المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌حرمة النفس المؤمنة - دروس الشيخ سعد البريك - جـ ٢٢٨

[سعد البريك]

الفصل: ‌حرمة النفس المؤمنة

‌حرمة النفس المؤمنة

ثم اعلموا -أيها الأحبة- أن الأمن على النفوس من ثمرات الأمن أيضاً، بل إن الشريعة جاءت بحفظ هذا، لذا حرم الله قتل النفوس وإزهاقها:{وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} [الأنعام:151] وقال صلى الله عليه وسلم: (اجتنبوا السبع الموبقات، المهلكات، القاذفات بصاحبها في النار، وذكر منها قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق) رواه البخاري ومسلم.

إن دم المؤمن عظيمٌ خطير جليل، قال صلى الله عليه وسلم:(لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجلٍ مسلم) رواه النسائي والترمذي والحديث حسن.

أيها الأحبة: بل أعظم من هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطوف بالكعبة، فنظر إليها نظرة الإكبار والإجلال وتعظيم شعائر الله فقال:(ما أطيبكِ وما أطيب ريحكِ! وما أعظمكِ وما أعظم حرمتكِ! والذي نفس محمدٍ بيده، لحرمة المؤمن عند الله أعظم من حرمتكِ) أخرجه ابن ماجة.

أيها الأحبة: إذا كان هذا شأن دم المؤمن وشأن روحه ونفسه، فتخيلوا أمةً لا أمن فيها، كم من طلقةٍ عشواء على صدرٍ بريء! وكم من سهمٍ طائش على مقلةٍ بريئة! وكم من دمٍ يراق! وكم من جرحٍ ينزف! وكم من قتلى ومشردين ليس لهم ذنبٌ ولا جريرة! أيها الأحبة: ما ظنكم لو أننا عشنا بلا حاكم أو إمام، من الذي يقتص من القاتل؟ من الذي يقوم بالقود لأولياء المقتول؟ من الذي يجيء بالقاتل قد غطيت عيناه وغلت يده إلى كتفه، ثم يجثم به في ساحة العدل وتُسلط إليه فوهة البندقية، أو يسل السيف على رأسه ثم يضرب ضربةً يتدحرج رأسه بعدها والناس ينظرون، وهول المشهد وفجاعة المنظر تقول لكل نفسٍ شاهدة، ولكل أذنٌ سامعة: إن هذا جزاء من اعتدى على دمٍ مسلمٍ أو حرمة ماله ونفسه، أين سيوجد هذا؟ وأين سيكون هذا لو اختل الأمن؟ على مشهدٍ وعلى ملأ في ساحة عدلٍ أمام الناس، هل يوجد هذا عند الأنظمة القانونية؟ محامٍ بارع يجعل القاتل بريئاً، ويجعل البريء متهماً، ويحول القصاص إلى حكم بخمس سنوات، أو بعشرة آلاف من الجنيهات أو الدولارات أو الريالات أو غير ذلك، سم ما شئت من عملة، المهم أنه إن لم يوجد إمام وحاكم تهابه الأمة، إن لم يوجد علماء لهم سلطة على العامة والرعاع، إن لم يوجد قضاة يشتركون في مجالس مشتركة، فيكونون مؤتمنين على كل قطرة دمٍ يحكمون بها ولها وعليها على كل جارحةٍ يقتصون منها فيما اعتدت ضاعت الأمة، لا يوجد قصاصٌ ولا محكمةٌ ولا أمنٌ حينما يختل الأمن ولا ينضبط الناس بإمام أو حاكمٍ:

لا يصلح فوضى لا سراة لهم ولا تراث إذا جهالهم سادوا

تبقى الأمور بأهل الخير ما صلحت وإن تضل فبالأشرار تنقاد

اللهم ولِّ علينا خيارنا، واكفنا شرارنا يا رب العالمين.

ص: 5