الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الاهتمام بالأسئلة
الفائدة الخامسة التي تستفاد من الحديث: الاهتمام بالأسئلة؛ فإنه قد لا تفهم القضية من عرضها على الناس، وإنما تفهم بالسؤال، ولذلك ضيع الرسول صلى الله عليه وسلم السائل، واستمر في خطبته، وأعرض عنه، فانقسم الصحابة قسمين:
قسم قالوا: سمع ما قال فكره ما قال، لأنك تعرف من لمحات الشخص، ومن حركاته وسكناته أنه سمع أو لم يسمع.
وقسم قالوا: لا، بل لم يسمع، ولو سمع لأجاب، فلما انتهى صلى الله عليه وسلم قال:{أين أراه السائل عن الساعة؟} أين أراه: أي ليخرج نفسه، ويرى سؤاله ويعيد ما قال، فسأل فأعطاه صلى الله عليه وسلم العلامة، قال: متى الساعة يا رسول الله؟
قال: {إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة} وهذا جواب الحكيم عند أهل البلاغة؛ وجواب الحكيم أن يسألك بسؤال فتجيبه بجواب آخر لا يريده لكن فيه نفعه، الصحابي هذا البدوي يريد أمراً عجباً، يريد أن يخبره الرسول صلى الله عليه وسلم متى تقوم الساعة؟
لكن النبي صلى الله عليه وسلم أخبره بشيء أنفع له وكأنه يقول: أنت لا يهمك هذا، سل عما يهمك، ثم رده إلى الأمانة، وكأنه يقول: عليك بالأمانة، ومن أعظمها أمانة الله سبحانه وتعالى وهي العقيدة التي في القلوب، قال تعالى:{إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا} [الأحزاب:72] يقول أهل العلم: الأمانة ليس هي أن يستودعك إنسان خمسين ريالاً فتكون عليها أميناً وأنت في الوقت نفسه لا تصلي، بل إن أعظم الأمانة الصلوات الخمس في جماعة، قبلها حفظ الله عز وجل في كل وقت، فهي الأمانة العظمى.
وقد ورد في القرآن شبيه بذلك فقد سأل الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الهلال قالوا: يا محمد! كيف يبدو الهلال ضئيلاً ثم يكبر ثم يصغر؟ وهل هذا سؤال يستحق العرض؟! وما الفائدة منه؟ يقولون: كيف يبدأ كبيراً ثم يصغر؟ فأنزل الله قوله: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ} [البقرة:189]
و
الجواب
{ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة:189] لماذا لم تسألوا عن فائدة الأهلة، وعن منافعها؟ وسؤالهم مثل أنفسهم.
فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: {إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة} .
وضياع الأمانة كما قال أهل العلم: من علامات الساعة المتحققة في الناس أن تضيع الأمانة، قال الشيخ حافظ بن أحمد الحكمي رحمه الله رحمة واسعة:
وإن من علامة القيامة إضاعة الأمة للأمانة
والأمانة تضيع، عندما يذكر الأمناء في الناس يدل على ندرتهم، فيقال: في مدينة كذا في حي كذا رجل أمين، يعني: أن الآخرين بمفهوم المخالفة ليسوا أمناء، ولذلك فهذا مدح بما يشبه الذم، كأن تقول: في الفصل الفلاني أو المدرسة الفلانية رأيت خمسة منهم يصلون، يعني: أن البقية بمفهوم المخالفة مذمومون بكونهم لا يصلون، ولذلك يقول حذيفة في الصحيح:[[ولقد أتى علي زمان وما أبالي أيكم بايعت، لئن كان مسلماً رده علي الإسلام وإن كان نصرانياً رده علي ساعيه -رده عليه أي: السمسار الذي يبيع ويشتري- أما الآن فوالله ما كنت أبايع إلا فلاناً وفلاناً]] أي أنه ينتقي من الناس فلاناً وفلاناً؛ فضياع الأمانة من أكثر علامات قيام الساعة كما علم في هذا الحديث.