المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الإنابة إلى الله عز وجل ومحبته - دروس الشيخ سعد البريك - جـ ٦٦

[سعد البريك]

الفصل: ‌الإنابة إلى الله عز وجل ومحبته

‌الإنابة إلى الله عز وجل ومحبته

ومن أسباب شرح الصدر: الإنابة إلى الله عز وجل، ومحبته بكل القلب، والإقبال عليه، والتنعم والتلذذ بعبادته، فلا شيء أشرح لصدر العبد من ذلك، حتى إن العبد أحياناً وهو في طريقه إلى المسجد، أو وهو في حال سجوده أو في حال ركوعه، أو في حال تلذذه بالمناجاة، أو بكائه في جوف الليل، أو وهو يمسح دموعه وهي تسفح على خديه، ويجد مع ذلك أنساً ولذة وانشراحاً، يقول: إن كانت الحال في الجنة كهذه الحال التي أنا فيها، فإنهم لفي عيش رغيد.

وللمحبة تأثير عجيب في انشراح الصدر، وطيب النفس، ونعيم القلب لا يعرفه إلا من له حس أو تجربة أو ذوق لذلك، وكلما كانت المحبة والانكسار والذلة والخشوع والمناجاة بين يدي الله عز وجل أعظم، كلما كان الصدر أفسح وأشرح، ولا يضيق الصدر حينئذ إلا عند رؤية البطالين الفارغين، فرؤيتهم قذا عينه، ومخالطتهم حمى روحه.

إن من أعظم أسباب ضيق الصدر: الإعراض عن الله عز وجل، وتعلق القلب بغيره، والغفلة عن ذكره، ومحبة سواه، فإن من أحب شيئاً غير الله عُذب به، انظروا إلى الذين أحبوا الدنيا حباً تعلقوا بها من أجله، فأصبحت الدنيا أحلامهم، وحديث صباحهم، وأنس عشيتهم، وسبيلهم ومطلبهم في صيفهم وشتاهم، وفي غدوهم ورواحهم، أحبوها فأذلتهم وعذبوا بها.

أما من أحب طاعة الله عز وجل فإنها ترفعه، وتشرح صدره، وتجمع له اللذات من جميع أطرافها، أما أولئك الذين لا هم لهم إلا الدنيا فقد جعلها الله عذاب أنفسهم وسجن قلوبههم، فما في الأرض أشقى منهم، ولا أكسف بالاً ولا أنكد عيشاً، ولا أتعب قلباً، إلا من جعل الدنيا قنطرة إلى الآخرة، وقال بالمال ها وها، وأنفق المال في سبيل الله، والدعوة إلى الله، وفي تجهيز الغزاة في سبيل الله، وكفالة أيتام المسلمين، ونشر العلم، وفي كل ما ينفع أمة الإسلام، فحينئذ تكون تجارته بركة ورحمة، بل ومن أسباب انشراح صدره أيضاً.

وبالخلاصة: فهما محبتان: محبة هي جنة الدنيا، وسرور النفس، ولذة القلب، ونعيم الروح، وغذاؤها ودواؤها بل حياتها وقرة عينها، وهي محبة الله وحده، ومحبة طاعته، ومحبة هدي نبيه، وانجذاب الميل والإرادة وكل الجوارح إلى ذلك.

ومحبة أخرى هي عذاب الروح، وغم النفس، وسجن القلب، وضيق الصدر، وهي سبب الألم والنكد والعناء، وهي محبة ما سواه سبحانه، انتهى ملخصاً من كلام ابن القيم.

وصدق الأول:

فما في الأرض أشقى من محب وإن وجد الهوى حلو المذاق

تراه باكياً في كل وقت مخافة فرقة أو لاشتياق

فيبكي إن نأوا شوقاً إليهم ويبكي إن دنوا حذر الفراق

أما من تعلق قلبه بالله، فهو في أنس دائم، وفي سعادة، وفي نعيم مستمر، أسأل الله ألا يحرمنا وإياكم لذة وانشراح الصدر بذكره.

ص: 7