أبي حنيفة وأنت لو خرجت في فهمك عن المذاهب الأربعة فأنت ضال أيضاً فانتبه لهذا إنما أنت عندما تبعت ذلك المذهب على هدى لكن ما الذي رجح مذهب الإمام الشافعي على مذهب الإمام أبي حنيفة ما الذي رجحه ترجيحك يعتبر مرجحاً إنما تأتي وتقول النصوص يا عبد الله هذا ما ظهر لك والترجيح لا يمكن أن يكون نصاً إلا إذا صدر من النبي صلى الله عليه وسلم. أما ما عدا هذا أنت ترجح ولكن ليس على حسب ما هو عليه في حقيقة الأمر قد ترجح المرجوح وأنت مسكين لا تدري حقيقة الأمور لكن أنت انشرح صدرك في أن تعمل إعمل لكن بالنسبة لوحدة الأمة كما قلت لا بد من أن تراعيها وأن تتقي الله في أمة نبيه عليه الصلاة والسلام أنت على مذهب الإمام أبي حنيفة فعليك أن تفتيه بهذا المذهب إذا كانوا يدينون الله به.

... فانتبه لهذا الأمر لا تفتي العامة إلا بمذهبهم المقبول محافظة على صفاء العقول ودفعاً للتشويش المرزول.

ص: 31

..

وبهذا قال أئمتنا وقال من لا يشك في إمامته وديانته وبقوله يرضى أهل المذاهب المختلفة من تلاميذ شيوخ الإسلام وهو من أهل الفقه ومن أهل التراجم والسير رضي الله عنه. وهو الإمام الذهبي قال في السير 8/93 يقول: ولا ريب أن كل من أنس من نفسه فقها وسعه علم وحسن قصد فلا يسعه الالتزام بمذهب واحد في كل أقواله لأنه قد تبرهن له مذهب الغير في مسائل ولاح له الدليل وقامت عليه الحجة فلا يقلد فيها إمامه بل يعمل بما تبرهن له ويقلد الإمام الآخر بالبرهان لا بالتشهي والغرض لكن لا يفتي العامة إلا بمذهب إمامه أو ليصمت فيما خفي عليه الدليل. فأنت عندما خرجت قلدت إماما آخر فما زلت على هدى ولكن للمحافظة على دين الله وعدم النزاع.

... بين المسلمين فهؤلاء يدينون الله بمذهب معتبر فإذا كان كذلك فلا تفتيهم إلا به ولو قدر أنك تحرجت اسكت وأحل على غيرك أما أنك تأتي وتقول يترجح عندي كذا ومذهب أبي حنيفة خطأ قد تقطع رقبتك وإذ لم تقطع عملت فتنة بين الأمة. والذين صدعوا الأمة في هذه الأيام مع تصديعها وزوال سلطانها هل استفادوا عندما صدعوها التصدع بينهم أنكى وأفضع وأشد ولا يوجد اثنان على قول وهذا الهرج والمرج وعلى تعبيركم باسم الاتباع الكتاب والسنة لا اتفقتم ولا تركتم الأمة بعد ذلك على اتفاقها مع زوال سلطانها وضياعها وهذا بلاء نعيشه في هذه الأيام.

المعلم السابع:

... نرد الخطأ ممن صدر تقرباً إلى الله عز وجل مستضيئين بذلك بمن سبق بالعلماء الكُمَّل فلا محاباة في الدين.

ص: 32

..

لا دليل عنده إنما بناء على أدلة عامة وورد دليل خاص يقدم على قوله ولذلك علماء المذهب واتباعه قالوا هذا القول الذي نقل عن الإمام هذا القول مهجور وسيأتينا قول الإمام مالك أن المرأة تسبح إذا أخطأ الإمام ولا تصفق والحديث قال له تأويل والحديث في منتهى السداد والرشاد واستدل بالعموم من نابه شيء في صلاته فليسبح لكن عندنا روايات أخرى لا تحتمل التأويل رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم للنساء في التصفيق وللرجال في التسبيح – وفي رواية: إذا أنساني الشيطان شيئاً من صلاتي فيسبح الرجال ولتصفق النساء – وسيأتينا ضمن خطوات البحث – وهذا ينفي تأويل الإمام مالك للحديث فليصفق النساء وليسبح الرجال من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه وسيأتينا كلام أن العباس القرطبي في المفهم قال: قول الإمام مالك معارض للأثر والنظر – وهو مالكي –والجمهور بعد ذلك على هذا وانتهى الأمر والمسألة سهلة تقرر بلطف عند أتباع المذهب لكن هذا بني على حديث ولكن عارض نصوصاً أخرى واضحة وسأذكر نصوصاً أخرى تشير إلى هذا وسأذكر مسألة ذكر فيها قولان النصوص ترجح قولاً من القولين فيجب علينا أن نأخذ به في موضوع آخر البحث مثلاً جر الإزار نقل القولان كراهة التنزيه وكراهة التحريم لكن عندنا النصوص المتعاضدة ترجح التحريم وانتهى الأمر فهذا لا بد من وعيه وعندما نقول المذاهب الأربعة ليس معنى هذا أنه إذا قال الإمام إمام المذهب ثم رد عليه من علماء المذهب وبين أن هذا القول خطأ ليس معنى هذا أنه انتهى نص محكم لا ثم لا لكن سيأتينا ضمن المعالم نتروى نتأنى ولا نتهجم نحن كما قلت نستضيء بأقوال من سبقنا من المحققين الجهابذة من هذه المذاهب ومن أئمة الدين قالوا: هذا في الحقيقة لا يوجد ما يساعده لا من النظر ولا من نص وعليه النص الذي بلغ هو قال ما قال فيه وهو معذور ومأجور وأساطين المذهب قالوا هذا لا يصح فكما قلت نرد الخطأ فمن صدر تقرباً إلى الله تعالى.

ص: 33

المعلم الثامن:

... نتهم رأينا ولا نتسرع في تخطيء أئمتنا فلا بد من استكمال البحث من جميع جوانبه حسبما في وسعنا هذا لا بد من وعيه أن تتأنى وتتريث وتبحث البحث الواعي الكافي ثم بعد ذلك تقول هذا فيما يظهر لي أنه خطأ.

المعلم التاسع:

...

...

...

نستغفر لأئمتنا الأبرار ونلتمس لهم عند التحقق من خطئهم الأعذار وندعوا لهم آناء الليل وأطراف النهار ولتقرير هذا بمثالين ذكراً في مواعظ التفسير.

الأول: حديث صحيح: عند خ، ن، دي، هق. المحلى 7/141 جامع الأصول 3/274 بوب عليه البخاري في كتاب الحج باب رفع اليدين عند الجمرة الدنيا والوسطى. عن عبد الله بن عمر أنه كان إذا رمي الجمرة الأول الدنيا بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة فإذا رماها فيتقدم فيهل فيقوم فيستقبل القبلة طويلا ويدعوا ويرفع يديه ثم يرمي الوسطى كذلك ثم يتقدم فيهل ويستقبل القبلة ويرفع يديه ويدعوا طويلا قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك في الفتح 3/583 – قال ابن قدامة 3/475 – لا نعلم لما تضمنه حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما مخالف إلا ما روى عن مالك رضي الله عنه من ترك رفع اليدين بعد رمي الجمار – وبعد رمي الكبرى لا يشرع الدعاء قال ابن المنذر: لا أعلم أحدا أنكر رفع اليدين في الدعاء عند الجمرة الدنيا والوسطى إلا ما كان عن رواية محمد بن القاسم عن مالك. الدعاء متفق عليه ولكن رفع اليدين كرهه.

... وهذا الذي قال ابن المنذر رده ابن المُنيِّر أحمد بن محمد بن المُنيِّر – توفي سنة 683 هـ انظر شذرات الذهب /381 وهو صاحب الانتصاف لما في الكشاف.

ص: 34

..

قال ابن المُنير لو كانت سنة ثابتة لما خفي ذلك عن أهل المدينة. قال ابن حجر. وغفل رحمة الله عن أن الذي روى هذا الأثر عن نبينا صلى الله عليه وسلم هو أعلم الصحابة ومن أهل المدينة هو عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ورواه عنه ابنه سالم وعنه أمير المؤمنين في الحديث الإمام الزهري. ثم قال: فمن علماء المدينة إن لم يكونوا هؤلاء – وانظروا مثل هذا في عمدة القارئ 10/92.

مثال آخر: ذكرته في آخر مواعظ التفسير.

ص: 35

..

ثبت في المسند والحديث في الموطأ والكتب الستة إلا الترمذي وابن ماجه وعليه هو في الصحيحين وسنن أبي داود والنسائي ورواه البيهقي في السنن الكبرى وأبي داود الطيالسي والحديث في أعلى درجات الصحة فهو في الصحيحين عن سيدنا سهل بن سعد عندما ذهب نبينا عليه الصلاة والسلام ليصلح بين بني عمرو بن عوف وجاء سيدنا أبو بكر رضي الله عنه وقد أم الصحابة الكرام في أول صلاته فأكثروا في التصفيق لينتبه سيدنا أبو بكر رضي الله عنه فلما التفت ورأى النبي صلى الله عليه وسلم تأخر ورجع القهقرا وتقدم النبي عليه الصلاة والسلام في نهاية الصلاة قال النبي عليه الصلاة والسلام من نابه شيء في صلاته فليسبح مالكم أكثرتم التصفيق إنما التصفيق للنساء من نابه شيء في صلاته فليسبح في التمهيد لإبن عبد البر 21/106 وفي الاستذكار 6/240 يقول: قال الإمام مالك المرأة تسبح كما يسبح الرجل واستدل بالعموم في حديث من نابه شيء في صلاته فليسبح وقوله إنما التصفيق للنساء يعني من عادة النساء ورعونتهن خارج الصلاة ولا يجوز للمرأة أن تصفق لا في الصلاة ولا في خارج الصلاة هذا عبث ولا يجوز للمرأة أن تصفق مطلقاً وإنما التصفيق للنساء – من عمل النساء ومن عمل السفيهات منهن خارج الصلاة فأنتم تصفقون في الصلاة والمرأة إذا صفقت في الصلاة نقص فيها فكيف بالرجل الذي يصفق في الصلاة والمعنى المراد: من خصائص النساء إذا لم يكن على هدى من رعونتهن وسفاهتهن يصفقن وقلما يجتمع النساء في عرس ولا يصفقن وهذا لا يجوز لا لامرأة ولا لرجل.

ص: 36

..

ورخص في الصلاة عند الجمهور لأن صوتها فتنة فهنا مصلحة شرعية لئلا يسمع صوتها وتتحرك الغرائز في نفوس الرجال منعت أن تقول سبحان الله إنما تضرب ببطن اليمنى على ظهر اليسرى أو بالظهر على الظهر أو بظهر اليمنى على بطن اليسرى أو بإصبعين ولا تصفق أيضاً بالراحتين- كيفيات منقولة عن أئمتنا رضوان الله عليهم أجمعين -ولا تصفق أيضاً بالراحتين لأنه ورد النهي عن التصفيح وهو الضرب بباطن الكف على ظاهر الكف الأخرى إذاً التصفيق خارج الصلاة عندما لا يلتزمن بالهدى فكيف يصفق الرجال عند مناجاة المولى هذا معنى الحديث ولعموم من نابه شيء في صلاته فليسبح – كنت تكلمت سابقاً في خطبة الجمعة عن حكم التصفيق لأن بعض الشيوخ يبيح التصفيق حتى للرجال وقال هذا يعني من أجل الحماس والمشاعر.

... يا إخوتي الكرام: الأحكام لا بد أن تسند إلى أدلتها أما هذا يقول لا حرج وذاك يقول حرج وذاك يسأل عن البقرة إذا أعطيت لإنسان شركة مضاربة يقول الربح والخسارة بينهما وهذا شيء طيب! بناءاً على أي مصدر وأي دليل هذه هي الأهواء والآراء وما يعيبه على أئمتنا كله مأخوذ من أدلة شرعية لكن ما راقت لهم جهلوها وهم يأتون بأهواء وهراء ويقولون نحن عندنا إتباع لا إله إلا الله. سيدنا أبو حنيفة رضوان الله عليه يعترضون عليه في انتقاض الوضوء في القهقهة في الصلاة هذا بناء على أثر ليس على رأي البشر وعندما يبيح في السفر التوضؤ بالنبيذ بناء على أثر ليس هذا على قول بشر بينما أنتم تقولون أقوالا عارية عن الدليل ومع ذلك إتباع سنة وسلفية لأنه قاله عنده الختم. هذا قول سلفي. إذا يقول التصفيق هذا من فعل النساء خارج الصلاة على جهة الذم. د

...

ص: 37

..

إخوتي الكرام: لا يوجد أعلى من هذا الفهم والتأويل لولا نصوص أخر ترد هذا لما قدم على فهم الإمام مالك فهم لأجل أن يصان المجتمع عن العبث في كل مكان ولكن هذا في الحقيقة يعارض الروايات الأخرى. ومن هذه الروايات. حم –خ - م –4 – هق –عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: إنما التصفيق للنساء والتسبيح للرجال وهذه كرواية سهل بن سعد لا دلالة فيها.

... وعند ابن ماجه بسند حسن عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم للنساء بالتصفيق وللرجال بالتسبيح في الصلاة.

ص: 38

..

وعند حم. طس-شيبة وإسناده حسن عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا أنساني الشيطان شيئاً من صلاتي فليسبح الرجال وليصفق النساء ". إذا هناك رخص للنساء بالتصفيق وهنا وليصفق النساء. ترد تأويل الإمام مالك قال الإمام القرطبي كما نقل عنه الحافظ في الفتح 3/77. القول بمشروعية التصفيق للنساء في الصلاة هو الصحيح خبراً ونظراً – هو من ناحية الخبر هو الوارد والأمر الثاني من ناحية الاجتهاد فصوتها فتنة ونص على ذلك ابن عبد البر في الكتابين المتقدمين الاستذكار والتمهيد والحافظ ابن حجر يقول: منعت أن تقول سبحان الله لأن صوتها مظنة الفتنة فلئلا يحصل شيء من تعلق القلوب فلا تقل سبحان الله وهي مع سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وخذ الفتاوي الواسعة العريضة الباطلة التي لا تسند إلى النصوص ولا إلى اجتهادات الأئمة كما تقدم يقول يزور صديقته وزميلته في العمل لأنه ليس من الحكمة أن يعرف بعضنا بعضاً في الرخاء وينسى بعضنا بعضاً في حال الشدة لكن يستحب من عنده أن لا يذهب بنفسه وهي لا تذهب بنفسها يعني يذهب مجموعة والصديقات لزيارة صديقهن أما واحد بنفسه لا يذهب حتى لا يصبح ريبة هذا بناء على استدلال على ما في البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه دخل على أمنا عائشة وسألها وكانت مريضة فسألها عن حالها فقالت بخير إن اتقيت الله وأثنى عليها وقال كيف زارها – وهذا بيناه سألها من وراء حجاب وما رأى لها صورة وهذا استدلالهم والخلط عندهم.

ص: 39

..

وهذا القول الذي نقل عن الإمام مالك رضوان الله عليهم فهم بني على أثر لكن عارض بقية الآثار فيترك هذا القول والديانة تلزمنا بذلك وأساطين المذهب وعلماء المالكية قالوا المرأة تصفق وهذا هو الأصح في الأثر والنظر – انتهى فهذا يرد ومع ذلك الذي يتسفه على إمام من الأئمة هو السفيه ونحن كما قلت لو بنى هذا القول فقط على حديث سيدنا سهل وسيدنا أبي هريرة القول معتبر ولا يجوز أن تضعفه التصفيق للنساء والتسبيح للرجال على التأويل السابق لكن بقية الروايات توضح المراد وأن التصفيق في الصلاة رخص لهن لمصلحة شرعية تقدم هذا مع كونها ممنوعة من رفع صوتها لئلا يحصل في القلوب ما يحصل.

المعلم العاشر وهو آخر المعالم:

... إياك ثم إياك أن تقول قولاً لم تسبق إليه واحذر هذا غاية الحذر وإياك ثم إياك أن تقول قولاً تخرج به عن المذاهب الأربعة فإنه هلاك ومضيعة إياك احترس. قال الميموني- الإمام المبارك عبد الملك بن عبد الحميد أبو الحسن الميموني ثقة فاضل لازم سيدنا الإمام أحمد أكثر من عشرين سنة توفي 274 هـ روى له النسائي فقط ترجمته السير 13/89 وهذا القول في السير في ترجمة الإمام أحمد بن حنبل أنه قال لتلميذه الميموني إياك أن تتكلم في مسألة ليس لك فيها إمام.

... فتيا الألباني سابقاً أن المرأة إذا انتهت عدتها بعد طلاق أو طلاقين وأراد أن يتزوجها بعقد جديد وزواج جديد تعود إليه من غير طلاق سبق منه عليها من إمامه في ذلك من سبقه في ذلك. قول المقبل على الفتن في موضوع شركة المضاربة - يعطي الإنسان البقرة لصاحبه ليعمل فيها مضاربة يقول الربح والخسارة بينهما- من قال أن المضارب يتحمل خسارة مع ما في هذه الشركة من محاذير عند الجمهور ولا تصح إلا عند الحنابلة بشرط تقييم البقرة وتقديرها. مع هذا لا يتحمل المضارب خسارة.

ص: 40

..

من سبقه أن القرآن ليس فيه إلا خمس سجدات من سبقه إلى أن الإجماع لا يحتج به حقيقة مسبوق بالنظام وهو خليفته في هذا الزمان لكن ما سبق إليه من قبل أهل الهدى في الإسلام من سبقك إلى أن الإجماع ليس بحجة وليس هذا ذله قالها في وقت ما كان عقله معه لا يقول باستمرار الإجماع ليس بحجة والقياس ليس بحجة إياك أن تقول قولاً ليس لك فيه إمام.

إخوتي الكرام:

... بهذه المعالم العشرة نحوي ثلاثة أمور علم وأدب وورع.

... لو علمنا الأمور العشرة حوينا العلم الشرعي بأدلته وتأدبنا مع أئمتنا وصرنا في غاية الورع والاحتياط لديننا كما اتضح هذا من المعالم الخطأ يرد نستغفر للمخطئ ندعو له نلزم الأدب معه علم وأدب وورع إذا اتصفت بالمعالم العشرة هذا فيما يتعلق بالأمر الأول من الأمور الثلاثة معالم عشرة لا بد من وعيها وكما قلت لولا أن تكون بدعة لقلت للناس اكتبوها وعلقوها في الجدران حتى يتأملها عباد الرحمن على الدوام ولكن من الحيف أن تنقل على الجدران أو على جبين إنسان ينبغي أن تنقش في القلوب وأن يعلمها أولاد المسلمين ليكون هذا عقيدة فيهم تسري في دمائهم لنعرف كيف نتعامل مع أئمتنا وفقههم.

الأمر الثاني: موقفنا مع مسائل الوفاق والافتراق.

... ما اتفق عليه أئمتنا وما اختلفوا فيه ما موقفنا نحوه نحن معشر طلبة العلم أقدم بين يدي الأمر الثاني كلاما لحبر الأمة وبحرها إمامها وعابدها وزاهدها وورعها في زمانه الإمام ابن قدامة في كتابه المغنى توفي 620 هـ. سطر مقدمة ذهبية أصفى من الذهب وأحلى من العسل في مقدمة كتابه المغنى. أنقل منها أسطراً قال بعد حمد الله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ص: 41

..

أما بعد: فإن الله تعالى برحمته وطوله وقوته وحوله ضمن بقاء طائفة من هذه الأمة على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك. وجعل السبب في بقائهم وبقاء علمائهم اقتداؤهم بأئمتهم وفقهائهم وجعل هذه الأمة مع علمائها كالأمم الخالية مع أنبيائها وأظهر في كل طبقة من فقهائها أئمة يقتدي بهم وينتهي إلى رأيهم وجعل في سلف هذه الأمة أئمة من الأهذه مهد بهم قواعد الإسلام وأوضح بهم مشكلات الأحكام اتفاقهم حجة قاطعة واختلافهم رحمة واسعة. تحيا القلوب بأخبارهم وتحصل السعادة باقتفاء آثارهم ثم اختص منهم نفراً أعلى قدرهم ومناصبهم وأبقى ذكرهم ومذاهبهم فعلى أقوالهم مدار الأحكام وبمذاهبهم يفتي فقهاء الإسلام ثم قال: واذكر لكل إمام ما ذهب إليه تبركاً بهم وتعريفاً لمذاهبهم

الخ

ص: 42

..

ولذلك قال أئمتنا علماء الأمة كأنبياء بني إسرائيل – وكون هذا حديثاً لا يثبت عن نبينا صلى الله عليه وسلم. والمعنى صحيح انظروا الكلام عليه في المقاصد الحسنة ص286 قال: قال شيخنا – الحافظ بن حجر – وقبله الإمام الدميري والزركشي لا أصل له وزاد بعضهم ولا يعرف في كتاب معتبر وقال مثله في الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة ص135 للإمام السيوطي قال لا أصل له وفي الفتاوي الحديثية لابن حجر الهيتمي ص279 والمصنوع في معرفة الحديث الموضوع ص123 والخصائص الكبرى المعروف بكفاية الطالب اللبيب في خصائص نبينا الحبيب على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه للإمام السيوطي 2/216 وكلهم تتابعوا على أنه لا أصل له. ولا يعرف من كلام نبينا صلى الله عليه وسلم إنما المعنى حق – إذاً جعل الله هذه الأمة مع علمائها كالأمم الخالية مع أبنائها الدين واحد والشرائع مختلفة وعندنا النبي صلى الله عليه وسلم واحد لكل بعد ذلك فروع مختلفة فيها سعة حالنا مع العلماء كحال الأمم السابقة مع الأنبياء – هذا الكلام لو نسب لغير هذا الإمام قد يقولون عنه مشرك والذي علق على الكتاب – ضاق عطنه فعلق على ما بعدها من أنه يتبرك بذكر كلام الأئمة. هذه الأمة مع علمائها كالأمم السابقة مع أنبيائها هذه احفظها.

ص: 43

قال الإمام ابن قدامة: نذكر أقوال أئمتنا وآرائهم تبركا بهم وآثر شرح مختصر الخرقي لأنه كتاب مبارك -يتبرك بهذا الكتاب الإمام ابن قدامة-. المعلق والمحقق ما راق له هذا الكلام من الإمام ابن قدامة فقال: تجاوز رحمة الله في هذا التعبير – يعني تجاوز الأحكام الشرعية – يا عبد الله هؤلاء هم الأئمة يؤخذ منهم الفقه والأدب والسكينة وما خرج عنهم عار – قال تجاوز رحمة الله في هذا التعبير لأنه لا يجوز التبرك بالصالحين – شوكة في الجلد متى ما سمعها كأنه ثعبان كبير ألقي أمامهم –لا يجوز التبرك بالصالحين لأن الصحابة لم يكونوا يفعلونه مع غير النبي صلى الله عليه وسلم في حياته لا مع أبي بكر ولا غيره ولا فعله التابعون مع قادتهم في الدين هذا الكلام صحيح أو باطل – تقدم معنا بطلانه والآثار في ذلك ما أكثرها هذا عدا عن أن هذا الفعل إذا ثبت لنبينا عليه الصلاة والسلام فمن الهذيان أن تقول خاص به إلا بدليل – استمع للتمجهد الباطل يقول: والنبي عليه الصلاة والسلام له خصائص في حال حياته لا يصلح أن يشاركه فيها غيره – لا بد من دليل كما قال الله تعالى " وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين "وإن لم تأتي هذه لصح أن تهب المرأة نفسها لغير النبي صلى الله عليه وسلم ويصح أن يقبلها الرجل ويصبح تزاوج بينهم –هنا قام دليل على التخصيص-خالصة لك من دون المؤمنين. فهنا من الذي خصص – قال المعلق. فلا يجوز أن يقاس على أحد من الأئمة هذا لو كان على قيد الحياة لا يجوز فكيف وهم أموات إن الأمر إذا اشتد ولا يجوز إطلاقاً – أنظر لهذا الهذيان وسفاهتنا في هذه الأيام وأيضاً علق على الإمام في قوله (كتاب مبارك) :ماذا سنقول على الكتاب مشؤوم الله أكبر.

ص: 44

هذا كما قلت سابقاً لما كتبت في الكتاب إنه كتاب مبارك وعلق الفتَّان في هذه الأيام ومعه صاحب الهذيان عضو كبار العلماء ويقرهم صاحب السماحة – لا يجوز أن تقول كتاب مبارك عن كتاب التوحيد كيف تقول عن هذا الكتاب إنه مبارك من سبقك إلى هذا والكتاب المبارك هو كتاب الله فقط (وهذا كتاب مبارك أنزلناه) ذكرت هناك من سبقني وهنا ابن قدامة سبقني وأئمتنا يستعملونه بكثرة- فلا يجوز أن نقول كتاب التوحيد مبارك ولا كتاب الحديث مبارك ولا كتاب الفقه مبارك ماذا نقول: إذا نقول مشؤوم! قال: لا المبارك هذا كتاب الله فقط – هذه العقول المنحطة أنا أعجب وكما يقال: "حار وبارد على سطح واحد" هنا مبارك لا يجوز وخذ بعد ذلك صاحب الجلالة صاحب الفخامة وصاحب السمو وصاحب

بغير حساب كيف جمعت بينهما؟ تأتي بكتاب التوحيد إذا قلنا مبارك يقول: لا يجوز وتأتي بعد ذلك صاحب الجلالة تطلقها على عبادٍ الله أعلم بحالهم. أما تستحون من الله؟ لو كانت التعبيرات كلها موزونة لقيل هذا مسلكه لكن كيف سنوفق بين الأمرين. أستمع قال هذا كتاب مبارك قال هذه مبالغة منه رحمة الله هناك ماذا قال تجاوز الحد لا يجوز إطلاقاً. مبالغ ابن قدامة يغفر الله لنا وله هذا مثل الشعراء في كل واد يهيمون. لأنه ليس هناك كتاب يعتقد فيه البركة غير كتاب الله عز وجل قال تعالى: "وهذا كتاب مبارك أنزلناه". قال ولأنه معصوم من الخطأ وما عداه من الكتب فهو عرضه للخطأ والله أعلم. أنا أريد أن أعلم ماذا تفهمون من البركة؟ عندما يسمى إنسان بيننا الآن مبارك. ماذا تفهمون منه؟ تقصدون مبارك أنه هو الله هكذا تفهمون من مبارك أنه هو الله. أو رسول الله صلى الله عليه وسلم. ماذا تفهمون؟ عندما نقول هذا الكتاب فيه بركة يعني فيه خير كتاب هدى سبحان الله العظيم عندما سمى الله نفسه بأنه عليم حكيم حليم وسمى عباده بهذا. بشرناه بغلام حليم. هل يلزم أن يكون الحليم كالحليم.

ص: 45

اتفاق المسميين في اسم عام في حال الإطلاق لا يلزم تساويها عند الإضافة والتقييد هذا حلمه يناسبه وهذا حلمه يناسبه وهنا بركة تناسب هذا الكتاب.

وبركة تناسب كتاب الكريم الوهاب هذا يعرفه كل أحد. صار من يحقون الكتب في أعلى المستويات والشهادات يقولون هذا الهراء. نحن عندنا إخوتي الكرام نرد على كل أحد قال مرة بعض السفهاء في مكة المكرمة لبعض الناس المسلمين المستضعفين. نحن طردنا الرسول عليه الصلاة والسلام تعجزونا أنتم! أنا أعجب كيف الإنسان يطلق لنفسه العنان ليرد على أئمة الإسلام ولما يأتي بعد ذلك لمعاصرين من أحياء أو مسؤولين يرتجف وينتفض رعباً ألا نتقي الله في أنفسنا؟ هذا هو التلويث لكتب أئمتنا وهذا هو التطفل والسفاهة على كتب أئمتنا وعلى تراث سلفنا رضوان الله عليهم أجمعين. هذا الكلام يحدد لنا موقفنا من إتفاق أئمتنا وافتراقهم. هذه الأمة مع علمائها كالأمم السابقة مع أنبيائها علماء هذه الأمة إجماعهم حجة قاطعة واختلافهم رحمة واسعة هذه الأمة تتبرك بذكر وأخبار أئمة الإسلام فتحيا القلوب عند ذكر أخبارهم وسرد أقوالهم رضي الله عنهم وأرضاهم. وهذا الكلام الذي قاله الإمام ابن قدامة لا يظنن ظان أنه من انفراده أو من أقواله الخاصة به هذا القول لا خلاف فيه بين أئمتنا وسأقرره بقول إمام آخر عند قوله يخرس المشاغبون. اسمع ما يقوله الإمام ابن تيمية في مجموع الفتاوي 19/117 إلى 127 كتب عشر صفحات ينبغي أن تكثروا قراءتها في كثير من الأوقات." الأصول الثابتة في الكتاب والسنة والإجماع هي بمنزلة الدين المشترك بين الأنبياء ليس لأحد خروج عنها.

ص: 46

ومن دخل فيها كان من أهل الإسلام المحض وهم أهل السنة والجماعة وما تنوعوا فيه من الأقوال والأعمال المشروعة فهو بمنزلة ما تنوعت فيه الأنبياء-على نبينا وعليهم صلوات الله وسلامه – كعبارة الإمام ابن قدامة وزيادة من التوسعة له – قال الله تعالى: "والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين" وقال تعالى: "قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام"- وقال جل وعلا: "يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان".

والتنوع قد يكون في الوجوب تارة وفي الاستحباب أخرى. ثم قال: وقد اتفق الصحابة رضي الله عنهم في مسائل تنازعوا فيها – هناك قرر عندنا أصول ثابتة من دخل فيها فهو من أهل الإسلام المحض ومن أهل السنة والجماعة وهناك أشياء وقع الخلاف فيها كحال الأنبياء السابقين ففيها سعة سيقرر الآن حالنا نحو ما اختلف فيه أئمتنا: "وقد اتفق الصحابة في مسائل تنازعوا فيها على إقرار كل فريق منهم للآخر على العمل باجتهاده كمسائل في العبادات والمناكح والمواريث والعطاء والسياسة وغير ذلك.

ص: 47

تنازعوا فيها وقد اتفق الصحابة قاطبة على أن يقر بعضهم بعضا فيما اختلفوا فيه وحكم سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه أول عام في الفريضة الحمارية بعدم التشريك وهي حمارية ويمية وحجرية كما تقدم معنا ويقال لا مشتركة وصورتها أن تموت امرأة عن زوج وأم وأخوين لأم فأكثر وأخ شقيق فالزوج له النصف والأم لها السدس والاخوة لأم لهم الثلث إذا الأشقاء هل نعطيهم ميراث مع الأخوة لأم أو نسقطهم لأنهم أشقاء وسيدنا عمر في أول سنة أسقطهم. "ألحقوا لفرائض بأهلها فما بقي فالأولى رجل ذكر" ما بقي شيء سقط الأخوة الأشقاء. في العام الذي بعده وقعت نفس القصة فقال الأخوة الأشقاء وكانوا ذوي لسن يا أمير المؤمنين هب أن أبانا حماراً هب أن أبانا حجراً ملقى في اليم والله ما زادنا الأب إلا قربا نحن ندلي بقرابتين إذا لم نرث من جهتين فلا أقل من أن نرث من جهة واحدة فورث الاخوة الأشقاء مع الاخوة لأم على سبيل التشريك من جهة الأنوثة وجعلهم متساويين الذكر كالأنثى فقيل له قضيت في العام الأول بخلاف هذا قال ذاك على ما قضينا به وهذا على ما نقضي وهذا عند البيهقي في السنن 6/255

وكلام زيد بن ثابت عندما قال هبوا أن أباهم حماراً في المستدرك 4/337 بالقضاء الأول قال إمامان أبو حنيفة والإمام أحمد وبالقضاء الثاني قال إمامان والكلام له بسط وتقرير وأدلة والقضاء الأول يوافق القياس والثاني يوافق الاستحسان.

وهذه وساطة مليحة وعبارة صحيحة في التقريب بين القولين. الإمام ابن تيمية وتلميذه ابن قيم الجوزية حملوا على القضاء الثاني وقالوا لا يصح ولو قوله هب أن أبانا حمارا لكانت أمهم أتانا وهذا رأي لهما وهذه في مجموع الفتاوي 31/340 وفي إهذه الموقعين 1/355 هو يذكر أقوالا لتضعيف القول الثاني وتصحيح القول الأول هنا حسب ما يرى لكن القضاءان معتبران عند الصحابة الكرام ومن بعدهم إلى لقاء الرحمن:

وإن تجد زوجا وأما ورثا

وأخوة للأم حازوا الثلثا

ص: 48

وأخوة أيضاً لأم وأب

واستغرقوا المال بفرض النصب

فاجعلهم كلهم لأم

واجعل أباهم حجراً في اليم

واقسم على الأخوة ثلث التركة

فهذه المسألة المشتركة

يقول هنا وهم الأئمة الذين ثبت بالنصوص أنهم لا يجتمعون على باطل ولا ضلالة ودل الكتاب والسنة على وجوب متابعتهم وتنازعوا في مسائل علمية اعتقادية كسماع الميت صوت الحي وتعذيب الميت ببكاء أهله ورؤية سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه قبل الموت ليلة الإسراء والمعراج مع بقاء الجماعة والألفة وهذه مسائل إعتقادية وسأضبط الإختلاف الذي معنا تنوع وتضاد وما الذي يقر عليه العباد في كل منها في التنوع والتضاد أيضاً ومن خالف فهو الضال.

ص: 49

وعندنا صور الخلاف سته أربعة في التنوع أو إثنان في التضاد وخمسة من ستة فيها سعة وواحد فقط الضلالة فيه محققة – حتى خلاف تضاد في أمر الاعتقاد ومن باب أولى في الفروع العملية هنا تنازعوا في رؤية خير البرية عليه الصلاة والسلام لله جل وعلا هذا في ليلة الإسراء والمعراج اختلفوا والأقوال أربعة لا يقضي فيها بقول قطعي. رآه بعيني رأسه رآه بعيني قلبه بفؤاده -الوقف – نفى الرؤية -أربعة أقوال عن سلفنا الأبرار قررت في مبحث رؤية ذي الجلال وكل قول له دليل وقال به إمام جليل من السلف الكرام وإن كان يظهر لي ثبوت الرؤية بالعينين وهذه ميزة خصه الله بها وما أكثر ما خصه الله من الخصائص والمزايا وإن خالف في هذا ابن القيم وابن تيمية عليهم جميعاً رحمة الله والأمر فيه سعة ولكن هذا ما أراه أرجح الأقوال مسألة تنازع فيها السلف ولعلني ذكرت ذلك ضمن مبحث رؤية الله عز وجل وقررت عدة أمور وكأن المسؤول في كلية الشريعة قال هذا رأيك قلت رأيي غلط هذا قول سلفنا وأنا أراه فيما يبدو لي أقوى الأقوال وأرجحه بأدلة وأنا أرى فيما ذهب إليه الإمام ابن تيمية قول قال السلف ولكن مرجوح أربعة أقوال من قال بواحد منها فهو على هدى وفي رؤية المؤمنين لربهم في جنات النعيم قول واحد من خالف في ذلك فهو ضال زائغ عندنا وفاق وعندنا افتراق.

ص: 50

ما حصل فيه اختلاف نحن في سعة وما لا خلاف فيه من خالف فهو الضال هذه تقول رأيك هذا قول سلفنا. تنازعوا في مسائل علمية اعتقاديه مع بقاء الجماعة والألفة واستمع إلى الرسائل التي تؤلف الآن تقول (الميت لا يسمع) يا إخوتي مسائل جرى فيها الكلام من زمن هذهة تعترضون في الفتاوي 24/172 لشيخ الإسلام ابن تيمية عليه رحمة الله يقول: كان العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم إذا تنازعوا في الأمر اتبعوا أمر الله في قوله: "فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا" وكانوا يتناظرون في المسألة مناظرة مشاورة ومناصحة ثم ما استبان لك أن تأخذ بقولي أنت على هدى وأنا على هدى –وربما اختلف قولهم في المسائل العلمية والعملية مع بقاء الألفة والعصمة وأخوّة الدين نعم من خالف الكتاب المستبين والسنة المستفيضة وما أجمع عليه الأمة خلافاً لا يعذر فيه فهذا يعامل معاملة أهل البدعة – فعائشة رضي الله عنها قد خالفت ابن عباس وغيره من الصحابة رضوان الله عليهم.

ص: 51

في أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه قالت: من زعم أن محمداً صلى الله عليه وسلم – رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية – وجمهور الأمة على قول ابن عباس مع أنهم لا يبدعون الذين وافقوا أم المؤمنين رضوان الله عليهم أجمعين وكذلك أنكرت أن يكون الأموات تسمع دعاء الحي وقلت رجعت وثبت رجوعها لما قيل لها إن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما أنتم بأسمع لما أقول منهم والحديث في الصحيحين فقالت إنما قال إنهم ليعلمون الآن أن ما قالت لهم حق ومع هذا فلا ريب أن الموتى يسمعون خفق النعال كما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وما من رجل يمر بقبر الرجل كان يعرفه في الدنيا يسلم عليه إلا رد الله عليه روحه حتى يرد عليه السلام صح ذلك عن النبي عليه الصلاة والسلام إن غير ذلك للأحاديث وأم المؤمنين رضي الله عنها تأولت والله يرضى عنها وكذلك معاوية رضي الله عنه نقل عنه في أمر المعراج أنه كان

... والناس على خلاف معاوية ومثل هذا كثير وأما الاختلاف في الأحكام فأكثر من أن ينضبط ولو كان كل ما اختلف مسلمان في شيء تهاجرا لم يبق بين المسلمين عصمة ولا اخوة ولقد كان أبو بكر وعمر رضي الله عنهم سيدا المسلمين يتنازعان في أشياء لا يقصدان إلا الخير وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه يوم بني قريظة لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة فأدركتهم العصر في الطريق فقال قوم لا نصلي إلا في بني قريظة وفاتهم العصر وقال قوم لم يرد منا تأخير الصلاة فصلوا في الطريق فلم يعب واحد من الطائفتين رواه الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

ص: 52

وقال في 24/331 سؤال عن الأموات هل يعلمون بالأحياء إذا زاروهم وهل يعلمون بالميت إذا مات من قرابتهم أو غيره. فأجاب: الحمد لله نعم قد جاءت الآثار بتلاقيهم وتساؤلهم وعرض أعمال الحي على الأموات وأما علم الميت بالحي إذا زاره وسلم عليه ففي حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من أحد يمر بقبر أخيه المؤمن كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا عرفه ورد عليه السلام قال ابن المبارك: ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وصححه عبد الحق صاحب الأحكام.

وفي الإحياء 4/475 – أنظر تخريج الإحياء قال: رواه ابن عبد البر في التمهيد وصححه عبد الحق وقال ابن كثير في تفسير 3/438 رواه ابن عبد البر مصححا له وهكذا في شرح الصدور للإمام السيوطي ص 357 وانظر كلام ابن عبد البر في الاستذكار 2/165 والتمهيد 3/233 –20/239 وفي الفتاوي 4/298 النص الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم مقدم على تأويل من تأول من أصحابه وغيرهم وليس في القرآن ما ينفي ذلك – يعني سماع الميت وعلمه بها – فإن قوله إنك لا تسمع الموتى أراد السماع المعتاد الذي ينتفع به صاحبه فإن هذا مثل ضرب للكفار وهم يسمعون الصوت ولكن لا يسمعون بفقه واتباع كما قال تعالى "ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاءاً ونداءً" فهكذا الموتى الذين ضرب لهم المثل لا يجب أن ينفي عنهم السماع المعتاد جميع أنواع السماع كما لم ينفي ذلك عن الكفار بل قد انتفى عنهم السماع المعتاد الذي ينتفعون به وأما السماع الآخر فلا ينفي عنهم – إلى آخر كلامه وقال في آخر المبحث 19/126 –127 في عشر صفحات أوردها.

ص: 53

قال المذاهب – للعلماء الأربعة – والطرائق – للسادة الصوفية – والسياسات – للحكام- للعلماء والمشايخ والأمراء إذا قصدوا بها وجه الله دون الأهواء ليكونوا مستمسكين بالدين الجامع الذي هو عبادة الله وحده لا شريك له واتبعوا ما أنزل إليهم من ربهم من الكتاب والسنة بحسب الإمكان بعد الاجتهاد التام هي لهم من بعض الوجوه بمنزلة الشرع والمناهج للأنبياء وهم مثابون على ابتغاء وجه الله وعبادته وحده لا شرك له وهو الدين الأصل الجامع كما يثاب الأنبياء على عبادتهم الله وحده لا شريك له ويثابون على طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم كما يثاب كل نبي على طاعة الله في شرعه ومنهاجه.

إذاً حال الأمة مع العلماء كحال الأمم السابقة مع الأنبياء إجماع علمائنا حجة قاطعة واختلافهم رحمة واسعة رضوان الله عليهم أجمعين.

نعم لا يجوز لأحد أن يلزم الناس بقول مما ساغ فيه الاجتهاد بل تناقش المسائل العلمية الواقعة بالأدلة الشرعية الساطعة.

والحمد لله رب العالمين..

بسم الله الرحمن الرحيم

27/12/1996

إخوتي الكرام:

ص: 54

لا زلنا ضمن موضوع المواعظ العامة وقلت نتدارس بعض الأمور التي تبين لنا كيف نسير في هذه الحياة إلى ربنا ومع من ينبغي أن نسير وقدمت بمقدمة ينبغي أن يعيها كل مسلم ألا وهي: دين الله يقوم على دعامتين اثنتين عبادة الله وحده لا شريك له على الإخلاص له في جميع شؤون الحياة والدعامة الثانية: إتباع نبينا خير البريات عليه صلوات الله وسلامه وقلت هذان الأمران مدلول كلمة الإسلام – لا إله إلا الله محمد رسول الله – إياك أريد بما تريد وتقدم أن اتباعنا لنبينا صلى الله عليه وسلم يحصل بثلاثة أمور حسان لا بد من الإلتزام بها على التمام أولها التمسك بسنتة – حسبما فهم وعمل سلفنا ويؤخذ كل علم من سلفنا ممن برز فيه وشهد له فيه أقرانه بالتحقيق والاتقان فيستعان على كل حقيقة بصالح أهلها وعلى كل علم بالمحقق فيه تقدم تقرير هذا وبينت أنه انحرف عن هذا النهج السديد فرق من أهل الضلال البعيد والضلالات التي قالوا بها نحذر أنفسنا منها وذكرت في الموعظتين الماضيتين ما يتعلق بنا وبكل مؤمن في حياتنا وهو أنه في هذه الأيام يخير أهل الإيمان بين العجز وبين معصية الرحمن فليختر العاقل العجز وتقدم أن الذي يسهل علينا أن نختار العجز أمران أولهما القناعة فإذا قنعت فأنت حر لا يستعبدك أحد والثاني إذا صعبت علينا القناعة والنفس ما طاوعتنا فهي حرون فلنذكرها بالموت وبلقاء الحي القيوم وقلت يستحب أن تخرج على الدوام في كل أسبوع مرة على أقل تقدير لزيارة من سبقونا إلى لقاء ربنا ونحن على آثارهم ونسأل الله أن يحسن ختامنا وأن يثبت الإيمان في قلوبنا وأن يجعل خير أيامنا يوم لقاه وكما جمعنا في بيته ونسأله أن يجمعنا في دار كرامته مع نبينا عليه الصلاة والسلام بفضله ورحمته إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين. وهذه الموعظة ستكون الختام في هذه المواعظ.

ص: 55

وسأقدم للموعظة مقدمة نافعة من حديث نبينا صلى الله عليه وسلم وكل كلامه نافع عليه صلوات الله وسلامه ولكن أحاديث جامعة يدور عليها دين الرحمن سأستعرضها على وجه الإيجاز ولا أريد أن أطيل في شرحها إنما كما قلت بما أنه سيحصل شيء من الفجوة بين هذه الموعظة وما بعدها فلتكن هذه الأحاديث أمام أعيننا.

ذكر الإمام ابن عبد البر في التمهيد 9/1-2- فقال روينا وساق الأثر بالإسناد عن سيدنا أبي داود صاحب السنن روينا عن أبي داود أنه قال أصول السنن في كل فن أربعة أحاديث أولها حديث سيدنا عمر إنما الأعمال بالنيات وثانيها حديث سيدنا النعمان بن بشير رضي الله عنهما الحلال بين والحرام بين وثالثها حديث سيدنا أبو هريرة رضي الله عنه وأرضاه من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ورابعها حديث سيدنا سهل بن سعد رضي الله عنه وأرضاه ازهد في الدنيا يحبك الله وازهد فيما عند الناس يحبك الناس: وهذه الأحاديث الأربعة التي هي أصول السنن في كل من كما قال إمام أهل السنة الإمام أبو داود عليه وعلى أئمتنا رحمات ربنا المعبود نظمها بعض أئمتنا في بيتين لطيفين من والشعر كما في جامع العلوم والحكم للحافظ المبارك ابن رجب عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا ص6 قال وللحافظ أبي الحسن طاهر بن مفوز- وهو طاهر بن مفوز المعافري الشاطبي الأندلسي توفي سنة 484هـ ترجمته في السير 19/88 وقال الإمام الحافظ الناقد المجود تلميذ سيدنا عمر بن عبد البر تلميذه وخصيصه أكثر عنه وجود كان فهما زكيا إماما من أوعية العلم وفرسان الحديث وأهل الإتقان والتحرير مع الفضل والورع والتقوى والوقار وحسن السمت يقول:

عمدة الدين عندنا كلمات

أربع من كلام خير البرية

اتق الشبهات وازهد ودع ما

ليس يعنيك واعملن بنية

ص: 56

الإمام أبو داود هذا ما لحظه من الأحاديث التي عليها دوران الإسلام. وكنت قد ذكرت في أبها كلاما لسيدنا الإمام أحمد بن حنبل رضوان الله عليه – أن الإسلام يدور على ثلاثة أحاديث وأن جميع أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم محورها تدور على ثلاثة أحاديث – كلامه نقله أيضاً أئمة الإسلام نقله ابن رجب الحنبلي في جامع العلوم ص6 ونقله الإمام ولي الدين العراقي في طرح التثريب شرح التقريب 2/5 – والحافظ ابن حجر في الفتح 1/11 والإمام المناوي في فيض القدير 3/425 يقول الإمام أحمد: أصول الإسلام تقوم على ثلاثة أحاديث أولها حديث سيدنا عمر رضي الله عنه – وثانيها حديث النعمان بن بشير وانفرد الإمام أحمد بحديث سيدتنا عائشة أمنا الطيبة المباركة رضي الله عنها "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" ويضاف إلى الثلاثة حديث سيدنا سهل ازهد في الدنيا يحبك الله وحديث سيدنا أبو هريرة من حسن إسلام المرء.

والأحاديث الثلاثة جمعها شيخ الإسلام الإمام زين الدين عبد الرحيم الأثري العراقي في بيتين من الشعر كما جمع الأربعة الإمام أبو الحسن طاهر بن مفوز. وهذان البيتان في فيض القدير في المكان السابق 3/425 يقول الإمام العراقي:

أصول الإسلام ثلاث إنما

الأعمال بالنيات وهي القصد

كذا الحلال بين وكل ما

ليس عليه أمرنا فرد

...

...

جمع أيضاً الثلاثة في هذين البيتين المحكمين من الشعر عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا. هذه الأحاديث الخمسة هي عنوان المقدمة الجامعة الخاتمة. ولا أريد أن أتوسع ولا أفصل الكلام على شرح الأحاديث إنما سأبين فقط منزلتها ودرجتها وكلمات يسيرة حولها لننتقل لموضوعنا بعون ربنا وتوفيقه.

ص: 57

أما الحديث الأول حديث سيدنا عمر رضي الله عنه وأرضاه ثابت في المسند والكتب الستة رجب – خزيمة – الطيالسي –الحميدي – والحلية وتاريخ اصبهان لأبي نعيم. خط – ابن المبارك في الزهد وكذا وكيع في زهده وهناد أيضا والطحاوي في شرح معاني الآثار –هق- شرح السنة –هق زهد- وهو أول حديث في صحيح البخاري وأول حديث في شرح السنة للإمام البغوي حذا حذو الإمام البخاري وأول حديث في التقريب الذي شرحه ولي الدين العراقي في طرح التثريب والحديث في أعلى درجات الصحة فهو في الصحيحين وغيرهما من رواية ثاني الخلفاء الراشدين أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل إمرء ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله. ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو إلى امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه إنما الأعمال بالنيات صحة وفساداً قبولا ورداً ثواباً وعقاباً على حسب النية وإنما لكل امرئ ما نوى ولذلك من قصد بهجرته وجه ربه فقد وقع أجره على الله ومن قصد بهجرته عرض الدنيا فليس بمهاجر إنما هو خاطب أو تاجر ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه. الحديث قال عنه شيخ الإسلام الإمام العراقي كما في طرح التثريب 2/4 هو من افراد الصحيح ولم يصح إلا من حديث سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه. ثم قال روى الحديث أيضا من طريق أربعة من الصحابة آخرين مع رواية سيدنا يصبح خمسة ولكن في رواياتهم ضعف.

انظروا الروايات والكلام عليها في طرح التثريب في المكان السابق وفيض القدير 1/35 لأنه أول حديث في الجامع الصغير للإمام السيوطي.

ص: 58

روى من طريق سيدنا أبي سعيد وسيدنا أبي هريرة وسيدنا أنس وسيدنا علي رضي الله عنهم انظروا تخريج هذه الروايات والكلام عليها كما قلت في طرح التثريب وفي فيض القدير والحديث كما قلت غريب باعتبار مبدأه وأصله وأئمتنا أوردوه ضمن الأحاديث المتواترة كما في نظم المتناثر للشيخ الكتاني وكتب عليه أربع صفحات من 17-20 وقد يستغرب الإنسان هذا مع أن السيوطي ما عده من المتواتر في الأزهار المتناثرة ولا غرابة لأنه يريد التواتر المعنوي ومعنى حديث سيدنا عمر ثابت في مئات بل في ألوف الأحاديث أن الإنسان يرتبط عمله بنيته في أحاديث لا تحصى وعليه القدر المشترك الذي دل عليه حديث سيدنا عمر رضي الله عنه متواتر إنما الأعمال بالنيات. هذا وارد في أحاديث لا تحصى ولا تعد ان الإنسان ثياب ويعاقب على حسب نيته ولذلك أورده على أنه من المتواتر تواترا معنويا ولو جمع في الأحاديث المتواترة تواترا معنويا لبلغ لا أقول عشرة أضعاف بل مائة ضعف في ما كتبة السيوطي والشيخ الكتاني أحاديث كثيرة تواترت تواترا معنويا أسانيدها في الحقيقة افرادية لكن إذا جمعت بينها تكون متواترة معنويا القدر المشترك تواتر في أحاديث تفيد التواتر قطعا وجزما. هذا الحديث الأول.

الحديث الثاني: حديث سيدنا النعمان بن بشير ثابت في حم- والكتب الستة –حب- دي-أبو نعيم في الحلية –هق- عن رواية سيدنا النعمان بن بشير رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلها كثير من الناس فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه ألا وأن لكل ملك حمى ألا وأن حمى الله في أرض محارمه ألا وأن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب.

ص: 59

الحلال بين الحرام بين وما اشتبه عليك فتوقف فيه لتستبرأ لدينك وعرضك ما ظهر هل أفعله وما تيقنت تحريمه أتركه وما اشتبه عليك فتوقف فيه لتعلم حكمة الله فيه وبذلك تحتاط وتستبرئ لدينك. هذا الحديث والأحاديث التي عليها مدار الإسلام.

وروى هذا الحديث من غير طريق النعمان بن بشير رضي الله عنهم أجمعين. وروى عن سيدنا عمار بن ياسر بنحو اللفظ المتقدم.

روي في معجم الطبراني الكبير والأوسط. ومسند أبي يعلى والحلية لأبي نعيم.

وروى عن سيدنا عبد الله بن عمر رضي الله عنهم أجمعين – طس-طص- الرامهرمزي في الأمثال.

وروى عن سيدنا جابر رضي الله عنهما في ابن شاهين-خط-ابن عساكر في تاريخ دمشق وروى عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه –طك-تاريخ دمشق لابن عساكر – انظر الروايات مع الكلام عليها (جمع الجوامع 1/408 مجمع 4/73 1 /233) .

ولفظ رواية سيدنا ابن عمر رضي الله عنهما –طس-طص –وإسناد الصغير حسن كما قال في المجمع وهو لفظ الرامهرمزي في الأمثال عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال. "الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات فدع ما يريبك إلى ما لا يريبك ". وبقية الروايات قريبة من رواية النعمان بن بشير رضي الله عنهم أجمعين. ورواية ابن عمر فيها شيء من الاختلاف وهو يوضح لنا معنى (وبينهما أمور مشتبهات فمن اتقى الشبهات) معناها كما في رواية عمر: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك.

ص: 60

الحلال بين والحرام بين فدع ما يريبك – ما تشكك فيه وتتوقف فيه وترتاب في شأنه إلى ما لا يريبك روي في ترجمة الإمام المبجل أحمد بن حنبل رضي الله عنه وأرضاه أنه وضع له سطل عند بائع لأجل أن يجعل له فيه لبنا فلما جاء الإمام قال له البائع اختلط سطلك مع السطول ما عدت أميز سطلك تعلم أين سطلك فقال هو لك – لا أريد أن آخذه – فدع ما يريبك إلى ما لا يريبك والدنيا من أولها إلى آخرها لا تساوي قشرة بصلة ولا جناح بعوضة فإذا ترك السطل كان ماذا طلب سلامة دينه رضي الله عنه وأرضاه دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ما تتشكك فيه أتركه لأجل أن تنفي الشك عنك وهذه تفسر لنا قول النبي عليه الصلاة والسلام فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام – قد تتشكك في أمر وهو حرام فتغلب جانب الحل وهو حرام فتعصي الرحمن وأنت لا تدري كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه وعادة الملوك أنهم يحمون مكاناً ويقولون هذا المكان لا ينبغي أن يسرح فيه أحد من الأنام ما يقترب منه أحد هذا خاص بالملك من رعى حول الحمى اقترب منه يوشك أن تدخل ماشيته الحمى وإذا دخلت العقوبة فظيعة لأنه سيدخل على حمى الأمير وعلى ما حماه هذا المسؤول الكبير هو لو دخل على حمى غيره من المساكين سهلة أما هنا سيعرض نفسه لعقوبة. ألا وإن حمى الله في أرض محارمه. هذا المحارم ابتعد عنها لئلا تقع فيها. بأن تجعل بينك وبين الشبهات حاجزاً فإذا وقعت في الشبهة قد تجرك إلى الحرام المحض وقد تكون الشبهة حراما وأنت لا تدري. فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله في أرض محارمه.

ص: 61

إخوتي الكرام: دع ما يريبك إلى ما يريبك. هذا منقول عن نبينا صلى الله عليه وسلم وثابت الحديث بذلك عنه عليه صلوات الله وسلامه. ينبغي للإنسان أن يدع ما يريبه إلى ما لا يريبه ولا يبلغ العبد درجة المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذراً مما به بأس.

روى-ت-جه-ك- وصححه ووافقه الذهبي –هق- عبد بن حميد -القضاعي -وابن عساكر في تاريخ دمشق-طك-الدولابي في الكنى وانظروه في الفتح 1/48 حكى تحسين الترمذي وأقره – والترغيب والترهيب وقد حسنه المنذري 2/559 وتخريج الأحياء 1/25 –2/95 والحديث لا ينزل عن الحسن عن عطية السعدي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم

"لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذراً مما به بأس".

قال الحافظ في الفتح 1/48 –ابن أبي الدنيا في التقوى عن سيدنا أبي الدرداء رضي الله عنه قال: تمام التقوى أن تتقي الله عز وجل حتى تترك ما ترى أنه حلال خشية أن يكون حراما وينبغي أن يدع ما يريبه إلى ما لا يريبه. وهذا لفظ حديث عن نبينا صلى الله عليه وسلم حم – ت – ن – حب – ك وصححه وأقره الذهبي –هق – هق شعب –دي- الطيالسي وأبي يعلى والحديث صحيح عن سيدنا الحسن ابن سيدنا علي رضي الله عنهما قال: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم دع ما يريبك إلى ما لا يريبك. فإن الصدق طمأنينة والكذب ريبة. وفي رواية فإن الخير طمأنينة والشر ريبة. الخبر الصدق يطمئن له القلب وتسكن له النفس ويرتاح إليه الإنسان لا يتردد له ما في الصدر والشر والكذب حقيقة هذا خلاف فطرة الإنسان والطبيعة التي أوجده عليها ربنا الرحمن سبحانه وتعالى ولذلك الصدق طمأنينة والكذب ريبة. وهذا الحديث ثابت عن عدة من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين.

ص: 62

حم عن أنس ابن مالك –طص-حط- خط -موضح أوهام الجمع والتفريق – أبو نعيم الحلية وفي تاريخ أصبهان – وأبو الشيخ – القضاعي عن سيدنا عبد الله بن عمر رضي الله عنهم أجمعين وعن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه – أبي يعلى –طك.

وعليه من رواية أربعة من الصحابة أيضا كما تقدم معنا في حديث الحلال بين والحرام بين عن أربعة من الصحابة أيضاً. عمار وابن عمر وجابر وابن عباس مع النعمان رضي الله عنهم أجمعين. انظروا هذه الروايات في المجمع 4/73 –10/295. والحديث هنا روى عن صحابي خامس كما في الحديث المتقدم.

في طك عن وابصة بن معبد "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك". ونقل عن سيدنا عمر رضي الله عنه كما في الإستذكار 21/55 قال سيدنا عمر: اتركوا الربا والريبة والرأي هذه الراآت الثلاثة إياكم والرأي فإنهم أعداء السنن اعيتهم الأحاديث أن يحفظوها فقالوا بالرأي. هذا ما يتعلق بالحديث الثاني.

الحديث الثالث: عن أمنا عائشة رضي الله عنها وهو في خ. م. د - جه –حب – والطيالسي –قط – هق – وشرح السنة ورواه اللالكائي في شرح أصول أهل السنة – وأبي يعلى ومسند القضاعي. ورواه ابن أبي عاصم في السنة وهو في أعلى درجات الصحة عن سيدتنا عائشة رضي الله عنها قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد. وفي رواية م "من عمل عملا ليس عليه أمرنا رد".

ص: 63

وهذه الأحاديث كما قلت يدور عليها الإسلام وكلام نبينا عليه الصلاة والسلام حسبما فهم الإمام الهمام إمام أهل السنة الكرام الإمام احمد رضي الله عنه وأرضاه فالحلال بين والحرام بين وتركنا نبينا عليه الصلاة والسلام على المحجة البيضاء وما ينبغي أن نزيد منه ولا تنقص منه ومن أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو مردود عليه فإذا التزمت بهذا ظاهراً ينبغي أن تخلص النية لله باطناً وبذلك قمت بالدين من أوله لآخره الحلال بين والحرام بين ما تشككت فيه أتركه لتعلم حكم الله فيه وهذا ينبغي أن تفعله بالكيفية الواردة دون زيادة أو نقصان وكل أمر للشيطان منه نزعتان زيادة أو نقصان لا يبالي الشيطان بأيهما وقع الإنسان من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد.

ص: 64

بقي إخلاص الجنان لذي الجلال والإكرام إنما الأعمال بالنيات. أين بعد ذلك الحديثان الآخران. في الحقيقة الحديثان الآخران في رواية سيدنا أبي داود من باب التتميم والتكميل لهذا البنيان إذا أقمت هذا على وجه التمام هناك بعد ذلك درجة الفضيلة لتكون راسخا في التقوى من أهل الأخلاق النبيلة ألا تتعرض لما لا يعنيك. وهذا ضروري لا ينبغي أن يكون عندك شيء من الفضول والثرثرة في الكلام والنظر والسماع والحركة ولا ولا. شيء نافع توجهت إليه لا منفعة فيه. أعرضت عنه فمن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه. شيء لا يعنيك أعرض عنه يا عبد الله كانوا يكرهون فضول النظر كما يكرهون فضول القول وفضول الحركات هذا لا بد من وعيه فالإسلام اكتمل لا بد له من زينة وبهجة ورونق وبعد ذلك المسلم النقي التقي من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه وخصلة أعلى منها وهي أن يزهد في هذا الحطام وألا يكون منه على بال من أجل أن يحصل محبة الخالق ومحبة المخلوق فازهد في الدنيا يحبك الله وازهد فيما عند الناس يحبك الناس الدنيا جيفة وطلابها كلابها وهم يقتتلون عليها فلو تركت لهذه الجيفة سلمت منهم ولا أحد يعوي عليك والكلاب ما دامت تأكل من الجيفة كل واحد يعوي على الآخر وإذا اقترب من جهته عوى عليه وضربه. فإذا أردت أن تسلم فازهد في هذا الحطام وستزهد في شيء لا قيمة له عند الله. ولذلك الزهد زهد فيه إذا تركه احتقاراً له لأنه لا قيمة له لا تزهد فيها وهي في قلبك لا يا عبد الله ما لها قيمة عند مالكها وخالقها فكيف تكون قيمتها عندك فهذا من باب تجميل البنيان البنيان قام بفعل الحلال وترك الحرام وما اشتبه علينا توقفنا فيه وما زدنا وما نقصنا ولله أخلصنا هذا البنيان قام محكم والبنيان المقامة المحكمة تتفاوت في الثمن فهذا فيه زينه والشيء من المتاع الحسن الذي في داخله فهذا قيمته أعلى فأنت أعرض عما لا يعنيك وازهد في هذا الحطام.

ص: 65

هذان الحديثان يكملان الأحاديث الثلاثة حسبما فهم الإمام أبو داود رضي الله عنه وأرضاه.

الحديث الرابع: حديث سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه –ت – ابن عبد البر في التمهيد عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه وروى مرسلا بسند صحيح عند – ت –الموطأ – ابن أبى الدنيا في الصمت- والتمهيد 9/195 – عن سيدنا علي بن الحسين – وهو زين العابدين – أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه. قال في التمهيد إسناد الأثران صحيحان المرسل والمتصل لكن المرسل أشهر ورواته أكثر وروى الحديث أيضا عن صحابي ثالث وهو والد سيدنا علي بن الحسين وهو سيدنا الحسن وهو عند حم – طس –طص –طك – والتمهيد قال في المجمع 8/18 رجال الإسناد ثقات وابن عبد البر حكم على هذه الرواية بالخطأ. وقال إنما عن علي بن الحسين ما رواه عن والده عن جده الرفع خطأ. والهيثمي يقول إسناده ثقات ولعل والعلم عند الله أنه أرسله مرة وذكر من حدثه به أخرى ما الحرج في ذلك هو نقله عن والده فأحيانا أرسل وأحياناً وصل. والرفع زيادة علم زيادة ثقة وهي مقبولة كما قال العلماء.

وروى الحديث عن صحابي ثالث وهي رواية رابعة عند طص عن سيدنا زيد بن ثابت رضي الله عنه وفيها محمد بن كثير بن مروان البصري قال في المجمع إنه ضعيف 8/18 يقول: ضعيف ولم يخرج له أحد من أصحاب الكتب الستة وله ترجمة في التقريب. تمييز وحكم في التقريب بأنه متروك. وحكم الهيثمي أقل وأخف من حكم الحافظ بن حجر.

ص: 66

وعليه من رواية أبي هريرة بسند متصل صحيح ورواية سيدنا الحسين بسند متصل رجاله ثقات وعلي بن الحسين مرسل ورجاله ثقات ومتصل عن سيدنا زيد بن ثابت بسند ضعيف. من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه وقلت هذا شامل لكل قول أو فعل أو حركة أو سكون كل ما لا يعنيك دعه يا عبد الله ما تحصل منه فائدة كل ما يقربك من الله ولك فيه نية تقدم إليه ومالا أتركه ولذلك من هذهة خذلان العبد أن يشتغل بما لا يعنيه. يقول علم الزهاد وبركة العصر كما نعته الذهبي في السير 9/339 العبد الصالح القانت معروف الكرخي عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا قال: لكل شيء علم –هذهة- وعلم الخذلان اشتغال العبد بما لا يعنيه بما لا ينفعه قيل وقال ولذلك يقول الإمام الحميدي صاحب كتاب الجمع بين الصحيحين – وليس شيخ البخاري – إمام علم مبارك الإمام القدوة الأثري المتقن الحافظ شيخ المحدثين أبو عبد الله محمد بن فتوح الأندلسي. تلميذ الإمام ابن حزم – يغفر الله لنا وله – هذا الإمام الحميدي توفي سنة 488.

ورد في مناقبه وأخباره كما في السير في ترجمته أنه ما ذكر الدنيا قط –ما جرى ذكر الدنيا على لسانه وكان لا يفترعن طلب العلم وكان إذا جاءه النعاس ينزل في أجانة من الماء ليتبرد ليطرد عنه النعاس والكتاب في يديه يقرأ –ومرة دخل عليه بعض الناس بعد أن استأذن فما انتبه المستأذن للإمام الحميدي ظن أنه أذن له فلما دخل رأى شيئا من فخذه فبكى الإمام الحميدي وقال والله ما رآها أحد قط يقول هذا الإمام كما في السير:

لقاء الناس ليس يفيد شيئا

سوى الهذيان من قيل وقال

فأقلل من لقاء الناس إلا

لأخذ علم أو لإصلاح حال

انظروا الأبيات أيضاً في العزلة للإمام الخطابي عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا.

من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه.

ص: 67

الإمام ابن عبد البر في التمهيد 9/199 قال: هذا الحديث – أعني حديث سيدنا أبي هريرة وحديث سيدنا علي بن الحسين رضي الله عنهم وقد صحح الطريقين وحكم على طريق علي بن الحسين بالضعف وأنها خطأ قال: هذا الحديث من الكلام الجامع للمعاني الكثيرة الجليلة في الألفاظ القليلة وهو مما لم يقله أحد قبل نبينا صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا – يقول ما أثر عن أحد قبل نبينا عليه الصلاة والسلام. من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه – ثم نقل عن أبي عبيده معمر بن المثنى عن الإمام الحسن البصري أنه قال: من هذهة إعراض الله عن العبد أن يشغله بما لا يعنيه. انظر الاستذكار 26/120 – قال: من كلام النبوة وحكمتها وهو جامع لمعاني جمة من الخير

ص: 68

الحديث الخامس: وبه تتم الزينة للإنسان في الدنيا والآخرة ويكتمل عقله ورشده فأكيس الناس هم العباد وأعقلهم هم الزهاد. حديث سيدنا سهل بن سعد رضي الله عنه رواه ابن ماجه في السنن والحاكم- 4/313 وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه وقال الذهبي فيه خالد بن عمرو القرشي وضاع – وخالد بن عمرو رواه الإمام ابن معين بالكذب ونسبه صالح جزره وغيره إلى الوضع وهو من رجال – د –جه – وهذا الكلام في التقريب. وإسناد ابن ماجه فيه خالد بن عمرو أيضا ورواه الحاكم وابن حبان لكن في روضة العقلاء ونزهة الفضلاء والكتاب نافع وما أعذبه وما أطيبه وما أحسنه ولو قرأه الإنسان ألف مرة لا يمله وهو روضة حقيقة وهو أعلى من روضة المحبين بما لا يقاس وصاحب روضة العقلاء الإمام ابن حبان صاحب الصحيح ومطبوع في قرابة ثلاثمائة وخمسون صفحة وإن أردت النزهة فاقرأ هذا الكتاب وإن أردت الروضة فالجأ إليه وأما بعد ذلك المتنزهات الموجودة فليس منلها إلا البلايا والرزايا – روضة لعقلاء ونزهة الفضلاء ص141 ورواه أبو نعيم في الحلية وتاريخ أصبهان ورواه ابن أبي حاتم في العلل ونقل عن أبيه أن الحديث باطل ورواه ابن الجوزي في العلل المتناهية وحكم عليه بالضعف ورواه العقيلي وابن عدي كل منهما في الضعفاء ورواه الطبراني في كبير والبيهقي في الشعب. وابن عبد البر في التمهيد 9/201 وأبو عبيد القاسم ابن سلامة في كتابة المواعظ كما في جامع العلوم والحكم ص272 وانظروا الدر المنثور3/233 الحديث من رواية سعد بن سهل رضي الله عنه جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: له "دلني على عمل إن عملته أجني الله وأجني الناس فقال النبي صلى الله عليه وسلم ازهد في الدنيا يحبك الله وازهد فيما عند الناس يحبك الناس".

ص: 69

الحديث كما سيأتينا حسن حسنه عدد من أئمتنا لوجود متابع لخالد بن عمرو ولوجود شواهد للحديث وممن حسنه الإمام النووي وقبله الإمام المنذري وبعدها الإمام العراقي والإمام السخاوي والإمام المناوي والإمام السيوطي وجم غفير من أئمتنا ولا ينزل عن درجة الحسن بعون ربنا للمتابعات والشواهد. فمن الشواهد

1.

رواية ابن عمرو رضي الله عنهما في تاريخ ابن عساكر 1/104 من جمع الجوامع للسيوطي.

2.

رواية سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنه في الحلية 8/41 وقال الإمام أبو نعيم بعد رواية الحديث ذكر أنس وهم فقد رواة الثقات الأثبات فلم يجاوزوا فيه مجاهداً يعني مرسل وانظروا الكلام على الحديث في تخريج الإحياء 3/313 –4/215 وشرح الإحياء 8/309 –9/326 – للإمام الزبيدي ونقل كلام المنذري في الترغيب 4/57 في أول كتاب الزهد. قال: قال الإمام المنذري حسن إسناده بعض مشايخنا وفيه بعد لكن على هذا الحديث لامعة من أنوار النبوة – وإذا حذفت من –فطبعة الترغيب فيها مافيها – يصبح الكلام وعلى هذا الحديث لامعة أنوار النبوة – يعني أنوار النبوة مضيئة من هذا الحديث وما خرج هذا إلا من كلام نبينا عليه الصلاة والسلام وما خرج هذا إلا من فمه الشريف المبارك.

ص: 70

قال: ولا يمنع كون راوية ضعيفا أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قاله –لما؟ لوجود الشواهد لهذا الحديث كما قلت قال الإمام الزبيدي – وسبقه النووي في تحسين الحديث – ولا أعلم من الذي سبق الإمام المنذري ت 656 هـ والنووي ت 676 هـ هما في عصر واحد لكن بينهما عشرون سنة فمن الذي سبق؟ سبق المنذري أو ليس كذلك تلاه النووي. فكلامه وسبقه النووي ليس كذلك إنما سبقه المنذري وتابعه النووي عليهم جميعا رحمة الله ورضوانه قال: وسبقه النووي والذي يميل إليه القلب تحسينه قال السخاوي في المقاصد الحسنة ص52 وبالجملة فقد حسن هذا الحديث الإمام النووي في الأذكار وحسنه قبله المنذري ولم يذكره –وثم العراقي- وحسنه أيضا السخاوي وحسنه أيضا الحافظ بن حجر الهيتمي في الفتح المبين ي شرح الأربعين ص236 وقال إنه حسن لغيره وانظروا الكلام موسعا عليه في مصباح الزجاجة 3/268.

والعلم عند الله تعالى: إذا أزهد فيما عند الناس يحبك الناس وازهد في الدنيا يحبك الله الزهد باختصار على ثلاث درجات:

زهد فرض: وزهد فضل –وزهد فيه سلامة.

زهد الفرض: أن تزهد في الحرام هذا فرض عليك أيها الإنسان.

زهد السلامة: أن تزهد في الشبهات أن تدع ما يريبك إلى ما لا يريبك. أن تترك الشبهات خشية أن تقع في المحرمات. باتفاق أئمتنا لا ينال الإنسان درجة الزهد حتى يترك هذين الأمرين وحتى يتصف بزهد الفرض وزهد السلامة الحرام والشبهة لا ينال وصف الزهد حتى يترك هذين. بقي زهد الفضيلة وعليه فرض – فضل – سلامة.

ص: 71

وزهد الفضيلة أن تزهد في المباحات وأن لا تستكثر منها إلا بمقدار الضرورة هذا الأمر من لم يزهد فيه هل يسمى زاهدا أم لا بعد اتفاقهم أن الذي لا يزهد في الحرام والشبهات لا يسمى زاهداً لكن إذا ما زهد في المباحات واستكثر منها وقام بما يجب عليه هل يسمى زاهداً أم لا للعلماء فيه قولان هل يناله اسم الزهد أم لا. لأن الإستكثار منها ينقص من درجة الإنسان وبمقدار ما يحصل التمتع في هذه الحياة تنزل درجة الإنسان عند رب الأرض والسموات ولا يصيب أحد من الدنيا شيئا إلا نقص من درجته عند الله ولو كان عليه كريما ولذلك كان عدد من أئمتنا يقولون خذ ما شئت فإنما تأخذ من كيسك يعني تتعجل نعيمك. إن أردت أن تتوسع فهناك سيضيق عليك وإن غفر لك ودخلت الجنة فلا ينال أحد من الدنيا شيئا إلا نقص من درجته عند الله ولو كان عليه كريما وتقدم تقرير هذا بأدلته في المواعظ الماضية.

هذه الأحاديث الخمسة أردت أن تكون بداية هذه الموعظة وخاتمة المقدمات. نشرح في مواصلة بحثنا:

1.

معالم عشرة مر ذكرها.

2.

موقف أهل الرشد والوفاق نحو مسائل الاتفاق والافتراق.

3.

لماذا الالتزام بالمذاهب الأربعة.

-المعالم العشرة قد مر ذكرها.

أما موقف أهل الرشد من مسائل الافتراق والاتفاق. مضى الكلام على مقدمة لهذا الأمر وعلمنا أن موقفنا من أئمتنا كبني إسرائيل مع أنبيائهم عليهم صلوات الله وسلامه فالأنبياء السابقون دينهم واحد وهو الإسلام وفروعهم مختلفة وعلماء هذه الأمة المرحومة دينهم واحد ونبيهم واحد ثم بعد ذلك هناك تشريعات متنوعة مختلفة دلت عليها الشريعة الأم وهي شريعة نبينا صلى الله عليه وسلم وهذا الكلام كما قلت قاله إمامان من أئمتنا الكرام العظام ابن قدامة وتبعه ابن تيمية عليهم جميعا رحمة الله ورضوانه إجماعهم حجة قاطعة واختلافهم رحمة واسعة وهم في اختلافهم كأنبياء الله السابقين عندما اختلفت شرائعهم وتوحدت أصولهم وهذا كفقهائنا وعلمائنا.

ص: 72

إخوتي الكرام: ثم بعد ذلك قلت مع جزمنا بهذا أيضاً نناقش المسائل التي وقع فيها الخلاف لكن بمنتهى الإنصاف والإئتلاف كنا نتدارس هذه القضية.

وذكرت كلام الإمام ابن تيمية عليه رحمة رب البرية الذي أخذ قرابة عشر صفحات ولخصته فيما مضى 19/117 –127 – ونقلت مقتطفات منه وأن ما عليه أئمتنا هدى وسداد ولا يستطيع أحد أن يلزم غيره بقوله لكن تشرع المناظرة من أجل الوصول إلى قول واحد إن أمكن وكل واحد يقر الآخر ويسلم بأنه على هدى. شرعت المناظرات لإيضاح الحقائق الخفيات لا للتعصب للجهالات ووقوع العداوات لا ثم لا. يشرع لأهل المذاهب أن يتناظروا وتقدم مناظرة في دروس الفقه عن سيدنا أبي يوسف وسيدنا الإمام مالك رضي الله عنهم أجمعين فترك أبو يوسف قوله وهكذا الإمام محمد وهو بعد ذلك المعمول به عند الحنفية قاطبة في زكاة الخضروات ترك قوله. وفي مقدار الصاع ترك قوله. هذه مناظرة تشرع لإيضاح الحقائق الخفيات لا للتعصب للجهالات ووقوع العداوات ثم إن ظهر لك ما عندي فالحمد لله هذا ما ينبغي.

ص: 73

فإذا لم يظهر لك ما عندي فمن الذي جعلني حجة عليك ومن الذي جعلك حجة عليَّ فتبقى بيننا أخوة وأنت على هدى وأنا على هدى ورحمة الله تسعنا هذا لابد من وعيه ولذلك إن حصل إتفاق فهذا خير الأشياء وإن لم يحسم النزاع فلا نزاع بيننا في الإخاء وفي تقدير اجتهاد الأخلاء العلماء ثم هذه المناظرة التي تجري بيننا لا للغلبة ولا لنصرة الرأي وإن كنت أرى أنه على حق لأن ذاك أيضاً يرى أنه على حق إنما أنا فقط أتناظر معك من أجل أن يظهر الحق لنأخذ به إن أمكن ليحصل اتفاق عليه سواء عندك أو عندي استمع لديانة أئمتنا التي يعبر عنها سيدنا الإمام الشافعي رضي الله عنه وأرضاه وأثره في توالي التأسيس ص114 وطبقات الشافعية الكبرى للإمام السبكي 2/61 – وهذا الأثر هو آخر أثر في كتاب آداب الشافعي ومناقبه للإمام ابن أبي حاتم ص325 – وملحق به من كلام ابن حبان فيما نقله عن الإمام الشافعي عليهم جميعا رحمة الله ورضوانه وقال الإمام الشافعي ما ناظرت أحد فأحببت أن يخطئ وقال: ما ناظرت أحداً على الغلبة. يعني ما ناظر أحد إلا وتمنى أن يظهر الله الحق على لسانه لأصحح خطئي وحقيقة إذا ناظرت لتستفيد أعظم ممن لو ناظرت لتفيد لأنك عندما تناظر لتستفيد تحصل فائدتين تصحح خطأك ويعظم أجرك عند الله جل وعلا وعندما تناظر لتفيد ما استفدت فائدة كنت تجهلها إنما فقط صححت خطأ الغير وتصحيح خطئك أولى من تصحيح خطأ الغير. ما ناظرت أحداً على الغلبة وما ناظرت أحداً فأحببت أن يخطئ إنما أدعو له ليسدد ويوفق هذا كلام أئمتنا عليهم رحمة ربنا.

ص: 74

فالمناقشات لا مانع منها للوصول إلى قول إن أمكن فإذا لم يمكن فلا نزاع في الإخاء ولا نزاع في تقدير اجتهادات العلماء الأخلاء هذان الأمران لا نزاع فيهم على الإطلاق تنازعنا بعد ذلك في المناقشة ما وصلنا إلى قول نتفق عليه هذا يقول أنا يظهر لي هذا وذاك يقول يظهر لي هذا قل يا عبد الله نحن أخوة ودين الله يسعنا وأنت على هدى وأنا على هدى وطريق الآخرة ما أوسعه انتهينا أما خلال المناظرة يشتمني وأشتمه وكل واحد يقذف الآخر بالبهتان ويعصي الرحمن لا ثم لا. يقول سفيان الثوري رضي الله عنه كما في الفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي 2/69 إذا رأيت رجل يعمل العمل الذي اختلف فيه وأنت ترى غيره فلا تنهه سبحان ربي العظيم: لنفرض أنه خرج من فمه دم ما يملأ كأسا ثم دخل يصلي لا يحق لك أن تقول يا عبد الله صلاتك باطلة على مذهب الإمام الشافعي مهما خرج منه من دم لا ينتقض الوضوء. هذا أمر اختلف فيه فلا تنهه.

ص: 75

فلا داعي لتضيق رحمة الله والسعة التي وسعها الله علينا. وللإمام ابن تيمية عليه رحمة ربنا في مجموع الفتاوي30/79-81 كلام محكم قويم. سئل رحمه الله عمن ولي أمرا من أمور المسلمين ومذهبه لا يجوز شركة الأبدان فهل يجوز له منع الناس. -وشركة الأبدان أن يتشارك المفلسون بأبدانهم وأعمالهم لا بأثمانهم ودراهمهم يقول: نشترك فيما بيننا ونعمل بأبداننا وما نحصله نقسمه ويقال لها شركة وجوه يعملون بوجوههم – لماذا: قد يكون هذا عنده قوة عمل وهذا عنده ثقة عند الناس فيقول أكثر من الآخر. فعندما نذهب لنأخذ العمل لثقتهم بالثاني يسندون العمل إليهما فصار الثاني له مدخل في العمل والآخر لنشاطه يسندون إليه العمل فلو كان لنشاطه فقط دون ثقة ما وثقوا أو لثقة فقط دون نشاط وقوة ما وثقوا فعندما يرون هذا سيعمل بالبدن والآخر معه أمين والريح مشاركة على هذا مثلا بناء عمارة أو غيرها. فولي الأمر ليس من مذهبه صحة شركة الأبدان هل له أن يمنع الأنام ليس من حقه تقدم معنا ولى الأمر لا يتبنى إلا في المنازعات والخصومة ما اختصم فيه الناس ويرفع إليه يتبنى فيه ما عدا هذا دع الناس في سعة لم تضيق عليهم. رحمة الله الواسعة: فأجاب شيخ الإسلام: ليس له منع الناس من مثل ذلك ولا من نظائره مما يسوغ فيه الاجتهاد وليس معه بالمنع نص من كتاب ولا سنة ولا إجماع ولا هو في معنى ذلك لا سيما وأكثر العلماء على جواز مثل ذلك وهو مما يعمل به عامة المسلمين في عامة الامصار وهذا كما أن الحاكم ليس له أن ينقض حكم غيره في مثل هذه المسائل ولا للعالم والمفتي أن يلزم الناس باتباعه في هذه المسائل.

ص: 76

ليس من حق القاضي أن ينقض قضاء غيره ولا من حق المفتي أن يعترض على فتيا غيره إذا كانت الفتيا تحتملها الأدلة ولا من حق المجتهد أن يلزم الناس باتباعه دون اتباع مجتهد آخر وهذا متفق عليه بين أئمتنا انظروه في حاشية العطارعلى جمع الجوامع 2/430 والمستصفي 2/388 وفواتح الرحموت 2/395 –وتيسير التحرير 4/234 وتنقيح الفصول للقرافي ص441 والقول الجامع في المقالات البدعي والمتتابع للشيخ محمد بخيت المطيعي عليهم جميعا رحمة الله ص18. ليس لأحد أن يلزم الناس بقوله وليس للعالم ولا المفتي أن يلزم الناس باتباعه إنما يذكر ما عنده من حجج علميه هذه وظيفته ما عدا هذا فإن اتبعوا غيرك ليس من حقك أن تلزمهم باتباعك فيما احتملته الأدلة.

قال: ولهذا لما استشار الرشيد مالكا أن يحمل الناس على موطئة في مثل هذه المسائل منعه من ذلك. وتقدم معنا وقبلة المهدي وقبله أبو جعفر –استشاره ثلاثة من الخلفاء أن يحمل الناس في أمصار المسلمين عمل مذهبه قال ليس لك ذلك قال: فلو كان إلزام الناس بقول واجباً لأثم الإمام مالك. عندما يعرض عليه ولي الأمر أن يلزم الناس بقول يقول له ليس لك ذلك ونحن معشر الصعاليك في هذه الأيام لو كان لنا شأن لضربنا رقاب الناس إذا لم يلتزموا بأقوالنا وليس لنا شأن والواحد منا نكرة لا قيمة له يعوي في كل زاوية بتكفير الناس وتسفيههم والوقوع في أعراضهم لأنهم خالفوه في مسألة وأنهم يقولون بجواز التبرك. أما تستحي الله لأنهم خالفوه في صلاة التراويح هو يقول ثمانية وهم يقولون عشرون. على رسلك أيها المخرف المبتدع أيها الزائغ على رسلك. أمر احتمله الدليل عندك قول لا مانع أن تنشر قولك وأن تبرهن عليه.

ص: 77

12) وسنؤول إلى ربنا ليحاسب كلا على ما قال وعلى ما عمل أما أن تبدع الناس إذا لم يأخذوا بقولك فمن الذي جعلك حكما على الأمة وإماما لها وأمر الناس بعد ذلك باتباعك من؟ قال: ولهذا لما استشار الرشيد الإمام مالك رضي الله عنهم أجمعين أن يحمل الناس على موطئه في مثل هذه المسائل منعه من ذلك وقال أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تفرقوا في الأمصار وقد أخذ كل قوم من العلم ما بلغهم وصنف رجل كتابا في الإختلاف فقال أحمد لا تسمه كتاب الاختلاف ولكن سمه كتاب السنة سمه كتاب السعة. ما اختلف فيه الصحابة الكرام والتابعون لهم بإحسان هذا الكلام قرره في عدد من الأماكن في مجموع الفتاوي 14/159 يقول: النزاع في الأحكام قد يكون رحمة إذا لم يفضي إلى شر عظيم ولهذا صنف رجل كتابا في اختلاف الفقهاء فقال له الإمام أحمد سمه كتاب السنة هذا أيضاً في الجزء 14 ثم قال الإمام ابن تيمية 30/80 ولهذا كان بعض العلماء يقول إجماعهم حجة قاطعة واختلافهم رحمة واسعة –والقائل الإمام ابن قدامة في مقدمة المغنى – ونقل هذا الكلام عن الأئمة في عدد من كتبهم انظروه في شرح الزرقاني على المواهب اللدينة وقرره بكلام جزل فصل 5/389 والحلية 5/19 نقل عن العبد الصالح طلحة بن مصرف وهو ثقة قارئ إمام مبارك فاضل وحديثه في الستة تابعي جليل توفي 112 هـ.

كان يقول: لا تقولوا الاختلاف ولكن قولوا السعة. في الحلية 10/36 – في ترجمة ابي يزيد عليه رحمة الله –قال الإختلاف رحمة إلا في تجريد التوحيد ولولا اختلاف العلماء لبقيت –أي لبقيت حيرانا تائها.

ص: 78

قال الإمام ابن تيمية: مواصلا كلامه: كان سيدنا عمر بن عبد العزيز يقول ما يسرني أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يختلفوا لأنهم إذا اجتمعوا على قول فخالفهم رجلاً كان ضالاً وإذا اختلفوا فأخذ رجل بقول هذا ورجل بقول هذا كان في الأمر سعة. هذا القول رواه عنه مسدد بسند صحيح كما في المطالب العالية 3/105 قال ما يسرني باختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حُمر النعم لأنا إن أخذنا بقول هؤلاء أصبنا وإن أخذنا بقول هؤلاء أصبنا السير 5/60 في ترجمة القاسم بن محمد قال: إختلاف الصحابة رحمة. وهذا الكلام كرره الإمام ابن تيمية في عدد من صفحات مجموع الفتاوي أنظروه 3/250 قال: إجماعهم حجة قاطعة. قال الإمام ابن تيمية وكذلك قال غير مالك من الأئمة: ليس للفقيه أن يحمل الناس على مذهبه.

ص: 79

أنظروه في الباعث على إنكار البدع والحوادث للإمام أبي شامة ص20 وفي كتاب الأمر بالإتباع للإمام السيوطي ص57 وأنظروه في جامع بيان العلم وفضله في ص78 قال الإمام ابن تيمية: ولهذا قال العلماء والمصنفون في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أصحاب الشافعي وغيره: إن مثل هذه المسائل الاجتهادية لا تنكر باليد وليس لأحد أن يلزم الناس بإتباعه فيها ولكن يتكلم فيها بالحجج العلمية فمن تبين له صحة أحد القولين تبعه ومن قلد أهل القول الآخر فلا إنكار عليه إذن ليس لأحد أن يلزم الناس باتباعه فيها ولكن يتكلم فيها بالحجج العلمية فمن تبين له صحة أحد القولين تبعه ومن قلد أهل القول الآخر فلا إنكار عليه قال: ونظائر هذه المسائل كثيرة جداً تم ختم المسألة بقوله –أنظر لهذه الديانة وهذا الورع من فقيه الملة سيدنا أبي حنيفة رضي الله عنه وأرضاه قال: ولهذا كان أبو حنيفة رضي الله عنه يفتي بأن الزراعة لا تجوز (وخالفه أصحابه) ثم يفرع على القول بجوازها يعني المسائل لو اشترك اثنان مزارعه وهذا له كذا وهذا له كذا ثم جرى بينهما خلاف فما الحكم –يفرع مسائل – ويقول إن الناس لا يأخذون بقولي في المنع ولهذا صار صاحباه إلى القول بجوازها كما اختار ذلك من اختاره من أصحاب الشافعي وغيرهم إخوتي الكرام هذه هي الديانة هذا هو الورع 20/292 من مجموع الفتاوي يقول مسائل الاجتهاد التي تنازع فيها السلف والأئمة فكل منهم أقر الآخر على اجتهاده ومن كان فيها أصاب الحق فله أجران ومن كان قد اجتهد فأخطأ فله أجره وخطأه مغفور له فمن ترجح عنده أن يقلد الإمام الشافعي لم ينكر على من ترجح عنده أن يقلد الإمام مالك ومن ترجح عنده أن يقلد الإمام أحمد لم ينكر على من ترجح عنده أن يقلد الإمام الشافعي ونحو ذلك.

ص: 80

ونبقى في سعة وفي بحبوحة ورحمة الله واسعة وقال في 35/ (357-388) من مجموع الفتاوي ما تنازعت الأمة فيه إذا وقع فيه نزاع بين الحكام وبين آحاد الناس المسلمين من العلماء أو الجند أو العامة. لم يكن للحاكم أن يحكم فيها على من ينازعه ويلزمه بقوله ويمنعه من القول الآخر فضلا عن أن يؤذيه أو يعاقبه. فهذا سيدنا عمر رضي الله عنه لم يلزم أحداً أن يأخذ بقوله وهو: إمام الأئمة كلها وأعلمهم وأدينهم وأفضلهم فكيف يكون واحداً من الحكام خيراً من سيدنا عمر رضي الله عنه. هذا إذا كان حكم في مسألة اجتهاد تتنازعها الأدلة. ثم بعد أن ذكر أمثلة كثيرة عليها قال: فهذه الأمور الكلية ليس لحاكم من الحكام كائنا من كان ولو كان من الصحابة أن يحكم فيها بقوله على من نازعه فيقول ألزمته أن لا يفعل ولا أفتي إلا بالقول الذي يوافق مذهبي فإن كان عنده علم تكلم بما عنده وإن كان عند منازعه علم تكلم به فإن ظهر الحق في ذلك وعرف حكم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وجب على الجميع إتباعه وإن خفي ذلك أقر كل واحد على قوله ولم يكن لأحدهما أن يمنع الآخر إلا بلسان العلم والحجة والبيان فيقول ما عنده من العلم ثم ختم المسألة بقوله: وولى الأمر إن عرف ما جاء ما في الكتاب والسنة حكم بين الناس به وإن لم يعرفه وأمكنه أن يعلم ما يقول هذا وما يقول هذا حتى يعرف الحق حكم به وإن لم يمكنه لا هذا ولا هذا ترك المسلمين على ما هم عليه كلٌ يعبد الله على حسب اجتهاده.

ص: 81

وليس له أن يلزم أحداً بقبول قول غيره وإن كان حاكما وإذا خرج ولاة الأمر عن هذا فقد حكموا بغير ما أنزل الله ووقع بأسهم بينهم فكيف إذا لم يكن من ولاة الأمور ويريد أن يلزم الناس بقوله. خرج عن حكم الله وأراد أن يحكم بين الناس بغير شرعه عندما يريد أن يلزم الناس بقوله ويقول قولي دلت عليه السنة. والأقوال الأخرى دلت عليها أيضاً سنة أخذت من أدلة معتبرة فإذا ما ظهر لك دليلهم هم أيضاً ما ظهر لهم دليلك فاعذرهم كما أنهم عذروك أما أنك ستضللهم ثم هم يضللونك ويتسع الخرق على الأمة هذا ضلال مبين. وقال3/238: ولي الأمر ينفذ حكمه في الأمور المعينة دون العامة. والأمور المعينة فيما يرجع إلى فصل الخصومات وقطع المنازعات أنظروا هذا في كتاب الشيخ محمد بخيت المطيعي رحمة الله عليه (القول الجامع) ص179 قال وأما إلزام السلطان في مسائل النزاع بالتزام قولٍ بلى حجة من الكتاب والسنة فهذا لا يجوز باتفاق المسلمين ولا يفيد حكم حاكم بصحة قول دون قول في مثل ذلك إلا إذا كان معه حجة يجب الرجوع إليها فيكون كلامه قبل الولاية وبعدها سواء وهذا بمنزلة الكتب التي يصنفها في العلم وقال في 3/344: إقرار بعضهم لبعض –أي العلماء والمجتهدين فيما يختلفون فيه –فيما اجتهدوا فيه فهو مما أمر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم –أمرا بالجماعة ونهيا عن الفرقة – إذن أمور الاختلاف تناقش كما قلت ويجري بين طلبة العلم –بين العلماء مناظرة. إن اتفق العلماء وطلبة العلم على قول فالحمد لله هذا أحسن ما يكون وإلا كما قلت أمران لا نزاع فيهما 1) الأخوة بيننا 2) أعتبر قولك وتعتبر قولي وتقول أنت على هدى ونقول أنت على هدى.

ص: 82

هذان أمران لا نزاع فيهما إذا تنازعنا فيهما فقد ضللنا وخرجنا عن صراط الله المستقيم هذا إخوتي الكرام لا بد من أن نعيه عند إختلاف أئمتنا إخوتي الكرام بعد هذه المقدمة التي دارت على هذين الأمرين موضوع الاختلاف الذي وقع في الأمة كنت تكلمت عليه في محاضرة في أبها " موقف الأكياس من فرقة واختلاف الناس " نلخص ما تقدم هنا من أنواع الخلاف التي تقع وما الأمر الذي فيه سعة وينبغي أن تتسع صدورنا نحوه وما الذي ما ينبغي أن نقبله بحال الإختلاف إخوتي الكرام على قسمين:

1) إختلاف تنوع له أربعة نماذج كما سأذكرها.

2) إختلاف تضاد في حالتين إختلاف التنوع بحالاته الأربعة وحالة من حالتي إختلاف التضاد خمسة أحوال من أنواع الإختلاف فيه سعة والأمة نحو هذه الأمور في رحمة واسعة. واحد فقط هو الذي فيه حرج ومن خالف فيه يضلل بلا توقف فاستمعوا للتفصيل:

إختلاف التنوع ضابطة لا يلزم من إثبات قول نفي الآخر ولا يلزم صحة قول بطلان الآخر. بل هذا صحيح وهذا صحيح هذا ثابت وهذا ثابت، هذا له أربعة أنواع أولها:

1) أن تكون الأقوال كلها حق لكن في درجة واحدة ما يوجد قول يزيد على قول والأقوال لا تتفاوت في الأحقية وفي الصحة وفي الثبوت وفي السداد ومن أراد أن يفاضل بينها فقد ضل فضلا عمن أراد أن يصحح ويضعف مثال هذا: القراءات لا يوجد هنا راجح ومرجوح ومن باب أولى لا يوجد صحيح وضعيف ولا مقبول ولا مردود كلها كلام الله إذا قرأ مالك يوم الدين أو ملك يوم الدين ليس من حقك أن تقول هذه أصح ولو قلت ضللت – فكلها حق صحيح بدرجة واحدة وقلت مرارا هناك فرق بين فقه الفقهاء وقراءة القراء ففقه الفقهاء دخل فيه العقل البشري عن طريق الاجتهاد والاستنباط والنقل والترجيح والنسخ – دخل شيء من أعمال العقل –وأما قراءة القراء مبناها على السماع على النقل المتواتر وعليه كلها حق كلها صحيح فاضل.

ص: 83

أن يكون كل من القولين أو من الأقوال الواردة وحصل اختلاف فيها في معنى الآخر فحصل الاختلاف في العبارة لا في الحقيقة وهذا له أمثلة كثيرة مر معنا ضمن مواعظ الفقه في تفسير قول الله جل وعلا " ومن لم يحكم بما أنزل الله وأولئك هم الكافرون " –الفاسقون-الظالمون –تقدم معنا حكم من لم يحكم بما أنزل الرحمن قلت هذه المسألة كما تقدم لها ثلاثة أحوال حالة يعذر فيها الإنسان، وحالة يأثم فيها الإنسان، وحالة يكفر فيها الإنسان. إذن عذر، معصية، كفر. هذه الأحوال تجمع ما نقل عن أئمتنا الكرام ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون. كفر يخرجهم من الملة كفر دون كفر قلت هذا بناءا على أحوال من لم يحكم بما أنزل الله فالأحوال التي يعذر الإنسان فيها لا تدخل لا في الكفر المخرج من الملة ولا في الكفر الذي هو دون كفر. (الكفر الأصغر) وهذه الأحوال حصرتها في إثنتي عشرة حالة لا يخرج عنها الإنسان عندما ينحرف عن شرع الرحمن. في ثلاثة يعذر.

1.

أن لا يحكم بشرع الله لكنه اجتهد فأخطأ فهو من أهل الاجتهاد والتأويل فلا لوم عليه مع أنه إنحرف عن شرع الله الجليل لكن لا يكلف الله نفسا إلا وسعهاأن يجهل الحكم دون تقصير فلا حرج ولا لوم عليه – دون تقصير في التعلم فجهل الحكم ومثلت على هذا.

2.

أن يُكره. ففي هذه الأحوال الثلاثة لا إثم ولا وزر وهو معذور فيما جرى منه قد يوجه إليه اللوم أحيانا لتقصيره فيما ينبغي أن يقوم به،

وفي ثلاثة أخرى يأثم ولا يكفر:

1.

أن يجتهد وليس هو ن أهل الاجتهاد فما قصد المعصية لكن ليس هو من أهل الاجتهاد ولا يحق له أن يتأول كحال الناس في هذه الأيام عندما يجتهدون فيضلون ويضلون وعليه إثم الضال المضل.

2.

أن يجهل الحكم الشرعي فيأتي بالمخالفة دون قصد لكنه قصر في التعلم فعليه إثم.

3.

أن يتعمد المعصية دون إستحلال من باب حظ النفس وإيثار الشهوة في هذه الأحوال يأثم ولا يكفر.

ص: 84

وفي ستة أحوال أخرى بقيت معنا يكفر ويخرج من الملة:

1.

أن لا يرى صحة حكم الله –يقول هذه الأحكام ليست صحيحة باطلة.

2.

أن يرى صحتها لكن يرى حكم البشر وقانون البشر أعلى منها.

3.

أن يرى صحتها وأن قانون البشر اجتهاد يساويها.

4.

أن يرى صحتها وأنها أحسن من حكم البشر لكن يجوز للبشر أن يأخذوا بآرائهم واجتهاداتهم مع إقراره وجزمه بأن حكم الله أعلى وأفضل -كفر-.

5.

أن يستهزئ ويستخف بأحكام الله جل وعلا.

6.

أن يسلك مسلك التأويل والأباطيل في تحريف شرع الله الجليل مع انتسابه للإسلام وأنه سيرعى المصلحة وسيعطل دين الله من أوله لآخره تحت روح الإسلام والمصالح التي يحافظ عليها الإسلام وعليه فهو وإن عارض كذا وكذا من النصوص وافق روح الإسلام وهي الدعوة العلمانية في هذه الأيام لكن باسم ستار الشريعة الإسلامية.

ص: 85

هذه أحوال ستة وعليه من قال إنه كفر مخرج من الملة وظلم أيضاً الظلم الأكبر "إن الشرك لظلم عظيم""وفسق" الذي يخرجه من الدين – "إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه" من قال هذا في تفسير الآيات أراد الأحوال الستة التي يكفر بها الإنسان عندما ينحرف عن شرع الرحمن. ومن قال أنه كفر من دون كفر والفسق المراد منه هنا الذي هو فسق ومعصية وهكذا الظلم أراد الأحوال الثلاثة المتقدمة التي يأثم فيها الإنسان. وأما الأولى فهي لا تدخل بالاتفاق لأنه ما انحرف عن شرع الله. وفي الحالتين ما أرد المعصية وفي الحالة الثالثة أكره عليها إذن اختلف التعبير واختلف التفسير وصار الخلاف بين الأئمة للاختلاف كما قلت لأن كل منها في معنى الآخر لأن هذا القول يكمل ذاك وهذا يكمل هذا فلو قلت لمن قال إن الكفر هنا مخرج من الملة إذا لم يستحل وغلبته شهوته وفعل المعصية وهو معترف بتقصيره وذنبه يكفَّر؟ يقول لا فهذا كما قال عنه أئمتنا اختلفت العبارات لاختلاف الاعتبارات وهكذا هنا الظالمون الفاسقون الكافرون كلها بمعنى واحد كفر يراد منه ستر الشيء ظلم مجاوزة الحد فسق الخروج وعليه من حكم بغير شرع الله وهو كافر فقد كفر ستر الحق وظلم وضع الشيء في غير موضعه وفسق خرج من الإيمان للكفر ومن الهدى إلى الردى.

ص: 86

اختلاف عبارات لإختلاف الاعتبارات وهكذا اختلاف أئمتنا في موضوع التفسير بالرأي حرام وجائز لا اختلاف بينهما في الحقيقة هذا إختلاف فقط في العبارة لكن هم يتفقون على رأي وهو أن التفسير بالرأي إذا وافق قواعد اللغة وسياقة الكلام فهو جائز وإلا فهو حرام هو التفسير بالهوى وهكذا تفسير قول الله "وما يعلم تأويله إلا الله" هل الراسخون في العلم يعلمون التأويل أو لا يعلمون الخلاف الذي وقع كله خلاف عبارة لا أنه اختلاف في الحقيقة فمن قال أن الراسخين لا يعلمون أمرا وبالتأويل الحقيقة التي يؤول إليها الشيء، ومن أراد التفسير الظاهري فلا يوجد شيء إلا ونعلم تفسيره حسب لغة العرب التي نزل بها كلام الرب سبحانه وتعالى.

النوع الثالث من أنواع خلاف التنوع: أن تختلف الأقوال وتتفاوت في القوة كما هو الحال في كثير من الاختلافات المنقولة بين أئمتنا والأدلة الشرعية عليها متفاوتة في القوة كأحاديث التشهد فالحنفية مثلا يختارون تشهد عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ويقدمونه على التشهد الثاني المنقول عن سيدنا عبد الله ابن عباس رضي الله عنهم أجمعين وجميعها ثابتة صحيحة. هكذا أدعية الاستفتاح هذا رجح هذا وهذا رجح هذا فريق بعد ذلك أجاز الجميع كلها أقوال حقة ومن قال بهذا لا يمنع من الثاني لكن يقول هذا نراه ارجح نراه أقوى نراه أحوط والقول الثاني إن قلته لا حرج أيضا أقوال متفاوتة في القوة تدخل ضمن اختلاف التنوع.

ص: 87

النوع الرابع الاختلاف للاختلاف في تحديد المراد: ما المراد من النص الشرعي اختلف أئمتنا في الحكم لاختلافهم قي بيان المراد من النص تقدم معنا قول نبينا صلى الله عليه وسلم "البيعان بالخيار ما لم يفترقا أو قال حتى يفترقا فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما ". ما المراد بالتفرق؟ بالأقوال عند إمامين. بالأبدان عند إمامين كما قلت هنا تحديد المراد من كلام نبينا خير العباد عليه الصلاة والسلام. احتمله الدليل، هذا كله اختلاف وتنوع.

اختلاف التضاد: ضابطه عكس اختلاف التنوع. يلزم من إثبات قول نفي الآخر، يلزم من صحة قول بطلان القول الآخر عند القائل به. هذا له حالتان:

الحالة الأولى:

ص: 88

1.

تلتحق بالأحوال الأربعة المتقدمة والإنسان يعذر فيها وهو نحوها في سعة. يكون تارة في الفروع العملية التي ليست الدلالة عليها قطعية مثلا ينتقض الوضوء بالدم السائل، لا ينتقض الوضوء، ينتقض الوضوء بمس الذكر. قولان متقابلان لكن ليس عند إمام واحد بل عند إمامين فمن قال بهذا لا يقول بهذا إنما تقابلت الأقوال في مذهبه بل هو في مذهبه لا يرى صحة صلاته ولا صحة صلاة من تبعه إذا صلى وقد خرج منه الدم وذاك يرى صحة صلاته وصحة صلاة من تبعه إذا صلى وقد خرج منه الدم. قولان تقابلا في فروع عملية ليست الدلالة عليها قطعية وليس مما أجمع عليه هنا. في المسألة نصوص متقابله ويلتحق بهذا بعض الأصول العلمية التي ليست الأدلة عليها قطعية. كالإختلاف في سماع الميت والاختلاف في رؤية النبي عليه الصلاة والسلام لربه في ليلة الإسراء والمعراج. فهذا يثبت الرؤية بالعين وهذا يقول رؤية قلبية وثالث يتوقف. الحالة اختلاف تضاد تقابلت الأقوال وفي أمر الاعتقاد ومع ذلك عذر بعضهم بعضا. ويتقدم معنا الإمام ابن خزيمة يرى أن نبينا عليه الصلاة والسلام رأى ربنا ليلة الإسراء والمعراج بعيني رأسه في كتابه التوحيد وذكر 50 صفحة يقرر فيها هذه المسألة إذا الأمر فيه سعة من أنكر من أثبت من توقف من قال إن الرؤية يراد منها رؤية قلبية خاصة هذه الأقوال فيها سعة منقولة عن سلفنا فلا حرج فيها.

نوع آخر من أنواع التضاد.

ص: 89

2.

وهو الفرع العملية التي أدلتها قطعية أو الأصول العلمية التي أدلتها قطعية. هنا الخلاف فيه حرج والمخالف يضل زائغ مثلاً المسح على الخفين هذا تواترت به الأحاديث عن نبينا سيد الكونين من أنكره – أهل الزيغ والضلال الشيعة – لذلك ذكرت المسألة ضمن كتب التوحيد لأنها مسألة قطعية مع أنها فرع عملي. غسل الرجلين في الوضوء إذا لم يكونا في خف في جورب ثخين هذا مما أجمع عليه. ذكر ضمن كتب التوحيد لأنه خالف فيه أيضاً الشيعة لا يغسلون الأرجل بل يمسحونها ولا يمسحون على الخفين.

هذا الآن فرع عملي والفروع العملية أصلاً تتسع لها الصدور يقال فيما لا إجماع فيه فيما لا قطع فيه. نكاح المتعة أجمع الأئمة على تحريمه فمن خالف فيه فهو زائغ مبتدع يضلل.

وقوع الطلقات الثلاث انعقد الإجماع على ذلك كما تقدم معنا فمن جاء وقال إن الثلاث واحدة نقول زائغ ضال خالف الإجماع مع أنها فروع عملية وهكذا الأصول العلمية كأمور الإعتقاد في قضايا الإيمان وما يعتقده أهل الإسلام من الإيمان بالله واليوم الآخر وبصفات الله عز وجل من عذاب القبر من نعيم مما يكون في الجنة مما يكون في جهنم كل هذا مما وردت به النصوص وأجمع أئمتنا عليه من خالف في شيء من ذلك فهو ضال. الخلاف هنا فيه حرج وعليه اختلاف التضاد هو الذي الأمة تكون في حرج فيه ونحوه ضابطة إذا كانت أدلته قطعية ويوجد إجماع من هذه الأمة الإسلامية سواء كان في الفروع العملية أو في العقائد الإسلامية. وعليه ما بين أئمتنا الإختلاف كما قلت غالبه هو أكثره من النوع الأول إختلاف تنوع وبعضه من إختلاف التضاد من القسم الأول الذي لا زلنا نحوه في سعة والأدلة فيه ليست قطعية فلماذا تضيق صدورنا ويضلل بعضنا بعضاً لماذا ورحمة الله واسعة.

قبل أن أنتقل إلى الأمر الثالث " لماذا الالتزام بالمذاهب الأربعة " عندنا تنبيهان ينبغي أن ننتبه لهما:

1.

مما تقدم يتبين لنا أن أبرز أسباب الاختلاف أمران:

ص: 90

أ. النصوص حمالة تحتمل عدة معانٍ.

ب. عقول البشر متفاوتة في الفهم. فيما أن النص يحتمل وأهل الاجتهاد عقولهم متفاوتة وعندهم أهلية الاجتهاد وعندهم ما يمكنهم من الاستنباط. فإذا استنبط حكما فما يستنبطه يعتبر حكما شرعيا.

2.

يترتب على هذين السببين ان كل ما يستنبطه أئمة الاجتهاد يعتبر أحكاما شرعية ما يصل إليه المجتهد يعتبر حكما شرعياً لمذهب على مذهب ولا يحكم بمذهب على مذهب وليس من حق أحد كما تقدم أن يقول للناس اتركوا مذاهبكم واتبعوا مذهبي. وإذا كان نبينا صلى الله عليه وسلم جرت في حياته مثل هذه المسائل وأقر الصحابة فنحن من باب أولى ينبغي أن يقر بعضنا بعضاً. استمع لهذا الحديث وهو في الصحيحين والبيهقي، من رواية سيدنا عبد الله بن عمر رضي الله عنهم أجمعين بعد موقعة الأحزاب قال نبينا صلى لله عليه وسلم " لا يصلين أحد منكم العصر إلا في بني قريظة " فخرج الصحابة الكرام إلى بني قريظة ليصفوا معهم الحساب عندما نقضوا العهد مع نبينا عليه الصلاة والسلام ففي الطريق أدركتهم صلاة العصر فبعضهم قال نصلي لم يرد منا رسول الله منا ذلك وقال بعضهم نؤخر الصلاة لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال لا نصلي إلا في بني قريظة. وفعلا بعضهم أخرها وبعضهم صلاها فما عنَّف النبي منهم أحداً وفي الطبراني كما في المجمع 6/140 من رواية كعب بن مالك. وقال رجاله رجال الصحيح إلا ابن أبي الهذيل وهو ثقة وهو عبد الله بن أبي الهذيل ثقة روى له البخاري في جزء القراءة خلف الإمام كما روى له الإمام مسلم في صحيحه والترمذي والنسائي في السنن وفي روايته شيء من التوضيح لرواية سيدنا عبد الله بن عمر رضي الله عنهم وأرضاهم.

ص: 91

وعبد الله ابن أبي الهذيل تابعي جليل هو الذي يروي عن سيدنا كعب بن مالك وقد روى عن سيدنا علي وعمار وأبي بن كعب وخباب بن الأرت أبي هريرة وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهم أجمعين انظروا ترجمته الطيبة في السير 4/170 رجاله رجال الصحيح إلا ابن أبي الهذيل وكنت ذكرت سابقا أن في كلام الإمام الهيثمي شيء من التسامح فهو من رجال مسلم. فالأصل أن يقول رجاله رجال الصحيح لمَ يقول إلا ابن الهذيل وقد روى له مسلم في صحيحه وعليه رجاله رجال الصحيح. من رواية سيدنا كعب بن مالك رضي الله عنه أن نبينا صلى لله عليه وسلم بعد أن رجع من غزوة الأحزاب ووضع درعه جاءه جبريل وقال وضعتم السلاح وضعتم اللأمة لكنا في السماء لم نضعها فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ماذا تأمرني قال توجهوا إلى بني قريظة فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم مناديا ينادي من كان سامعاً مطيعاً فلا يصلين العصر إلا في بني قريظة فخرج الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين فلم يأتوا بني قريظة حتى غربت الشمس فاختصم الناس في الطريق فقال بعضهم صلوا لم يرد رسول الله أن تتركوا الصلاة وقال فريق آخر عزم علينا رسول الله فنحن في عزيمة رسول الله فلا إثم علينا في تأخير الصلاة قال فصلى بعضهم في الطريق وبعضهم أخرها حتى غربت الشمس فصلوها في بني قريظة فلم يعنف رسول الله صلى الله عليه وسلم واحداً من الفريقين وفي رواية كعب فصلوها في الطريق إيمانا واحتساباً وصلى بعضهم بعدما غربت الشمس في بني قريظة إيمانا واحتسابا –"لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم ". وهي النيات الخالصة التي ينال الإنسان أجرها عند الله جل وعلا. وهنا كذلك إيمانا واحتساباً وما فعل واحد منهم ذلك عناداً ولا مخالفة لنبينا صلى الله عليه وسلم. كل من الأمرين حكم شرعي ونبينا ما عنف أحد الفريقين بل ما قال لهؤلاء أصبتم ولهؤلاء أخطأتم.

ص: 92

وقلت استنبط من هذا عدد من أئمة الإسلام إن كل مجتهد مصيب لأن نبينا الحبيب لا يقرعلى خطأ. ولو كان أحدهما مخطئا لقال أخطأت ولا لوم عليك ولا ذنب لكن كان السداد أن تفعل كذا. فما قال هذا إذا كل من الأمرين مصيب على هدى. الحافظ ابن عبد البر في كتابه الاستذكار 1/303 استدل بهذا الحديث وبغيره على وجوب قضاء الصلاة على من فاتته نسياناً أو عمداً وهذا هو المقرر عند المذاهب الأربعة وهناك شذوذ عند بعض الناس أن الصلاة إذا تركت عمداً لا تقضى. نرجع إلى الأمر الثالث وهو ختام بحثنا في هذه المسألة: وقبل أن ننتقل إلى هذا الأمر يوجد تعليق الإمام البغوي في شرح السنة /229 كلام محكم يتعلق بالاختلاف أحب أن أقرأه عليكم مع وجازته كلام محكم سديد: قال عليه رحمة الله: الاختلاف في الفروع بين العلماء اختلاف رحمة أراد الله أن لا يكون على المؤمنين حرج في الدين فذلك لا يوجب الهجران والقطيعة لأن هذا الاختلاف كان بين أصحاب رسول الله مع كونهم إخواناً مؤتلفين رحماء بينهم وتمسك بقول كل فريق منهم طائفة من أهل العلم بعدهم وكل في طلب الحق وسلوك سبيل الرشد مشتركون.

ص: 93

قال عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود رضي الله عنهم أجمعين ثقة عابد حديثة في صحيح مسلم والسنن الأربعة توفي سنة 120هـ قال: ما أحب أن أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام لم يختلفوا فإنهم لو اجتمعوا على شيء فتركه رجل ترك السنة ولو اختلفوا وأخذ رجل بقول واحد أخذ السنة كما تقدم معنا من كلام عمر بن عبد العزيز وقاسم بن محمد وأئمة الإسلام قاطبة وهذا القول نقله الإمام السيوطي في كتابه الأمر بالإتباع وذم الابتداع ص77 وانظروه في الباعث الحثيث ص20 علق المعلق على الباعث الحثيث وهو من بعض الأخوة الجدد المتمجهدين من بلاد مصر قال: ليست الرحمة في الاختلاف: يعلق على كلام الإمام أبي شامة فيما ينقله عن أئمة الإسلام أن الاختلاف رحمة. قال: ليست الرحمة في الاختلاف وإنما الرحمة في الاجتهاد وعمل العقل والقلب في إعلاء كلمة الله وجعل كلمة الله هي العليا ولن تكن الرحمة بأي حال في الاختلاف والفرقة. يا إخوتي نحن في أعلى قمة وهؤلاء في أسفل حضيض ما دخل هذا الكلام في التعليق على كلام أئمة الإسلام. وهل جعل كلمة الله هي العليا حوله خلاف لم تعلق هذه التعليقات الفارغة الاختلاف رحمة باتفاق أئمة الأمة إلا من شذ شذ ابن حزم اجتهاداً وشذ الشاذون في هذه الأيام تقليداً أما ابن حزم مجتهد مع شذوذه وليس من الحزم أن يتبع ابن حزم لكن هؤلاء كالألباني والمقبل على الفتن والذين يعلقون على هذه الكتب يلوثونها هؤلاء شاذون تقليداً لا تظن أن واحداً منهم هو صاحب الفكرة إنما قرأ في كتاب ابن جزم في إبطال القياس وفي شيء من المحلى – وما تعثر فيه يغفر الله له-جاؤا هم وجعلوه دينا يفرقون به بين الأمة.

ص: 94

أما أن الاختلاف رحمة هذا لا نزاع فيه إستمع لكلام الإمام الخطابي في كتابه "أهذه الحديث" 1/118 يقول وأن هذه القضية ما خالف فيها إلا الزائغون في العصر الأول وقارن بين هذا الكلام وبين ما يقوله الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة 1/76 لتعلم أن كلامه هو كلام الزائغين الذي رده الإمام الخطابي تماما استمعوا اخوتي الكرام يقول: أما قول القائل لو كان الاختلاف رحمة لكان الاتفاق عذاباً. قالها ابن جزم وتلقاها عنه المقلدون في هذا الزمن. فأما قول القائل لو كان الاختلاف رحمة لكان الاتفاق عذاباً لأنه ضده فهذا قول لم يصدر عن نظر وروية وقد وجدت هذا الكلام لرجلين اعترضا به على الحديث أحدهما مغموص عليه في دينه وهو عمر بن بحر"الجاحظ" انظروا ترجمته المظلمة في لسان الميزان 4/355 وفيه قال ثعلب كان كذابا على الله ورسوله وعلى الناس ليس بثقة ولا مأمون وكان من أئمة البدع وقد هلك 255هـ –هذا الأول- والثاني معروف بالسخف والخلاعة – رقاص مغني ماجن – وهو اسحق بن إبراهيم الموصلي انظروا ترجمته المظلمة في السير 11/118 وفي لسان الميزان 1/350 وقال هو المغني المشهور توفي 235هـ –كان المأمون يقول لولا اشتهاره بالغناء وقلة الحياء لوليته القضاء-لانه يميل على مذهبه من ناحية الاعتزال وخلق القرآن. هذان اعترضا على الحديث. قال إنه لما وضع كتابه في الأغاني وأمعن في تلك الأباطيل لم يرض بما تزوده من إثمها حتى صدر كتابه بذم أصحاب الحديث والحطب عليهم أي الحط من شأنهم وزعم أنهم يروون ما لا يدرون وذكر بأنهم رووا هذا الحديث. " اختلاف أمتي رحمة " وهو لا يثبت من ناحية الإسناد.

ص: 95

لكن المعنى ثابت من كلام سلفنا وأئمتنا ثم قال لو كان الاختلاف رحمة لكان الاتفاق عذابا ثم تكايس وتعاقل فأدخل نفسه في جملة العلماء وشاركهم في تفسيره وقال: إنما كان الإختلاف رحمة مادام رسول الله حيا بينهم فإنهم إذا اختلفوا سألوه فأجابهم وبين لهم ما اختلفوا فيه ليس فيما يختلفون بعده وزعم أنهم لا يعرفون - أي أئمة الحديث –وجوه الأحاديث ومعانيها فيتأولونها على غير جهاتها.

ص: 96

إذاً هو يقول هذا الحديث لو ثبت معناه-الاختلاف في زمن النبي عليه الصلاة والسلام –وهم اختلفوا في موقعه الأحزاب والذهاب إلى بني قريظة والنبي صلى الله عليه وسلم أقرهم لا قال لهؤلاء أصبتم ولا لهؤلاء أخطأتم هذا الكلام الذي قاله باطل ويشبه كلام الشيخ ابن باز في تعليقه على فتح الباري 2/287 في حديث البخاري والموطأ وأبي داود والأمام البيهقي وغير ذلك من دواوين السنة ومر معنا ضمن مواعظ التفسير من رواية رفاعة بن رافع رضي الله عنه وأرضاه قال كنا نصلي وراء النبي صلى الله عليه وسلم فلما رفع رأسه من الركعة قال سمع الله لمن حمده فقال رجل وراءه ربنا لك الحمد حمداً كثيراً طيبا مباركا فيه فلما انصرف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من المتكلم آنفاً قال أنا. قال رأيت بضعاً وثلاثين ملكاً يبتدرونها أيهم يكتبها. وعند الترمذي قال فعطست فقلت ربنا لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه مباركا عليه كما يحب ربنا ويرضى فلما انصرف رسول الله عليه الصلاة والسلام من صلاته قال من المتكلم آنفا ثم أعاد ثلاثا قال أنا قال لقد رأيت بضعة وثلاثين ملكا يبتدرونها أيهم يكتبها. قال الحافظ ابن حجر استدل به على احداث ذكر في الصلاة غير مأثور إذا كان غير مخالف للمأثور ويجوز للإنسان أن يحدث ذكرا وأن يقول ذكرا غير وارد في صلاته إذا لم يكن مخالفا للمأثور –يعني لو قدر أنه ركع وقال سبحان ربي العظيم ثلاثا ثم أراد أن يقول سبحان ربي الخالق – سبحان ربي الرازق –سبحان ربي الوهاب سبحان ربي الكريم.

ص: 97

تقول هذا ليس بوارد وأنك ابتدعت يجوز هذا من ناحية الجواز يجوز وهذا الرجل أثنى على الله بما هو أهله بصيغة لم يأخذها من النبي صلى الله عليه وسلم قال الحافظ استدل بهذا على جواز إحداث ذكر في الصلاة غير مشروع إذا كان لا يخالف ما هو مشروع لا حرج إخوتي الكرام الإنسان في طوافه إذا أراد أن يقرأ القرآن لا حرج وما أُثر هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد ختم بعض أئمتنا اثنتي عشرة ألف ختمة في الطواف في السير 14/535 في ترجمة الإمام الشيخ الكتاني القدوة العابد شيخ الصوفية أبو بكر محمد بن على توفي سنة 322هـ مجاورا بمكة صانها الله وشرفها قال الإمام الذهبي: كان من الأولياء وكان يقول: التصوف خلق فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في التصوف. ختم القرآن اثنتي عشرة ألف ختمه كما في السير ما الحرج علق الشيخ ابن باز على كلام الحافظ قال فيه نظر ولو قيده الشارح بزمن النبي عليه الصلاة والسلام لكان أوجه –مثل من قال الاختلاف رحمة لكن في زمان النبي عليه الصلاة والسلام لما في زمنه رحمة وبعده عذاب وهنا يجوز أن يحدث المصلي ذكرا في الصلاة وإن لم يكن واردا يعلق لو قيده بزمن النبي عليه الصلاة والسلام –لما- قال فيه نظر ولو قيده الشارح بزمن النبي عليه الصلاة والسلام لكان أوجه لأنه في ذلك الزمن لا يقر على باطل خلاف الحال بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم فإن الوحي قد انقطع والشريعة قد كملت فلا يجوز أن يزاد في العبادات ما لم يرد به الشرع هذا يعدل ذلك الاختلاف رحمة قال في زمن النبي عليه الصلاة والسلام وهنا يجوز أن يحدث ذكرا في الصلاة في زمن النبي عليه الصلاة والسلام وبعده لا يجوز لما وهل يشترط أن يعلم النبي عليه الصلاة والسلام بذلك الذكر في زمنه لو قدر أن إنسان في غير المدينة المنورة على منورها صلوات الله وسلامه أو فيها وأحدث ذكراً لم يعلم به النبي عليه الصلاة والسلام فعلى ظاهر عبارتك يجوز.

ص: 98

هنا اطلع على رجل أحدث ذكراً والبقية لو أحدثوا ذكرا من أين سيعلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت تقر يجوز في زمانه صلى الله عليه وسلم عبارتك ينبغي أن تقيدها بشرط أن يعلم النبي صلى الله عليه وسلم به – هذا كلام إخوتي الكرام غلط وكما قلت مرارا ما يقرره أئمتنا لا داعي للمتأخرين أن يعترضوا عليه.

قال الإمام الخطابي في رده على الجاحظ والموصلي:

ص: 99

والجواب عما الزمانا من ذلك يقال لهما إن الشيء وضده يجتمعان في الحكمة ويتفقان في المصلحة ألا ترى أن الموت لم يكن فسادا وإن كانت الحياة صلاحا هذه نعمة وهذه نعمة ونعمة الله علينا بالموت لا تقل عن نعمته علينا بالحياة. ولم يكن السقم سفها وإن كانت الصحة حكمة ولم يكن الفقر خطأ وإن كان الغنى صوابا وكذلك الحركة والسكون والليل والنهار وما أشبهها من الأضداد وقد قال سبحانه وتعالى: "ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه" فسمى الليل رحمة فهل أوجب أن يكون النهار عذابا من قبل أنه ضده وفي هذا بيان خطأ ما ادعاه هؤلاء ولله الحمد. ثم بين فقال أما وجه الحديث ومعناه اختلاف أمتي رحمة فهو كلام عام المعنى خاص المراد إنما هو الإختلاف المذموم في إثبات الصانع ووحدانيته وهو كفر واختلاف في صفاته ومشيئته وهو بدعة وكذلك في اختلاف الروافض والخوارج في إسلام بعض الصحابة واختلاف في الحوادث من أحكام العبادات المحتملة الوجوه جعله الله يسرا وكرامة ورحمة للعلماء منهم وقد قال صلى الله عليه وسلم قال: "يا أيها الناس إنما أنا رحمة مهداه" والحديث رواه الحاكم في المستدرك 1/35 وقال صحيح على شرطهما ووافقه الذهبي ورواه البزار بسند رجاله رجال الصحيح وهكذا الطبراني في معجمه الأوسط والصغير المجمع 8/257 ورواه البيهقي في دلائل النبوة 1/58 والرامهرمزي في الأمثال ص29 ورواه ابن عساكر وعند الرامهرمزي ضبطه ضبطاً غريبا فقال مهداة بكسر الميم وقال هكذا ضبطه ابن البرتي وهو الإمام المحدث أبو خبيب العباس ابن أحمد البرتي توفي 338هـ والرامهرمزي توفي 360هـ وقال عليه الصلاة والسلام بعثت رحمة- كما ثبت في صحيح مسلم والأدب المفرد للإمام البخاري إن الله لم يبعثني لعانا إنما بعثت رحمة – وقد بعث بالسيف وأمرنا بالقتال وسفك الدم فلا تناقض بين هذا وهذا إلى آخر كلامه في توجيه الحديث من كتابه أهذه الحديث.

ص: 100

آخر المبحث: قد يقول قائل: أنتم تقولون باتباع وتقليد المجتهدين وأئمة الدين فهذه حصرتم الأمر في أربعة أما كان مجتهدون قبل هؤلاء وفي زمنهم وبعدهم وجد ما وجه التخصيص.

وجه التخصيص أجملها في أربعة أمور:

أولها: هذه المذاهب الأربعة متواترة مقطوع بنسبتها إلى أئمة الاجتهاد باتفاق أهل الرشاد لا يخالف في ذلك أحد من العباد ومن المعلوم أن حال المقلدين من المجتهدين كحال المجتهدين مع أحاديث نبينا الأمين عليه صلوات الله وسلامه –المجتهد يقدم المتواتر المقطوع بصحته على الآحادى لو خالفه هذا أمر لا نزاع فيه –عنده نقل ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم ثبوت الشمس في رابعة النهار وعنده نقل لا تعلم صحته روى بدون إسناد ودون معرفة حال الرواة هل يعول عليه المجتهد لا إنما يعول على ما ثبت إذا حالنا مع أئمتنا كحال أئمتنا مع نبينا عليه صلوات الله وسلامه: الأقوال عندما تنسب إلى أئمتنا مقطوع بصحتها متواترة عنهم نسب للمجد ابن تيمية جد الإمام ابن تيمية ومن الذي نقل عنه نقل عنه حفيده والإمام ابن القيم ونقل عنه من نقل في هذه العصور.

ص: 101

هذا النقل الذي تنقلونه عنه كله لا يثبت كما تقدم هو قرر في كتابه المنتقى كما في نيل الأوطار ومعه المنتقى 6/230 بعد أن أورد آثارا في وقوع الطلقات الثلاث قال هذا كله يدل على إجماعهم على صحة وقوع الطلقات الثلاث بكلمة واحدة وفي المحرر قرر هذا وأنتم بعد ذلك تأتون تقولون روى وعندما يقال روى عن الأوزاعي أو الليث أئمة كرام لا نزاع في إمامتهم لكن هل تلك الأقوال مقطوع بنسبتها إليهم كما هو الحال في الإمام مالك أو الشافعي أو أحمد وأبي حنيفة رضي الله عنهم وأرضاهم لا ثم لا قطعا وجزما وبيننا وبين تلك الأقوال انقطاع هل تنقل تلك الأقوال بالسند الثابت إلى الأئمة إذا كان الأمر كذلك –يختلف- عندنا قول مقطوع بصحة نسبته إلى مجتهد وهناك قول لا نقطع بصحة نسبته إليه شتان بين هذا وهذا لو ثبت في كتاب ينقل بالأسانيد وهو صحيح يبقى معنى نقل أحادي والثاني نقل قطعي يقدم عليه.

ص: 102

فنحن نفوسنا تطمئن لهذا الاجتهاد الذي نقل إلينا عن طريق القطع وأما ذاك لو ثبت بسند أحادي فهو دون هذا في الثبوت –هذا أمر أول لا بد أن نعيه إخوتي الكرام حال المقلدين مع المجتهدين كحال المجتهدين مع الدليل المبين مع أحاديث نبينا الأمين عليه الصلاة والسلام المقطوع به يقدم على الأحادي والثابت يقدم على مالم يثبت. وعليه إخوتي الكرام عند هذا الأمر عندنا فهم قطع بصحة إضافته إلى إمام مجتهد وعندنا فهم لم يقطع بصحة إضافته إلى إمام مجتهد أيهما تركن النفس إلى قبوله حتما ما قطع بصحته. هذا كما قلت قول مقطوع بصحة إضافته إلى هذا المذهب وهذا قال به ليس أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد بن الحسن ملايين من المسلمين يتناقلونه من القرن الثاني إلى هذا الحين إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها أما هناك قول أنت تفتش في هذه الكتب وجدت قولاً لسعيد بن جبير رضي الله عنه وأرضاه ما أحد ينازع في إمامته واجتهاده لكن هل يقابل قول سعيد بن جبير الذي لا شك في إمامته وديانته وفقهه واجتهاده وفهمه ونظره وصلاحه هل يقابل قوله الذي لا نقطع بصحة إضافته إليه كقول أبي حنيفة الذي نقطع بصحة إضافة إليه يتقابلان فهنا أقوال لا أقول مستفيضة متواترة معلوم بالضرورة في ذلك المذهب إن هذه من أقول هذا المذهب وما مر على الأمة يوم إلا تقرأ تلك الكتب في مساجد المسلمين وتقرر وتدرس واجتهادات الإمام ابن حزم ما بيننا وبينها صلة إلا بعد ذلك عندما طبعت كتبه في هذه الأيام.

ص: 103

من الذي كان يسمع بيان حزم قبل فترة؟ حتى من تقدمنا من علمائنا ما عنده خبر عن ابن حزم إلا الترجمة أما كتاب المحلى من أوله لآخره ما طبع إلا من فترة واطلع عليه طلبة العلم أما كتب المذاهب ما خلا بقعة من بقاع الأرض من كتب المذاهب في كل وقت منذ أن وجد المذهب إلى هذا الوقت هذا مقطوع بصحة إضافته إلى أهل الاجتهاد وذاك لا يقطع بصحة إضافته إليه وهل من الديانة إذا وجدت حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم في كتاب من غير إسناد أن تأخذ به هل هذا من الديانة لا يا إخوتي الكرام وليس من الديانة أن تأخذ اجتهاداً عن إمام وجدناه في كتاب دون أن يثبت عندنا ذلك ثبوتا قطعياً هذا الأمر الأول انتبهوا إليه.

ص: 104

الأمر الثاني: تلك المذاهب التي هي مقطوع بصحة إضافتها إلى أئمتنا تتابع عليها الجهابذة بالفحص والتدقيق والتمحيص والتحقيق وحُكم بها ما يزيد على عشرة قرون فقل إحتمال وجود الخطأ فيها. أما أقوال المجتهدين الآخرين قول للإمام الأوزاعي وقول الإمام الليث بن سعد قول السعيد بن المسيب رضوان الله عليهم أجمعين لا تنزل عن أقوال أئمتنا أهل المذاهب الأربعة لكن تلك ما حصل لها تمحيص ولا تحقيق ولا تدقيق ولا تتابع المسلمون على العمل بها ولا تناقلها الجهابذة فنحن عندنا الآن أمران الأول لا نقطع بصحة إضافتها إلى هؤلاء والثاني ما غُربلت كما غُربلت هذه الأقوال لا يوجد مذهب من المذاهب الأربعة إلا وفي من ينتمي إليه فقهاء ومحدثون وأصوليون وزهاد وعباد ومن جميع الأصناف هل يعقل أن يتوارد هؤلاء وأن يتتابعوا على الخطأ والزيغ والضلال. إذا أردنا أن نقول هذا فلا عقل لنا. خذ مذهب الحنفية الذين تقولون هو آخر المذاهب من ناحية البضاعة الأثرية. انظروا لمن فيه من الجهابذة من أئمة الحديث فيه الإمام الزيلعي الذي من كتبه يستفيد الحافظ بن حجر فضلا عمن بعده وما ألف من كتب التخريج بدأً بمنار السبيل إلى غيره كله مأخوذ من نصب الراية ما في التلخيص الحبير وما في الدراية مأخوذ من نصب الراية وهو حنفي المذهب الإمام العيني كان قاضيا في زمان ابن حجر هذا على قضاء الشافعية وهذا على قضاء الحنفية وكل منها شرح صحيح البخاري في عمدة القاري وفي فتح الباري جهابذة كبار من الأئمة الأخيار ما خلا منهم وقت من كبار المحدثين. هؤلاء كلهم تتابعوا على الخطأ وعلى العمى والضلال؟ كان الواحد منهم تقطع رقبته من أجل كلمة حق كيف سكت على ما في هذه المذاهب من ضلال وبطلان.

ص: 105

الأمر الثالث: قبل أن أنتقل إليه. يقول الإمام أبو زرعة تلك المذاهب تتابع عليها الجهابذة يقول الإمام أبو زرعة كما في السير 13/69 والإمام أبو زرعة توفي سنة 264 هـ إمام الأئمة حديثه في صحيح مسلم والسنن الأربع إلا سنن أبي داود. يقول هذا العبد الصالح: عجبت ممن يفتي في مسائل الطلاق يحفظ أقل من مائة ألف حديث قلت لكم حديث سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما الذي ينقله بعض الناس في هذه الأيام وتقدم معنا في حجج مسلم وغيره. كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وسنتين وصدر أمر خلافة عمر رضي الله عنهم أجمعين. عندما يرويه قل له من رواه من خرجه لا يعلم في أي كتاب لا يدري ما معنى الحديث ما توجيهه لا يعلم ما في إلا أنه كما قال الله " ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون" يقول الإمام أبو زرعة في هذا الحديث كانوا يطلقون واحدة وأنتم تطلقون ثلاثا وهذا ثابت عنه في السنن الكبرى للإمام البيهقي 7/338 قال الحافظ في الفتح بسند صحيح 9/364.

ص: 106

الأمر الثالث: وهذا تقطع به كل تشويش وكل لغط – المذاهب الأربعة جمعت جميع الإحتمالات المقبولة للنصوص المنقولة فلا يخرج الحق عنها كما تقدم هذا من كلام أئمتنا وكاد اتفاقهم أن يكون إجماع وعليه قال يقال لم لا نتبع من سبقهم من التابعين والصحابة الطيبين رضوان الله عليهم أجمعين ولم لا نتبع من عاصرهم ولم لا نتبع المجتهدين بعدهم لا يقال هذا –أقوال سيدنا أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ومن عداهم من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين وأقوال المجتهدين في التابعين وأقوال المجتهدين المعاصرين لأئمتنا المجتهدين ومن جاء بعدهم لا تخرج عن أقوالهم لا أقول أنهم يتبعون هؤلاء الأئمة لا لكن – ما قرره سيدنا أبو بكر وعمر وعثمان وعلي موجود في هذه المذاهب وعليه إذا وجد قول لإمام فهو بين حالتين إما أن يكون هذا القول في أحد المذاهب الأربعة فهذا زادنا يقينا وطمأنينة نحو المذاهب الأربعة وأنها حوت الحق وإذا وجد قول لإمام يخالف ما عليه الأئمة الأربعة نقول شاذ ولا يعول عليه ولا يؤخذ به. الذين يقولون نحن ما أمرنا الله باتباع أبي حنيفة ولا اتباع مالك ولا الشافعي وأحمد بن حنبل رضي الله عنهم أجمعين ونحن نتبع الكتاب والسنة وبعضهم يقول أئمة الإسلام عندنا كلهم سواء نقول له أنت تكثر اللغط لم! هات لنا مسألة واحدة دل عليها دليل وقال بها إمام جليل وليست في المذاهب الأربعة لنتباحث بعد ذلك معك. الإضافة لهذه المذاهب سبب إضافة الأقوال إليها الحصول الأمر الأول فيها وهي أنها متواترة. فالإضافة إليها أقوى فإضافتك هذا القول إلى المذهب الحنفي هذا أقوى من أن تضيفه إلى صحابي لا أننا نقول إن منزلة الصحابي دون المذهب الحنفي لا ثم لا لكن هنا مقطوع بصحته وهذا المذهب عندنا يقين ما بني إلا على الكتاب والسنة واجتهادات الصحابة رضي الله عنهم أجمعين وتقدم معنا أبو حنيفة إذا وجد أقوالاً للصحابة يلزم بها ولا يخرج عنها.

ص: 107

ولذلك عندما كنت أدرس في كلية الشريعة أقول أقوال الصحابة عندما تذكر في المسألة تذكر فقط لبيان مصادر أئمتنا الكرام لا لأننا سنأخذ بها الذي يطالب به الإنسان وينبغي أن يعيه هذه المسألة لأئمة الإسلام فيها قولان أو ثلاث أو أربع فقط أما قال بهذا بعد ذلك عبد الله بن الزبير عبد الله بن عمر عبد الله بن عباس ما لنا ولهذا وعليه حال المذاهب مع أقوال أئمة الإسلام عندما نقول حوتها كحال القراء العشر مع بقية القراء. لم أضيفت القراءة إلى عامر وعاصم وحمزة والكسائي رضوان الله عليهم أجمعين.

ص: 108

كان في زمن نافع ملايين يقرئون بقراءته لكن عندما دونت القراءات نظر إلى أبرز إمام يقرأ بهذا الحرف فنسب الحرف إليه وعندنا في زمن أبي حنيفة ملايين يقولون بهذا الاجتهاد ووافقه أئمة قبله وبعده من صحابة وتابعين لم أضيف لمن يقول بهذا القول إلى مذهبه لأنه حصلت له شهرة لهذا المذهب حصلت شهرة وهذه الشهرة من الله لا دخل لإنسان فيها. سفيان الثوري أقواله لا تخرج عن أقوال سيدنا أبي حنيفة وعن سيدنا الإمام الشافعي أو عن سيدنا الإمام مالك رضوان الله عليهم أجمعين إذا أقواله دخلت ضمن المذاهب. سعيد بن المسيب. سعيد بن جبير أقوال أئمة الإسلام رضي الله عنهم وأرضاهم كلها في النهاية ستنتهي إلى الأقوال الأربعة ولو قدر قول خرج عن هذا يبقى من باب الشذوذ عندنا قول لسيدنا عبد الله بن عباس الذي نتبرك بذكره لا بحبه فقط بحل نكاح المتعة وهكذا قول سعيد بن المسيب يقول إن الرجل إذا طلق إمرأته ثلاثا وتزوجت غيره تحل للزوج الأول وإن لم تذق عسيلة الثاني وهذا شذوذ وخرج عن المذاهب الأربعة ما يأتينا إنسان بقول سعيد بن المسيب أعلى من الإمام الشافعي أنتم تركتم عقولكم وأخذتم بقول الشافعي وتركتم قول سعيد بن المسيب يا عبد الله هنا غربلت صفيت حققت الجهد البشري فيه خطأ عندما يكون على انفراد ولذلك هذا المذهب من الخطأ الكبير أن يضاف إلى إمام واحد على أنه هو الذي أسسه لا إنما إضافة نسبة فقط وإلا ألوف يقولون بهذا الاجتهاد.

ص: 109

وهذا لابد من وعيه يأتيك قائلا يقول لما لا تتبع الأوزاعي: يا عبد الله من قال لك أننا لا نتبع الأوزاعي لعنة الله على من لا يتبع أئمة الإسلام يا عبد الله فقه الأوزاعي ضمن فقه المذاهب الأربعة هات أقوال الأوزاعي لتفرقها بعد ذلك على هذا المذهب أو على هذا المذهب وإذا عندنا قول للأوزاعي خرج هات دليل عليه حتى نبين لك أنه شذوذ حتى لو كان قول صحابي خرج فنقول شذوذ سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنه توفي ولا يقول بالعول شذوذ رضي الله عنه وأرضاه وليس معنى شذوذ أنه شاذ القول شاذ مهجور ما عمل به فقهاء الأمصار – قال ابن قدامة في المغنى لا نعلم اليوم قائلا بمذهب ابن عباس رضي الله عنهم وأرضاهم. فلا بد من وعي هذه القضية حتى نتبع المذاهب الأربعة لا تظن يا عبد الله أن هذا تقليدا للرجال أو لأهواء شخصية لا ثم لا. هذا اتباع لفهم شرعي مقطوع بصحة إضافته إلى أئمة المذاهب ثم صقل عن طريق اتباع المذهب وحقق ونقح وما يوجد من أقوال لا يشهد لها الدليل بينت ولذلك وجد بعد ذلك ضمن المذهب ترجيحات وخلاف لهذا القول الذي يتبناه إمام المذهب يترك أحيانا ويؤخذ بقول الاتباع.

هذه أمور ثلاثة لا بد من وعيها.

أمر رابع يتعلق بحالنا نحو هذه المذاهب والمجتهدين في عصرنا. أنا أعجب كما قلت مرارا لمن لا تطيب نفوسهم بإتباع أئمة الإسلام وتقليدهم ثم جمدوا بعد ذلك على تقليد فلان وفلان من المعاصرين لا أقول ممن يرجعون عن أقوالهم فقد رجعوا إنما ممن لا يضمن لهم حسن الخاتمة.

ص: 110

هان عليك أن تقلد الحي الذي يتراجع في كل يوم طلعت فيه الشمس عن أحاديث صححها فيضعفها وضعفها فيصححها أقوال باطلة منكرة هذا هان عليك أن تقلده وتقلد أمثاله وأقوال تتابع عليها أئمة الإسلام وحكم بها في الأمة الإسلامية ترى أن الالتزام بها من خصال المشركين تبا لذلك العقل السقيم الفاسد الذميم. مناظرة للشيخ الدجوي في مصر مع بعض المتمجهدين قال له لما لا تتبعون الإمام ابن تيمية هو شيخ الإسلام قال: والله أنا لا أتبع الإمام ابن تيمية قال لماذا قال لأنني بين حالتين إذا كنت مجتهداً يحرم علي أن أتبعه. وإذا كنت مقلداً فتقليد الإمام ابن تيمية وترك تقليد الأئمة سفاهة ما بعدها سفاهة ومضيعة. تنازع مرة شيخنا المبارك الشيخ محمد مختار الشنقيطي عليه وعلى جميع المسلمين رحمات رب العالمين. مع بعض الشيوخ حول الإمام ابن تيمية رضي الله عنه وأرضاه فالشيخ تعب وجهد في إقناعه بقوله ذاك يقول: ما يظهر لي لدليل وقولك مرجوح ولا أطمئن لهذا الشيخ عليه رحمة الله بعد أن رجع إلى بيته نظر في مجموع الفتاوى فوجد أن قول الإمام ابن تيمية كما قرر شيخنا عليه رحمة الله فاتصل به وقال ياشيخ القول الذي ذكرته لك موجود في الفتاوي قال خلاص أنا رجعت عن قولي.

فتقول لهؤلاء إذا كنتم ستقلدون معاصرين أو أئمة مهتدين من المتقدمين ولستم من أهل الاجتهاد فتقليد المذاهب الأربعة أولى للإعتبارات التي ذكرتها. وإذا كنتم متمجهدين وهيهات هيهات فحالكم يدل على اختلاف ذلك أنتم عالة على أئمة الإسلام في فقهكم وحديثكم وعالة على المعاصرين تأخذون ما يأخذون من شذوذ بعض الشاذين المتقدمين وتنشرونها في هذا الحين. لا بد من أن نعي هذا. إن المتأخرين لا يستغنون عن تقليد المتقدمين ونعوذ بالله من مكابرة المكابرين. يوجد كلام محكم للشيخ التهانوى عليه رحمة الله في مقدم كتابه إعلاء السنن 1/81 مقدمة موجزة أحب أن تعلموها.

ص: 111

تكلم أولها على الإمام أبي حنيفة ودافع عنه فقال: نقض زعم بعضهم أن أبا حنيفة رضي الله عنه لوعاش حتى دون الحديث لترك كل قياس قاسه قلت فلا حاجة إذا إلى القول بأن أبا حنيفة إنما كثر القياس في مذهب لكونه في زمن قبل تدوين الحديث ولو عاش حتى دونت أحاديث الشريعة بعد رحيل الحفاظ في جميع البلاد والثغور وظفر بها لأخذ بها وترك كل قياس قاسه قلت فلا حاجة إذا في أن أبا حنيفة إنما كثر القياس في مذهبه لكونه في زمن قبل تدوين الحديث ولو عاش حتى دونت أحاديث الشريعة بعد رحيل الحفاظ في جميعها من البلاد والثغور وظفر بها لأخذ بها وترك كل قياس قاسه لأنا نقول لو ظفر بها لم يأخذ منها إلا ما كان عليه الخلفاء الأربعة وكل ما ظهر من الحديث في زمنهم لم يفته منه شيء لكونه محيطاً على علم الحجاز والمدينة والعراقيين "والبصرة والكوفه" يدل على ذلك كثرة شيوخه – تقدم أربع آلاف شيخ وكونه أعلم الناس في زمانه بشهادة الأئمة كما مر ذكره- وما عداه فشاذ أو ليس مما يجب العمل به – يعني ما يؤثر بعد ذلك من نصوص لم يأخذ منها إلا ما عمل بها الخلفاء الراشدين وعليه ما سيبلغه إما عمل له أو معارض لما عنده –وإن سلمنا أن الإمام خفي عليه بعض الأحاديث التي يجب العمل بها شرعا فنقول إن محمداً وأبا يوسف وزفر بن الهذيل وابن المبارك والحسن بن زياد وغيرهم من أصحابه فقد تأخروا إلى زمن تدوين الحديث.

ص: 112

ثم الطحاوي والكرخي والحاكم مؤلف الكافي وعبد الباقي بن قانع والمستغفري والزيلعي وغيرهم من حفاظ الحنفية ونقاد الحديث منهم فقد تأخروا إلى كمال التنقيب عن الحديث النبوي الشريف واطلعوا على صحيحه وسقيمه ومشهوره وآحاده فكل قياس من قياسه رأوه مخالفا للحديث تركه أصحابه كمحمد وأبو يوسف وزفر والحسن وخالفوا شيخهم في شطر مذهبه ومذهب الحنفية هو مجموع أقوال الإمام وأصحابه هؤلاء والمحدثون من الحنفية من بعدهم رجحوا في بعض المسائل قول الشافعي وفي بعضها قول مالك وفي بعضها قول أحمد. وأفتوا بما ترجح عندهم بالدليل وهذا كله هو ذهب أبي حنيفة لكونه جاريا على منواله وأصوله التي بني عليها مذهبه منها تقديمه النص ولو كان ضعيفاً على القياس فلم يبقى والحمد لله في مذهبنا قول خلاف حديث إلا وعندنا حديث آخر يؤيدنا والذي خالفناه ظاهراً فله عندنا تأويل لا نخالفه وكذلك الأئمة كلهم وأصحابه يفعلون فلا يستطيع أحد أن يدعي العمل بكل الأحاديث وإنما كل يعمل ببعضها ويترك بعضها أما لكونه ضعيفاً عنده أو مخالفاً للنص أو للخبر المشهور أو المتواتر أو لكونه شاذا أو فعلها أو منسوخاً أو مؤولاً بمعنى لا يدركه العامة ونحو ذلك.

وقال: كلمة حسنة جامعة في مناقشة ذامي التقليد ومانعيه.

ص: 113

أما المنكرون للتقليد فلا يمكن منهم العمل – على أصلهم أصلاً لأن العمل به لا يمكن إلا بتقليد بعض العلماء في أن هذا الحديث صحيح وهذا ضعيف وهذا يجب العمل به وهذا لا يجب العمل به – وعندما يقول الألباني وغيره ضعيف كما قال الحافظ في التقريب هذا اجتهاد أو تقليد – تقليد في أعظم شيء جئت لتصحح وتضعف بناءاً على تقليد. وبعد ذلك أنظر إلى الإيهام على العامة نحن نجتهد يا عبد الله أنتم تتلاعبون أنتم لا تخرجون عن التقليد شئتم أم أبيتم عندما تأخذ قول الحافظ وحكمه على الرجل الذي اجتهد وحكم بناء على أقوال قيلت في ترجمة هذا الإمام هذا اجتهاد منك أو من الحافظ بن حجر أنت مقلد والحافظ مجتهد أنت تحرم التقليد إذا ما ينبغي أن تستدل بحديث أبدا إما أن يكون عندك سلسلة إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو عندك حكم على كل واحد من الرواة وبعد ذلك تدبير لا يعلمه إلا اللطيف الخبير سبحانه وتعالى يقول: لأن العمل به لا يمكن إلا بتقليد بعض العلماء في أن هذا الحديث صحيح وهذا ضعيف وهذا يجب العمل به وهذا لا يجب به العمل بل يجوز أو يستحب أو يحرم الأخذ به وهذا كما ترى كله تقليد في الأحكام فإن كون الحديث واجب الأخذ به وبالعكس أو يحرم الأخذ به من الأحكام حتما وإذا ذكر الفقهاء بحث السنة قبولها وردها والأخذ بها وتركها وأحكام الرواة في الفقر وأصوله لكونه مادة الأحكام وهؤلاء ينكرون التقليد والقياس والاجتهاد في الأحكام رأسا فكيف يقلدون المحدثون في هذه. وكيف يجعلون ظنهم واجتهادهم في تصحيح الأحاديث وتضعيفها حجة وقد بينا غير مرة أن صحة الحديث وضعفه وتوثيق الراوي وضعفه كله يدور على ذوق المحدث وظنه واجتهاده والتصحيح والتضعيف ظني- من العبارات التي أحيانا اضحك عندها – لأنها تصدر من غير أهلها لو قالها أئمتنا الإنسان حقيقة يضحك ضحك تسليم إنما هنا ضحك تعجب. العبارة هي للألباني يقول هذا الحديث اطمئن قلبي لتصحيحه وسكنت نفسي إلى ذلك.

ص: 114

هذا هو البحث العلمي. هذه حقيقة يقولها الجهابذة الذين حالهم كحال الصيارفة بمجرد ما تعرض عليه القطعة يعرف وزنها وإذا كانت مغشوشة نبذها إليك وقال انصرف ما تساوي هللة. قال الشيخ التهانوي. وقد بينا غير مرة أن صحة الحديث مضعفة وثقة الراوي وضعفه كله يدور على ذوق المحدث وظنه واجتهاده ولذلك نشأ الاختلاف بينهم في ذلك فهذا يضعف حديثاً وآخر يصححه وآخر يضعف رجلا وآخر يوثقه وهل هذا إلا لاختلاف الظنون فافهم ولا تعجل في الإنكار على إمام مأمون قد أذعنت الأمة لجلالته واعترفت الأئمة لعظمته وكرامته والله يتولى هداك.

ص: 115

ثم علق على هذا الكلام: فا ندحض قول من قال أن الله جعل خبر الصادق حجة وشهادة العدل حجة فلا يكون متبع الحجة مقلدا لان تصحيح الحديث وتضعيفه ليس من جنس الخبر المحض بل مداره على اجتهاد المحدث وظنه اخرج ابن أبي حاتم في العلل 1/10 – بسنده عن ابن مهدي قال معرفة الحديث الهام قال ابن نمير وصدق لو قلت من أين قلت لم يكن له جواب وأخرج بسنده عن أحمد بن صالح قال معرفة الحديث بمنزلة معرفة الذهب فإن الجوهر إنما يعرفه أهله وليس للبصير فيه حجه إذا قيل له كيف قلت يعني الجيد والرديء. قال وسمعت أبي يقول معرفة الحديث كمثل فص ثمنه مائة دينار وآخر مثله على لونه ثمنه عشرة دراهم من الذي يميز بينها صاحب الخبرة – قلت وكما أن المحدثين يعرفون أسانيد الحديث وألفاظه كذا الفقهاء يعرفون معانيه وهم أعرف بها من المحدثين فلا يجوز للمحدث أن ينازع الفقيه في المعاني كما لا يجوز للفقيه أن ينازع المحدث في الإسناد وسياق الحديث اللهم إلا أن يكونا جامعين للفقه والحديث كالأئمة الأربعة وأصحابهم المقتدى بهم في الإسلام. وأقول كما قال سيدنا سفيان بن عيينة التسليم للفقهاء سلامة. بعد أن أجاب بشر بن الوليد الكندي من تلاميذ سيدنا أبي يوسف رضي الله عنهم أجمعين التسليم للفقهاء سلامة وكان يقول عندما يسأل الإمام الشافعي جزاك الله خيراً أبا عبد الله لا يأتينا منك إلا كل ما نحب هذا لابد من وعيه.

ثلاث تنبيهات مختصرة:

ص: 116

1.

ينبغي أن نحذر من النقص بمعناه الكريه الذميم لا بمعناه الحسن القويم والتعصب له صورتان صورة حميدة: أن تتعصب للمذاهب وكلها حق لا نتنازل عنها ولا تخرج إلا غيرها ولو جاء واحد وقال سألتزم بهذا المذهب من أوله إلى آخره لا أخرج عنه في جزئية من جزئياته نقول جزاك الله خيراً –وتقدم طالب العلم كما قال الإمام الذهبي لا يمكن أن يثبت على مذهب سيبدو له بعض أقوال في المذاهب الأخرى لا حرج أن يأخذ بها بما أنها وافقت الأئمة الآخرين. إنما الإنسان ليس عنده أدنى معرفة ولا يميز بين الأدلة قال أنا حنبلي المذهب لا أخرج عنه يقول أنا أتبع المذهب وشهدت له الأمة بالصحة والسلامة مهما قلت له من أدلة. نقول جزاك الله خيراً هذا تعصب حميد. والتعصب الذميم: تقول أنا حنفي والمذاهب الأخرى ضعيفة باطلة ولو كان لي سلطان لألزمت الناس بمذهبي فهذا ضلال مبين وتعصب ذميم ينبغي أن تحارب هذه الصورة من التعصب. قال ابن عبد البر في التمهيد 8/367.

ص: 117

قال المسألة إذا كان سبيلها الاجتهاد ووقع فيها الاختلاف لم يجز لأحد القائلين فيها عيب مخالفيه ولا الطعن عليه لأن الصحابة اختلفوا وهم القدوة فلم يعب أحد منهم على صاحبة اجتهاده ولا وجد عليه في نفسه (هذا حق) ولكن أنظر للحالة المريرة التي كان يعانيها في القرن الخامس. قال وإلى الله نشكوا وهو المستعان على أمه نحن بين أظهرها تستحل الأعراض والدماء إذا خولفت فيما تجيء به من الخطأ. هذا مذموم. ووجد في العصور الماضية ومن ذلك ما رواه ابن كثير في البداية 12/75 والميزان ومعه اللسان 5/402 ترجمه المبتدع محمد بن موسى أن عبد الله البلاساغوني توفي 506هـ الحنفي التركي ولي قضاء بيت المقدس ثم قضاء الشام وله شأن في ذلك الزمان حكم عليه بالبدعة حتى أئمة الحنفية حكموا عليه بذلك ولا يقره عليه مسلم يقول: لو كان لي أمر لوضعت الجزية على أتباع الإمام الشافعي هذا ينبغي أن نحذره. الإمام القرشي في الجواهر المضيئة في تراجم السادة الحنفية 3/375 – ذكره وحكم عليه بالبدعة لهذه المقولة ونقل عن الذهبي أنه قال: أنه مبتدع لهذا القول. قال في البداية والنهاية وكان مبغضاً أيضا للمالكية. هذا تعصب خبيث ولا يخلو مذهب ممن يتعصب على عمى. لا بد من نصحه وزجره.

في البداية 12/250 وفي المنتظم 10/213 ترجمة مرجان بن الخادم توفي 560هـ قال ابن الجوزي وابن كثير في ترجمته تعلم القراءات وتفقه على مذهب الإمام الشافعي وكان يتعصب على الحنابلة ويقول مقصودي قطع مذهبكم وقلع ذكركم. لما يا عبد الله ستهدم الحنابلة وتقطع ذكرهم. لما يا عبد الله

ص: 118

وأيضا في الحنابلة –في المنتظم وهو حنبلي 10/145 قال سأل الإمام ابن العبادي من أئمة الشافعية اسمه المظفر ازد شير يعرف بالأمير ت547 هـ طبقات الشافعية 7/300 سأل أن يعظ في جامع المنصور وهو إمام مبارك كان يتكلم بالكلام المحكم الحسن ومن كلامه الطيب يقول: أفعالكم أفعى لكم وحياتكم ما تأكلون من الحرام في حياتكم – سأل أن يعظ في جامع المنصور فأذن له وضمن له نقيب النقباء الحماية وهذا الجامع كان خاص بالحنابلة قال: فتجمع الحنابلة ومنعوه فما امتنع فرشقوه بالحجارة وتقدموا ليقتلوه فمنعهم نقيب النقباء والشرطة وتجلد حتى أنهى موعظته وكاد قلبه أن يطير. وبلغ من همج الحنابلة في ذلك الوقت أنهم نبشوا قبر شافعي دفن بينهم بعد خمس أيام كما في المنتظم 10/280 هذا يحذر ولا يجيزه أحد يؤمن بالله الحي القيوم. فإذا وجد شيء من ذلك فأئمة المذاهب من هذا براء.

ص: 119

وهذا التعصب الذميم موجود الآن بين جماعات المسلمين والنزاع بينهم قائم على قدم وساق نسأل الله أن يؤلف بين القلوب هذا مذموم وأشنع ما يحصل بين أهل الإسلام أن تقع بينهم العداوة والبغضاء والعدوان وديننا واحد وربنا واحد ونبينا عليه الصلاة والسلام واحد فهذه الاختلاف بيننا ما تقدم معنا من أقوال تحتملها أدله في شرع ذي العزة والجلال لكن كما قلت أخوتنا لا نزاع فيها إقرار بعضنا لبعض على ما هو عليه لا نزاع فيه أيضا فهذا التعصب الذميم لابد ان نخدره عندما ندعو إلى المذاهب. مدرستان في القرن الخامس أسستا من أجل التنافس بين الأمراء وهذا غلط مدرسة شافعية ومدرسة حنفية- هذه يشرف عليها بعض الوزراء وهذه يشرف عليها بعض الوزراء. لما أريد أن أعلم ثم حصل في كل منها ظلم وجور. المدرسة الأولى النظامية أسسها نظام الملك في عهد الخليفة القائم بأمر الله للشافعية وأراد أن يكون أبو إسحاق الشيرازي شيخا لها عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا صاحب المهذب وهو حبرزمانه إمام المسلمين فامتنع فتغيض نظام الملك على أعوانه وقال إن لم يأتي أبو إسحاق لأفعلن وأفعلن المدرسة كلها بنيت من أجله فامتنع أبو إسحاق البقعة أخذت ظلما وعمرت بالمكوس في ذلك الوقت فكيف يشهدها أبو إسحاق فامتنع فألحوا عليه فكان بعد إلحاح يحضر للدرس وما صلى فيها صلاة لله رب العالمين وفيها مسجد فبعد وفاته رؤي فقال لو أني صليت فيها صلاة لهلكت – إنما غفر الله لي لأنني نشرت العلم وأقمت الحجة.

ص: 120

وأما أنني اصلي في مكان أخذ ظلما وقصرا فلا ثم لا هذه المدرسة أسست سنة 459هـ والمدرسة الثانية للحنفية: أسسها شرف الملك بإيذاء مشهد سيدنا أبي حنيفة ووصل الأمر أنه نبش القبور التي بجوار قبر سيدنا أبي حنيفة وعندما نبشوا القبور خرج معهم رجل حسن الهيئة كأنه دفن الساعة يفيح منه ريح المسك والكافور فقال لهم الإمام ابن عقيل وما يدريكم أنه الإمام صاحب المذهب وقد نبشتم قبره ما يدريكم وكيف تستحلون نبش القبور لإقامة مدرسة ضاقت الأرض. هذا كله تعصب مذموم نحذره ونحذر منه. فعندما ندعو للمذاهب ونتعصب لها كلها على أنها حق لا نتعصب لمذهب على حساب مذهب آخر ونعادي المذاهب الأخرى وقلت مرارا – أئمة الإسلام عندنا كرسل الله الكرام عليهم صلوات الله وسلامه لا نفرق بين أحد من الأئمة نتقرب إلى الله بحبهم واتباعهم.

الأمر الثاني:

ص: 121

2.

تقدم من كلام الإمام الذهبي أن طالب العلم لا يمكن أن يلتزم مذهبا واحدا في جميع شؤونه لأنه عندما سيقرأ الأدلة الشرعية سيرى أحياناً أدلة ترجح بعض الأحكام التي هي في مذهب آخر تخالف مذهبه وأن الترجيح في مذهب آخر أقوى لاحرج إخوتي الكرام على طالب العلم في هذا وهذا ينبغي أن يعتني به طالب العلم أن ينظر في الأدلة ثم يرى بعد ذلك وهذه المذاهب لا تخرج ثم بعد ذلك أدلة أظهر وأحوط فالأخذ بها اسلم ولا يعني أن ذاك خطأ أو ظلال وفريضة الله عليك أن تحتاط لدينك ينبغي أن تحذر عن الخروج عنها إنما تخرج من مذهب إلى مذهب لأنه أحوط فهذا مطلوب. قال الإمام الذهبي السير 16/405 ترجمة الإمام الداراكي من أئمة الشافعية الكبار شيخ الشافعية بالعراق أبو القاسم عبد العزيز بن عبد الله بن محمد الداراكي الشافعي خالد بن خلكان كان يتهم بالاعتزال وكان ربما يختار في الفتوى – يخرج عن المذهب وله اختيار – ويقال له في ذلك فيقول ويحكم حدث فلان عن فلان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا وكذا. والأخذ بالحديث أولى من الأخذ يقول الشافعي وأبي حنيفة رضي الله عنهم. زاد ابن كثير في البداية 11/304 قال ومخالفتها أسهل من مخالفة الحديث قال الذهبي قلت هذا جيد لكن بشرط أن يكون قد قال بهذا الحديث إمام من نظراء هذين الإمامين مثل مالك وسفيان والأوزاعي وأن يكون الحديث ثابتا سالما من علة ومانع لا يكون حجة أبي حنيفة والشافعي حديثا صحيحا معارضا للآخر – لأنه يكون عنده حجة الآن وهو معارض فكيف تأخذ بذاك وتلغي هذا وأنت تابع لهذا المذهب هنا حديث صحيح خذ به – أما من أخذ بحديث وقد تنكبه أئمة الاجتهاد فلا كخبر فإن شرب الرابعة فاقتلوه. في شرب الخمر – إن شرب فاجلدوه ثم الرابعة فإن عاد فاقتلوه.

ص: 122

حديث صحيح رواه الإمام أحمد والسنن الأربعة إلا النسائي ورواه ابن حبان والحاكم في المستدرك والبيهقي في السنن عن سيدنا معاوية رضي الله عنه وقال الترمذي حديث حسن صحيح

وروي عن سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه في المسند والسنن الأربعة إلا الترمذي وأشار إليه الترمذي وعن سيدنا عبد الله بن عمرو بن العاص في المسند والمستدرك وشرح معاني الآثار وأشار إليه الترمذي.

وروي عن سيدنا عبد الله بن عمر رضي الله عنه في سنن أبي داود والنسائي والمسند.

وروي عن سيدنا الشريد بن سويد وشرحبيل بن أوس وجرير بن عبد الله وأبي الرمضاء البلوي كلهم من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين هؤلاء ثمانية من الصحابة.

قال الذهبي: وكحديث لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده.

الحديث في رواه البخاري ومسلم وغيرهما لا يجوز أن تأخذ بظاهر هذا الحديث أن القطع في سرقة البيضة لا وما قال بهذا أحد من أئمة الاجتهاد لا بد من أن يسرق ما قيمتة نصابا من ربع دينار فصاعدا وهذا الحديث سيق للتنفير من السرقة ولذمها فإذا سرق بيضة سيسرق دجاجة ثم شاه ثم جملا ثم سيصبح إمام السارقين والإنسان عندما يبدأ بالمعصية يبدأ من الصفر ثم يتخصص هذا هو الحديث للتنفير من السرقة. وقيل تأويلات أخرى أما أنه إذا سرق بيضة تقطع يده لا ثم لا. لا بد إذا من وعي هذا.

ص: 123

فإذا كان عند مذهبك حديث صحيح وحديث آخر يعارضه فالتزم بما أنت عليه لما تترك أما إذا وجدت حديثا بعد ذلك ستتعلق به وتقول الأخذ به متعين وأنا أخالف الإمام أبا حنيفة والشافعي لا يا عبد الله لا بد من أن تعي هذا الأمر وتقدم ضمن مواعظ الفقه من كلام الإمام الشافعي: إذا صح الحديث فهو مذهبي. أن بعض الشافعية وهو أبو الوليد موسى بن أبي الجارود قال أن مذهب الإمام الشافعي وقوله أفطر الحاجم والمحجوم لان الحديث صح بذلك عن نبينا المبارك الميمون عليه الصلاة والسلام وتقدم أنه روي عن ثمانية عشرة من الصحابة وعن تابعيين فقال مذهب الشافعي هذا لأنه قال إذا صح الحديث فهو مذهبي كما تقدم في مقدمة المجموع 1/64 رد عليه الشافعية قاطبة قالوا إن إمام المذهب ذكر هذا الحديث وصححه في كتبه وقال أنه منسوخ فكيف أنت بعد ذلك تنسب هذا الكلام الذي تقوله للإمام الشافعي هذا غلط فإذا هذا مطلوب منا إخوتي الكرام. لا مانع أن يعمل الإنسان بما تنشرح به نفسه ويطمئن إليه قلبه من الأدلة. بهذه الشروط إن القول الذي سينتقل إليه وافق أئمة الاجتهاد الآخرين أن دليل مذهبه دون هذا الدليل فيما ظهر له لا حرج.

الأمر الثالث ونختم به:

ص: 124

3.

ينبغي أن نعيه نحن معشر طلبة العلم. إذا نقل في المسألة قولان لأئمتنا الكرام واطلعنا على الأدلة ورأينا الاحتياط في أحد القولين ورأينا النصوص تشهد لأحد القولين فينبغي أن نأخذ بما هو أحوط وشهدت له النصوص ولا نسفه ذلك القول إنما نحن الواسطة بين العامة وربهم سبحانه وتعالى فلا داعي أن نخبرهم عن القول الذي رأيناه دون هذا في الاحتياط والقوة فنفتيهم بهذا من أجل الاحتياط وهو أقوى هذا منقول في مسائل كثيرة وكثير من طلبة العلم يترخص ويحصل بترخصه فتنة. والناس بعد ذلك لا تميز فمثلا إسبال الثوب جر الإزار بحيث يجاوز الكعبين نقل عن أئمتنا في ذلك قولان القول الأول لكراهة التحريم وهو كالحرام أو أقرب إلى الحرام أو هو بمنزلة الحرام وقول الكراهه التنزيه – لا شك أن القول بكراهة التحريم أحوط من أجل براءة الذمة والاحتياط في الدين يضاف إلى هذا ظواهر النصوص كلها تشير إلى هذا وتقرره ومن عدم الاحتياط أن نخبر العامة بذلك القول ونجعل فيه سعة وأن نترك هذا ونغفل تحذيرهم من إسبال أزرهم هذا لا بد من وعيه.

ص: 125

وكنت ذكرت هذه المسألة ضمن مواعظ الجمع ولا بد من التنبيه عليها. فاستمعوا لبعض الأحاديث ثم لكلام أئمتنا في هذه القضية – قابلني بعض الأخوة في مواعظ الفقه وقال كأنك أقررت بقول بأن جر الإزار وإسبال الإزار مكروه كراهة التنزيه قلت يا عبد الله القول منقول أنا لا أقررته ولا ذكرته لأحد ولا أفتيت به ولا أعلم أنني حركت به شفتي إنما عندما جرى كلام من قبل من قال قلت يا عبد الله هذا منقول لكن هناك قول آخر وهو القول بالتحريم وظواهر النصوص تدل على هذا فالأخذ به أولى ولا داعي أن نخبر الناس عن الآخر هذا ما قلته إنما قلت كراهة تنزيه فهذا باطل فكأنه قال فلان قال فاتصل بي ذاك وقلت سمعت مني قال لا قلت سمعت من الذي جرى الكلام بيني وبينه وكان الأصل أنه في مجلس خاص وقلت القولان منصوصان حتى في فتح الباري فلنأخذ بقول التحريم وظواهر النصوص تدل عليه قال نقل لي فلان قلت يا عبد الله كفا بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع نقل ذاك ونقل لك كلام خاص قيل بين اثنين من أين اطلعتم عليه إلا إذا كان عندكم أجهزة رصد وهذا الزمان أمر عجيب يحار فيه الإنسان أمر ثاني أنت قلت غير متثبت يا عبد الله لم تنشر هذه الأحكام وهذا التشويش بين عباد الرحمن وهذا يقع بكثرة –والمجالس بالأمانة.

فأثرت أن أختم هذا المجلس بهذه القضية ونتبنى القول بالتحريم وظواهر النصوص تؤيده وهو أحد قولين في المسألة والأخذ به أولى وأبرأ للذمة والعلم عن الله جل وعلا.

الأحاديث الواردة في جامع الأصول 10/634.

ص: 126

في المسند وأبي داود والنسائي في الكبرى والموطأ – والطيالسي والحميدي في مسنده والبيهقي في السنن. عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه قال سألت أبا سعيد الخدري عن الإزار فقال على الخبير سقطت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إزرة المؤمن إلى نصف الساق ولا حرج ولا جناح عليه فيما بينه وبين الكعبين وما كان أسفل من ذلك فهو في النار ومن جر إزاره بطرا لم ينظر الله إليه يوم القيامة. هذا الحديث مروي بهذه الرواية عن عدة من الصحابة.

رواه النسائي في الكبرى عن أبي هريرة. وابن عمر- مع رواية أبي سعيد.

رواه في المسند والبيهقي في الشعب والضياء – عن أنس بن مالك.

والطبراني في الأوسط وقال الهيثمي رجاله رجال الصحيح ولفظ رواية أنس. الإزار إلى نصف الساق فلما رأى شدة ذلك على المسلمين قال إلى الكعبين لا خير فيما هو أسفل من ذلك

الإزار إلى نصف الساق اشتد ذلك على بعض المسلمين يحتاج أحدهم إلى إطالته من أجل برد أو شيء من الآفة خموشة أو غير ذلك فيريد أن يطيل بحيث يصل إلى الكعبين لما اشتد ذلك قال إلى الكعبين لا خير فيما كان هو أسفل من ذلك رواية خامسة له عن عبد الله بن مغفل عن الطبراني في الكبير كما في المجمع 5/126 والفتح 10/257 خمس روايات إزرة المؤمن إلى نصف الساق ثم لا حرج عليه فيما بينه وبين الكعبين وما نزل عن ذلك فهو في النار.

حديث آخر: من رواية سيدنا حذيفة رضي الله عنه وأرضاه: قال أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعضلة ساقي أو قال ساقه فقال: هذا موضع الإزار فإن أبيت فأسفل فإن أبيت فلا حق للإزار في الكعبين وفي رواية لا حق للكعبين في الإزار – إذا أردت أن تنزل الإزار فأسفل بحيث لا يزيد عن الكعبين وهذا الحديث رواه الإمام أحمد في المسند وهو في السنن الأربعة إلا سنن أبي داود والترمذي في الشمائل والطيالسي في مسنده.

ص: 127

رواية أخرى: عند البخاري والنسائي والبيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما أسفل الكعبين من الإزار في النار – وروى في المسند بسند رجاله ثقات عن أمنا الصديقة عائشة رضي الله عنها وأرضاها ترتيب المسند 17/294.

رواية أخرى: في المسند وصحيح مسلم وأبي يعلى، والبيهقي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: مررت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي إزاري استرخاء فقال يا عبد الله ارفع إزارك فرفعته ثم قال زد فزدت فما زلت أتحراها بعد فقال بعض القوم إلى أين قال إلى أنصاف الساقين.

حديث آخر: في المسند والبخاري ومسلم وأبي داود والنسائي والبيهقي عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة فقال سيدنا أبو بكر رضي الله عنه يا رسول الله صلى الله عليه وسلم. إن إزاري يسترخي أحيانا يسترخي إلا أني أتعاهده فقال له عليه الصلاة والسلام إنك لست ممن يفعله خيلاء.

حديث آخر: روى الإمام أحمد والسنن الأربعة عن ابن عمر رضي الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة فقالت أم سلمة رضي الله عنها فكيف النساء بذيولهن قال يرخين شبرا قالت إذا تنكشف أقدامهن قال يرخين ذراعاً لا يزدن. فهمت من الجر أنه مذموم مطلقا سواء من الرجال أو النساء خيلاء أو لا وأقرها النبي صلى الله عليه وسلم على هذا الفهم وإلا سيستوي الرجل مع المرأة إذا كان الجر من غير خيلاء لا حرج فيه. وحديث أمنا أم سلمة رضي الله عنها مباشرة بدون واسطة ابن عمر رضي الله عنها في الموطأ وسنن أبي داود والنسائي قالت حين ذكر الإزار فالمرأة يا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ترخيه شبرا قالت إذا تنكشف أقدامهن قال يرخين ذراعاً لا يزدن عليه.

ص: 128

حديث آخر عن ابن عباس رضي الله عنه. رواه النسائي وإسناده صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله لا ينظر إلى مسبل وعند النسائي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه عن المغيرة بن شعبة قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم أخذ برداء سفيان بن سهيل فقال يا سفيان لا تسبل فإن الله لا يحب المسبلين.

وكما ترون الأحاديث في ذلك مطلقة وما قيدت بشيء.

وروى أبو داود في سننه – والطيالسي في مسنده والبيهقي مرفوعا وموقوفا وكلا الروايتين صحيحة ثابتة عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من أسبل إزاره في صلاته خيلاء فليس من الله في حل ولا حرام وعلى الرواية الموقوفة ومثل هذا لا يقال من قبل الرأي قاله في الفتح فله إذا حكم الرفع إلى نبينا صلى الله عليه وسلم ليس من الله في حل ولا حرام وهذا يحتمل عدة أمور أظهرها وأوجهها أن هذا لا يؤمن بتحريم ولا بتحليل من قبل رب العالمين وعليه معنى الحديث لا يؤمن بالله وهذا أعظم ما يقال في الزجر والنهر ليس من الله في حل ولا حرام.

المعنى الثاني: ليس في حل مما فعل وما أحل الله له الإسبال وليس له عند الله احترام ومكانة ومنزلة.

والمعنى الثالث: لا يحله الجنة ولا يسكنه إياها ولا يحرم عليه النار. قال البيهقي عقيب هذا الحديث في الأحاديث الثابتة المطلقة في النهي عن جر الإزار دليل على كراهيته في الصلاة وغيرها.

ص: 129

روى أبو داود والبيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه والإمام أحمد والبيهقي عن بعض الأصحاب وفيه أبو جعفر المدني ورد في نعته أنه المؤذن قال الإمام المنذري إن كان هو محمد بن علي الإمام الباقر فالحديث منقطع وإلا فلا أعرفه وليس هو بالإمام الباقر لأنه نعت مدني مؤذن وما كان الإمام الباقر يؤذن رضي الله عنه وأرضاه وهذا روى له البخاري في الأدب المفرد وأهل السنن الأربعة وقال في التقريب مقبول –يقبل حديثه عند المتابعة ووجود شواهد له والإمام النووي في رياض الصالحين وهم فظن أن هذا الراوي محمد بن علي فقال صحيح على شرط مسلم على أنه من رجال مسلم وليس كذلك هو أبو جعفر المدني وليس بالباقر والمنذري عبارته أدق إن كان الباقر فالإسناد فيه انقطاع وإلا فلا أعرفه والإمام النووي يقول على شرط مسلم انظر الترغيب 3/92 ولفظ الحديث عن سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه وبعض الصحابة.

قال: بينما رجل يصلي مسبلا إزاره رآه النبي صلى الله عليه وسلم فقال إذهب فتوضأ فتوضأ ثم جاء وصلى على حالته قال إذهب فتوضأ ثم لما جاء تفطن لنفسه وعلم أن إزاره فيه إسبال فشمره ورفعه فصلى فقيل للنبي صلى الله عليه وسلم قلت له إذهب فتوضأ ثم سكت عنه فقال كان يصلي وهو مسبل إزاره وإن الله لا يقبل صلاة عبد مسبل إزاره قال في المجمع 5/525 رجاله رجال الصحيح كما فهم الإمام النووي والأمر ليس كذلك.

ص: 130

قد يقول قائل لما أمره بالوضوء، الإسبال يورث الخيلاء والكبر وهو من صفات الشيطان والشيطان خلق من النار وتطفئ بالماء فالنبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يتوضأ لتلين طبيعته وليتذلل لربه فلما ما حصل هذا في المرة الأولى قال إذهب فتوضأ فذهب وتوضأ حصلت الليونة في المرة الثانية. والمؤمن خلق من طين ولذلك في الشتاء يرق قلبه وهكذا عندما يتوضأ يلين يستكين بذور الإيمان تقوى هو انتبه لنفسه وما أخبره نبينا عليه الصلاة والسلام عن إزاره لكن لما سأل قال كان يصلي وقد أسبل إزاره ولا يقبل الله صلاة عبد مسبل إزاره وقعت حوادث كثيرة في زمن الصحابة من أناس أسبلوا أزرهم ونجزم يقينا ما فعلوه خيلاء لكن هذا في القلب ونهاهم النبي صلى الله عليه وسلم وهذا يدل على أن الإسبال كيفما كان فهو مذموم محرم وقصدت الخيلاء يزداد الإثم لم تقصد لازلت آثما.

ثبت في المسند والطبراني في الكبير رجاله رجال الصحيح المجمع 5/ 223. عن خريم بن فاتك والحديث رواه البخاري في التاريخ وأبن قانع والضياء في الأحاديث وابن منده في تراجم الصحابة أن نبينا عليه الصلاة والسلام قال لخريم بن فانك لولا خصلتان لكنت أنت الرجل _ لولا خصلتان فيك لكنت نعم الفتى قال ما هما يا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال توفيرك شعرك وإسبالك إزارك فجز شعره حتى بلغ أذنيه وقصر إزاره بعد ذلك.

والرجل لا ينبغي أن يطيل شعره حتى يصل إلى ظهره هذا من خلق النساء ولا ينزل الشعر عن الكتفين.

ص: 131

في المسند بسند رجاله ثقات المجمع 5/124 عن عمرو الأنصاري قال بينما هو يمشي لحقه النبي صلى الله عليه وسلم وأخذ بناصية رأسه ثم قال أمامه اللهم عبدك وابن عبدك وابن أمتك فقال يا رسول الله إني أحمش الساقين فقال نبينا عليه الصلاة والسلام وقد أحسن الله كل شيء خلقه ثم ضرب النبي عليه الصلاة والسلام بأربع أصابع من أكفه اليمنى تحت ركبة عمرو وقال هذا موضع الإزار ثم رفعها ثم ضرب بأربع أصابع أخرى تحت الأربع الأول قال هذا موضع الإزار ثم رفعها الثالثة ووضعها ثالثة تحت الثانية وقال هذا موضع الإزار لا زالت مرتفعة عن الكعبين وقال لا تزد على هذا وهذا الحديث رواه الطبراني بسند رجاله ثقات عن أبي أمامه رضي الله عنه فقال لحقني عمرو بن زرارة وذكر أن القصة معه وتقدم أنها كانت مع عمرو الأنصاري

وروى الإمام أحمد في المسند والطبراني في الكبير– ورواية المسند إسنادها صحيح عن الشريد بن سويد رضي الله عنه قال أبصر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يجر إزاره فقال إرفع إزارك اتقي الله فقال يا رسول الله إني أحنف تصطك ركبتاي –والحنف احتداب وتقوس بحيث تميلان إلى الداخل – قال إرفع إزارك فكل خلق الله حسن فرفع إزاره بعد ذلك إلى أنصاف ساقيه.

هذا يدل على الإسبال بجميع الصور والأشكال ممنوع منه فإن قصد الكبر والخيلاء فهذا القصد محرم دون الإسبال وازداد البلاء بالإسبال في الفتح 10/263 قال الإمام الشافعي لا يجوز السدل في الصلاة ولا في غيرها للخيلاء ولغيرها خفيف لقوله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر لست ممن يفعله خيلاء قال الحافظ قوله خفيف ليس صريحا في نفي التحريم بل هو محمول على أن ذلك بالنسبة للجر خيلاء فيختلف الحال فإن كان الثوب على قدر لابسه لكنه يسدله فهذا لا يظن فيه تحريم لا سيما إن كان على غير قصد كالذي وقع لسيدنا أبي بكر- ثم بين الحافظ أن المنع من الإسبال مطلقاً قد يتجه ويتقوى بعدة أمور

ص: 132

أولها: في ذلك إسراف والله لا يحب المسرفين وقرر هذا بأدلة وبسط الكلام في ذلك الى10/264.

الثاني: فيه تشبه بالنساء فهذا من خصوصياتهن أن يرخى الإنسان إزاره بحيث ينزل عن الكعبين ترخيه شبرا إلى شبرين إلى ذراع.

الثالث: قد يتعلق من يمنع أنه من أجل صيانة الثوب عن النجاسة فلا تخلوا الأرض من نجاسة.

الرابع: أن الجر مظنة الخيلاء أهـ من الفتح.

الخامس: قلت يكفي أنه لا يتبع في ذلك خاتم الأنبياء وربنا سبحانه وتعالى حذر من ذلك ومنع منه. والحافظ ابن حجر 10/255 نقل أثر ابن أبي شيبة عن ابن عمر أنه كان يكره جر الإزار قال: يريد إن انجر إزاره بغير اختياره مع ذلك يكره هذا ثم تمادى على ذلك.

ص: 133

أما لو قصد هذا فهو أشنع وأخبث. قال ولم يتداركه وهذا متفق عليه وإن اختلفوا هل الكراهه فيه للتحريم أو للتنزيه ثم ختم المسألة بقول الإمام ابن العربي: الإسبال يستلزم جر الإزار وهو يستلزم الخيلاء ولو لم يقصد الخيلاء وهذا موجود في العارضة 7/238 يقول في العارضة: لا يجوز لرجل أن يجاوز بثوبه كعبه ويقول لا أتكبر فيه لأن النهي تناوله لفظا ولم يتناول علته ولا يجوز أن يتناول اللفظ حكما فيقال إني لست ممن يمتثله لأن العلة ليست فيَّ فإنه مخالفة للشريعة ودعوى لا تسلم له بل من تكبره يطيل ثوبه وإزاره فكذبه معلوم في ذلك قطعاً ونظير هذا في السير 3/233 ترجمه عبد الله بن عمر رضي الله عنهم أجمعين يقول: عن هلال ابن خباب عن قزعة رأيت على ابن عمر ثياباً خشنة فقلت له إني قد أتيتك بثوب لين مما يصنع بخراسان وتقر عيناي أن أراه عليك " أهدى له ثوبا " فقال أرنيه فلمسه قال: أحرير هذا قلت لا إنه من قطن قال إني أخاف أن ألبسه أخاف أن أكون مختالاً فخورا وهذا في الحلية 1/302 قلت (الذهبي) كل لباس أوجد في المرء خيلاءاً وفخراً فتركه متعين ولو كان من غير ذهب ولا حرير فإنا نرى الشاب يلبس الفرجية الصوف (ثوب واسع طويل الأكمام) بفروق أثمان أربعمائة درهم ونحوها. والكبر والخيلاء على مشيته ظاهر فإن نصحته برفق كابر وقال ما في خيلاء ولا فخراً.

ص: 134

وهذا السيد ابن عمر يخاف ذلك على نفسه وكذلك ترى الفقيه المترف إذا لين في تفصيل فرجية تحت كعبيه وقيل له قد قال النبي صلى الله عليه وسلم " ما أسفل الكعبين من الإزار ففي النار " فيقول إنما قال هذا فيمن جر خيلاء وأنا لا أفعله خيلاءاً. فتراه يكابر ويبرأ نفسه الحمقاء ويعمد إلى نص مستقل عام فيخصه بحديث آخر مستقل بمعنى الخيلاء ويترخص بقول الصديق رضي الله عنه إنه يا رسول الله يسترخي إزاري فقال صلى الله عليه وسلم لست ممن يفعله خيلاء. فقلنا أبو بكر لم يكن يشد إزاره مسدولا على كعبيه أولا بل كان يشده فوق الكعبين ثم فيما بعد يسترخي وقد قال رسول الله صلى الله علية وسلم "إزرة المؤمن إلى أنصاف ساقه لا جناح عليه فيما بين ذلك وبين الكعبين" وتقدم من رواية خمسة من الصحابة ومثل هذا في النهي لمن فصل سراويل مفضية إلى الكعبين ومنه طول الأكمام زائدا لأن الإسبال في الإزار والقميص والعمامة وكل منهي عنه. قال وتطويل العذبة وكل هذا من خيلاء كامن في النفوس.

ص: 135

روى أبو داود والنسائي عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "الإسبال في ثلاثة في الإزار والقميص والعمامة. ومن جر منها شيئا خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة" جامع الأصول 10/638 قال وكل هذا من خيلاء كامن في النفوس وقد يعذر الواحد منهم بالجهل والعالم لا عذر له في تركه الإنكار على الجهلة فإن خلع على رئيس خلعة سيراء من ذهب وحرير وقندس يحرمه ما ورد في النهي عن جلود السباع ولبسها. النهي عن جلود السباع ولبسها الحديث صحيح في الأربعة إلا ابن ماجه. وفي المستدرك والبيهقي نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن جلود السباع وفي رواية عن افتراشها من رواية أبي المليح ابن أسامة ابن الهذيل عن أبيه رضي الله عنهم أجمعين وروى البيهقي من رواية المقدام ابن معديكرب أنه قال لمعاوية أنشدك الله هل تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن لبس جلود السباع وعن الركوب عليها قال نعم والحديث صحيح. إذا قال الشخص يسحبها ويختال فيها ويغضب ممن لا يهنيه بهذه المحرمات خلع عليه خلعة لأنه أخذ منصبا ووظيفة في الدولة لاسيما إن كانت خلعة وزارة وظلم ونظر مكس أو ولاية شرطة فليتهيأ للمقت والذل والإهانة والضرب وفي الآخرة أشد عذابا وتنكيلا.

ص: 136

ومن السلامة ألا تهنئ أحد في تدريس أو إفتاء أو أي منصب فأنت لئلا تشارك تجاهل قال الذهبي: فرضي الله عن ابن عمر وأبيه وأين مثل ابن عمر في دينه وورعه وتألهه وخوفه من رجل تعرض عليه الخلافة فيأبى والقضاء من عثمان فيرده والنيابة للشام لعلي فيهرب منه فالله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب – هذا الكلام لا بد أن نعيه إذا كان في المسألة قولان واحد منهما أحوط ويشهد له الدليل ويحجز العامة عن معصية الله الجليل فالقول به متعين هذا حق وذاك كيفما كان حاله فهو حق لكن الأحقية هنا أحوط وأثبت وأقوى وفيها براءة للذمة وما أحد قال أن جر الإزار من غير خيلاء مباح ومن باب أولى ما قال أحد أنه مستحب ومن باب أولى ما قال أحد أنه واجب وأما التقصير فكلما قصرت فهو مستحب فإذا أنت عندما تمنعهم من الإسبال ما عصيت لا زلت تحافظ عليهم وعلى دينهم وعندما ترخصت هذا سيدعوهم فالإسبال من هذهة الخيلاء والحافظ ابن حجر ختم البحث بذلك قال الخيلاء تلازم الإسبال وكونه يسبل ويقول أنا لا أختال لا يصدق وقد واحد من ملايين يكون فيه هذا الأمر والخشية من الله عز وجل ولكن الكل يسبل على أنها عادة كبر وأنه شيء محمود ينبغي أن يفعله وتراه يمتهن من يقصر الثوب فهذه بلية والله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

الحمد لله رب العالمين وصلى اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم تسليما كثيرا.

ص: 137