الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ
1 -
قَرَأْتُ عَلَى الْعَلَّامَةِ أَبِي إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ الْبَعْليِّ بِالْقَاهِرَةِ: أَخْبَرَكُمْ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ الْفَخْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحَمْنِ بْنِ يُوسُفَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْبَعْلِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَحْمَدَ الْمَقْدِسِيُّ، أنا يَحْيَى بْنُ مَحْمُودِ بْنِ سَعْدٍ، أَخْبَرَتْنَا فَاطِمَةُ بِنْتُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عَقِيلٍ، وَأَبُو عَدْنَانَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْمُطَهَّرِ بْنِ أَبِي نِزَارٍ، قَالا: أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رِيذَةَ، أنا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَيُّوبَ اللَّخْمِيُّ، ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنِ رُمَاحِسٍ الْقَيْسِيُّ بِرَمَادَةِ الرَّمْلَةِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسَبْعِينَ وَمِائَتَيْنِ، ثنا أَبُو عَمْرٍو زِيَادِ بْنِ طَارِقٍ ، وَكَانَ قَدْ أَتَتْ عَلَيْهِ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ سَنَةٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَرْوَلٍ زُهَيْرَ بْنَ صُرَدٍ الجُشَمِيَّ، يَقُولُ:
لَمَّا أَسَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ حُنَيْنٍ؛ يَوْمَ هَوَازِنَ، وَذَهَبَ يُفَرِّقُ السَّبْيَ، أَتَيْتُهُ، فَأَنْشَدْتُهُ أَقُولُ:
امْنُنْ عَلَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ فِي كَرَمٍ
…
فَإِنَّكَ المَرْءُ نَرْجُوهُ وَنَنْتَظِرُ
امْنُنْ عَلَى بَيْضَةٍ قَدْ عَاقَهَا قَدَرٌ
…
مُشَتَّتٌ شَمْلُهَا فِي دَهْرِهَا غِيَرُ
أَبْقَتْ لَنَا الدَّهْرَ هَتَّافًا عَلَى حُزْنٍ
…
عَلَى قُلُوبِهِمُ الغَمَّاءُ وَالغُمَرُ
إِنْ لَمْ تُدَارِكْهُمُ نَعْمَاءٌ تَنْشُرُهَا
…
يَا أَرْجَحَ النَّاسِ حِلْمًا حِينَ يُخْتَبَرُ
امْنُنْ عَلَى نِسْوَةٍ قَدْ كُنْتَ تَرْضَعُهَا
…
إِذْ فُوكَ تَمْلَأُهُ مِنْ مَخْضِهَا الدَّرَرُ
إِذْ أَنْتَ طِفْلٌ صَغِيرٌ كُنْتَ تَرْضَعُهَا
…
وَإِذْ يَزِينُكَ مَا تَأْتِي وَمَا تَذَرُ
لا تَجْعَلْنَا كَمَنْ شَالَتْ نَعَامَتُهُ
…
وَاسْتَبْقِ مِنَّا فَإِنَّا مَعْشَرٌ زُهُرُ
إِنَّا لَنَشْكُرُ لِلنَّعْمَاءِ إِنْ كُفِرَتْ
…
وَعِنْدَنَا بَعْدَ هَذَا الْيَوْمِ مُدَّخَرُ
فَأَلْبِسِ الْعَفْوَ ، قَدْ كُنْتَ تَرْضَعُهُ
…
مِنْ أُمَّهَاتِكَ إِنَّ الْعَفْوَ مُشْتَهِرُ
يَا خَيْرَ مَنْ مَرِحَتْ كُمْتُ الْجِيَادِ بِهِ
…
عِنْدَ الْهِيَاجِ إِذَا مَا اسَتَوْقَدَ الشَّرَرُ
إِنَّا نَُؤَمِّلُ عَفْوًا مِنْكَ تَلْبَسُهُ
…
هَذِي الْبَرِيَّةُ إِذْ تَعْفُو وَتَنْتَصِرُ
فَاعْفُ عَفَا اللَّهُ عَمَّا أَنْتَ رَاهِبُهُ
…
يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِذْ يُهْدَى لَكَ الْظَفَرُ
فَلَمَّا سَمِعَ هَذَا الشِّعْرَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«مَا كَانَ لِي وَلِبَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَهُوَ لَكُمْ» .
وَقَالَتْ قُرَيْشُ: مَا كَانَ لَنَا فَهُوَ للَّهِ وَلِرَسُولِهِ، وَقَالَتِ الْأَنْصَارُ: مَا كَانَ لَنَا فَهُوَ للَّهِ وَرَسُولِهِ.
وَبِهِ قَالَ الطَّبَرَانِيُّ: لا يُرْوَى عَنْ زُهَيْرٍ بِهَذَا التَّمَامِ إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ، تَفَرَّدَ بِهِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ رُمَاحِسِ.
هَذَا حَدْيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، رَوَاهُ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ قَانِعٍ فِي مُعْجَمِهِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيٍّ الْخَوَّاصِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، فَوَقَعَ لَنَا بَدَلًا عَالِيًا.
وَرَوَاهُ الْحَافِظُ ضِيَاءُ الدِّينِ الْمَقْدِسِيُّ فِي كِتَابِهِ الْأَحَادِيثُ الْمُخْتَارَةُ مِمَّا لَيْسَ فِي وَاحِدٍ مِنَ الصَّحِيحَيْنِ مِنْ وَجْهَيْنِ إِلَى الطَّبَرَانِيِّ.
فَقَرَأْتُ عَلَى فَاطِمَةَ بِنْتِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الْمُنَجَّا بِدِمَشْقَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ حَمْزَةَ الْمَقْدِسِيِّ، أَنَّ الْحَافِظَ أَبَا عَبِدِ اللَّهِ مُحَمَّدَ بْنَ الْوَاحِدِ الْمَقْدِسِيَّ
الضِّيَاءَ أَخْبَرَهُمْ سَمَاعًا عَلَيْهِ، قَالَ بَعْدَ أَنْ أَخْرَجَ هَذَا الْحَدِيثَ: زُهَيْرٌ لَمْ يَذْكُرْهُ الْبُخَارِيُّ ، وَلا ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي كِتَابَيْهِمَا، وَلا زِيَادُ بْنُ طَارِقٍ.
وَقَدْ رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، نَحْوَ هَذِهِ الْقِصَّةِ وَالشِّعْرِ.
وَسَاقَهُ مِنْ طَرِيقِ الطَّبَرَانِيِّ بِتَمَامِهِ.
قُلْتُ: وَلا أَعْلَمُ لِلْحَافِظِ ضِيَاءِ الدِّينِ فِي صَحِيحِهِ سَلَفًا، لَكِنَّ رُوَاتَهُ لَمْ يُجَرَّحُوا، وَقَدْ صَرَّحَ كُلٌّ مِنْهُمْ بِالسَّمَاعِ مِنْ شَيْخِهِ، فَهُوَ فَرْدٌ غَرِيبٌ لا وَجْهَ لِتَضْعِيفِهِ.
وَأَمَّا قَوْلُ الْإِمَامِ أَبِي عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْبَرِّ ، فِيمَا قَرَأْتُ عَلَى أَحْمَدَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ سِبْطِ الرَّقِّي بِدِمَشْقَ: أَخْبَرَكُمُ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ جَابِرٍ الْقَيْسِيُّ حُضُورًا وَإِجَازَةً، أنا الْإِمَامُ الْقَاضِي أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ الْغَمَّازِ، أنا الْحَافِظُ أَبُو الرَّبِيعِ سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى بْنِ سَالِمٍ الْكَلاعِيُّ سَمَاعًا، قَالَ: أَجَازَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ زَرْقُونٍ، عَنْ أَبِي عِمَرَانَ مُوسَى بْنِ أَبِي تَلِيدٍ، ثنا الْحَافِظُ أَبُو عُمَرَ كِتَابُ الاسْتِيعَابِ لَهُ ، قَالَ: زُهَيْرُ بْنُ صُرَدٍ أَبُو صُرَدٍ الْجُشَمِيُّ السَّعْدِيُّ مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ، وَقِيلَ: يُكْنَى أَبَا جَرْوَلٍ، كَانَ رَئِيسَ قَوْمِهِ، وَقَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي وَفْدِ هَوَازنَ إِذْ فَرَغَ مِنْ حُنَيْنٍ فَسَرَدَ أَبُو عُمَرُ الْقِصَّةَ، ثُمَّ أَسْنَدَهَا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِهِ: إِلَّا أَنَّ فِي الشِّعْرِ يَعْنِي الَّذِي سَاقَهُ بَيْتَيْنِ لَمْ يَذْكُرْهُمَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ فِي حَدِيثِهِ، وَذَكَرَهُمَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ رُمَاحِسِ، عَنْ زِيَادِ بْنِ طَارِقٍ، عَنْ
زِيَادِ بْنِ صُرَدِ بْنِ زُهَيْرِ بْنِ صُرَدٍ ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ زُهَيْرِ بْنِ صُرَدٍ أَبِي جَرْوَلٍ أَنَّهُ حَدَّثَهُ هَذَا الْحَدِيثَ.
انْتَهَى.
فَمَا أَعْلَمُ لَهُ مُتَابِعًا عَلَى ذَلِكَ، وَلا سَاقَ إِسْنَادَهُ إِلَى عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ رُمَاحِسِ، حَتَّى نَعْلَمَ حَالَ مَنْ زَادَ هَذَيْنِ فِي إِسْنَادِهِ، فَقَدْ رَوَاهُ عَنِ ابْنِ رُمَاحِسِ الْمَذْكُورِ: أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ الَّذِي سُقْنَاهُ مِنْ طَرِيقِهِ، وَأَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَاصِمٍ، وَأَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادِ بْنِ الْأَعْرَابِيُّ الْحَافِظُ الزَّاهِدُ، وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مَحْمُوَيْهِ الْعَسْكَرِيُّ، وَأَبُو الْحُسَيْنِ أَحْمَدُ بْنُ زَكَرِيَّا، وَالْأَمِيرُ بَدْرُ الْحَمَامِيُّ، وَالْحَسَنُ بْنُ زَيْدٍ الْجَعْفَرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عِيسَى الْمَقْدِسِيُّ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ الْخَوَّاصِ.
فَهَؤُلاءِ عَدَدٌ مِنَ الثِّقَاتِ رَوَوْهُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ رُمَاحِسِ، قَالَ: ثنا زِيَادٌ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَرْوَلٍ.
فَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُمْ أَقْرَبُ إِلَى الصَّوَابِ، وَالْعَدَدُ الْكَثِيرُ أَوْلَى بِالْحِفْظِ مِنَ الْوَاحِدِ، لاسِيَّمَا وَهُوَ لَمْ يُسَمَّى.
وَأَمَّا الَّذِي أُنْبِئْتُ عَنِ الْحَافِظِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عُثْمَانَ الذَّهَبِيِّ رحمه الله، قَالَ فِي كِتَابِ الْمِيزَانِ لَهُ فِي تَرْجَمَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ رُمَاحِسِ: وَكَانَ مُعَمِّرًا، مَا رَأَيْتُ لِلْمُتَقَدِّمِينَ فِيهِ جَرَحًا، وَمَا هُوَ بِمَعْتَمَدٍ عَلَيْهِ، ثُمَّ رَأَيْتُ لِلْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ عِلَّةً قَادِحَةً، قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ البَرِّ فِي شِعْرِ زُهَيْرٍ: رَوَاهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ رُمَاحِسِ، عَنْ زِيَادِ بْنِ طَارِقٍ، عَنْ زِيَادِ بْنِ صُرَدِ بْنِ زُهَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ زُهَيْرِ بْنِ صُرَدٍ.
فَعَمَدَ عُبَيْدُ اللَّهِ إِلَى الْإِسْنَادِ
فَأَسْقَطَ رَجُلَيْنِ مُنْهُ، وَمَا قَنَعَ بِذَلِكَ حَتَّى صَرَّحَ بِأَنَّ زِيَادَ بْنَ طَارِقٍ قَالَ: حَدَّثَنِي زُهَيْرٌ.
انْتَهَى.
فَهَذَا تَحُكُّمٌ بِلَا دَلِيلٍ، وَسِيَاقُ الذَّهَبِيِّ يُوهِمُ أَنَّ الْجَمِيعَ مِنْ كَلامِ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلِ انْتَهَى كَلامُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ قَبْلَ قَوْلِهِ: فَعَمَدَ، وَمِنْ قَوْلِهِ: فَعَمَدَ، إِلَى آخِرِهِ، فَقَالَهُ الذَّهَبِيُّ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ، بَانِيًا عَلَى مَا حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَمُضَعِّفًا بِهِ الْحَدِيثَ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ قَوْلَ ابْنَ عَبْدِ الْبَرِّ لَمْ يَسْنِدْهُ.
وَأَمَّا مَا قَرَأْتُ عَلَى شَيْخِنَا أَبِي الْفَضْلِ بْنِ الْحُسَيْنِ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه فِي آخِرِ أَرْبَعِينِهِ العِشَارِيَّةِ: وَإِنَّمَا ذَكَرْتُ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ الْتُسَاعِيَّةَ لِبَيَانِ أَمْرَهَا، خُصُوصًا هَذَا الْأَخِيرَ الَّذِي فِيهِ إِسْقَاطُ رَجُلَيْنِ، فَقَدْ أَوْرَدَهُ الْحَافِظُ الشَّرِيفُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ الْحُسَيْنِيِّ فِي ثُمَانِيَّاتِ النَّجِيبِ، وَالْحَافِظُ أَبُو الْفَتْحِ الْيَعْمُرِيُّ فِي ثُمَانِيَّاتِ مُؤْنِسَةَ خَاتُونَ وَسُبَاعِيَّاتِهَا.
انْتَهَى.
فَإِنَّهُ قَلَّدَ فِي ذَلِكَ الْحَافِظَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الذَهَبِيَّ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ