الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السلف ومراقبة الله
أين الناس من مراقبة الله في هذا الزمان؟! أين الناس من زمان مر فيه عمر بن الخطاب رضي الله عنه ذات ليلة، فسمع أمَّاً تقول لبنتها:[يا بُنَيَّة! قومي فامذُقي اللبن بالماء، قالت البنت: يا أماه! إن هذا لا يجوز، ،إن أمير المؤمنين قد نهى عن هذا! فقالت الأم: إن عمر لا يرانا الآن، فالتفتت البُنَيَّة إلى أمها صائحة، وقالت: يا أماه! إن كان عمر لا يرانا، فإن رب عمر يرانا].
وكان ابن عمر ذات يوم في برية، فوجد راعياً، وأراد أن يمتحنه، فقال: [اذبح لنا شاة من هذه الشياة، قال: لا.
إنها ليست لي، وإن شئتَ حلبت لك شاة منها، فتشرب لبناً قال: لا.
أعطنيها وخذ قيمتها من الدنانير، وإذا جاء صاحبها قل: إن الذئب افترسها وماتت، فالتفت الراعي إلى ابن عمر، وقال: فأين الله؟! فأين الله؟! فأين الله؟! -صاح ثلاثاً، وهو يقول: فأين الله- إن غاب الراعي، فإن ربي ورب الراعي موجود، لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في السماء ولا في الأرض].
فما بال الناس في هذا الزمان يعتدون تحت سمع السلطة وبصرها بعضهم على بعض، ويعلمون أن الله رقيب حسيب؟ لكن
إذا الإيمان ضاع فلا أمانٌ ولا دُنْيا لمن لم يحي دينا
والله لا لذة ولا هناءة ولا سعادة ولا استقرار إلا بالإيمان ومراقبة الله جل وعلا.
فاتقوا لله يا عباد الله.
جاءت امرأة إلى الإمام أحمد، وقد كان محبوساً في زمن المحنة، فقالت: يا أبا عبد الله! إن السلاطين يخرجون بالمشاعل على سطوح قصر الخليفة، أفيجوز أن أنسج الصوف في ظل نور قصر السلطان؟ قال: رحمكم الله! إنكم من آل بيت تقىً وزُهد، أنتم من آل فلان؟! قالت: نعم.
قال: فذاك أمر لا يخرج إلا من عندكم.
تسأل أبا عبد الله أحمد بن حنبل، تقول: أيجوز أن أنسج الغزل تحت أنوار قصر الخليفة؟ فيعجب أحمد بن حنبل: هذا كلام ليس من سائر الناس، هذا لا يكون إلا في بيت بني فلان، بيتٌ عُرف بالورع، وعُرف بالزهد، وعُرف بالتقى والمحاسبة.
عباد الله: لن نكون متشائمين إذا قلنا: إن لقمة الحلال في هذا الزمان نادرة! والله ثم والله ما أصاب الناس من الأمراض ومن المحن والمصائب وقلة الغيث وقلة الإجابة والبلاء والفتن، ما أصابهم إلا من لقم الحرام، من طعام الحرام، من شراب الحرام، كلهم لا يبالي إلا ما قل وندر في هذا الزمان، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم:(يمضي على الناس زمان، لا يسلم فيه أحدٌ من الربا، من لم يأكله صراحة أصابه من غباره) والله إنه لهذا الزمان، إن لقمة الحلال أندر من النادر في هذا الزمان، ولا حول ولا قوة إلا بالله! فلنراقب أنفسنا يا عباد الله، ولنحاسب أنفسنا فيما نركب، فيما نصْيَف، فيما نعمل في دوائرنا.
ثم انظروا عِظَم التساهل! كم يوجد عندنا في هذه المملكة من موظف؟ مليونا موظف -مثلاً- على وجه التقريب؟ لو كل موظف أتلف ورقة واحدة في يوم من الأيام لكان حصيلة التلف والإسراف وإهدار مال الأمة: مليوني ورقة في يوم واحد، فما بالك إذا غصب دفتراً، وهذا أخذ قلماً، وهذا أخذ سيارةً، وهذا صرف وقوداً، وهذا فعل، وهذا ترك، إن الناس لا يحاسِبون فيما يفعلون في هذا الزمان.
فراقبوا الله يا عباد الله، راقبوا الله في أنفسكم، وفيما ولاكم الله عليه.
يقول أحدهم لي: أنا مسئول دائرة من الدوائر، فيأتي موظف يقول: لو تسمح! تصوِّر لي هذا المخطط في هذه الآلة، فأقول: هذا ليس لك، وليس لي، وليس من حقنا؟ فيتهمني بالتعقيد والتشديد والتضييق.
نعم.
فليقل لك ما يقول، ما دامت ذمتك بريئة.
إذا أذن لك المسئول المفوض بالأمر والنهي في هذا، فعند ذلك برئت ذمتك، أما إذا كنتَ مسئولاً فلا تصرف قلماً، ولا تصرف ورقةً، ولا تصور قرطاساً، ولا تؤدِّ لتراً، إلا إذا كان مأذوناً لك فيه، وما سوى ذلك، فحسبك وذنوبك ونفسك أن تتحملها، فضلاً عن أن تحمل ذنوب الآخرين يوم القيامة.