الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
معرفة الله عن طريق الفطرة
يقول العالم والمفكر ألكسيس كارل: إذا شككت في قدرة الله ووجود الله تفكرت في نفسي، وإنما أعرض هذه الأمثلة لأن الحق ما شهدت به الأعداء، والله يقول:{وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ} [الذاريات:21] يقول: مالكم لا تنظرون في أنفسكم وفي هذا الجهاز المعقد، وفي خلقكم البديع؟ في هاتين العينين والأذنين وهذا اللسان وهذه الأعضاء، من صوركم؟ ومن جعلكم تتكلمون وتذهبون وتأتون وتنامون وتستيقظون؟ إن جهازاً معقداً كالإنسان يدل دلالة كاملة على وجود الله عز وجل وتوحيده عز وجل وأنه مستحق للعبادة.
ولقد أخفقت الديانات المحرفة في عرض صورة حية للتوحيد لأنها تخالف الفطرة.
فـ النصرانية تعرض التوحيد عرضاً مشوهاً تقول: الثلاثة واحد، الله والابن وروح القدس، جلَّ الله عما يقولون، جعلوا عيسى عليه السلام -الذي هو عبد من عباد الله خلقه الله سبحانه وتعالى جعلوه شريكاً لله سبحانه وتعالى في الألوهية، وما اتخذ الله من ولد سبحانه وتعالى، بل خلق عيسى بكلمته تبارك وتعالى وهو عبد لله، فجعلوه ابناً لله ثم شريكاً له في الألوهية هذه هي النصرانية المحرفة.
وعرضت اليهودية التوحيد فشوهته وقالت: عزير ابن الله -وهو نبي من أنبيائه- قالت: هو ابن لله، وجل الله أن يتخذ صاحبة أو ولداً، وسوف أخبركم كيف عرض صلى الله عليه وسلم التوحيد وأخبرنا عن صفات الله عز وجل وعن أسمائه لنعرف من هو الله عز وجل، وقد عرفنا بنفسه في كتابه وفي آياته الكونية.
وصف الله سبحانه وتعالى نفسه في كتابه، وأخبرنا سبحانه وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، ثم وصف صلى الله عليه وسلم ربه تبارك وتعالى فأخبرنا بصفاته، وصفات الله صفات كمال.
أخبرنا سبحانه وتعالى عن نفسه أنه حي لا يموت فقال: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ * وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ} [الفرقان:56 - 58] فالله سبحانه وتعالى لا يموت، والناس يموتون.
ووصف نفسه سبحانه وتعالى بأنه لا تأخذه سنة ولا نوم، لا ينام لأنه يحفظ سبحانه وتعالى كل نفس بما كسبت، وهو الذي قامت بقيوميته وقدرته السماوات والأرض ومن فيهن، فلا ينام ولا تأخذه سنة، وهي أخف النوم، ثم وصف نفسه بأنه رحيم يرحم العبد، وإذا أذنب ثم تاب رحمه الله وغفر له فهو رحيم غفور.
وأنه سبحانه وتعالى شديد العقاب؛ من أذنب وأجرم ثم لم يتب وتمرد على الله وأصر على المعصية عاقبه الله، وأخبرنا أنه غني وأن ما سواه فقير، وأنه لا يحتاج إلى أحد، بل الناس كلهم محتاجون إليه سبحانه وتعالى؛ ولذلك يسمى صمداً، والصمد هو: الذي تصمد إليه الكائنات؛ أي: تتجه إليه سبحانه وتعالى وتطلب منه المدد، فهو الغني.
وأخبرنا أنه قوي متين سبحانه وتعالى، لا يضعف، وغيره ضعفاء مقهورون مربوبون.
وأخبرنا عن نفسه -وهي القضية الأولى- أنه واحد سبحانه وتعالى، ولم يتخذ صاحبة أي: ليس عنده زوجة سبحانه وتعالى ولا ولداً؛ لأنه لا يحتاج إلى ذلك.
وأخبرنا سبحانه وتعالى أنه على كل شيء قدير، فكل ما يريده سبحانه وتعالى فإنه يقع لا محالة، فأمره في كلمة كن، قال تعالى:{إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس:82] في كلمة واحدة ينفذ الله سبحانه وتعالى ويجري ما أراد، فهو الحي الذي لا يموت ولا ينام ولا يفتقر ولا يضعف سبحانه وتعالى، فهذه صفات الكمال نثبتها لله عز وجل، لكنه لا يشابه المخلوقين تبارك وتعالى، فله صفات تخصه، وللمخلوق صفات تخصه.
من أعظم صفاته سبحانه وتعالى صفة العلم، فهو يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، ويعلم السر وأخفى، يعلم السر وما يضمره الإنسان في قلبه مما هو أخفى من السر.
وما هو الذي أخفى من السر؟ هو الأمر الذي يريد أن يفكر به الإنسان ولكنه لم يفكر فيه إلى الآن، أي حتى الإنسان لا يعلم ذلك، لكن الله يعلم أن هذا الإنسان سوف يفكر في هذا الأمر بعد قليل.
وينفعنا هذا العلم بأن نراقب الله عز وجل فهو معنا حيثما كنا قال تعالى: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا} [المجادلة:7] فالمراقبة مفادها أن هناك رباً سبحانه وتعالى عليماً وأنه يعلم السر وأخفى، وأنه معنا لا نغيب عنه ولا نتستر بشيء، يرانا في الليل والنهار، ويراقب حركاتنا وسكناتنا، ثم يسجل لنا سبحانه وتعالى الحسنات والسيئات، حتى يوقفنا في اليوم الآخر عنده، فيحاسبنا على ما فعلنا، يقول: في يوم كذا وكذا فعلت كذا وكذا.
ولذلك تفيدنا صفة العلم في مراقبة الله عز وجل، وهي من أعظم الصفات التي يجب أن نستحضرها لمراقبة الله في السر والعلن، والليل والنهار، في كل زمان ومكان، ولذلك يقول صلى الله عليه وسلم موصياً أحد أصحابه:{اتق الله حيثما كنت} أي: في أي مكان كنت {وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن} .
وفي ختام هذه الكلمة! أسأل الله سبحانه وتعالى أن يثبتنا وإياكم حتى نلقاه، والذي نريده منكم أنتم أيها الداخلون في الإسلام أن تعودوا إلى أهليكم وذويكم وإلى بلادكم دعاة إلى الله عز وجل، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول:{لئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم} فيسألكم الله يوم القيامة عن أهلكم، يسأل الإنسان عن زوجته وأطفاله وجيرانه وأهله، هل بلغهم هذا الدين، وهي أعظم المبشرات لكم أن يهديكم الله عز وجل، ويضل غيركم، ويقدمكم ويؤخر غيركم، وهو توفيق منه سبحانه وتعالى؛ لأنه يعطي هذا الدين وهذا الإسلام من يحب، وأما الدنيا فيعطيها من يحب ومن لا يحب، والذي لا ينتهج نهج هذا الدين ولا يدخل في هذا الدين ميت قال تعالى:{أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام:122] فأنتم كنتم قبل أن تسلموا أمواتاً، ولو أنكم تعيشون وتتكلمون وتزاولون أعمالكم، لكن هذه ليست حياة، لأن الحياة هي اتصال القلوب بباريها سبحانه وتعالى ومعرفة الغيب والشهادة ومعرفة الحاضر والمستقبل، ومعرفة الدنيا والآخرة، أن تجعل بين الفناء والبقاء صلة وبين الضعف والقوة علاقة، فالله هو القوي وأنت الضعيف، والله هو الغني وأنت الفقير، قال تعالى:{أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ} [الأنعام:122] أي بالإسلام {وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ} [الأنعام:122] أي بالدعوة والبصيرة {كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ} [الأنعام:122] أي في الشرك والخرافة والجهل والضياع عن الله عز وجل، هل هذا مثل هذا؟ لا مساواة فبشرى لكم؛ أسأل الله لنا ولكم التوفيق والهداية.
والحمد لله رب العالمين.