الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثمرة الخوف في الدنيا
(من خطب الجمعة)
للشيخ الدكتور
عبد الرحيم الطحان
بسم الله الرحمن الرحيم
ثمرة الخوف في الدنيا
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونؤمن به ونتوكل عليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فهو المهد ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً.
الحمد لله رب العالمين، شرع لنا دينا قويما وهدانا صراطاً مستقيما، وأسبغ علينا نعمه ظاهرةً وباطنةً وهو اللطيف الخبير.
اللهم الحمد كله ولك الملك كله، وبيدك الخير كله، وإليك يرجع الأمر كله أنت رب الطيبين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين وخالق الخلق أجمعين ورازقهم {فما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين} .
وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله أرسله الله رحمةً للعالمين فشرح به الصدور وأنار به العقول وفتح به أعينا عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غلفاً فجزاه الله عنا أفضل ما جزى به نبياً عن أمته، ورضي الله عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
{يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتنَّ إلا وأنتم مسلمون} .
أما بعد: معشر الأخوة المؤمنين..
لله خواص في الأزمنة والأمكنة والأشخاص كما قرر ذلك أئمتنا الأكياس، فخير بقاع الأرض وأحبها إلى الله عز وجل المساجد فهي موطن نوره وفيها هداه وإليها يأوي الموحدون المتهدون وقد أشار الله إلى هذا في آية النور في سورة النور فبعد أن ذكر آية النور ذكر المكان الذي يوجد فيه ذلك النور فقال ربنا العزيز الغفور:{الله نور السموات والأرض} ثم قال جل وعلا: {في بيوتٍ أذن الله أن ترفع ويذكر فيه اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال * رجال} وفيه نعت الله جل وعلا هؤلاء الرجال بأربع خصال ليدلك على أنهم بلغوا رتبة الكمال لا تلهيهم البيوع والتجارات عن الغاية التي من أجلها أوجدهم رب الأرض والسموات، يصلون لله ويذكرونه ويعظمونه ويشفقون على عباد الله ويحسنون إليهم، يبذلون ما في وسعهم استعداداً للقاء ربهم {يسبح له فيها بالغدو والآصال * رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار} .
اخوتي الكرام: وكنا نتدارس الصفة الرابعة من أوصافهم ألا وهي خوفهم من ربهم جل وعلا، فهم مع إحسانهم في ما بينهم وبين ربهم وفي ما بينهم وبين عباد الله جل وعلا ومع ذلك يخافون الله عز وجل، نعم إن الخوف من رب الأرض والسموات والحزن في هذه الحياة تلقيح للأعمال الصالحات، وكلما كمل علم الإنسان وتمت معرفته على التمام اشتدت خشيته من ذي الجلال والإكرام، بذلك نعت الله عباده العلماء الطيبين المخلصين فأشار الله جل وعلا إلى حال العلماء السابقين على هذه الأمة المرحومة المكرمة فقال في آخر سورة الإسراء:{وبالحق أنزلناه وبالحق نزل وما أرسلناك إلا مبشراً ونذيراً * وقرءاناً فرقناه لتقرأه على الناس على مكثٍ ونزلناه تنزيلاً * قل آمنوا به أو لا تؤمنوا، إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجداً * ويقولون سبحان ربنا إنَّ كان وعد ربنا لمفعولاً * ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعاً *} .
نعم هذا هو نعت العلماء المخلصين المخلَصين، ولذلك قال شيخ الإسلام الإمام عبد الأعلى اليمني عليه وعلى جميع المسلمين رحمات رب العالمين، قال: كما في كتاب الزهد للإمام عبد الله بن المبارك، والأثر رواه أبو نعيم في الحلية وابن أبي شيبة في المصنف، ورواه أيضاً الإمام الطبري في تفسيره، وهو في تفسير ابن المنذر وابن أبي حاتم رحمة الله عليهم جميعاً، يقول هذا العبد الصالح عبد الأعلى التميمي (من أوتي م العلم مالا يبكيه لم يؤت علماً لأن الله نعت العلماء بالبكاء من خشيته جل وعلا فقال:{إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجداً * ويقولون سبحان ربنا إنَّ كان وعد ربنا لمفعولاً * ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعاً} .
وكان هذا العبد الصالح يقول كما في الحلية (شيئان أمران قطعا عني لذة الدنيا ذكر الموت والوقوف بين يدي الله عز وجل {يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار} وإذا كان هذا هو نعت العلماء الصالحين السابقين فهذا هو أيضاً نعت العلماء الطيبين المخلصين من هذه الأمة المباركة المرحومة، يقول الله جل وعلا في سورة فاطر:{ألم تر أن الله أنزل من السماء ماءً فأخرجنا به ثمراتٍ مختلفاً ألوانها * ومن الجبال جددٌ بيضٌ وحمرٌ مختلفٌ ألوانها وغرابيبُ سود * ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك، إنما يخشى الله من عباده العلماء، إن الله عزيزٌ غفور} فهؤلاء الأكياس أحسنوا صلتهم برب الناس وبالخالق جل وعلا ومع ذلك اتصفوا بالخشية والخوف من جل وعلا فقال: {يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار} {إنما يخشى الله من عباده العلماء} .
نعم اخوتي الكرام: هذا نعت عباد الله الطيبين المقربين المحسنين الذين أحسنوا العمل وخافوا من الله عز وجل، قال الله عز وجل في سورة الزمر:{أمَّن هو قانتٌ آناء الليل ساجداً وقائماً يحذر الآخرة ويرجوا رحمة ربه، قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون، إنما يتذكرُ أولوا الألباب} .
والمراد بالذين يعلمون هم الذين يخافون الحي القيوم ونعتهم كما تقدم في أول الآية الكريمة قائمون لله خاشعون لله مخبتون لله يحذرون الآخرة ويرجون رحمة الله {أمَّن هو قانتٌ آناء الليل ساجداً وقائماً يحذر الآخرة ويرجوا رحمة ربه، قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون، إنما يتذكر أولوا الألباب} .
وقد بوَّب الإمام الدارمي عليه رحمة الله في المقدمة من سننه باب يشير به إلى العلم الخشية وتقوى الله عز وجل، ثم نقل عن عدد من أئمتنا الكرام ما يقرر هذا الأمر فمن ذلك ما نقله عن مجاهد بن جبر رحمه الله ورضي عنه أنه قال:(الفقيه من يخاف الله عز وجل ونقل عن سيد التابعين وإمام المسلمين الحسن البصري عليه وعلى جميع المسلمين رحمات رب العالمين أنه قال: (إنما الفقيه الزاهد في الدنيا الراغب في الآخرة البصير بأمر دينه المقبل على عبادة ربه){إنما يخشى الله من عباده العلماء} .
اخوتي الكرام: هذا هو نعت عباد الله الطيبين المقربين، هذا هو نعت من يعمرون بيوت مالك يوم الدين في هذه الحياة {يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار} .
اخوتي الكرام: وقد وعدت أن نتكلم على هذه الصفة الرابعة ضمن أمرين اثنين ضمن بيان صفة الخوف وضمن لباب الأمر الثاني المتعلق بيوم القيامة وما يكون فيه، أما صفة الخوف فكما تقدم معنا سنتدارسها ضمن أربعة أمور أيضاً في تعريف الخوف وفي منزلة الخوف في شريعة الله جل وعلا، والأمر الثالث في ثمرة الخوف، والأمر الرابع في أسباب خوف المكلفين من رب العالمين، وقد مضى الكلام على الأمر الأول والثاني، وكنا نتدارس الأمر الثالث المتعلق بمباحث الخوف في ثمرات الخوف، وقد قررت اخوتي الكرام أن الخوف له ثمرات طيبة في العاجل والآجل في الدنيا والآخرة، فالذين يخافون رب العالمين لهم العز والتمكين في هذه الحياة وسيكون الله معهم في جميع الأوقات وسيتولى أمرهم وسيخذل أعداءهم وهو على كل شيءٍ قدير.
نعم إن من خاف الله خوف الله منه كل شيء، وإن من لم يخف من الله عز وجل خاف من كل شيء، وقد قررت هذا اخوتي الكرام فيما مضى وأزيده شيء من الإيضاح في أول هذه الموعظة لأنتقل إلى ثمرات الخوف بعد ذلك في الآجل والآخرة.
اخوتي الكرام: إن من خاف ذا الجلال والإكرام لا يهاب المخلوقين ولا يبالي بكيدهم أجمعين، وكيف يخافهم وهو يأوي إلى القوي المتين.. إلى رب العالمين.. إلى الذي إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون، هل يخاف العباد من خاف رب العالمين؟ لا ثم لا، فإذا دخل الخوف في قلب الإنسان من ذي الجلال والإكرام لن يخاف أحداً في هذه الحياة مهما كان شأنه، وكيف يخافه والله سيكفيه أعداءه وسينتقم من أعدائه من حيث لا يحتسب {أليس الله بكافٍ عبده ويخوفونك بالذين من دونه، ومن يضلل الله فما له من هادٍ * ومن يهد الله فما له من مضل، أليس الله بعزيزٍ ذي انتقام} أليس الله بكافٍ عبده؟ بكافٍ عبده المؤمن الذي أحبه وخافه ورجاه فقامت عبادته على هذه الأمور الثلاثة سيكفيه الله جل وعلا كل شيء ضر ومكر وسيتولى أمره وسينصره في هذه الحياة، وهو على كل شيءٍ قدير، أليس الله بكافٍ عبده؟ وما نسي به هنا العبد بأنه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فهذا من باب تفسير العبد بأشهر ألفاظه وبأشرف أنواعه، فأول ما يدخل في المعنى بهذا اللفظ نبينا صلى الله عليه وسلم فهو الذي حقق العبادة للرحمن على وجه التمام، أحبه وخاف منه ورجاه، لكن الأمر عام في كل موحد، أليس الله بكافٍ عبده؟ بكافٍ عبده الموحد إذا وحده فأفرده بحبه وخوفه ورجائه {ويخوفونك بالذين من دونه، ومن يضلل الله فما له من هاد * ومن يهد الله فما له من مضل أليس الله بعزيزٍ ذي انتقام} .
وإذا كان الله عزيزاً سبحانه وتعالى ينتقم ممن عصاه وممن عاد أولياءه فسيكفي عبده الموحد ضر العباد وسيدفع عنه كيدهم من حيث لا يحتسب، وقد قرأ الأخوان حمزة والكسائي من السبع وأبو جعفر من العشرة يزيد بن القعقاع وخلف من العشرة أيضاً والقراءتان متواترتان عن النبي صلى الله عليه وسلم بصيغة الجمع وهو يقرر ما ذكرت {أليس الله بكافٍ عباده} عباده الموحدين، ويدخل في هذا دخولاً أولياً أنبياء الله ورسله وكل موحد حقق التوحيد في هذه الحياة، {أليس الله بكافٍ عبده، ويخوفونك بالذين من دونه، ومن يضلل الله فما له من هاد * ومن يهد الله فما له من مضل، أليس الله بعزيزٍ ذي انتقام *} وقد أشار الله إلى هذا التقرير الذي ذكرته في أول سورة غافر فقال جل وعلا: {حم * تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم * غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير} {ذي الطول} ذي الغنى والتفضل، فهو الغني سبحانه وتعالى، وهو المتفضل على عباده لا إله غيره لا رب سواه، {إليه المصير * ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا فلا يغررك تقلبهم في البلاد * كذبت قبلهم قوم نوحٍ والأحزاب من بعدهم وهمَّت كل أمةٍ برسولهم ليأخذوه، وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق فأخذتهم، فكيف كان عقاب *} {أليس الله بكافٍ عباده} {فأخذتهم، فكيف كان عقاب * وكذلك حقت كلمة ربك على الذين كفروا أنهم أصحاب النار} كما علموا في هذه الحياة وانتقم منهم رب الأرض والسموات سيلقيهم في الآخرة في أسفل الدركات وهو على كل شيءٍ قدير، {فأخذتهم، فكيف كان عقاب * وكذلك حقت كلمة ربك على الذين كفروا أنهم أصحاب النار} .
اخوتي الكرام: إن من حقق توحيد ذو الجلال والإكرام فأفرد ربه بخوفه وبحبه ورجائه لا يخشى أحداً إلا الله جل وعلا، وقد تقدم معنا تقرير هذا موسعاً مفصلاً وسأختمه بقصتين اثنتين ثم انتقل إلى ثمرة الخوف في الآجل والآخرة إن شاء الله.
القصة الأولى: رواه أئمتنا الكرام أبو نعيم في الحلية وغيره في ترجمة العبد الصالح شقيق بن إبراهيم أبي على البلخي الذي توفي سنة أربعة وتسعين ومائة للهجرة 194هـ وقد تقدم معنا ذكر كلامه اخوتي الكرام في أول الموعظة الماضية عندما قال: (مثل المؤمن كمثل من يزرع نخلاً ويخشى أن يحمل شوكاً، ومثل المنافق كمثل من يزرع شوكة ويطمع أن يحمل ثمراً) هذا العبد الصالح من العلماء الربانيين ومن الزهاد الصالحين ومن الغزاة المجاهدين حضر مرة في غزوة مع الكفار فلما اشتدت الحال فبدأت الرؤوس تندر (تسقط) والسيوف تكسر والرماح تقصص، أمسك هذا العبد الصالح أبو علي شقيق البلخي بيد تلميذه وصاحبه حاتم بن الأصم رحمة الله عليهم فقال: (كيف تجد نفسك؟ هل تجد نفسك كليلة عرسك، قال: لا ولكني أجد نفسي كأني في ليلة عرسي، رؤوس تقطع وسيوف تكسر، رماح تقصص ومع ذلك هذا العبد مطمئن القلب ربه جل وعلا يعلم أن الله سيتولاه، كيف وقد أفرده بحبه وخوفه ورجائه فقال له لكني أجد نفسي كيوم عرسي، يقول حاتم الأصم: ثم وضع هذا العبد الصالح شقيق البلخي درقته وهي الترس المصنوع من الجلد وضعه بين الصفين ونام حتى إني لأسمع غطيطه، أسمع غطيطه والحال كما ذكر رؤوس تقطع ورماح تقصص وسيوف تكسر ومع ذلك ينام بين الصفين وينزل الله النعاس عليه أمنة منه ورحمة و، نعم هذا حال الموحد الذي أفرد الله جل وعلا بحبه وخوفه ورجائه.
اخوتي الكرام: وهذا العبد الصالح يقول عنه الإمام الذهبي في ترجمته في الجزء التاسع صفحة أربعة عشر وثلاثمائة 9/314 من سير أعلام النبلاء (كان من المتألهين والعباد الزاهدين ومع ذلك كان من رؤوس الغزاة والمجاهدين، وهذا العبد الصالح من أئمة الصوفية الصادقين المتقدمين وقد كثر لسبطٍ في هذا الحين حوله الصوفية وأنهم كثير من الناس هذه الفرقة المتقدمين والمتأخرين منهم بالضلال وهذا عين الضلال، فالإنصاف أن توزن أعمال الإنسان على حسب كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، فهذا العبد الصالح من العلماء الربانيين وله لسان صدق في هذه الأمة وما ترجمه هو وغيره من أئمة التصوف الصادقين إلا وأثنى عليه أئمتنا الذين نرجع إليهم في التوفيق والتعديل والتجريح، عباد الله وكان هذا العبد الصالح رحمة الله ورضوان الله عليه يقول كلاماً حقيقته يخرج هذا الكلام من مشكاة النبوة ومن توحيد الله الخالق، فكان يقول كما في الحلية وغيره (من شكا مصيبته إلا غير ربه حرمه الله حلاوة العبادة) من عبد الله مأتي سنة ولم يعرف هذه الأربع ولم يقم بها فلم يفلح ولن ينجح وأن يعرف ربه جل وعلا وأن يعرف حق الله عليه وأن يعرف نفسه وأن يعرف عدوه وعدو ربه جل وعلا، ومن كلامه الطيب كان يقول:
(ميز بين من تعطيه وبين من يعطيك، ميز بين ما تعطي وما تعطي، فإذا كان من تعطيه أحب إليك من مَن يعطيك فأنت عامل من عمال الآخرة، وإذا كان من يعطيك أحب إليك من مِن تعطيه فأنت عامل من عمال الدنيا) عبد صالح من العلماء الربانيين.
نعم إذا كان عامة من ينتسب في هذا الوقت إلى التصوف دجاجلة إلا من رحم ربك فلا يجوز أن نحمل وزرهم للصالحين والصادقين، لكنني أريد عند هذه القصة فيمن يبحثون في التصوف ويرون أنه جاء من عباد الهنود والبقر ومن المجوسية وغير ذلك وأن الصوفية عطلوا الجهاد في سبيل الله، أريد أن أقول لهؤلاء الذين ملئوا الدنيا جعجعة باسم التوحيد والعقيدة عندما توقعتم وقوع معمعة عليكم لجئتم إلى من لعنه الله من فوق سبع أرقعة حتى إن بعضكم وصل به الأمر أن برر لبس الصلبان إذا وجدت به عادة البلدان، هل التوحيد والعقيدة كلام يقوله الإنسان أم سلوك يترجمه في هذه الحياة يدل على إيمانه برب الأرض والسموات، أي عقيدة وأي توحيد وأي توكل على الله المجيد إذا دخلنا في كنف من لعنه الله وغضب عليه، ثم ندعي بعد ذلك أننا أهل توحيد وأننا أهل عقيدة باسم التوحيد وباسم العقيدة، ترك التوحيد وترك العقيدة، ليست العقيدة ولا التوحيد كلاماً يقال باللسان، وإذا كان الصوفية في هذه الأيام أساؤوا إلى الصوفية السابقين فإن من ينتسبون إلى السلف في هذه الأيام من ينسبون أنفسهم زوراً وبهتاناً حقيقة أساؤوا إلى سلفنا الكرام الطيبين، أي توحيد هذا أن نخاف من المخلوق وأن ندخل في كنف كافر من أجل عرض من الدنيا لا وزن له ولا اعتبار، أي توحيد هذا؟ وانظر لهذا الموحد الصادق رؤوس تقطع سيوف تكسر ورماح تقصص ثم يقول لأصحابه هل تشعرون أم أنكم في ليلة عرسكم، فإذا قال له بعضهم لا يقول أنني أشعر كأنني ليلة عرسي، والله هذا هو التوحيد وهذه هي العقيدة الحقة الصادقة التي علمها نبينا صلى الله عليه وسلم لهذه الأمة.
اخوتي الكرام: لابد من وعي ولا داعي بعد ذلك لجعجعة في هذه الأيام لا وزن لها ولا اعتبار عند ذي الجلال والإكرام.
والقصة الثانية: التي سأذكرها في بيان أمر الخوف في هذه الحياة عندما يتصف الإنسان بالخوف من رب الأرض والسموات، عفان بن مسلم بن عبد الله من أئمتنا الكرام الأبرار توفي سنة عشرين ومائتين للهجرة 220هـ إمام ثقة حديثه في الكتب الستة، هذا العبد الصالح هو أول من امتحن في محنة خلق القرآن، فاستدعاه إسحاق بن إبراهيم الذي كان أميراً على العراق مدة ثلاثين سنة 30سـ متتالية من قبل حكام بني العباس من المامرن فمن بعده، وكان هذا العبد إسحاق بن إبراهيم كما يقول عنه الإمام بن كثير في البداية والنهاية كان على حال أسياده وكبرائه وممن قال الله فيه وفي أمثاله {ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا * ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعناً كبيراً} هذا العبد إسحاق عندما استدعى هذا الإمام الصالح عفان بن مسلم وهو أول من امتحن في محنة خلق القرآن قبل الإمام أحمد بن حنبل وقبل غيره من الأئمة الكرام فعرض عليه كتاب الخليفة المأمون الذي أرسل به من الجزيرة إلى العراق ليبدأ بمحنة علماء الإسلام وليبدأ بعفان فعرض عليه الكتاب وهل تقر بأن القرآن مخلوق؟ فقال أيها الأمير، أقرأ قول الله الجليل:
{قل هو الله أحد الله الصمد * لم يلد ولم يولد * ولم يكن له كفواً أحد *} أمخلوق هذا؟ قل هو الله أحد، أمخلوق هذا؟ فقال: دع عنك هذا الكلام فهذا كتاب الخليفة فإن قلت إنه مخلوق كتبت إليه بذلك وقد أمرني إذا قلت بذلك وأن أبقيك على أمرك وأن يجري عطاؤك كما كان، وكان يسرف له في كل شهر خمسمائة درهم، فإن بقيت أجري عليك العطاء، فقد أمرني الخليفة بقطع العطاء عنك، قال: سبحان الله تقطع عطائي، وإذا قطعت عطائي فهل قطعت رزقي والله يقول في كتابه {ورزقكم في السماء وما توعدون * فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون} هذا هو التوحيد الخالص، تهددني بقطع رزقي والله يقول {ورزقكم في السماء وما توعدون * فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون} فقال له الأمير: قم فقد قطعنا عطاؤك، فقام عفان بن أسلم ودخل إلى بيته وفيه أزواجه وأولاده وقد بلغوا أربعين نفساً، فعزلوه ولاموه وقالوا هل لا ينتفي الكلام من أجل هذا الحطام، من أجل عرض الدنيا فقال:{ومن يتق الله يجعل له مخرجاً * ويرزقه من حيث لا يحتسب} فلما حان المغرب قرع الباب فجاء رجل في صورة سمان أو زياد قال: أبا عثمان ثبتك الله على الصراط كما ثبت الإسلام، وهذه ألف درهم تصل إليك في كل شهر على الدوام، قطع عنك خمسمائة فهذه ألف درهم ولا يعرفه {ولا يعلم جنود ربك إلا هو} أبا عثمان ثبتك الله على الصراط كما ثبت الإسلام، ولما امتحن بعده أبو نعيم الفضل بن دكين وهو من أكابر الشيوخ البخاري ومن أئمتنا الكرام وحديثه في الكتب الستة هدد أيضاً بقطع الرزق قطع زراً من قميصه ورمى به إلى جهة الأمير وقال: ما دنياكم عندي إلا أقل من هذا الزر، وما قطع رقبتي عندي إلا أقل من هذا الزر. تخوفوننا بشيءٍ لا وزن له ولا اعتبار، هذا هو التوحيد وهذا الذي كان عليه أئمتنا الأبرار، وقد تولاهم الله وأعزهم الله وجعل لهم لسان صدق في هذه الأمة.
اخوتي الكرام: هذه هي ثمرة التوحيد في العاجل، إن الإنسان يكتب له العز والتمكين والنصر المبين فيتولى الله أمره في كل حين، وأما في الآجل في الآخرة فحدث ولا حرج عن الثمرات اتي يقطفها من خاف رب الأرض والسموات، إنه سيكون في أمن في ذلك اليوم العصيب الرهيب، وسيكون بعد ذلك {في جنات ونهر * في مقعد صدقٍ عند مليكٍ مقتدر} أشارت آيات القرآن الكريم إلى هذا في كثير من المواضع والأماكن منها قول الله جل وعلا في سورة البينة:{إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية * جزاؤهم عند ربهم جنات عدنٍ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً، رضيَ الله عنهم ورضوا عنه، ذلك لمن خشيَ ربه} لمن خاف الله.
{يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار} ويقول ربنا الملك في سورة الملك: {إن الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجرٌ كبير} وهكذا يقول الله جل وعلا في سورة ق بعد أن ذكر عقوبة الكافرين ومن لم يخف منه في هذه الحياة الدنيا فقال جل وعلا: {يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد * وأزلفت الجنة للمتقين غير بعيد * هذا ما توعدون لكل أوابٍ حفيظ * من خشيَ الرحمن بالغيب وجاء بقلبٍ منيب * ادخلوها بسلام ذلك يوم الخلود * لهم ما يشاءون فيها ولدينا مزيد*} يزيدهم الله كرامات أعلاها النظر إلى نور وجه رب الأرض والسموات، ثبت هذا في تفسير الطبري وغيره من رواية على وأنس بن مالك رضي الله عنه، {لهم ما يشاءون فيها ولدينا مزيد} هو النظر إلى وجه الله المجيد.
إذاً هذه هي ثمرة الخوف في الآجل في الآخرة، وقال جل وعلا في سور الرحمن {ولمن خاف مقام ربه جنَّتان} وهاتان الجنتان تكونان للسابقين المقربين وجنتان أيضاً بعد ذلك تكونان للتابعين أصحاب اليمين كما قال الله عز وجل {ومن دونهما جنتان} {ولمن خاف مقام ربه جنتان} .
روى الإمام بن عساكر في تاريخ دمشق في ترجمة عمر بن جامع والأثر رواه البيهقي في شعب الإيمان كما في تفسير الإمام ابن كثير وتفسير والدر المنثور للإمام السيوطي (أن شاباً في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه علقت به وهو يته امرأة حسناء فعرضت نفسها عليه ولا زالت تراوده وتلح عليه حتى استجاب إليها بعض الشيء، وهم أن يدخل معها البيت فتذكر قول الله جل وعلا:{إن الذين اتقوا إذا مسهم طائفٌ من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون} والطائف هو الخيال الذين يدور خيال من الشيطان وسوسة تدور حولهم لا ترسخ في أذهانهم ولا في قلوبهم {إن الذين اتقوا إذا مسهم طائفٌ من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون} وفي قراءة متواترة أيضاً عن نبينا صلى الله عليه وسلم {إن الذين اتقوا إذا مسهم طيفٌ من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون} أي لمة وخطرة وتخطر في قلوبهم {إن الذين اتقوا إذا مسهم طيفٌ من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون} .
والقراءتان متواترتان عن نبينا صلى الله عليه وسلم، فلما استحضر الشاب هذه الآية صعق وخر مغشياً عليه، فلما صحى أخذته الحمى وبدأت به الرعدة الشديدة حتى مات رحمه الله وغفر له، فبعد أن دفن جاء عمر بن الخطاب رضي الله عنهم أجمعين إلى والده وعزاه ثم سيدنا عمر رضي الله عنه مع الصحابة الكرام إلى قبر هذا الفتى ونداه يا فتى: قال الله عز وجل {ولمن خاف مقام ربه جنَّتان} فنادى الفتى من قبره: نعم يا أمير المؤمنين قد أعطانيها رب العالمين {ولمن خاف مقام ربه جنَّتان} .
وكما قلت اخوتي الكرام جنتان للسابقين وجنتان للتابعين أصحاب اليمين، كما ثبت هذا عن نبينا الأمين صلى الله عليه وسلم ففي مسند الإمام أحمد والصحيحين والسنن الأربعة إلا سنن أبي داود، والحديث رواه الإمام الطبري في تفسيره وابن أبي شيبة في مصنفه ورواه البيهقي في الأسماء والصفات وفي كتاب الأعتقاد وفي كتاب البعث وفي كتاب شعب الإيمان، ورواه أبي حاتم في تفسيره وابن المنذر في تفسيره أيضاً والإمام ابن مندفة رد على الجهمية وهو في أعلى درجات الصحة لإخراج الشيخين له من رواية أبي موسى الأشعري رضي الله عنه وأرضاه، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول [جنتان من ذهب آنيتها وما فيها وجنتان من فضة آنيتها وما فيها وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم عز وجل إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن] والحديث رواه الحاكم في المستدرك أيضاً وابن أبي حاتم في تفسيره وابن المنذر في تفسيره وابن مردويه في تفسيره عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه موقوفاً عليه وله حكم الرفع إلى نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال:[جنتان من فضة آنيتها وما فيها للتابعين] والحديث رواه الإمام بن جرير الطبري وابن المنذر وابن أبي حاتم في تفسيره بسند صحيح كما قال ذلك الإمام ابن حجر في فتح الباري عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه مرفوعاً إلى نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال [جنتان من ذهب آنيتها وما فيها للسابقين وجنتان من ورق (معنى من فضة) آنيتها لأصحاب اليمين]{ولمن خاف مقام ربه جنتان * فبأي آلاء ربكما تكذبان} ولا بشيءٍ من آلائك ربنا نكذب ولك الحمد، ثم قال جل وعلا في وصف هاتين الجنتين ما قال {ذواتا أفنان} ثم انتقل إلى الجنتين الأخريين فقال جل وعلا:{ومن دونهما جنتان * مدهامتان} إلى آخر ما نعت الله به الجنتين اللتين تكونان للسابقين والجنتين اللتين تكونان لأصحاب اليمين.
اخوتي الكرام: وتثنية الجنة هنا يراد منه حقيقته وما شذ به النزاع فقال: إن الجنة الواحدة تكون للسابقين وجنة ثانية تكون لأصحاب اليمين وثني هذا اللفظ على عادة العرب في تثنية الجنة ولا يوجد في الحقيقة جنتان، فهذا لبسط وصفصفة كما رد عليه أئمتنا الكرام وكل هذا باطل لا يجوز أن يعول عليه فهو خلاف القرآن وخلاف ما أخبر به نبينا صلى الله عليه وسلم لدخول مؤمني الجن الجنة كما يدخل مؤمني الإنس الجنة لأن الله جل وعلا يقول لمعشر الإنس والجن {فبأي آلاء ربكما تكذبان * ولمن خاف مقام ربه جنتان*} .
وهذا هو المعتمد عند أهل السنة الكرام في مؤمن الجن من أقوال أربعة، قيلت في ذلك هذا أرجحها وهو المعتمد فيها وقيل إنهم يكونون في ربط الجنة ولا يتمتعون كما نتمتع به ونراهم ولا يروننا كما أنهم في الدنيا يروننا ولا نراهم ولا دليل يدل على ذلك وقيل أنهم يكونون على الأعراف، وقيل تتوقف في شأنهم ونكل أمرهم إلى ربهم جل وعلا، وقد دل ظاهر القرآن على أمرهم يدخلون غرف الجنان إذا آمنوا بالرحمن كما هو الحال في بني الإنسان {ولمن خاف مقام ربه جنَّتان} ثم قال جل وعلا:{فبأي آلاء ربكما تكذبان} أي يا معشر الإنس والجن، ولذلك لما تليت هذه الآيات من سورة الرحمن على الجن كانوا حتى أحسن جواباً فقالوا: ولا بشيءٍ من آلائك ربنا نكذب، فلك الحمد {ولمن خاف مقام ربه جنَّتان} .
وقد قرر هذا الكلام اخوتي الكرام أئمتنا الكرام في كتب التوحيد ومن أراد أن يتوسع في هذه المسألة ينظر كتاب (آكام المرجان في غرائب الأخبار وأحكام الجان) للإمام الصالح محمد بن عبد الله أبي عبد الله الشبلي الذي توفي سنة تسعة وستين وسبعمائة للهجرة 769هـ وهو من تلاميذ شيخ الإسلام الإمام بن تيمية وكان من القضاة الصالحين في بلاد الشام، ألف كتاباً كبيراً في ما يتعلق بالجن (آكام المرجان في غرائب الأخبار وأحكام الجان) .
اخوتي الكرام: من خاف الله في هذه الحياة له النجاة بعد الممات {ولمن خاف مقام ربه جنَّتان} وكنت أشرت في أول المواعظ السابقة عند مبحث الخوف أن من يخاف من الله جل وعلا له أجر كبير في العاجل والآجل واستشهدت بعد ذلك بما يتعلق ببعض الأمور بقول الله جل وعلا: {وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنَّة هي المأوى} ومر معنا الكلام هناك في إضافة المصدر إلى الفاعل أو إلى المفعول كما تقدمت معنا آية الطور في قول العزيز الغفور: {إن المتقين في جنَّاتٍ ونعيم * فاكهين بما آتاهم ربهم ووقاهم ربهم عذاب الجحيم*} .
ثم ذكر الله جل وعلا نعتهم وما يحصلون في جنات النعيم وأخبر عنهم بأي شيءٍ استحقوا ذلك فقال: {وأقبل بعضهم على بعضٍ يتساءلون * قالوا إنا كنا في أهلنا مشفقين * فمنَّ الله علينا ووقانا عذاب السموم * إنَّا كنَّا من قبل ندعوه، إنَّه هو البر الرحيم} .
اخوتي الكرام: وكما دل على ذلك آيات القرآن فقد تتواترت بذلك الأحاديث عن نبينا صلى الله عليه وسلم سأقتصر على ثلاث أحاديث تقرر أن من يخاف الله في هذه الحياة له النجاة بعد الممات وهو في غرف الجنَّات.
الحديث الأول: رواه الإمام أحمد في المسند والشيخان في الصحيحين، ورواه الإمام النسائي والترمذي في السنن، ورواه ابن خزيمة في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: [سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، الإمام العادل، وشاب نشأ في طاعة ربه في عبادة ربه، ورجل قلبه معلق في المساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأةٍ ذات منصبٍ وجمال فقال إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقةٍ فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه] .
تأمل أوصاف هؤلاء السبعة فسترى الصفة البارزة فيهم خوفهم من باريهم، فالإمام العادل ما عدل إلا لأنه يعلم أنه سيؤول إلى الله عز وجل وسيحاسبه على النقير والقطمير، وذاك العبد الصالح عرضت امرأة نفسها عليه وهي على حظ من منصب وجمال فقال إني أخاف الله، وهذا لمراقبته ربه وخوفه منه يكتم أعماله حتى لا تعلم الشمال ما تتصدق به اليمين، وذاك شاب ينشأ في طاعة ربه، وهذا يذكر الله خالياً فتفيض عيناه {إنَّ الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجرٌ كبير} وقد أخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن من خاف هنا سيأمن يوم الآخرة، وقد ورد الحديث بذلك في صحيح ابن حبان، والحديث رواه البيهقي في شعب الإيمان، ورواه الإمام البزار في مسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه ورواه البزار وشيخ الإسلام عبد الله بن المبارك في كتاب الزهد، وابن أبي الدنيا في كتاب الرقة والبكاء عن الحسن البصري مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم فهو مرسل، والأثر الأول كما تقدم معنا من طريق أبي هريرة وقد رواه البزار مرسلاً ومتصلاً، والحديث صحيح عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال: قال الله عز وجل [وعزتي وجلالي لا أجمع على عبد أمنيين ولا أجمع له خوفين، فإن أمنني في الدنيا خوفته يوم القيامة، وإن خافني في الدنيا أمنته يوم القيامة] هذه هي ثمرات الخوف في الآجل عند الله عز وجل، وآخر الأحاديث وهو الحديث الثالث الذي سيذكره في ذلك (أن من خاف الله ودعاه خوفه للبكاء من خشية الله عز وجل ستحرم النار عليه ولن يدخلها بحال من الأحوال كما أخبر بذلك نبينا الذي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم) .
روى الإمام الترمذي في سننه والإمام النسائي في سننه وابن حبان في صحيحه من رواية أبي هريرة أيضاً رضي الله عنه، والحديث رواه الحاكم أيضاً في المستدرك، والإمام أحمد في المسند ورواه البيهقي في السنن الكبرى، ورواه أيضاً في شعب الإيمان ورواه البخاري والإمام هنَّاد في كتاب الزهد، وسند الحديث صحيح كالشمس كما قلت من رواية أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: [لا يلج النار أحد بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع، ولا يجتمع منه الغبار لا يمكن أن يدخل بعد ذلك النار، وهكذا من بكا من خشية العزيز القهار سبحانه وتعالى ستحرم عليه النار ولا يمكن أن يدخلها كما لا يمكن للبن أن يعود إلى الضرع، وهذا الحديث روي ما يشهد له ويدل عليهم أنه صحيح بذاته، لكن ما يدل على معناه أحاديث كثيرة متعددة عن نبينا صلى الله عليه وسلم.
فمن ذلك ما رواه الترمذي في سننه والبيهقي في شعب الإيمان، والحديث حسَّنه الإمام الترمذي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: [عينان لا تمسهما النار، عينٌ بكت من خشية الله، وعينٌ باتت تحرس في سبيل الله] .
والحديث بهذا اللفظ أو قريباً منه رواه الإمام أبو يعلي أيضاً، والإمام الطبراني في معجمه الأوسط ورواه الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد لكن عن أنس بن مالك رضي الله عنه وإسناد الحديث جيد، والحديث أيضاً بنحو هذا اللفظ رواه الإمام أحمد في المسند، والحاكم في المستدرك ورواه أيضاً الإمام النسائي في السنن الكبرى، ورواه الدارمي في مسنده، والإمام الطبراني في معجمه الكبير، ورواه ابن أي الدنيا في كتاب الرقة والبكاء من خشية الله وعليه باتت تحرس في سبيل الله، والحديث أيضاً رواه الإمام الطبراني وابن عساكر عن العباس عن نبينا صلى الله عليه وسلم، ورواه الإمام الطبراني عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده وهو معاوية بن حيدة رضي الله عنه، وري أيضاً معناه الإمام الحاكم والبغوي في شرح السنة عن أبي هريرة رضي الله عنهم أجمعين [عينان لا تمسهما النار، عينٌ بكت من خشية الله، وعينٌ باتت تحرس في سبيل الله] .
أسأل الله تعالى برحمته وسعت كل شيءٍ أن يرزقنا خشيته في السر والعلن والقصد في الفقر والغنى وكلمة الحق في الرضى والغضب، إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.
أقول هذا القول وأستغفر الله.