المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌التفكر في آيات الله الكونية - دروس الشيخ عائض القرني - جـ ٢٩٣

[عائض القرني]

فهرس الكتاب

- ‌التوحيد أولاً

- ‌أهمية التوحيد

- ‌التوحيد هو أول ما يدعى إليه

- ‌حال الأمة مع التوحيد

- ‌التوحيد سر من أسرار الله في القلوب

- ‌تصحيح لا إله إلا الله

- ‌أثر لا إله إلا الله في التوكل على الله

- ‌جزاء تحقيق التوحيد

- ‌عاقبة تضييع التوحيد وإهماله

- ‌أسباب فساد العقيدة

- ‌أعداء التوحيد

- ‌من أعداء التوحيد إبليس وفرعون

- ‌من أعداء التوحيد: النمرود

- ‌دروس مهمة في التوحيد

- ‌تغير الكون بأمر الله

- ‌علم الكيمياء والتوحيد

- ‌التعلق بغير الله

- ‌التفكر في آيات الله الكونية

- ‌مقتضيات التوحيد

- ‌ترديد لا إله إلا الله كثيراً

- ‌تدبر معنى لا إله إلا الله

- ‌تطبيق لا إله إلا الله في الواقع

- ‌تقوية التوحيد بالتفكر في مخلوقات الله

- ‌تدبر لا إله إلا الله في القرآن

- ‌الأسئلة

- ‌قصيدة: سأعود للدنيا

- ‌موضع سجود السهو

- ‌زكاة الحلي الملبوس

- ‌المسافة التي تقصر فيها الصلاة

- ‌الغسل من الجنابة

- ‌معنى حديث (النهي عن بيعتين في بيعة)

- ‌ضعف حديث (الدعاء مخ العبادة)

- ‌حكم زيادة: إنك لا تخلف الميعاد

- ‌ضعف حديث: (رجعنا من الجهاد الأكبر إلى الجهاد الأصغر)

- ‌ضعف حديث: (قيدوا العلم بالكتاب)

- ‌حديث: (من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر)

- ‌حكم من خلط العمل الصالح بالسيء

- ‌خطر غلاء المهور والرشوة والإسراف

- ‌حكم العرضة المقرونة بالزير والمزمار في العرس

- ‌حال عصاة الموحدين في القبور

- ‌حقيقة الحجاب الشرعي

- ‌حكم تربية اللحية وحلقها

- ‌حكم الكشف على غير المحارم

- ‌حكم الصدقة علىآل البيت وتعظيم الصوفية

- ‌حكم من انتسب إلى غير نسبه

- ‌عدم السماع للأشرطة والمحاضرات وذمها

- ‌حكم العرضة في العرس

- ‌حكم الغناء

- ‌حكم الركعتين في غير المسجد كالمصلى وغيره

الفصل: ‌التفكر في آيات الله الكونية

‌التفكر في آيات الله الكونية

أيها المسلمون: أقف معكم في بعض الآيات في التوحيد وأشرحها.

يقول ابن كثير: رئي أبو نواس في المنام، والمنامات عندنا لا نتركها تركاً، ولا نجعلها أصلاً، ولا نعلق عليها أحكاماً، والذين قالوا: لا نأخذها ولا نذكرها، أخطئوا، والذين قالوا: نعتبرها أصولاً وأحكاماً أخطئوا، والوسط أنها مبشرات، وقد ذكرها عليه الصلاة والسلام والسلف.

هذا الشاعر رئي في المنام، قالوا: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي، قالوا: بماذا؟ قال: بقصيدتي في النرجس وهي قصيدة اسمها النرجسية في ديوان أبي نواس، يذكر توحيد الله في الورود؛ لأن الله خلقه في الكون {وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران:191].

والتوحيد أمر عجيب! هناك بعض الكبار لا يكتبون ولا يقرءون، لكن توحيدهم أعظم ممن يحمل رسالة الدكتوراه، فبعض الناس عنده دكتوراه لكن لا يصلي في المسجد، عنده فقط تصحيح المخطوط، وطبعة بولاق على دار الشروق، وأخر صلاة المسجد حتى الشروق! فما صلى لأنه مشغول برسالته، وسوف يجد الرسالة العظمى تنتظره عند الله، فليست المسألة بكثرة المعلومات التي تصب في سلة الأذهان، إنها سلة مهملات، لا تقيم وزناً في حياة العبد.

بعض الناس لا يقرأ ولا يكتب، لكن قرأ التوحيد في الكون.

وكتابي الفضاء أقرأ فيه سوراً ما قرأتها في كتاب

يقرأ التوحيد في السماء والأرض.

الرسول صلى الله عليه وسلم أمي لا يكتب ولا يقرأ، وأول ما أنزل الله إليه قوله:{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق:1].

قال أهل العلم: أين يقرأ عليه الصلاة والسلام، هو لم يقرأ ولم يكتب، قالوا معنى الآية: اقرأ في كتاب الكون، اقرأ في السماء اللامعة، اقرأ في النجوم الساطعة، اقرأ في الجدول والغدير، اقرأ في الماء النمير، اقرأ في الشجر، اقرأ في القمر، اقرأ في كل شيء.

يقول أبو نواس:

تأمل في نبات الأرض وانظر إلى آثار ما صنع المليك

يقول لماذا لا تتفكر في الأرض؟ {وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكاً فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ * وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ * رِزْقاً لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذَلِكَ الْخُرُوجُ} [ق:9 - 11] قال:

تأمل في نبات الأرض وانظر إلى آثار ما صنع المليك

عيون من لجينٍ شاخصات بأحداق هي الذهب السبيك

على قضب الزبرجد شاهدات بأن الله ليس له شريك

فأدخله الله الجنة، لأنه وحّده، وعرف أنه سبحانه وتعالى في هذا الكون، هذه قضية لا بد أن تفهم.

خرج أهل اليمن من صنعاء، يطلبون الغيث من الله، وكان معهم شيخ علم أمامهم، فلما استسقى بهم، ألقى قصيدة اسمها" قصيدة الاستسقاء" منظومة على وزن منظومة ابن دريد: يا ظبية أشبه شيء بالمها، يقول:

سبحان من يعفو ونهفو دائماً ولا يزل مهما هفا العبد عفا

يعطي الذي يخطي ولا يمنعه جلاله عن العطا لذي الخطا

لطائف الله وإن طال المدى كلمحة الطرف إذا الطرف سجى

كم فرج من بعد يأسٍ قد أتى وكم سرور قد أتى بعد الأسى

إلى أن ذكر الاستسقاء، فما انتهى منها إلا والناس يبكون والغيث يملأ البلاد، هو التوحيد الخالص، وهو التوحيد الذي يجعلك تترك فراشك لتقوم لصلاة الفجر في شدة البرد.

هذا التوحيد عاش مع أبنائنا، وبعض شبابنا في أمريكا وبريطانيا ودول الغرب، وهم بين دول الكفر، عندنا شاب طالب علم من الجزيرة، خرج بلا إله إلا الله ملئ قلبه، ما خرج بالغناء الماجن، ولا خرج بهل رأى الحب سكارى مثلنا، بل خرج بلا إله إلا الله، ووصل إلى لندن هناك، وكان مع أسرة إنجليزية، يعمل معهم، ويسكن معهم، وكان إذا حانت صلاة الفجر بتوقيت لندن، قام إلى الصنبور وفتح الماء وتوضأ، وقام يصلي، فتقول له عجوز إنجليزية: مالك تقوم في هذه الساعة؟! قال: أصلي، قالت: لو أخرت قليلاً؛ فإن الجو بارد، قال: لو أخرت ما قبل الله مني صلاتي! فهزت رأسها، وقالت: هذه إرادة تكسر الحديد، إرادة لا إله إلا الله، وقوة لا إله إلا الله، أن تجعل الشاب هناك وهو يعيش بين المعاصي والمنكرات والشهوات، يعيش كأنه من الصحابة، والله وجد هناك من يعيش في تلك البلاد الآثمة البغيضة اللعينة، وهو يقوم الليل ويصوم الإثنين والخميس، ويقرأ القرآن، ويدعو، ويجوب الولايات كلها، للدعوة إلى سبيل الله، لصدق لا إله إلا الله، ووجد عندنا هنا عند الركن والحطيم من لا يصلي الصلوات الخمس، حكمة بالغة، وقدرة نافذة، فما تغني النذر؛ لأن أولئك حملوا التوحيد الخالص الذي أتى به عليه الصلاة والسلام، وأما هؤلاء، فإنهم ركنوا إلى الشهوات والفروج والبطون فنسوا معالم لا إله إلا الله.

ص: 18