المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌حقيقة الموت الحمد لله رب العالمين ولي الصالحين، ولا عدوان إلا - دروس الشيخ عائض القرني - جـ ٦١

[عائض القرني]

فهرس الكتاب

- ‌أحكام الموت وما بعده

- ‌حقيقة الموت

- ‌أحكام ما قبل الموت

- ‌تذكر الموت

- ‌تمني الموت

- ‌المؤمن يموت بعرق الجبين

- ‌ما يلزم من حضر المحتضَر

- ‌قراءة سورة (يس) على الميت

- ‌أحكام ما بعد الموت

- ‌تسجية الميت

- ‌دين الميت

- ‌الماء الذي يغسل به الميت

- ‌غسل النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌تقبيل الميت وصفة غسله

- ‌صفة الكفن

- ‌التكفين بالقميص

- ‌لون الكفن

- ‌إحسان الكفن

- ‌جمع الموتى في قبر واحد

- ‌غسل أحد الزوجين الآخر

- ‌حكم الصلاة على من قتل حداً

- ‌الصلاة على قاتل نفسه

- ‌الصلاة على القبر

- ‌حكم النعي

- ‌الصلاة على الغائب

- ‌المرغوب في عدد المصلين

- ‌الصلاة على الجنازة في المسجد

- ‌صفة الصلاة على المرأة والدعاء لها

- ‌الصلاة على الميت والدعاء

- ‌أجر من شهد الجنازة وما يتعلق بذلك

- ‌موقع المشيع من الجنازة

- ‌اتباع النساء للجنازة

- ‌أحكام في الدفن وغيره

- ‌إدخال الميت القبر

- ‌زيارة القبور

- ‌عذاب الميت ببكاء أهله

- ‌التعزية

- ‌مصير أهل الكبائر، والشهادة لمعين بالجنة أو النار

- ‌الأسئلة

- ‌تلقين الميت في القبر

- ‌بطلان قصة عمر مع الملكين في القبر

- ‌الصلاة على شارب الدخان

- ‌الصلاة على تارك الصلاة

- ‌القبلة في الصلاة على القبر

الفصل: ‌ ‌حقيقة الموت الحمد لله رب العالمين ولي الصالحين، ولا عدوان إلا

‌حقيقة الموت

الحمد لله رب العالمين ولي الصالحين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وقدوة الناس أجمعين، وعلى آله وصحبه والتابعين.

أيها الفضلاء الأخيار! عنوان هذه المحاضرة (أحكام الموت وما بعده) ورقمها (305) وأسأل الله أن ينفع بها، وأن يجعلها في ميزان الحسنات.

أيها الكرام! الموت مخلوق من مخلوقات الله عزوجل، قال تعالى:{تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ} [الملك:1 - 2] ولكن إلى الآن ما اكتشف ما هو الموت، وصل العالم المادي إلى الذروة لكن ما اكتشف حقيقة الموت، لا يدرون ما هو، ولا كيف يموت الإنسان، ومتى يموت، لأن الله سبحانه وتعالى اختص بعلمه.

وقد توعد الله أعداءه بالموت فقال سبحانه: {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الجمعة:8].

يقول الحسن البصري رحمه الله: [[فضح الموت الدنيا، فلم يدع لذي لبٍّ فرحاً]] والمعنى: أن كل من انبسط وارتاح وسر بما عنده من مال وولد، وما عنده من منصبٍ ووظيفة، إذا ذكر الموت تكدر، إلا الحمقى والبلداء، فالله عزوجل جعل هذا الموت منغصاً.

دخل أحد الفضلاء على خليفة من الخلفاء العباسيين فقال له الخليفة: "أما ترى القصر؟ قال: رأيته.

قال: أما تراني؟ قال: رأيتك.

قال: أرأيت جيشي؟ قال: رأيته.

قال: ماذا تقول؟ قال:

أنت نعم الخليل لو كنت تبقى غير أن لا بقاء للإنسانِ

والله عزوجل لام الذين غُرُّوا، ولهوا بمتاعهم ولعبهم، فقال:{وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ * وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ} [إبراهيم:45 - 46].

يقول عدي بن زيد؛ وهو شاعر جاهلي، خرج مع النعمان بن المنذر قبل الإسلام، وكان عدي بن زيد رجلاً عاقلاً، أقسم ألا يشرب الخمر أبداً وهو في الجاهلية، فلما جلس مع السلطان الملك النعمان، أخذ السلطان يشرب الخمر، فقال له عدي بن زيد: "أبيت اللعنة -هذه كلمة تقال للملوك، ومعناها: أستأذنك في الكلام لا تغضب عليَّ- قال: قل، قال: أتدري ماذا تقول هذا الشجرة؟ وهي لا تتكلم، لكن أراد هذا الشاعر أن يدخل بموعظة إلى السلطان قال: لا أدري ماذا تقول.

قال: تقول الشجرة:

رب ركبٍ قد أناخوا حولنا يخلطون الخمر بالعذب الزلال

قد مضوا حيناً وساروا زمناً ثم صاروا جثثاً تحت الرمال

يقول: ألا تعتبر بأجدادك وقد أصبحوا جثثاً وأنت تشرب الخمر!! ألا تتفكر وتتأمل!!.

ويا أيها الإخوة: موضوع الموت، وما بعد الموت، والاستعداد للموت هو حديث الساعة؛ لأن كثيراً من الناس بعد الأحداث أصبح في هلعٍ ورعبٍ من الموت، ولا يخاف من الموت إلا اليهود، قال الله عنهم:{يَوَدُّ أحد هُمْ لَوْ يُعمر أَلْفَ سَنَةٍ} [البقرة:96] لأنهم ليس لهم آخرة ولا جنة عند الله، أما المسلم فالآخرة خيرٌ له من الدنيا، وأبقى وأحسن، يوم يكون مؤمناً بالله.

يقول سبحانه وتعالى، وقد أخبر رسوله عليه الصلاة والسلام بالموت وأنه كتبه على جميع الكائنات:{إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر:30] وقال: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران:144] والخلد في الدنيا من المستحيلات ولا يخلد من البشر أحد، وهو قول واحد بإجماع العقلاء من الناس قاطبة، قال سبحانه وتعالى:{وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ} [الأنبياء:34] ولكن ما هو أعظم زادٍ نتقدم به إلى الله؟ إنه الإيمان.

والبشرية الآن تبحث عن الإيمان، والإلحاد أصبح لا حقيقة له، أصبح كذباً ولعنةً، لا قرار له، حتى رؤساء الإلحاد والشيوعية في العالم تبرءوا من الإلحاد والشيوعية في العالم.

فهذا جرباتشوف -رئيس الشيوعيين في العالم، رئيس الاتحاد السوفيتي - يقول: في البروستريكا: "إن الإلحاد خرافة " ولذلك اعتنق النصرانية، وأثبت بعد الصفحة الخمسين من البروستريكا، يعني: إعادة البناء أنه مسيحي؛ لأنه وجد أن كفر الإنسان بالله كذب ولو وفق بداعية مسلم، وبإمام يقوده إلى الله، لكان مسلماً، ولكن الحكمة لله.

والشاهد أيها الإخوة: أريد أن أصل إلى الموضوع الذي أريد أن أتحدث عنه، وهو أحكام فصلها أهل السنة والجماعة في كتبهم، أريد أن نتدارسها اليوم؛ لأن الوعظ كثُر، ونحن بحاجة إلى فقه الأحكام، وما يقربنا من الله سبحانه وتعالى.

ص: 2