المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أهمية الوقت ونماذج من حرص الصالحين عليه - دروس الشيخ أسامة سليمان - جـ ٣٩

[أسامة سليمان]

فهرس الكتاب

- ‌الوقت وحرص الصالحين عليه

- ‌أهمية الوقت ونماذج من حرص الصالحين عليه

- ‌إقامة الشعائر في شهر رمضان

- ‌قيام الليل

- ‌القرآن

- ‌الصدقة

- ‌الذكر والاستغفار

- ‌الدعاء

- ‌أطوار تشريع الصيام

- ‌أقسام الصيام

- ‌الصيام الواجب

- ‌الصيام المندوب

- ‌الصيام المكروه والمحرم

- ‌آداب الصيام

- ‌الأسئلة

- ‌حكم صيام المريض الذي لا يرجى برؤه

- ‌ما يكون طعام المسكين في الكفارات ونحوها

- ‌حكم تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين

- ‌حكم استعمال الصائم البخاخ الموسع للشعب الهوائية

- ‌معنى الاعتكاف وشروطه

- ‌حكم خروج المعتكف لقضاء حاجة أخيه

- ‌بيان المساجد التي يستحب الاعتكاف فيها

- ‌الفرق بين صلاة التهجد وصلاة القيام والتراويح

- ‌حكم الاكتفاء بقيام أول الليل من رمضان عن التهجد في آخر الليل

- ‌حكم وضع الصائم حبة على لسانه عند الشعور بأزمة قلبية

- ‌حكم تدريس المعلمة المنتقبة للشباب

- ‌نصيحة لكل شاب يدرس في الجامعة ويخشى الفتنة

- ‌حكم السفر من بلدة صام أهلها أول الشهر إلى بلدة تأخر صوم أهلها عنه

- ‌حكم الاعتداء على الشيخ الكبير والنساء والأطفال في دار الحرب

- ‌حكم الصلاة في القطار أو الطائرة أو أي مركب آخر

- ‌حكم التسحر بعد الأذان

- ‌نصيحة لمن يشاهدون التلفاز

- ‌حكم صيام امرأة سقط حملها في شهرين

- ‌حكم فانوس رمضان

- ‌حكم صيام المتبرجة والسافرة

- ‌حكم إمامة الرجل للنساء

- ‌حكم الصلاة في فصل مدرسي فيه صور

- ‌حكم تدريس معلمة منتقبة لطلاب عندهم إعاقة ذهنية

- ‌حكم السحور بعد منتصف الليل

الفصل: ‌أهمية الوقت ونماذج من حرص الصالحين عليه

‌أهمية الوقت ونماذج من حرص الصالحين عليه

الحمد لله رب العالمين {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ * ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ} [السجدة:7 - 9]، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} [فاطر:3]، خلق الإنسان من سلالة من طين، ثم جعله نطفة في قرار مكين، ثم خلق النطفة علقة سوداء للناظرين، ثم خلق العلقة مضغة بقدر أكلة الماضغين، ثم خلق المضغة عظاماً كأساس لهذا البناء المتين، ثم كسا العظام لحماً هي له كالثوب للابسين، ثم أنشأه خلقاً آخر {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ} [المؤمنون:14 - 16].

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، يغني فقيراً، ويفقر غنياً، ويعز ذليلاً، ويذل عزيزاً، ويملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، مستوٍ على عرشه، بائن من خلقه، لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، وأشهد أن نبينا ورسولنا وشفيعنا وسيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، فما ترك من خير يقربنا من الجنة إلا وأمرنا به، وما من شر يقربنا من النار إلا ونهانا عنه، فترك الأمة على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه في الأولين والآخرين، والملأ الأعلى إلى يوم الدين.

أما بعد: فيا أيها الإخوة الكرام الأحباب! إن اغتنام الأوقات والأنفاس واللحظات والساعات فيما يقرب من رب البريات لهو عمل السعداء، والأتقياء لا يفرطون في لحظة أو في دقيقة إلا وشغلوها بذكر الله أو بطاعة الله؛ لأنهم يعلمون أن الأوقات هي رأس مال العبد، وكان الحسن البصري يقول: يا ابن آدم! إنما أنت أيام كلما ذهب يوم ذهب بعضك، ومما يبين خطورة الوقت والزمن في حياة المسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيما رواه البخاري:(نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ)، أي: أن الكثير من الناس لا يستغل نعمة الصحة ونعمة الفراغ، وعند احتضاره يندم على كل وقت مضى عليه دون أن يعمره بطاعة الله؛ ولذلك من الأسئلة التي يسأل عنها العبد يوم القيامة:(عن عمره فيم أفناه، وعن شبابه فيم أبلاه).

ويتضح المعنى جلياً عند تمني الرجعة عند خروج الروح: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ} [المؤمنون:99 - 100]، {وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا} [فاطر:37] في النار، {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} [فاطر:37]، يندمون على أوقاتهم التي ضيعوها في اللهو والعبث أمام مظاهر الإفك والمنكرات، ويعضون على أصابع الندم، ولكن المسلم على بصيرة من أمره.

أحبتي الكرام! انظروا إلى حال سلفنا في اغتنام الأوقات والساعات واللحظات في طاعة رب العالمين سبحانه، كان ابن عقيل -من الحنابلة- يختار سف الكعك على مضغ الطعام، فسئل: لم تفعل ذلك؟ قال: لأني وجدت المسافة بين السف والمضغ قدر قراءة خمسين آية من كتاب الله، لا إله إلا الله! ليس عنده وقت ليمضغ الطعام فيسفه سفاً، أين أوقاتنا يا عباد الله؟! وقال رجل للأحنف بن قيس: قف أكلمك.

قال له: أمسك الشمس حتى أتحدث معك.

وقال الخليل بن أحمد: أثقل ساعة علي ساعة آكل فيها الطعام؛ لأنها تمنعني عن ذكر ربي عز وجل.

أحبتي الكرام! أرأيتم الهمم العالية؟! وكان سفيان الثوري يطلب العلم ويتعارض طلبه للعلم مع عمله، فقال لأمه: إن عملي يشغلني عن طلب العلم كثيراً، فماذا قالت المرأة لابنها؟ يا بني! تفرغ أنت لطلب العلم، وأنا سأكفيك بمغزلي هذا، وانطلقت الأم تعمل وتنفق على ولدها طالب العلم.

وكان ابن عباس حبر الأمة وترجمان القرآن يأتي إلى أبي بن كعب رضي الله عنه ليسأله في مسألة شرعية، فينام على بابه ويقيل حتى يخرج إليه أبي، فيسأله ابن عباس عن حاجته.

أرأيتم الهمم يا عباد الله؟! اغتنموا الأوقات في طاعة الله حتى لا تتحسروا يوم القيامة على أي وقت لم تشغلوه بطاعة الله وذكره.

وكان حرص سلفنا الصالح على الأوقات كحرصنا نحن على الدرهم والدينار،

ص: 2