الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأعمال التي تؤدي إلى سوء الخاتمة
السؤال
ما هي الأعمال التي تسود بها صحيفة الإنسان، وبها تسوء خاتمته والعياذ بالله؟!
الجواب
أول الأعمال التي تسيئ الخاتمة: طول الأمل، بمعنى أنه يظن أنه لن يموت الآن؛ لأن أباه عاش تسعين سنة، وجده عمر بعد المائة، وأمه عاشت مائة وعشر سنوات!! فالعمر ليس بالوراثة.
أو يقول: أنا عندي يقين أنني سأهتدي في آخر أيامي، وأنا في صحة وفي أحسن حال.
فطول الأمل يجعل الإنسان يركن إلى الدنيا، وتصير الدنيا غاية وليست وسيلة، فقد يصير من الكاذبين، لأن الغاية تبرر الوسيلة، وقد يريد أن يكون غنياً فيدخل في الربا، والخوض في أعراض الناس، بأن يضغط على الناس ليعلو عليهم، وبأن يكون لسانه بذيئاً مع كل الناس: مع العالم وغير العالم، المهم أن يصل إلى غايته.
فطول الأمل يثمر كل هذه المصائب، فهذه ثمرة سيئة.
ولذلك قالوا: إن العاقل من فعل ثلاثاً: ترك الدنيا قبل أن تتركه، وأرضى خالقه قبل أن يلقاه، وعمر قبره قبل أن يدخله.
والجاهل من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم:(الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت) فالعاقل هو الإنسان الذي يزرع ويخشى الكساد، والجاهل هو الذي يقلع ويرجو الحصاد، وهذا من ترهات نفسه، ومن ثمرات طول الأمل.
قالوا: إن أحد الصالحين وهو عطاء بن أبي رباح رضي الله عنه كان مريضاً، فقدم أحد مريديه وهو حافظ بن أبي توبة ليصلي بالناس، وهو من تابع التابعين فقال: لا أريد أن أصلي؛ لأنني إذا صليت بكم الآن لن أصلي بكم مرة أخرى.
فقال عطاء: أتدخل الصلاة وفي نيتك أنك سوف تعيش لتصلي بنا صلاة أخرى؟!! أنت لا تصلح للإمامة، فالأصل أن يكون الإمام قدوة، فإذا دخل في الصلاة لا يفكر أنه سيصلي بعدها مرة أخرى، فإن هذا من طول الأمل.
وسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لما مر على أسامة بن زيد وجده قد أتى بفصيل -وهو ناقة صغيرة أو جمل صغير-، فسأل رسول الله: ما هذا يا أسامة؟ قال: فصيل اشتريته لشهرين يا رسول الله! يعني: اشتريته بالتقسيط على شهرين، قال: أتعجبون من أسامة؟! إن أسامة لطويل الأمل.
بهذا المنطق كان يربي النبي صلى الله عليه وسلم صحابته، فطول الأمل يقسي القلب وينسي الآخرة، وبعض الناس يكره الكلام عن الوعد الحق، والبعض الآخر يحبون؛ لأنهم مؤمنون، والذي يكره الكلام عن الوعد الحق فإنه مدعي للإيمان، فهو يكره التذكير بالآخرة، وبأنه سيخرج من الدنيا، وسيترك الثروة والأموال والبنوك والعمارات والبنايات والسطوة والجاه والانتخابات والسلطة.
والصالحون قديماً كانوا يفرون من المسئولية؛ لأنهم لا يريدون أن يمسكوا بالدنيا، لأن المسئولية حلوة الرضاع، مرّة العظام، فطول الأمل يعمل هذا الأمر كله.
ثانياً: الظلم، فمن كان ظالماً فليتوقف، والظلم أنواع ثلاثة: أولاً: ظلم الإنسان لنفسه، قال تعالى:{فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ} [فاطر:32]، وذلك بأن يظلم دينه، فيضيع فرائض الله، ويتعدى حدود الله سبحانه وتعالى.
ثانياً: ظلم الإنسان للآخرين، سواء كان حيواناً أو نباتاً أو إنساناً مسلماً أم غير مسلم.
ومن سوء الخاتمة أن الظالم لا يقتنع أنه ظالم، فقد يظلم أحد الورثة بأن يحتال عليه فيأخذ ميراث أبيه كاملاً، والسبب في ذلك أنه كان يعمل مع أبيه ليل نهار في الحر وفي البرد وفي الأسفار، وأنه كان يتبعه وكان لا يعطيه راتباً، فيأخذ التركة كلها، فهذا ظلم، فالواجب عليه أن يأخذ ما يساوي عمله، ويعطي الباقي للورثة الآخرين.
والظلم هو وضع الشيء في غير موضعه، فالمصيبة الكبرى أنه يعتبر نفسه عادلاً كـ عمر بن الخطاب.
وأسوأ الظالمين من يظلم من لا ناصر له إلا الله، كمن يظلم زوجته التي مات أبواها وأهلها، أو التي أهملها إخوانها وكل واحد منهم مشغول بحاله، فيسومها زوجها سوء العذاب؛ لأنه لا ظهر لها، وإذا دعت عليه فإنه لا ينتبه، ويعتبر نفسه أنه يقوم بحق القوامة عليها، أو أن له أن يقطع ما يشاء، وهنا تكمن المصيبة.
النوع الثالث: الغفلة عن الذكر، فالمسلم ليل نهار يجب أن يكون ذكاراً شكاراً بكاء من الله عز وجل، يقول ربنا سبحانه وتعالى للرسول صلى الله عليه وسلم:{وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} [الكهف:28].
وعندما يدعوك أحد الناس لحضور حفل جميل فيه أغان لطيفة، والآخر يدعوك لحضور درس للشيخ فلان، فتقارن بينهما فتصبر مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي، ولا تطع من اتبع هواه وكان أمره فرطاً، والفرط في اللغة هو المفكوك.
والذكر قد يكون بالجوارح، فالعين تنظر في المصحف، واليد تعطي صدقة، وأما التذكر فلا يكون إلا في القلب، وهو التدبر، وهذا هو المطلوب، لأن القرآن حجة على الذي يقرأ ولا يتدبر.
والمقصود بقوله تعالى: {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:28] هو ذكر الله في كل وقت، فمن كان خائفاً فقال: يا قوي! أمني، أمنه سبحانه وتعالى، أو كان فقيراً فقال: يا غني! أغنني، أغناه الله عز وجل، أو كان ضعيفاً فقال: يا قوي! قوني، أو كان مهزوماً فقال: يا ناصر! انصرني، أو يا ستار استرني، فهو في معية الله، فيطمئن القلب بالله سبحانه وتعالى! ولو قال رجل مثلاً: أنا خالي فلان، وأنا عمي فلان، وأنا أبي فلان، وأنا شهاداتي كذا، وأنا في المركز الاجتماعي كذا، فإنه لا يستطيع أحد أن يكلمه، فما بالك بمن قال: وأنا ربي الله سبحانه وتعالى.
النوع الرابع: الاغترار بالدنيا، فإن من طول الأمل الاغترار بالدنيا، فالمغتر يريد أن يدوس على كل الناس في سبيل أن يصل إلى هدفه، وينكد على كل البشر في سبيل أن يبقى هو، ويفقر كل العالم في سبيل أن يشبع هو، وهناك دول غنية تأتي بالغذاء وتلقيه في البحر؛ حتى لا تهبط قيمته في الأسواق! ويرحمون القطط والكلاب والدببة التي تعيش في شمال القطب، ولا يرحمون الذي يدب على الأرض من بشر، فهؤلاء مغترون بالدنيا.
وفي الحديث: (من أقام الصلاة في وقتها، وأسبغ وضوءها، وأتم ركوعها وسجودها، حشر مع النبيين والصديقين، ومن ضيعها حشر مع فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف).
فهؤلاء الأربعة هم ملك في مملكة، ووزير في وزارة، وتاجر صاحب تجارة مال، وغني صاحب أموال كثيرة.
فهل رأيت رئيس مجلس الإدارة أو المدير المسئول أو رئيس البنك -إلا من رحم ربي- يأتي وقت الصلاة وهو يدخل حسابات ومليارات وملايين فيتركها ليصلي؟ كلا، وإنما يقول: هذا عمل وهذا عمل، والعمل عبادة، ويقيس هذا بذاك، وتختلط عليه الأمور والعياذ بالله رب العالمين.
النوع الخامس: الأمن من مكر الله، وهو من كبائر القلوب، والمؤمن لا يأمن من مكر الله.
والصلاة لا تقبل إلا إذا أسبغت وضوءها، وأتممت ركوعها وسجودها، والثواب في الصلاة على قدر الخشوع، فلا تقبل الصلاة مائة بالمائة إلا ما يعقل منها.
حتى إن العلماء أباحوا لنا أن نستعيذ بالله من الشيطان إن وسوس لنا في صلاتنا، وهذا لا يبطل الصلاة، فالله تعالى يقول:{وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} [الأعراف:200] أي: قل: أعوذ بالله، ولو في وقت الصلاة بأن تقطع القراءة، ثم تقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ثم تعود إلى القراءة مرة أخرى وهكذا، ولا تعيد الفاتحة ولا الركعة.