المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أعظم مصيبة موت النبي صلى الله عليه وسلم - دروس الشيخ عائض القرني - جـ ٣٠٤

[عائض القرني]

فهرس الكتاب

- ‌عبر ودروس من وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام

- ‌أعظم مصيبة موت النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌مرض النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌على فراش الموت

- ‌خروج النبي صلى الله عليه وسلم في مرض موته

- ‌أمر النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر أن يصلي بالناس

- ‌موته صلى الله عليه وسلم

- ‌موقف الصحابة من موته صلى الله عليه وسلم

- ‌مبايعة أبي بكر بالخلافة

- ‌تغسيل النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌دفنه صلى الله عليه وسلم

- ‌تركته صلى الله عليه وسلم

- ‌عبر من وفاته صلى الله عليه وسلم

- ‌الأسئلة

- ‌صحة استئذان الملك للرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌صحة حديث: (أكثروا من الصلاة علي يوم الجمعة)

- ‌دعاء الرسول لنفسه بإزالة المرض

- ‌سماع الأغاني

- ‌صحة حديث: (قتلني اليهود)

- ‌أسباب خشية الله

- ‌محبة الرسول صلى الله عليه وسلم وأسبابها

- ‌حديث: (من عظمت عليه مصيبة)

- ‌حكم بيع جهاز التصوير

- ‌تعبد النبي صلى الله عليه وسلم في قبره

- ‌صلاة الجنازة على النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌حكم تحية المسجد

- ‌رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام

- ‌حكم كتابة (ص) بدل صلى الله عليه وسلم

- ‌الرد على من زعم أنه يرى النبي صلى الله عليه وسلم جهرةً

- ‌حكم الكلام في المسجد

- ‌التعزية عند الموت

- ‌حكم عمل المرأة في البيع والشراء

- ‌معنى قوله صلى الله عليه وسلم: " إنكن صواحب يوسف

- ‌حكم نتف المرأة شعر يديها

- ‌أفضل كتاب في السيرة

- ‌قصيدة عن وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌قصيدة في مدح الشيخ ابن باز

الفصل: ‌أعظم مصيبة موت النبي صلى الله عليه وسلم

‌أعظم مصيبة موت النبي صلى الله عليه وسلم

الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وتَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مُنِيراً، وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً.

والصلاة والسلام على من بعثه ربه هادياً ومبشراً ونذيراً، وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً، هدى الله به الإنسانية، وأنار به أفكار البشرية، وزعزع به كيان الوثنية، أدى الأمانة، وبلغ الرسالة، وجاهد في الله ونصح، وزهد إلا فيما عند الله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

لا إله إلا الله {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [القصص:88] لا إله إلا الله {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإكْرَامِ} [الرحمن:26 - 27] لا إله إلا الله كتب الفناء على كل مخلوق واستأثر بالبقاء.

اللهم لك الحمد، أنت الحق، ووعدك حق، والجنة حق، والنار حق، والنبيون حق، ومحمد صلى الله عليه وسلم حق.

أمَّا بَعْد:

فو الله إني لمتحير كيف أدخل إلى هذا الموضوع، ومن أنا أمام هذا الموضوع المدهش المحير المبكي؟! إنه موضوع وفاته عليه الصلاة والسلام، إنه موضوع انتقاله إلى الرفيق الأعلى عليه أفضل الصلاة والسلام، وإني لأتقاصر حقارة أن أتحدث في هذا الموضوع، ولكن لا جدوى إلا بحديث يذكرنا بذاك الحدث الجلل، وكل حدث بعد وفاته هين سهل بسيط يسير.

قال الله عز وجل: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر:30] إطلاق لا تقييد فيه، وعموم لا خصوص فيه {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} [الرحمن:26] فليبن أهل البغي والعدوان بروجاً من التحسين إن شاءوا، فو الله ليموتن ولو كانوا في بروج مشيدة، والموت وما أدراك ما الموت؟!

مذهل، سماه الله مصيبة فقال:{إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ} [المائدة:106] وكان السلف إذا آنسوا من قلوبهم قسوة تذكروا الموت والقدوم على الله وما بعد الموت، فمات كل عضو من أعضائهم مكانه، وأثر عن ابن سيرين رضي الله عنه وأرضاه أنه كان إذا ذكر الموت وسأله سائل قال: والله ما أدري ماذا تقول، طاش عقلي من ذكر الموت.

وقال الحسن البصري رحمه الله: [[فضح الموت الدنيا، فلم يدع لذي لب فرحاً]].

فإذا كان الموت هو مصيبة، وإذا كان الانتقال إلى الله هو رزية؛ فما بالكم يا أجيال محمد صلى الله عليه وسلم، ويا أتباع محمد صلى الله عليه وسلم بحادث وفاته عليه الصلاة والسلام؟!

بلَّغ الرسالة، وجاهد في الله، وقام الليالي منذ قال الله له:{يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً} [المزمل:1 - 2] فو الله ما ارتاح ثلاثاً وعشرين سنة، قام فما ارتاح، ووقف فما جلس، سهر وعانى الجلاد والجهاد وفي توصية العباد، ونصحهم إلى الله عز وجل، ولما وقف بـ عرفة حوله أحبابه ومحبوه وأصحابه وأقربوه، كلهم يرى فيه القدوة والأسوة، وكلهم يرى فيه الأب الحاني، والأخ العاطف، والمشفق الناصح، والصادق الأمين الذي أنقذهم الله به من الوثنية، وقف وأنزل الله سبحانه وتعالى عليه قوله:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً} [المائدة:3] فتلاها على الناس، وعلم الناس أن فحوى الخطاب ولسان الحال يقول: إنك ميت فتأهب، وإنك مرتحل فتجهز، وإنك منتقل فودع أصحابك، فيقول عليه الصلاة والسلام بعدها:{يا أيها الناس: لعلي لا أراكم بعد هذا العام} ووالله ما رآهم بعد ذاك العام، فإذا البكاء وهم واقفون في هذا الصعيد، وإذا دموع الحزن تنهمر

إذا اشتبهت دموع في خدود تبين من بكى ممن تباكى

وعاد عليه الصلاة والسلام، قال ابن كثير رحمه الله: واستقر الركاب الشريف سنة إحدى عشرة في المدينة عائداً من من حجة الوداع، ومن موادعة الناس، ومن ذلك المؤتمر الذي استشهد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه، واستشهد الناس على أنه بلغ الرسالة فما كتم شيئاً، وأدى الأمانة فما ضن بشيء، فنشهد بالله ونشهد لله ونشهد في يومنا هذا إلى أن نلقى الله أنه ما كتم شيئاً، ولا هضم شيئاً، ولا ضن بشيء، بل بلغها كالشمس في واضحة النهار.

عاد إلى المدينة صلى الله عليه وسلم، وأخبره الله الخبر، وعلم أن كل من عليها فان، كما قال تعالى:{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران:185] ويقول جل ذكره: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران:144].

ص: 2