المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌ذم الابتداع (من خطب الجمعة)   للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان بسم الله الرحمن الرحيم ذم - خطب ودروس الشيخ عبد الرحيم الطحان - جـ ٩٣

[عبد الرحيم الطحان]

فهرس الكتاب

الفصل: ‌ ‌ذم الابتداع (من خطب الجمعة)   للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان بسم الله الرحمن الرحيم ذم

‌ذم الابتداع

(من خطب الجمعة)

للشيخ الدكتور

عبد الرحيم الطحان

بسم الله الرحمن الرحيم

ذم الابتداع

58

الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونؤمن به ونتوكل عليه ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشدا.

الحمد لله رب العالمين شرع لنا دينا قويما وهدانا صراطا مستقيما وأسبغ علينا نعمة ظاهرة وباطنة وهو اللطيف الخبير.

اللهم لك الحمد كله ولك الملك كله وبيدك الخير كله وإليك يرجع الأمر كله أنت رب الطيبين.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالين وخالق الخلق أجمعين ورازقهم فما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين.

"يا أيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو فأنى تؤفكون"(فاطر/3) .

وأشهد أن نبينا محمد عبد الله ورسوله أرسله الله رحمة للعالمين فشرح به الصدور وأنار به العقول وفتح به أعيناً عمياً وآذانا صماً وقلوبا غلفا فجزاه الله عنا أفضل ما جزى به نبياً عن أمته، ورضي الله عن أصحابه الصادقين المفلحين وعمن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

"يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث فيها رجالاً كثيرا ونساءاً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا "(النساء/1) .

"يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون"

(آل عمران/102) .

"يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيما"(الأحزاب/71) .

أما بعد: معشر الاخوة الكرام..

ص: 1

لازلنا نتدارس شناعة البدعة في الإسلام وأنها توجب للإنسان سوء الختام نسأل الله أن يحسن ختامنا وأن يتوفانا وهو راض عنا إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين وقد تقدم معنا إخوتي الكرام أن هذا المبحث سنتدارسه ضمن ثلاثة أمور:

أولها: في تعريف البدعة.

وثانيها: في النصوص المحذرة من البدعة.

وثالثها: في أقسام البدعة.

وقد انتهينا من المبحث الأول مع التعليق عليه بما فتح الله عز وجل وقد تقدم معنا أن البدعة هي الحدث في الإسلام عن طريق الزيادة أو النقصان مع زعم التقرب بذلك إلى الرحمن وذلك الحدث المحدث لا تشهد له نصوص الشرع الحسان ولم يقل به أحد من أئمتنا الكرام. وننتقل في هذه الموعظة المباركة إخوتي الكرام إلى مدارسة الأمر الثاني ألا وهو:

"النصوص التي تحذر من البدعة" تحذر من الهوى والابتداع وتأمرنا بالإقتداء بخاتم الأنبياء على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه.

ص: 2

إخوتي الكرام: إن ديننا يقوم على دعامتين اثنتين وعلى ركنين ركينين أحدهما: إخلاص لربنا وثانيهما: اقتداء بنبينا على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه وهذان الركنان الركينان والدعامتان المتينتان هما مدلول كلمة التوحيد في الإسلام لا إله إلا الله محمد رسول الله، لا إله إلا الله إخلاصنا لربنا وعبادتنا له وحده لا شريك له محمد رسول الله عليه الصلاة والسلام إقتداؤنا بنبينا وإتباعنا له فمعبودنا هو الرحمن وإمامنا هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ودين الله من أوله لآخره يقوم على هاتين الدعامتين كما أشار إلى ذلك الإمام ابن القيم عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا فقال دين الله منحصر في هاتين الجملتين إياك أريد بما تريد إياك أريد فمن لمن يرد الله المجيد سبحانه وتعالى بأفعاله وبحركاته وسكناته فهو من أهل الشرك والرياء ومن لم يتبع خاتم الأنبياء على نبينا وعلى آله وصحبه صلوات الله وسلامه فهو من أهل الزيغ والابتداع والأهواء فلابد من إخلاصٍ لله عز وجل ومتابعة لنبيه عليه الصلاة والسلام.

إخوتي الكرام: فكل من انحرف عن اتباع نبينا عليه الصلاة والسلام فهو مبتدع فهو صاحب زيغ وهوى سواء فرّط أو أفرط كما تقدم معنا في تعريف البدعة.

إخوتي الكرام: وقد جاءت نصوص القرآن تأمرنا باتباع نبينا عليه الصلاة والسلام وتحذرنا من مخالفته وتتابعت الأحاديث التي تقرر هذا الأمر كما تتابع أئمتنا الكرام على وصية هذه الأمة بهذا الأمر.

أما آيات القرآن التي تأمرنا بطاعة نبينا عليه الصلاة والسلام لئلا نكون من المبتدعين اللئام فهي كثيرة كثيرة وقد كنت ذكرت بعضها فيما تقدم في أول موعظة عند ذكر البدعة وأحاول في هذه الموعظة أن أذكر شيئا لم يتقد ذكره بعون الله جل وعلا.

ص: 3

إخوتي الكرام: أمرنا الله جل وعلا باتباع نبينا عليه الصلاة والسلام لئلا نكون من الزائفين والمبتدعين فقال ذو العزة والجلال في سورة الأنفال "يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله ولا تولوا عنه وأنتم تسمعون ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون. ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون"(الأنفال/20-24) .

"استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم" قيد لبيان الواقع ولا يمكن أن تصدر الدعوة من الله جل وعلا ونبيه عليه الصلاة والسلام على خلاف ذلك "استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم" فدعوة الله ودعوة نبيه خير خلق الله عليه صلوات الله وسلامه فيما هذا الأمر وهي حياتنا في هذه الحياة حياة حقيقية آمنة مطمئنة توصلنا إلى السعادة والحياة الحقيقية أيضا بعد الممات "يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون"(الأنفال/24) .

والآيات في ذلك كثيرة إخوتي الكرام منها قول ذي الجلال والإكرام في سورة الحشر: "وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب"(الحشر/7) .

ما أتى به نبينا عليه الصلاة والسلام ينبغي أن نأخذه وأن نتبعه وأن نقتدي به عليه صلوات الله وسلامه وقد ربط الله جل وعلا محبته باتباع نبينا عليه الصلاة والسلام كما علق رحمته باتباع نبينا عليه الصلاة والسلام والإقتداء به على الدوام فقال جل وعلا: "قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم"(آل عمران/31) .

ص: 4

وهكذا رحمة الله تكون لمن اقتدى بخير خلق الله على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه وقد أشار الله إلى هذا الأمر في سورة الأعراف عندما حكى ما جرى من كليمه ونجيه موسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام من مناجاة بينه وبين ربنا الرحمن مع وفده الذين اختارهم مع قومه كانوا سبعين رجلاً يقول الله جل علا مخبراً عما جرى في تلك المناجاة من ذلك قول الله جل وعلا حكاية كما قلت عن كليمه ونجيه ونبيه موسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام يقول نبي الله موسى كما حكاه الله جل وعلا عنه: "واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة إنا هدنا إليك"، (تبنا إليك ورجعنا إليك) قال:"عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون".

ثم بين من يتصفون بهذه الصفات فقال جل وعلا: "الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون"(الأعراف/157) .

رحمة الله تكون لهؤلاء والفلاح يكون لهؤلاء الذين يتبعون الرسول النبي الأمي على نبينا وعلى آله وصحبه صلوات الله وسلامه "الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر يحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون"(الأعراف/157) .

وعليه خرج النصارى من هذا الوصف وخرج اليهود من هذا الوصف وخرجت كل أمة ضالة ملعونة من هذا الوصف لا ينال وصف الفلاح ولا يحصل رحمة الله إلا من اقتدى بنبينا خير خلق الله على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه.

ص: 5

إخوتي الكرام: وقد أمرنا الله جل وعلا باتباع صراطه المستقيم الذي أتى به نبينا الأمين عليه الصلاة والسلام وحذرنا من الخروج عنه فقال جل وعلا في سورة الأنعام: "وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون"(الأنعام/153) .

وهكذا اخبرنا العزيز الغفور في آخر سورة النور عند وصف المؤمنين وأنهم يتبعون النبي الأمين عليه الصلاة والسلام ويقتدون به في كل حين وحذرهم الله جل وعلا غاية التحذير من مخالفة هذا النبي البشير النذير عليه الصلاة والسلام فمن خالفه فقد عرض نفسه لفتنة الحياة والعذاب بعد الممات قال الله جل وعلا: "إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستئذنوه إن الذين يستئذنوك أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله فإذا استئذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم واستغفر لهم إن الله غفور رحيم. لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم لدعاء بعضكم بعضا قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم"(النور/62-63) .

قوله تعالى: "لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا" المصدر هنا "دُعاء""لا تجعلوا دعاء الرسول" إما أن يكون مضافا إلى الفاعل فلا تجعلوا دعاء الرسول لكم إذا دعاكم للاجتماع لا تجعلوا هذا الدعاء منه كما هو الحال في دعاء بعضكم لبعض وإن شئتم حضرتم وإن شئتم تخلفتم وإن شئتم بعد الحضور فارقتم هذا المجلس هذا يكون فيما بينكم أما هذا النبي عليه الصلاة والسلام إن دعى فالإجابة واجبة وإذا حضرت فما ينبغي أن تتخلف وأن تخرج وأن تفارق إلا بإذن منه عليه الصلاة والسلام.

ص: 6

"لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً" والآية تحتمل أن تكون من إضافة المصدر إلى المفعول لا تجعلوا دعاءكم للرسول علية الصلاة والسلام ومناداتكم له عندما تنادونه لا تجعلوا هذه المناداة وهذا الدعاء كما ينادي بعضكم بعضا فإياك ثم إياك أن تقول يا محمد يا ابن عبد الله لا يصح هذا، هذا رسول الله خير خلق الله عليه الصلاة والسلام قل يا نبي الله يا رسول الله يا أفضل خلق الله فلا تنادوا رسول الله عليه الصلاة والسلام كما ينادي بعضكم بعضا "لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا ".

وقد نص الإمام ابن حجر الهيثمي على أن من ذكر النبي عليه الصلاة والسلام وأضافه إلى أبيه ولم ينعته بنعت النبوة والرسالة فينبغي أن يعزّر وأن يؤدب التأديب البليغ عندما يقول قال محمد بن عبد الله، يا عبد الله ألا تنعته بما نعته رب العالمين "محمد رسول الله " عليه الصلاة والسلام "ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين"(الأحزاب/40) .

فإذا ذكرته قل: " قال حبيبنا محمد عليه الصلاة والسلام " قال رسول الله " " قال خاتم أنبياء الله " على نبينا وعليهم جميعا صلوات الله وسلامه. ولا يضاف إلى أبيه إلا عند بيان نسبه عليه صلوات الله وسلامه وما عدا هذا "لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا" فإذا دعاكم لدعوته شأن وإذا دعوتموه فتأدبوا غاية التأديب مع هذا النبي الحبيب عليه الصلاة والسلام "لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذاً" – يختفون ويلوذ الواحد بالآخر ليخرج من الاجتماع الذي دعاهم إليه خاتم الأنبياء – عليه صلوات الله وسلامه – وهذا يحصل من المنافقين.

ص: 7

"قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم" – أن تصيبهم فتنة في هذه الحياة بلية ومصيبة عظيمة فاقرة تهلكهم، أن تصيبهم فتنة في دينهم فيخرجوا عن دين ربهم عز وجل وأي فتنة أعظم من مخالفتهم لنبيهم عليه الصلاة والسلام فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم.

إخوتي الكرام: هذه بعض نصوص القرآن تأمرنا بالاقتداء واتباع نبينا عليه الصلاة السلام وتحذرنا من مخالفته عليه الصلاة والسلام وقد جاءت الأحاديث الكثيرة تقرر هذا الأمر وتبينه وقد كان نبينا عليه الصلاة والسلام يغرسه في الأمة على الدوام فكان إذا خطب عليه الصلاة والسلام في كل جمعة يوصي عباد الله بهذا الأمر ألا وهو: أن سنته هو الهدى فمن تبعها فقد اهتدى ومن انحرف عنها فهو على ضلال وردى.

ثبت في مسند الإمام أحمد وصحيح مسلم والحديث رواه الإمام النسائي في سننه وابن ماجه في سسنه أيضا والبغوي في شرح السنة والإمام الآجري في كتاب الشريعة وهو حديث صحيح صحيح فهو في صحيح مسلم من رواية جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب إذا قام خطيباً يخطب فيهم الجمعة احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه كأنه منذر جيش يقول: صبحكم ومساكم ثم يقول أما بعد إن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدى هدي محمد عليه الصلاة والسلام وشر الأمور محدثاتها وكل محدث بدعة وكل بدعة في ضلالة.

زاد الإمام النسائي في سننه بإسناد صحيح: وكل ضلالة في النار. إن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدى هدي محمد خير خلق الله عليه الصلاة والسلام وشر الأمور محدثاتها وكل محدث بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار. كان هذا الكلام حق يقول نبينا المختار عليه الصلاة والسلام في كل جمعة إذا خطب المسلمين يغرس هذا المعنى في قلوبهم.

ص: 8

"أصدق الحديث كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم وهو الذي يهدي للتي هي أقوم وخير الهدى وخير الهدى هدي نبينا عليه الصلاة والسلام. وشر الأمور المحدثات المبتدعات وكل محدث بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.

نعم إخوتي الكرام كل من اخترع شيئا في دين الله ولم يأذن به الله فهو مردود عليه ولا يقبله الله جل وعلا.

ثبت في مسند الإمام أحمد والصحيحين والحديث رواه الإمام ابن ماجه في سننه وأبو داود في سننه والبغوي في شرح السنة أيضاً ورواه الإمام ابن أبي عاصم في السنة وهو في أعلى درجة الصحة فهو في الصحيحين من رواية أمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ" مردود عليه لا يقبل الله عز وجل.

وفي رواية في صحيح مسلم وقد علقها البخاري في صحيحه بصيغة الجزم وهي أيضا في كتاب السنة لابن أبي عاصم: " من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو ردّ" وفي رواية في سنن أبي داود "من صنع أمراً ليس عليه أمرنا فهو ردّ " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ " "من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو ردّ" "من صنع أمراً ليس عليه أمرنا فهو ردّ " مردود عليه لا يقبل عند الله جل وعلا.

إخوتي الكرام: كما قلت كان نبينا عليه الصلاة والسلام يغرس هذا المعنى ويؤكد عليه في كثير من المناسبات لتكون الأمة على وعي تام ولتريد بعبادتها وجه الرحمن كما جاء بذلك نبينا عليه الصلاة والسلام فلا يقبل العمل عند الله إلا إذا أخلصت فيه لله واتبعت فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

إخوتي الكرام: كما قلت هذا الأمر كان يوصي به نبينا عليه الصلاة والسلام الصحابة الكرام وأمته على الدوام.

ص: 9

ثبت في المسند والحديث رواه أهل السنن الأربعة إلا النسائي ورواه الإمام البغوي في شرح السنة ورواه الإمام الدارمي في سنته وهو في صحيح ابن حبان ومستدرك الحاكم ورواه الإمام أو نعيم في حلية الأولياء ورواه الإمام البيهقي عليه وعلى أئمتنا جميعا رحمة الله في كثير من كتبه رواه في السنن الكبرى وفي المدخل لى السنن ورواه فغي دلائل النبوة ورواه في شعب الإيمان ورواه في كتاب الاعتقاد ورواه الإمام ابن أبي عاصم في كتاب السنة والإمام الآجري في الشريعة والإمام اللالكائي في شرح أصول أهل السنة والإمام ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله وهو مروي في غير ذلك من دواوين السنة والحديث صحيح صحيح إسناده كالشمس في رابعة النهار من رواية أبي نجيح العرباص بن سارية رضي الله عنه قال: " وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب فقلنا يا رسول الله كأنها موعظة مودِّع فأوصنا (كأنها موعظة مودع فأوصنا شعر الصحابة من حرقة نبينا عليه الصلاة والسلام واشتداده في الموعظة في آخر حياته شعروا أنه يوصيهم لأنه أجله قد اقترب عليه الصلاة والسلام حتى اجتهد هذا الاجتهاد في وصية هذه الأمة لتكون على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك كأنها موعظة مودع فأوصانا) قال: أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن تأمّر عليكم عبد حبشي فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدث بدعة وكل بدعة ضلالة فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدث بدعة وكل بدعة ضلالة.

ص: 10

نعم ديننا يقوم على كتاب الله وسنة رسول الله عليه الصلاة والسلام كما فهم ذلك سادتنا وأئمتنا وسلفنا الصالح رضوان الله عليهم أجمعين فمن جرد القرآن عن السنة فهو ضال ومن جرد القرآن والسنة عن فهم سلفنا فهو ضال فلا بد من اجتماع هذه الأمور الثلاثة: كتاب الله وسنة رسول الله عليه الصلاة والسلام حسبما فهم سلفنا الكرام الخلفاء الراشدون المهديون ومن سار على نهجهم الميمون فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدث بدعة وكل بدعة ضلالة.

وتقدم معنا في رواية النسائي في حدي جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: وكل ضلالة في النار إخوتي الكرام كان نبينا عليه الصلاة والسلام يوصينا بهذا الأمر على الدوام ويحذرنا من مخالفته عليه الصلاة والسلام والخروج عن سنته في أي أمر من الأمور فذلك ضلال وثبور.

ثبت في مسند الإمام أحمد والحديث رواه ابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه ورواه الإمام الآجري في الشريعة والبزار في مسنده وابن أبي عاصم في السنة ورواه الإمام اللالكائي في شرح السنة من رواية عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.

وقد روى الحديث هؤلاء أيضا باستثناء ابن حبان والحاكم وزيادة ابن ماجه فهو في المسند وسنن ابن ماجه وأخرجه من تقدم ذكرهم من رواية جابر بن عبد الله فهو من رواية عبد الله بن مسعود ومن رواية جابر بن عبد الله وكما قلت هذه المصادر الحديث مروي فيها عن هذين الصحابيين الجليلين عبد الله بن مسعود وجابر بن عبد الله رضي الله عنهم.

ص: 11

وأما حديث عبد الله بن مسعود فقد روى أيضا في غير المصادر التي تقدمت من دواوين السنة رواه الإمام الطبري في تفسيره والإمام الطيالسي في مسنده ورواه البغوي في شرح السنة وفي معالم التنزيل ورواه الخطيب في تاريخ بغداد والحديث صحيح وقد بحث الإمام ابن كثير في إسناد هذا الحديث وحقق درجته ومكانته وقد جرى كلام حول إسناد حديث جابر فيشهد له حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنهم أجمعين.

أنظروا كلامه إن شئتم إخوتي الكرام في تفسيره 2/190 عند الآيةالتي سيقرؤها نبينا عليه الصلاة والسلام بعد ذكر هذا الحديث الشريف ولفظ الحديث كما قلت من روايةابن مسعود وحديث جابر بمعناه: أن النبي صلى الله عليه وسلم خط خطا مستقيما ثم قال هذا صراط الله مستقيما ثم خط النبي عليه الصلاة والسلام خطوطا متعددة عن يمينه وعن شماله (عن يمين هذا الخط عن شماله) وقال: هذه هي السبل على كل سبيل منها شيطان يدعوا إليها ثم قرأ النبي صلى الله عليه وسلم "وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون"(الأنعام /153) وأن هذا صراطي مستقيما.

ولذلك إخوتي الكرام: لابد للإخلاص من التباع وإخلاص من غير اتباع لا يقبل عند خالق الأشياء رب الأرض والسموات سبحانه وتعالى وقد كان نبينا عليه الصلاة والسلام يعالج وقائع كثيرة جرت في زمنه المباركة من قبل بعض الصحابة الكرام دفعهم إلى تلك الوقائع والحوادث إخلاصهم لربهم جل وعلا وطلبهم التقرب لديه.

ص: 12

ولكن في بعض تلك الحوادث والوقائع انحراف عما أتى به نبينا صلى الله عليه وسلم فكان النبي صلى الله عليه وسلم يواجه تلك الحوادث ويضع المنهج الصحيح للأمة والذي ينبغي أن تسير عليه وإليكم بعض هذه الحوادث التي هي ثابتة في دواوين السنة منها ما ثبت في المسند والصحيحين والحديث رواه الإمام النسائي في السنن ورواه ابن سعد في الطبقات ورواه الإمام البيهقي في السنن الكبرى من رواية أنس بن مالك رضي الله عنه قال جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادته في السر فلما أخبروا بها كأنهم تقالوها ثم قال بعضهم لبعض (معتذرا لنبينا عليه الصلاة والسلام من عدم اجتهاده صلى الله عليه وسلم في عبادة الرحمن على حسب توهمهم) قال بعضهم لبعض أين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم إن الله قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ونحن ليس لنا هذه المنقبة والمكانة فينبغي أن نبذل جهداً لا يبذله صلى الله عليه وسلم ثم قال بعضهم أما أنا فأصلى الليل ولا أنام قال آخر: أما أنا فأصوم الدهر ولا أفطر وقال الآخر: أما أنا فأعتزل النساء فلا أتزوج. فلما أخبر النبي عيه الصلاة والسلام بمقالتهم جمعهم وقام في الصحابة خطيبا فداه أنفسنا وآباؤنا وأمهاتنا صلى الله عليه وسلم وقال: "ما بال أناس يقولون كذا وكذا أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له".

وثبت في الصحيحين من رواية أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أنا أعلمكم بالله وأشدكم له خشية".

ص: 13

ومرد الكمال إلى قوتين اثنتين لا ثالث لهما قوة علمية نظرية وقوة علمية طلبية وقد اجتمعتا في نبينا خير البرية صلى الله عليه وسلم على وجه التمام فهو أعرف الخلق بالحق جل وعلا وهو أعبد الخلق للحق جل وعلا أنا أعلمكم بالله وأشد منكم خشية..أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له لكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء

انتبه لختام الحديث فمن رغب عن سنتي فليس مني..من رغب عن سنتي فليس مني هذا ممن يعبد هواه ولا يعبد مولاه وينبغي أن نعبد الله بما يريد لا بما نريد نحن أعبد الله كما بين على لسان نبيه عليه الصلاة والسلام فمن رغب عن سنتي فليس مني.

وثبت في سنن الترمذي والحديث رواه الحاكم في المستدرك ورواه البيهقي في شعب الإيمان ورواه البزار في مسنده وإسناده صحيح كالشمس من رواية أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في السفر حتى مررنا بشعب فرأى بعض الصحابة عُيينة من ماء..عين صغيرة تنبع ماء عذباً..فأعجبه حالها وفكر في نفسه أن يمكث عندها ليتعبد الله عز وجل لكن من صلاح قلبه وحبه لنبيه عليه الصلاة والسلام قال: لن أنفذ ما عزمت عليه حتى أعرض الأمر على النبي صلى الله عليه وسلم فعرض حاله على النبي صلى الله عليه وسلم هذا الشعب المنعزل فيه عيينه من ماء أقيم عنده أعبد رب الأرض والسماء واعتزل الدنيا وما فيها فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تفعل..فإن مقام أحدكم في الصف خير له من عبادته لربه في بيته سبعين عاماً إذا قمت ساعة في الصف في صف المؤمنين لمقاتلة أعداء الله المجرمين إذا قمت ساعة فقط هذا خير من أن تعبد الله سبعين عاما ثم قال: ألا تحبون أن يغفر الله لكم ويرحمكم ويدخلكم الجنة قال بلى يا رسول الله قال: قاتلوا في سبيل الله فوالذي نفسي بيده على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه "من قاتل في سبيل الله فُواق ناقةٍ وجبت له الجنة".

ص: 14

والفواق والفواق بفتح الفاء وضمها وبها قرئ قول الله جل وعلا في سورة ص: "وما ينظر هؤلاء إلا صيحة واحدة مالها من فواق" قرأ حمزة والكسائي وخلف " مالها من فواق"" والفُواق والفَواق " قال الإمام الفرَّاء: هما بمعنى واحد فهو بمعنى الاستراحة والراحة وهو بمعنى التردد والرجوع وحقيقة في لغة العرب الفُواق والفَواق هو الوقت الذي يكون بين الحلبتين إذا حلب الإنسان الشاة..حلب الناقة عندما يضغط على ثديها فيخرج اللبن ثم بعد ذلك يرخي يده ليضغط مرة أخرى هذه الفترة التي هي بين الحلبتين يقال لها: فَواق يقال لها فُواق. إخوتي الكرام وتفسير الفُواق /الفَواق بما ذكرت هو أحد التفسيرين باللفظ المذكور كما ذكر علماء اللغة وعلماء الشريعة المطهرة في كتب التفسير والحديث الشريف.

ففي القاموس وشرحه تاج العروس وفي لسان العرب يقول علماء اللغة الفُواق بالضم كبُراق ويفتح الفَواق يطلق على أمرين

الأمر الأول: ما بين الحلبتين من الوقت لأنها تحلب ثم تترك سويعة يرضعها الفصيل لتدر ثم تحلب يقال ما أقام عنده إلا فُواقاً إلا فُواقاً أي إلا وقتا يسيراً.

الأمر الثاني: الذي يطبق عليه لفظ الفواق الفَواق يطبق أيضا على ما بين فتح يدك وقبضها على الضرع فهذا الوقت الذي يكون ما بين قبض الحالب على الضرع ثم إرساله عند الحلب يسمى فَواقاً وفُواقاً أيضاً.

إخوتي الكرام: وقد ورد هذا المعنى عن نبينا عليه الصلاة والسلام أحاديث كثيرة وفيها بيان عظيم ثواب المجاهدين عند رب العالمين.

ص: 15

ففي مسند الإمام أحمد والسنن الأربعة والحديث رواه الإمام الدارمي في سننه وابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه والبيهقي في السنن الكبرى ورواه الطبراني في معجمه الكبير كما في جمع الجوامع والحديث قد صححه الإمام الترمذي والحاكم وأقره عليه الإمام الذهبي رحمة الله عليهم جميعاً والحديث من رواية معاذ بن جبل أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من قاتل في سبيل الله فُواق ناقة وجبت له الجنة، ومن سأل الله القتل في سبيل الله صادقا من نفسه ثم مات أو قتل كان له أجر شهيد ومن جرح جرحاً في سبيل الله أو نُكِب نكبة فلأنها تجيء يوم القيامة كأغزر ما كانت لونها لون الزعفران وريحها ريح المسك ومن خرج به خرّاج في سبيل الله فعليه طابع الشهداء".

والأحاديث كما قلت في ذلك كثيرة منها ما رواه الإمام أحمد في مسنده وابن زنجوية كما في جمع الجوامع من رواية عمرو بن عبسة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من قاتل في سبيل الله فُواق ناقة حرم الله على وجهه النار" ومن قاتل في سبيل الله وقتا قصيراً بمقدار ما بين الحلبتين من وقت دقائق /ثوانٍ وجبت له الجنة، فهذا خير لك يا عبد الله من أن تعبد الله في هذا المكان ولذلك قال له نبينا عليه الصلاة والسلام:"لا تفعل ".

إخوتي الكرام: إن شأن الجهاد عظيم وحقيقة ينبغي أن نتدارس أمره ومنزلته في هذا الحين فقد عطل الجهاد في البلاد في هذه الأوقات وسيأتينا منزلة هذه الشعيرة التي عطلها أعداء الله جل وعلا. وركنوا إلى الحياة الدنيا وطاب لهم العيش في هذه الدنيا مع الكافرين من اليهود الملعونين والنصارى الضالين وبقية أصناف الكفرة المجرمين نسأل الله تعالى أن يفرج عن المسلمين وأن يهيئ لهم من أمرهم رشدا وإنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.

إخوتي الكرام هذا الصحابي الجليل أراد أن ينعزل في ذلك المكان لعبادة الرحمن فنهاه نبينا عليه الصلاة والسلام وأمره بلزوم الجماعة وإتباع السنة.

ص: 16

نعم إخوتي الكرام من أراد أن يزكي نفسه أراد أن يهذبها أراد أن يصلحها بشرع الله لا برأيه ولا بهواه فإذا أراد الإنسان أن يسيح ما عندنا ما عندنا سياحة كسياحة الرهبان الذين اعتزلوا في الأديرة والصوامع والكهوف والمغارات فلعب بهم الشيطان كما يلعب الصبيان بالكرة فلعب بهم الشيطان كما يلعب الصبيان بالكرة عندنا سياحة عظيمة يسيح الإنسان فيها ألا وهي "الجهاد في سبيل الله".

وقد أخبرنا عن ذلك نبينا خير خلق الله عليهم الصلاة والسلام. ففي سنن أبي داود ورواه الحاكم في المستدرك ورواه البيهقي في السنن الكبرى وفي شعب الإيمان ورواه سموّيه في فوائده ورواه ابن عساكر في تاريخ دمشق ورواه شيخ الإسلام عبد الله بن المبارك في كتاب الجهاد وإسناد الحديث صحيح من رواية أبي أمامة رضي الله عنه إن رجلا جاء إلى نبينا عليه الصلاة والسلام فقال يا رسول الله: إيذن لي في السياحة فقال له عليه الصلاة والسلام " سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله " وهكذا عندما كان يشكوا إليه بعض الشباب أحوالهم وأنهم يجدون ضغطاً من العزوبة فكان نبينا عليه الصلاة والسلام يرشدهم إلى ما يزكون به نفوسهم ولا داعي بعد ذلك إلى معالجات رديئة شيطانية.

ثبت في مسند الإمام أحمد ومعجم الطبراني الكبير والحديث رواه الإمام البغوي في شرح السنة وإسناد الحديث رجاله ثقات من رواية عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستأذنه في الخصاء أن يختصي لأنه شاب يشتكي من العزوبة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم "خصاء أمتي الصيام والقيام".

ص: 17

والأحاديث وردت في هذا المعنى كثيرة منها ما ثبت في مسند الإمام أحمد وفي الإسناد رجل لم يسمّ ويشهد له ما تقدم من رواية جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رجلا جاء يستأذن النبي عليه الصلاة والسلام في الخصاء فقال له النبي عليه الصلاة والسلام "صُم واسأل الله من فضله" فهذا الصيام وهذا القيام يستأصلان ما في النفس من شهوات وأوهام "صم واسأل الله من فضله".

وفي معجم الطبراني الكبير وفي الإسناد عبد الملك بن قدامة الجمحي وثقه ابن معين وغيره والجمهور على تضعيفه وقد حكم الحافظ عليه في التقريب بأنه ضعيف وهو من رجال سنن ابن ماجه ولفظ الحديث من رواية عثمان بن مضعون رضي الله عنه أنه جاء يستأذن النبي عليه الصلاة والسلام في الإختصاء أيضا فقال النبي صلى الله عليه وسلم "لا" عليك بالصوم فإنه مخفرة "أي حصن " حصن باعث على الحياء والخشية من رب الأرض والسماء وهو حصن منيع عليك بالصوم فإنه مخفرة " فهؤلاء الصحابة الكرام رضي الله عنهم عندما وقع في أنفسهم ما وقع وأرادوا أن يعالجوا ذلك /تلك الوقائع بحسب اجتهاداتهم طلبا لرضوان ربهم نهاهم نبينا عليه الصلاة والسلام وأمرهم بالاقتداء بسنته.

ويشهد للأحاديث المتقدمة في أرشاد النبي صلى الله عليه وسلم من يشتكي العزوبة ويريد أن يتخلص منها يشهد لها الحديث الصحيح الثابت في مسند أحمد والصحيحين والسنن الأربعة وهو في صحيح ابن حبان والسنن الكبرى للبيهقي وهو في أعلى درجات الصحة من رواية عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يامعشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء".

ص: 18

هذه آيات القرآن تأمرنا باتباع نبينا عليه الصلاة والسلام وتحذرنا من مخالفته ومن الابتداع في دين الرحمن وهذه أيضا أحاديث النبي عليه الصلاة والسلام تأمرنا بالاقتداء به وتحذرنا من الابتداع ومن مخالفة نبينا صلى الله عليه وسلم وعلى هذا الأمر تتابع سلفنا الكرام فكانوا يوصون بالتزام السنة ويحذرون من مخالفتها من البدعة ويبينون أن من اقتصد وكان على سنة فهو خير وأفضل ممن اجتهد وكان على هوى وبدعة.

ثبت في مستدرك الحاكم بإسناد صحيح على شرط الشيخين وأقره عليه الذهبي وفي معجم الطبراني الكبير وسنن الدارمي والحديث في السنن الكبرى للإمام البيهقي ورواه الإمام اللالكائي في شرح أصول أهل السنة الكرام عن سيدنا أبي عبد الرحمن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: "اقتصاد في سنة خير من اجتهاد في بدعة " فإذا كنت على السنة فمهما قل جهدك في النوافل والتطوع ومهما قل نشاطك واجتهادك فأنت على هدى ما دمت تتبع سنة المصطفى عليه وآله وصحبه صلوات الله وسلامه فإذا ابتدعت وعبدت ربك على حسب رأيك فكلما ازددت اجتهادا ازددت من الله ابتعاداً الاقتصاد في السنة من الاجتهاد في البدعة وهذا الكلام مروي عن سيد القراء أبي المنذر أبي بن كعب رضي الله عنه وأثر أبي رواه الأئمة الكرام أبو نعيم في حلية الأولياء وابن الجوزي في تلبيس إبليس واللالكائي في شرح أصول أهل السنة الكرام أنه قال أيضا "اقتصاد في سنة خير من اجتهاد في بدعة".

وثبت في كتاب "ذم البدعة والنهي عنها" لإبن وضاح والأثر نقله الإمام أبو شامة في كتاب "الباعث على إنكار البدع والحوادث" ونقله الإمام الشاطبي في الاعتصام عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: "اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم".

ص: 19

وثبت عن حبر الأمة وبحرها عبد الله بن عباس رضي الله عنهما كما في سنن الدارمي وذم البدعة لابن وضاح والحديث رواه الإمام الخطيب البغدادي في "الفقيه والمتفقه " أن رجلا قال له أوصني قال نعم "عليك بتقوى الله والاستقامة اتبع ولا تبتدع".

وثبت عن أمين سر هذه الأمة حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما أنه قال "يا معشر القراء استقيموا فقد سبقتم سبقا بعيداً فإن أخذتم يميناً وشمالا فقد ضللتم ضلالا بعيداً " وأثره رواه الإمام البخاري في صحيحه وأبو نعيم في الحلية ورواه ابن وضاح في ذم البدعة ورواه الإمام اللالكائي في شرح أصول أهل السنة ورواه عبد الله ولد الإمام أحمد عليهم جميعا رحمة الله.

يا معشر القراء استقيموا فقد سبقتم (بصيغة المبني للمعلوم) أي إن استقمتم فقد سبقتم سبقاً بعيداً ونلتم عند الله منزلة عالية وبصيغة المبني للمجهول استقيموا فقد سُبِقتم سبقاً بعيداً أي ممن قبلكم وكانوا على الهدى التام فلا داعي لتغيير ما كان عليه السلف الكرام اقتدوا بآثارهم فهم أسبق إلى كل خير ممن جاء بعدهم استقيموا فقد سبقتم سبقاً بعيداً فقد سُبقتم سبقاً بعيداً فإن أخذتم يميناً وشمالاً فقد ضللتم ضلالاً بعيداً.

ص: 20

إخوتي الكرام: والآثار في ذلك كثيرة عن سلفنا الكرام فها أيضاً ما ثبت عن سيد المسلمين في زمانه سفيان الثوري أنه كان يقول: "البدعة احب إلى إبليس من المعصية " وسفيان الثوري هو سيد المسلمين في زمانه توفي سنة 161هـ حديثه مخرج في الكتب الستة وهذا الأثر عنه يرويه الإمام ابن الجوزي في تلبيس إبليس واللالكائي في شرح أصول أهل السنة والجماعة البدعة أحب إلى إبليس من المعصية. ثم علل ذلك فقال: المعصية يُتاب منها والبدعة لا يتاب منها لأن المبتدع يزعم أنه على هدى وأنه يعبد مولاه وهو في واقع الأمر يعبد هواه ولذلك يؤثر الشيطان إيقاع الناس في البدعة على إيقاعهم في المعصية فالبدعة معصية لكن المبتدع يزعم أنه طائع لربه وهو يعبد الشيطان البدعة أحب إلى إبليس من المعصية لأن البدعة لايتاب منها والمعصية يتاب منها.

هكذا كما قلت إخوتي الكرام تتابعت النصوص عن سلفنا الكرام في التحذير من البدعة وهذا العبد الصالح أيوب السختياني توفي سنة 131هـ وحديثه مخرج في الكتب الستة وهو من شيوخ أهل السنة الكبار يقول: "ما ازداد عبد في البدعة اجتهاداً إلا ازداد من الله ابتعاداً " وهذا الأثر يرويه الإمام ابن الجوزي عنه وهكذا ابن وضاح في كتاب ذم البدعة "ما ازداد عبد في البدعة اجتهاداً يعبد الله على رأيه على هواه إلا ازداد من الله ابتعاداً" ولذلك من حفظ من البدعة فليحمد الله وكان سيد المسلمين في زمانه الإمام في التفسير وفي الفقه وفي الزهد وفي الورع والعبادة أبو الحجاج مجاهد بن جبر (ت102هـ/103هـ/104هـ) وحديثه في الكتب الستة وكان يقول "ما أدري أي النعمتين عليّ اعظم، أن هداني الله للإسلام أو حفظني من الأهواء والأوهام.

ص: 21

نعم إخوتي الكرام: إن نعمة الإسلام عظيمة وإن نعمة إتباع نبينا عليه الصلاة والسلام عظيمة عظيمة فإذا دخل الإنسان في دائرة الإسلام ثم اتبع هواه وعبد الله كما يريد هو لا كما يريد ربه لا يزداد من الله إلا بعداً ولذا روى الإمام ابن الجوزي في كتابه تلبيس إبليس في مقدمة كتابه بسنده إلى سيد المسلمين في زمانه الإمام أبي عمر الأوزاعي وحديثه مخرج في الكتب الستة أيضا (ت157هـ) أنه قال: رأيت رب العزة في المنام فقال لي يا أبا عمرو أنت الذي تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر قلت بفضلك يا رب ثم قلت: ربي أمتني على الإسلام قال: يا أبا عمرو قل وعلى السنة ربي أمتني على الإسلام قل وعلى السنة.

إخوتي الكرام: ورؤية الله ذي الجلال الإكرام في المنام واقعة مشروعة جائزة باتفاق أهل السنة الكرام كما قرر ذلك الإمام ابن تيمية في مجموع الفتاوي 3/390 وأن كل واحد إن رأى ربه في منامه يراه على حسب إيمانه ونقل الحافظ في الفتح 12/387 إجماع أهل السنة على جواز رؤية الله في المنام وهذا العبد الصالح شيخ الإسلام عندما رأى رب العزة في المنام وقال له: أنت الذي تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر قال: بفضلك يارب ثم قال: رب أمتني على الإسلام قال قل وعلى السنة نسأل الله أن يشرح صدورنا للإسلام وأن يوفقنا لإتباع نبينا عليه الصلاة والسلام وأن يمن علينا برؤية نور وجهه الكريم في غرف الجنان إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين أقول هذا القول وأستغفر الله.

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله خير خلق الله أجمعين اللهم صل على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثرا وارض اللهم عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

ص: 22

إخوتي الكرام: إن الملك الذي كان عليه نبينا عليه الصلاة والسلام سار عليه سلفنا الكرام تغير فيما جاء بعد ذلك الوقت من أزمان ولما آل إليه الأمر إلى زمن الإمام المبجل أحمد بن حنبل وكثرت البدع والحوادث كان يقول كما نقل عنه تلميذه الخلال في كتابه "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" ص113 يقول إمام أهل السنة عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا "إذا رأيتم شيئاً مستقيماً فتعجبوا" تكدرت الأحوال بعد ذلك وانحرف الناس عن سنة الهدى وتبعوا البدع والردى وصار ما عليه الناس أهواء وبدعة والسنة قليلة غريبة بين الناس فإذا رأيتم شيئاً مستقيماً فتعجبوا إذا رأيتم شيئاً مستوياً فتعجبوا.

وكان أئمتنا الكرام رحمهم الله يوصون بالعطف على أهل السنة في كل وقت فهم حقيقة غرباء بين الناس. يقول سفيان الثوري رحمه الله كما في تلبيس إبليس وكتاب شرح أصول أهل السنة للإمام اللالكائي يقول: "استوصوا بأهل السنة خيراً ساعدوهم وأعينوهم فإنهم غرباء" نعم إنهم غرباء.

ص: 23

والذي يتبع سنة نبينا عليه الصلاة والسلام في العصور المتأخرة غريب لأن الناس أحدثوا ما أحدثوا من البدع والضلالات وكان العبد الصلاح يونس بن عبيد (ت139هـ) وحديثه في الكتب الستة وكان الناس في زمانه إذا توسلوا إلى الله تعالى جل وعلا يتوسلون بربوبيته ليونس بن عبيد فيقولون يارب يونس فرج عنا، يارب يونس أغثنا، يارب يونس انصرنا هذا العبد الصلاح قال لأصحابه مرة أتدرون من الغريب؟ قالوا ومن أيها الإمام: قال: الغريب من إذا عُرِّف السنة فعرفها ثم قال أتدرون من الأعزب؟ (الغريب إذا عرفته السنة يعرفها لا ينكرها ولا يردها ولا يجحدها لا يجادل في ردها) نعم وهذا الوصف لعلك لا تجده في هذه الأيام واحد من ألف إن لم يكن من مائة ألف إذا ذكرت له السنة ينكس رأسه ويقول سمعاً وطاعة فهذا غريب وأكثر الناس يشتطون ويكثرون اللغط عندما تعرض سن نبينا عليه الصلاة والسلام هذا الغريب فمن الأغرب؟ قال: الأغرب هو معرف السنة والداعي إليه الغريب والأغرب تعرفون من الغريب.

ص: 24

الغريب من إذا عرّف السنة عرفها هذا غريب نادر إنسان ينصف وإذا عرضت عليه ما ثبت بشرع الله المطهر وقرره أئمتنا البررة يسلّمُ له ولا يعترض هذا غريب والأغرب منه هو الذي يدعوا إلى إتباع السنة ولذلك قال العبد الصالح إبراهيم إسحاق أبو إسحاق الحربي (ت285هـ) انظروا ترجمته الطيبة في طبقات الحنابلة لأبي يعلى 1/89 فما بعدها وهذه القصة في هذا المكان وترجمة الإمام الذهبي في السير 13/360 فما بعدها وهذه في هذا المكان ص360 من ترجمته قال مرة لأصحابه من الغريب؟ فقال بعضهم الغريب هو من نآى عن وطنه، فقال: ما قلتم شيئاً ثم قال من الغريب؟ قالوا: الغريب من فارق أصحابه وأحبابه وابتعد عنهم قال: ما قلتم شيئاً قالوا فمن الغريب؟ أبا إسحاق، قال: الغريب إنسان صالح كان بين قوم صالح إن أمر بالمعروف أعانوه وإن نهى عن المنكر آزروه وإذا احتاج إلى سبب ساعدوه ومانوه ثم ماتوا وتركوه بقي بمفرده هذا هو الغريب.

ذهب الذين يعاش في أكنافهم

وبقي الذين حياتهم لا تنفع

هذا هو الغريب.

ص: 25

وأبو إسحاق الحربي رحمه الله صاحب كتاب الغريب في الحدث الإمام المتواضع العابد القانت لما قال له بعض تلاميذه بلغه عن بعض تلاميذه أنهم يفضلونه على الإمام أحمد دعاهم وقال: "تفضلونني على من لا أُشبهه والله لا أحدّثكم بعد ذلك فلا تعودوا إليّ "انظروا لهذا الإنصاف وهذه الديانة تفضلونني على الإمام أحمد ولا أشبهه ليس بين وبينه شبه، وهو النجم العالي ونحن في السافل ثم أنتم تفضلونني عليه. والله لا أحدثكم أبداً، ولما دخل على القاضي الصالح إسماعيل قال محمد بن يوسف أحد القضاة فأخذ حذاء أبي إسحاق إبراهيم بن إسحاق الحربي ومسحه وهو القاضي في زمانه فقال له أعزّك الله في الدنيا والآخرة فلما مات محمد بن يوسف القاضي رحمه الله وهو غير أبي يوسف صاحب أبي حنيفة رضي الله عنهم أجمعين رئى في النوم بعد موته وهو في خالة حسنة فقيل له: ما فعل الله بك؟ قال: أعزني الله تعالى في الدنيا والآخرة بدعوة الشيخ الصالح أبي إسحاق " أعزّك الله في الدنيا والآخرة " هذا هو الغريب الذي كان بين قوم صالحين يساعده على الأمر بالمعروف ويؤازره على النهي عن المنكر ويساعده في أمور الحياة ثم فارقوه وبقي بمفرده حقيقة هذا هو الغريب.

إخوتي الكرام: أئمتنا تتابعوا على هذا القول الذي يبينون فيه إن المتمسك بالسنة غريب غريب يقول أبو بكر بن عياش وأثره مروي في تلبس إبليس للإمام ابن الجوزي وفي شرح أصول أهل السنة للإمام اللالكائي أبو بكر بن أبي عياش (ت194هـ) وحديثه في الكتب الستة من الأئمة الصالحين الربانيين كان يقول: "أهل السنة في الإسلام كأهل الإسلام بين سائر أهل الأديان " أي هؤلاء غرباء كما أن المسلم غريب عند اليهود والنصارى السني غريب عند أهل الإسلام أهل السنة في الإسلام كأهل الإسلام عند سائر أهل الأديان".

ص: 26

إخوتي الكرام: هذه البدعة ينبغي أن نحذرها وغربة الدنيا أيسر من عذاب الآخرة وقد خشي علينا نبينا صلى الله عليه وسلم أن نقع في الشبهات وهي البدع والأهواء الرديات كما خشي علينا أن نرتع في الشهوات والشيطان يصول ويجول ويقبل ويدبر ويكر على القلوب في كل وقت ليوقعها في شهوة أو في شبهة وهما منبع كل آفة.

ثبت في مسند الإمام أحمد ومسند البزار والحديث رواه الطبراني في معاجمه الثلاثة –الصغير والأوسط والكبير – وإسناد الحديث صحيح من رواية أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إنما أخشى عليكم شهوات الغي في بطونكم وفروجكم ومضلات الهوى " وهي الشبهة والبدع، شهوة وشبهة.

إخوتي الكرام: وهذا التغير الذي طرأ كما قلت على هذه الأمة والبدعة التي انتشرت فيها سأفصل الكلام في إشارة نبينا عليه الصلاة والسلام إلى ما سيقع في هذه الأمة من تغير وأبين أقوال الصحابة الكرام وأقوال السلف رضي الله عنهم أجمعين في الموعظة الآتية إن شاء الله تعالى قبل أن ننتقل إلى المبحث الثالث في أقسام البدعة بعون الله.

إخوتي الكرام: لكنني أريد أن أقول مهما انتشرت البدعة وعمت المخترعات والحوادث والأهاء فلن تخلو الأرض من طائفة على الحق ظاهرة لا يضرها من خالفها ولا من خذلها حتى يأتي أمر الله. نسأل الله أن يجعلنا منهم بمنه وكرمه وفضله وجوده وإحسانه إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.

ص: 27

وقد أشار نبينا صلى الله عليه وسلم إلى هذا الأمر في أحاديثه الكثيرة الصحيحة الوفيرة منها: حديث أذكره وأختم به هذه الموعظة رواه الإمام الترمذي في سننه والحاكم في مستدركه والحديث رواه الإمام البيهقي في شعب الإيمان والإمام الضياء المقدسي في الأحاديث الجياد المختارة ورواه ابن أبي الدنيا في كتاب الصمت وجميع رجال الإسناد ثقات أثبات وليس فيهم إلا أبا بشر الراوي عن أبي وائل وهو الراوي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وأبو وائل هو صاحب عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وروى عنه أبو بشر ولا يعرف لأنه لم يروه عنه إلا راوٍ واحد.

والحديث معناه صحيح ثابت ولفظه من رواية أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أكل طيباً وعمل في سنة وأمن الناس بوائقه دخل الجنة " يأكل الحلال ويعبد الله علىحسب شريعة نبينا رسول الله عليه الصلاة والسلام ويأمن الناس بوائقه وشروره وغوائله وفتنه دخل الجنة. قالوا يا رسول الله هذا كثير فينا كل الصحابة على هذا الوصف يأكلون الحلال يبتعدون عن الحرام ويعملون بسنة نبينا صلى الله عليه وسلم ويعبدون الله على حسب شريعته ولا يؤذون عباد الله من أكل طيبا وعمل في سنة وأمن الناس بوائقه دخل الجنة هذا كثير فينا فقال عليه الصلاة والسلام وسيكون في قرون بعد هذا الوصف أناس يأكلون الحلال يعملون بسنة نبينا عليه الصلاة والسلام يحسنون إلى عباد الله ولا يؤذونهم.

ص: 28

نسأل الله تعالى أن يجعلنا من هذا الصنف إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار اللهم إنا نسألك من كل خير أحاط به علمك في الدنيا والآخرة ونعوذ بك من كل شر أحاط به علمك في الدنيا والآخرة اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين اللهم اجعلنا من أحب خلقك إليك ومن المقربين لديك وإذا أردت فتنة بعبادك فاقبضها إليك غير مفتونين اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا اللهم ارزقنا حبك وحب من يحبك وحب عملٍ بقربنا إلى حبك اللهم اجعلنا من المحبوبين عندك يا أرحم الراحمين اللهم اجعلنا من المحبوبين عندك يا أرحم الراحمين اللهم اجعلنا من أحب خلقك إليك ومن المقربين إليك اللهم اجعل حبك وحب رسولك صلى الله عليه وسلم أحب إلينا من أنفسنا وأموالنا وأهلينا وأولادنا وأحب غلينا من الماء البارد في اليوم القائظ اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا اللهم اغفر لأمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم اللهم ارحم أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم اللهم انصر أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم اللهم فرّج عن أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم اللهم أهلك أعداء أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم اللهم أغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.

ص: 29

اللهم أغفر لآبائنا وأمهاتنا الهم ارحمهم كما ربّونا صغارا اللهم اغفر لمشايخنا ولمن علّمنا وتعلّم منا اللهم أحسن إلى من أحسن إلينا اللهم أغفر لمن وقف هذا المكان المبارك اللهم أغفر لمن عبد الله فيه اللهم أغفر لجيرانه من المسلمين اللهم أغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعاء واحمد لله رب العالمين. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم

"والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر".

ص: 30