المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

بسم الله الرحمن الرحيم ‌ ‌مسائل وإشكالات الشيخ/ عبد الكريم الخضير   الحمد لله رب - دروس الشيخ عبد الكريم الخضير - جـ ٢٤

[عبد الكريم الخضير]

الفصل: بسم الله الرحمن الرحيم ‌ ‌مسائل وإشكالات الشيخ/ عبد الكريم الخضير   الحمد لله رب

بسم الله الرحمن الرحيم

‌مسائل وإشكالات

الشيخ/ عبد الكريم الخضير

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. أما بعد:

فالتنوع في الإلقاء والاستماع مطلوب؛ لأنه ينشط السامع، ويلبي حاجته، وهناك لقاءات كثيرة في صميم العلم ومتينه في شرح الكتب والمتون وما يحتاج إلى شرحه، وهناك أيضاً لقاءات في المنهجية في طلب العلم، وهذه طرقت كثيراً، وهناك أيضاً لقاءات في الآداب والآفات التي يحتاج إليها أو يحتاج إلى التنبيه منها والتنفير عنها التي تعترضه في طريقه الذي هو الدرب المحمود طلب العلم، ومن أنواع هذه اللقاءات ما يكون على طريقة السؤال والجواب، وهذا أيضاً له دليله من الشرع، وله أصلٌ أصيل حتى لو ألفت على طريقة السؤال والجواب لنفعت، وانتفاع الناس بالفتاوى قد يكون أنفع لهم من انتفاعهم بما يُقرأ من الكلام المرسل الذي بعضه قد يلامس حاجة القارئ، وبعضه قد يكون بعيداً عن حاجته، ولذا ينتفع الناس بالفتاوى، ويحرصون عليها، ونوصي طلاب العلم كثيراً بالعناية بها، لا سيما الفتاوى من العلماء الربانيين المعاصرين الذين تقرب حوائج القراء من حوائج السائلين.

وعلى هذا حصل الاتفاق على أن يكون هذا اللقاء على طريقة السؤال والجواب، وأما التأصيل لهذا النوع من اللقاء بين الإخوة، فأصله حديث جبريل، حديث أبي هريرة في الصحيحين، وحديث عمر في مسلم، أن جبريل جاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام، كما في الحديث المشهور، وسأله عن الدين، سأله عن الإيمان، سأله عن الإسلام، سأله عن الإحسان، يعني بالإمكان أن يلقي النبي صلى الله عليه وسلم هذه المعلومات دون سؤال كعادته عليه الصلاة والسلام، لكن العلم حينما يلقى على طريقة السؤال والجواب لا شك أنه يرسخ في ذهن السامع، وفي النهاية قال النبي عليه الصلاة والسلام:((هذا جبريل جاءكم يعلمكم دينكم)) فهذا تعليم ونوع من التعليم، والتربويون يحرصون على مثل هذا النوع وهذه الطريقة في الطرح والإلقاء، طريقة الحوار، السؤال والجواب، ولا شك أنها طريقة نافعة ولها أصلها الشرعي.

ص: 1

وأما بالنسبة للطرق الأخرى من شرح المتون أو قراءة المطولات أو النظر في الآداب، والأخلاق والعوائق كل هذه موجودة ومعروضة ومبثوثة وتحدث فيها كثيراً.

على كل حال هذه الطريقة على حد زعمي أنها نافعة، قد يأتي إنسان وفي نفسه سؤال لم يستطع أن يسأل عنه أحد، ويتمكن من السؤال في مثل هذا اللقاء، وأحياناً إذا ظفر أحد ممن لديه سؤال سواء كان من عامة الناس في مشكلة تعترضه أو كان من طلاب العلم في مسألة تهمه إذا ظفر بمن يجيبه عليها من أهل العلم كأنه ظفر بالدنيا بحذافيرها بكاملها لا سيما مع كثرة المتعلمين، وكثرة حوائجهم، وكثرة مشاكل الناس؛ وقلة أهل العلم بالنسبة إلى ما حصل بسبب انفتاح الدنيا من تجدد المسائل وكثرتها، وكثرة النوازل، وأهل العلم بلا شك العلماء الربانيون المعروفون أهل العلم والعمل، لديهم ما العمل ما يعوقهم -من الأعمال الرسمية- في أمور المسلمين العامة ما يعوقهم عن الإجابة عن كل سؤال يطرأ على أي مسلم متعلماً كان أو غير متعلم، فعلى حد زعمي أن هذه الطريقة نافعة، وإن كان الأولى بها من هو أولى، لكن كل يدلي بدلوه، وكل يؤخذ من قوله ويترك إلا المعصوم عليه الصلاة والسلام.

يقول: تكثر بين الحين والآخر دعوات لتوحيد صفوف الفرق الإسلامية، وأنه لا فرق بينها وأنها تعتبر آراء فقط، وما إلى ذلك من الدعوات مع العلم أن بعض الفرق مبنية مع ثوابت تتعارض مع منهج أهل السنة والجماعة؟ ما الذي يجب علينا اعتقاده إزاء هذه الدعوات؟

أولاً: حديث الافتراق: ((افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق أمتي -كما يقول عليه الصلاة والسلام على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة)) ثم جاء بيانها، ثم جاء بيان هذه الفرقة الناجية.

ص: 2

أولاً: أهل العلم لم يدخلوا الاختلاف في الفروع في هذا الحديث، الاختلاف في الفروع في هذا الحديث لم يدخل أصلاً، ونبهوا على ذلك في كتب الفرق، ولهذا يوجد الخلاف في الفروع بين خيار الأمة، بين الصحابة، بين أبي بكر وعمر، يوجد الخلاف في الفروع، وكل يجتهد، فمن أصاب فله أجران -كما جاء في الحديث- ومن أخطأ فله أجر -أجر واحد- ولا يثرب أحد على أحد في الفروع إذا كان القول مما يحتمله النص، والقائل به أهل للنظر والاجتهاد، ليس لكل أحد أن ينظر في النصوص، إنما الذي ينظر في النصوص من لديه أهلية النظر، وأما من عداه ففرضه سؤال أهل العلم {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [(43) سورة النحل]، الخلاف في الفروع لا يدخل في حديث الافتراق، ولذا يكون من الأمة الناجية والفرقة الناجية من هو على مذهب أبي حنيفة، ومن هو على مذهب مالك، ومن هو على مذهب الشافعي، ومن هو على مذهب الإمام أحمد، أعني في الفروع، لم يدخلوا الخلاف في الفروع أصلاً، الخلاف في الأصول وفي العقائد، فالفرقة الناجية هي ما كان عليه النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه، على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي، لكن من ابتدع في الدين واخترع قولاً لم يسبق إليه، سواء كان في الاعتقاد أو في العمل فهو مبتدع، ثم ينظر في هذا المبتدع، والبدع كلها ضلالة، وليس في البدع ما يحمد ولا يمدح، وليس من البدع ما هو حسن، وإن ادعى ذلك من ادعاه من أهل العلم، وجعلوا للبدعة الأحكام الخمسة التكليفية، جعلوا من البدع ما هو واجب، وجعلوا من البدع ما هو مستحب، وجعلوا من البدع ما هو مباح، وخلطوا في مفهوم البدعة، فجعلوا أمور الدنيا يمكن يدخل فيها الابتداع، التوسعة في ألوان الطعام والشراب واللباس والمساكن جعلوا هذا من البدع المباحة، لكن هل البدع تدخل في العادات ما لم يتعبد بها؟ إذا تعبد بها دخلت في البدعة، أما إذا لم يتعبد بها وتناولها الإنسان لا على جهة التعبد، يتعبد الله -جل وعلا- بهذا النوع من الطعام، وأنه أفضل من غيره، وأنه يؤجر على أكله أكثر من غيره، لا هذه بدعة، إذا تعبد بهذه المباحات، لا أعني أنه يريد أن يتقوى بها على العبادة، هذا يؤجر على هذه النية،

ص: 3

لكن لو قال مثلاً: الرز أفضل من القمح مثلاً، أفضل ويؤجر الإنسان على أكله أكثر مما يؤجر على هذا، ويتعبد في هذا، نقول: ابتدعت يا أخي، لأنك اخترعت قولاً لم يسبق له شرعية من كتاب ولا سنة.

هذه البدع وكلها ضلالة، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام فكيف نقول: إن من البدع التي قرر النبي عليه الصلاة والسلام إنها ضلالة نقول: واجبة؟ نقول: هناك بدع واجبة، ومثلوا لها بالرد على المخالفين، المخالفين الرد عليهم، ودحض أقوالهم وشبههم واجب، نقول: لكنه ليس ببدعة، له أصل في القرآن، له أصل في السنة، وله أصل من عمل سلف الأمة، فليس ببدعة أصلاً، ويبقى أنه واجب على الكفاية وقد يتعين على بعض الناس، قالوا: هناك بدع مستحبة، كبناء المدارس والأربطة؛ لأن التعليم مستحب وسنة، فما يعين عليه فهو سنة، نقول: هذا ليس ببدعة، لأن الوسائل لها أحكام المقاصد، فهو مشروع، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وكذلك ما لا يتم المندوب إلا به فهو مندوب شرعاً، هذه قواعد كلية مقررة في الشريعة، فليست ببدع والبدع المباحة قالوا: كالتوسع في ألوان الطعام والشراب وغيرها من الأمور التي هي في الأصل مباحة تبقى أنها بدع لكنها مباحة، كيف نقول بدع مباحة وبدع واجبة وبدع مستحبة، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول:((كل بدعة ضلالة))؟.

أما البدع المكروهة والبدع المحرمة هذا لا نختلف معهم فيها، لأن هناك من البدع الخفيفة جداً قد لا تصل إلى درجة التحريم، ومنها البدع التي تصل إلى درجة التحريم، ومنها البدع المغلظة التي فيها ما يخرج من الملة، وهذا السائل يقول: تكثر بين الحين والآخر دعوات لتوحيد الصفوف الفرق الإسلامية، وأنه لا فرق بينها، وأنها تعتبر آراء، لا، ليست بآراء فقط، إذا كانت في العقائد، بدع تعبد لله -جل وعلا- بما لم يسبق له شرعية من الكتاب والسنة هذه ليست آراء فقط، هذه في صميم الدين، ليست آراء فقط، وإنما ينظر في المبتدع وبدعته، فإن كانت بدعته كبرى مغلظة تخرج من الملة فهذا شأنه كغيره ممن لا ينتسب إلى الدين، ولو انتسب إلى الدين إذا كانت بدعته مكفرة، فهذا ضرر والاتحاد معه ضرر محض، بل يجب هجره.

ص: 4

البدع التي هي أقل من هذا المستوى، هي محرمة لكنها لا تخرج من الملة، هذه لا شك أن الاتحاد مع هؤلاء في وجه العدو الواحد، العدو المشترك، عندك أشعري، عندك ما تريدي، عند بعض الفرق التي بدعهم ليست مكفرة، ثم جاء عدو مشترك، كافر مثلاً، فنستفيد من هؤلاء، لا شك، قد يستفاد من الأشعري في الرد على المعتزلي الذي هو أشد منه بدعة، وقد يستفاد من المعتزلي الرد على اليهودي والنصراني من هو أعظم منه فهذا موجود، وكوننا نستفيد، نستفيد، لكن يبقى أنهم ليسوا معنا، وليسوا منا على المنهج الذي تركنا عليه النبي عليه الصلاة والسلام.

يتوسع بعضهم في أهل السنة، ويدرج فيها ثلاثة فرق، فيجعل الفرقة الأولى: الأثرية، وإمامهم الإمام أحمد، الفرقة الثانية: الأشعرية، وإمامهم أبو الحسن الأشعري، والفرقة الثالثة: الماتريدية، وإمامهم أبو منصور الماتريدي، فيجعلون هذه الفرق الثلاث من أهل السنة والجماعة، لكن لا شك أن هذا توسع غير مرضي، لماذا؟ لأنه إذا قلنا: أن الأثرية عملوا بالسنة ولم يخالفوها لا في الاعتقاد ولا في الفروع، فحق لهم أن يطلق عليهم أهل السنة، والإمام أحمد -كما هو معروف- إما أهل السنة، لكن إذا جئنا إلى الأشعرية هل يعملون بالأحاديث ويقرون ما فيها كما جاءت؟ هل يثبون ما أثبته الله -جل وعلا- لنفسه في كتابه أو أثبته له نبيه عليه الصلاة والسلام على مقتضى منهج سلف الأمة؟ لا، عندهم مخالفات كبيرة، عندهم مخالفات لمنهج السلف الصالح، فعلى هذا إدخالهم في أهل السنة توسع لكنه غير مرضي، فعلى هذا نعرف الإنسان وما يعتقده وننظر إلى شخصه أيضاً، قد يكون شخص يعتقد مثل اعتقاد الثاني، ولكن نعذر هذا ولا نعذر هذا، نلين مع هذا ونشدد مع هذا.

ص: 5

فإذا نظرنا إلى أن الرازي والنووي كلاهما يتبعان أبا الحسن الأشعري، لكن هل نعامل النووي مثل نعامل الرازي؟ النووي في حكم العامي في باب العقائد، لكن الرازي منظر، منظر لمذهب الأشعرية ولغيره –بعد- من الأقوال الردئية مثل القول بالجبر ويورد في كتابه شبه لا يمكن أن يستطيع هو أن يردها، فهل نعامل النووي مثلما نعامل الرازي؟ لا، العدل والإنصاف مطلوب {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ} [(8) سورة المائدة] النووي أشعري، ومن هذه الحيثية ليس من أهل السنة، لكن مع ذلك {لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَاّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} لكن النووي عنده محاسن عنده خدمة للسنة، وعنده عمل، وعنده زهد في الدنيا، وعنده إقبال على الآخرة، وعنده تعظيم لشرع الله -جل وعلا-.

الرازي رمي بالعظائم، إن ثبت عنه كتاب السر المكتوم موضوعه سحر طلاسم وتعلق بالنجوم هذا مسلك خطير جداً، قد يقال بردته إن ثبت عنه هذا الكتاب، على كل حال هذا أشعري وهذا أشعري، لكن تختلف معاملتنا لهذا عن هذا.

يبقى أن شيخ الإسلام الإمام المجدد -رحمه الله تعالى- سئل عمن يطوفون بالقبور، جاءه سؤال من بلد أهلها يطوفون بالقبور فحكم بكفرهم، ثم جاءه سؤال آخر -نفس الصيغة- فعذرهم، وقال: لا يُكفرون مثل هؤلاء، والسبب في ذلك، أنه نظر إلى حال هؤلاء وأن الحجة بلغتهم وأنه لا عذر لهم، ونظر إلى حال الآخرين، فرأى أن الحجة لم تبلغهم، فهل يعامل هذا مثل هذا؟ لا، لا يعامل هذا مثل هذا، لأن بلوغ الحجة شرط في إقامة الحكم.

هؤلاء الذين قسموا البدع إلى بدع مستحسنة وبدع قبيحة، أقوى ما عندهم مما يمكن أن يعتمد عليه قول عمر -رضي الله تعالى عنه- في صلاة التراويح:"نعمت البدعة"، عمر -رضي الله تعالى عنه- جمع الناس في صلاة التراويح على إمام واحد، فخرج إليهم في ليلة من الليالي فوجدهم يصلون مجتمعين فقال:"نعمة البدعة هذه" والتي ينامون عنها خير منها، يعني صلاة آخر الليل أفضل من صلاة أول الليل، فسماها بدعة ومدحها، إذن في البدعة ما يقال فيه: نعم، ونعم للمدح، إذن في البدع ما يمدح، هذا أقوى ما يعتمدون عليه.

ص: 6

وشيخ الإسلام يقول: هذه بدعة لغوية، والشاطبي يقول: مجاز، وليس بحقيقة، وشيخ الإسلام يقول: بدعة لغوية لا شرعية، والصواب أنها ليست ببدعة لغوية ولا شرعية ولا مجاز، كيف يقول عمر عن عبادة بدعة ويمدحها؟ نقول: أن هذا أسلوب في علم البديع يسمى المشاكلة والمجانسة، فتأتي بكلام يشبه كلاماً سواء كان حقيقةً أو تقديراً فمن الحقيقي قول الشاعر:

قالوا اقترح شيئاً نجد لك طبخه

قلت اطبخوا لي جبة وقميصا

فالجبة والقميص لا تطبخ، لكنه من باب المشاكلة والمجانسة في التعبير، لأنهم قالوا: اقترح شيئاً نجد لك طبخه، هم توقعوه جائع، فصار أصابه البرد، المقصود أن هذه مشاكلة ومجانسة في التعبير.

ومن ذلك قوله -جل وعلا-: {وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَ} [(40) سورة الشورى]، وجزاء سيئة الأولى سيئة لأنها جناية لكن جزاؤها ليس بسيئة، وإنما حسنة، معاقبة الجاني حسنة، إذن هذا مجانسة ومشاكلة في التعبير، التقدير مثل ما عندنا هنا، نعمت البدعة، يعني عمر -رضي الله تعالى عنه- توقع أن يقال له: ابتدعت يا عمر، فقال: نعمت البدعة هذه، ويدخلون التقدير في حكم الملفوظ به، ابتدعت يا عمر، قال: نعم البدعة، فهذا مجرد مجانسة ومشاكلة في التعبير، وهذا موجود في النصوص وفي أسلوب العرب، معروف مطروق، وبُحث في علوم البلاغة، إذن ليست ببدعة لا لغوية ولا شرعية، كيف لا يكون بدعة لغوية على ما قال شيخ الإسلام؟ لأن البدعة اللغوية ما عمل على غير مثال سابق، وصلاة التراويح عملت على مثال سبق من فعله عليه الصلاة والسلام جماعة، فليست ببدعة، وليست ببدعة شرعية، لأنه سبق لها شرعية من فعله عليه الصلاة والسلام، إذن ليست ببدعة لغوية ولا شرعية، إذن هي من باب المجانسة والمشاكلة في التعبير، فليس في البدع ما يمدح؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال:((كل بدعة ضلالة)) فكيف يقول: ((كل بدعة ضلالة)) ونقول: من البدع ما يمدح؟ ففي هذا معارضة للنص الشرعي.

ص: 7

وأقول: هذه مسألة شرعية مردها إلى الشرع ونصوصه، لكن لو قال لنا شخص: بدعة محمودة، نقول: صادمت قول النبي عليه الصلاة والسلام: ((كل بدعة ضلالة)) لكن لو قال لنا: الله -جل وعلا- يقول: {كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ} [(33) سورة المرسلات] وقال واحد: والله عمري كله ما رأيت جمل أصفر، يعني مثل هذا اللون، أليس هذا هو اللون الأصفر؟ إذن والله أنا عمري كله ما رأيت جمل أصفر، نقول: صادمت النص؟ لا، نقول: حقيقتك العرفية التي تتحدث عنها غير الحقيقة الشرعية؛ لأن الحقائق قد تتعارض، لكن ما يترتب على تعارضها اختلاف في الحكم، لكن كل بدعة ضلالة وبدعة محمودة قلب للحقائق، قلب لحكم من أعظم الأحكام الشرعية، لأن التعبد لله -جل وعلا- بما لا يشرعه ضلال، وحقيقة الإيمان بالله -جل وعلا-، والإيمان برسوله عليه الصلاة والسلام ألا يعبد الله إلا بما شرع، فكيف نتعبد بما لم يشرعه الله -جل وعلا- في كتابه وعلى لسان نبيه عليه الصلاة والسلام؟.

قل مثل هذا في اختلاف الحقائق اللغوية مع الشرعية، أو الشرعية مع العرفية، أو الشرعية مع الشرعية؛ لأن قد تتعد الحقيقة الشرعية، لو جاء واحد ثم رفع يديه ودعا، ثم قال فلان: دخل المسجد وصلى، وقال واحد: أبداً ما صلى، هذا يقصد الحقيقة اللغوية، وهذا النافي يقصد الحقيقة الشرعية، الحقيقة الشرعية قد توجد الصورة، صورة الحقيقة الشرعية وقريب منها لكن لتخلف شرط من شروطها، تنفى عنها الحقيقة الشرعية، وإن كانت الصورة موجودة.

ص: 8

المسيء في صلاته دخل ووقف وركع وسجد، صلى ركعتين وسلم، جاء للنبي عليه الصلاة والسلام فقال:((صل فإنك لم تصل)) نفى الحقيقة الشرعية، وإن كانت الصورة موجودة، لكن لما تخلف الشرط أو الركن انتفت الحقيقة الشرعية؛ لأن هذه الصلاة وجودها مثل عدمها فصح نفيها، قد يكون للفظ الواحد أكثر من حقيقة شرعية، لو مدرس فقه مثلاً في باب الحجر والتفليس ذكر في السؤال -سؤال الامتحان- عرف التفليس، أو من المفلس؟ ثم جاء في الجواب: المفلس ما لا درهم له ولا متاع، أو من زادت ديونه على ممتلكاته، المدرس يقول: صحيح أو خطأ؟ ماذا يقول؟ يقول: الجواب صحيح، والنبي صلى الله عليه وسلم لما سأل الصحابة من المفلس؟ قالوا: ما لا درهم له ولا متاع، قال: لا، إذن الجواب خطأ، المفلس من يأتي بأعمال، وفي رواية كالجبال، من صلاة وصيام وصدقة وحج وجهاد وغير ذلك من الأعمال الصالحة، ثم يأتي وقد شتم هذا وضرب هذا، وأخذ مال هذا، وانتهك عرض هذا، ثم يأخذ هذا من حسناته، وهذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإذا فنيت أخذ من سيئاتهم ووضعت عليه، وقذف في النار، هذا مفلس فَلَس شرعي، حقيقة شرعية، لأن جاء على لسان الشارع، الحقيقة الأولى أيضاً شرعية ((من وجد متاعه عند رجل قد أفلس فهو أحق به)) هل نقول: من أفلس هذا، عرفناه بالكلام في أعراض الناس، وفي أذى الناس، نقول: متاعنا أحق به، ولو كانت عنده الأموال التي يستطيع السداد منها؟ لا.

ص: 9

فتنزل النصوص منازلها وتوقع مواقعها، فينتبه لمثل هذا، ولا شك أن الخلاف في العقائد مؤثر، والأصل هجر المبتدع، ومعاملة السلف للمبتدعة في غاية القوة والشدة، وذلكم في وقت نشوء البدع، من أجل القضاء عليها من مهدها، لكن لو وجدنا مدرس أشعري وزميله على منهج أهل السنة والجماعة، واقتضت المصلحة -مصلحة دعوته- معاملته بالرفق واللين، ورأى أن الهجر لا يفيد، بل يزيده إصراراً، بل يمكن يصير معتزلي، نعم، ومعاملته بالرفق واللين والتبسط في وجهه وإلقاء السلام عليه، والسؤال عن حاله، هذا يجعله يقبل الحق، فالرفق واللين مطلوب، والحكمة مطلوبة، ويبقى أننا نبغض البدع والمبتدعة، وهذا هو منهج سلف هذه الأمة، وأما بالنسبة لمصلحة الدعوة إذا كان في دائرة الإسلام يسلم عليه، أما إذا كانت بدعته مكفرة فحكمه حكم الكفار لا يسلم عليه، ولا يبادر بالسلام.

هذا يقول: هل طلب العلم مقيد بعمر معين؟ بمعنى أنه من كان كبيراً فقد فاته قطار الطلب؟

هذا الكلام ليس بصحيح، كم عمر أبي بكر -رضي الله تعالى عنه- لما بعث النبي عليه الصلاة والسلام؟ ثمان وثلاثين سنة، وهل يعرف من العلم شيء قبل ثمان وثلاثين؟ لا يعرف شيئاً.

ص: 10

من أهل العلم من ذكر في ترجمته أنه طلب العلم كبير، القفال من أئمة الشافعية كبير، قبله صالح بن كيسان طلب العلم كبير، حتى قالوا في ترجمته أنه عمره حينما طلب العلم تسعين سنة، ما زال يطلب ويجتهد ويحفظ الأحاديث، حتى صار معدوداً في كبار الآخذين عن الزهري، وقالوا: أقل من ذلك، قيل: ستين، وقيل: خمسين لكن حتى الخمسين كثيرة، نعم التعلم في الصغر كالنقش في الحجر، فتنبغي المبادرة في طلب العلم، وحفظ العلم وفهم العلم، التعلم في الصغر لا يعدل شيء؛ لكن إذا ما تيسر كان في غفلة في أول عمره، أو في انشغال عن طلب العلم بأمور المعيشة، ثم التفت إلى العلم، هذا لا يمنع، مع الأسف نجد من كبار السن في مساجد المسلمين من يأتي قبل الأذان يأتي قبل الأذان إلى الصلوات، وفي رمضان قد يواصل بين الصلاتين ما خرج، لكن هو ماذا يصنع في المسجد؟ يتلفت يمين وشمال ما يقرأ القرآن، لكن الآن وعمرك سبعون سنة وثمانون سنة اقرأ يا أخي، يقول: كيف أقرأ؟ كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: ((ما أنا بقارئ)) اقرأ يا أخي، يرد عليه، الآن البيوت من نعم الله -جل وعلا- ما في بيت يخلو من قارئ للقرآن، سواء كان من البنين أو البنات من الرجال والنساء، إيش اللي يمنع من أنك إذا صليت العصر تقول: يا ولدي أو يا بنتي حفظني الفاتحة؟ احفظ الفاتحة ردد الفاتحة، ثم بعد ذلك قصار السور، وبالتدريج، والعلم بالتعلم، ولا يلزم أن تكون من كبار الحفاظ، ما يلزم يا أخي ليس لك ولن تستطيع أن تدرك إلا ما كتب لك، لكن مع ذلك عليك أن تبذل السبب، كبير في السن تجلس تقول: يا ولد علمني، ويوجد -ولله الحمد- جهود من بعض المخلصين والناصحين، التي تبذل للصغار والكبار على حد سواء، للرجال والنساء، واستفادوا ونسمع بين الفينة والأخرى الحين والآخر أن امرأة في السبعين من عمرها أكملت حفظ القرآن نعم، والله -جل وعلا- يقول:{وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ} [(17) سورة القمر] هاه، فهل من غافل؟ هل من متراخي؟ هل من نائم؟ لا، {فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} ابذل من نفسك واحصد النتيجة عاجلاً قبل الآجل، نعم قد يكون الإنسان في تركيبه نقص، في فهمه ضعف، في حفظه ضعف، مثل هذا، يكفيه أن يسلك

ص: 11

الطريق، ولا يلزم أن يترتب على سلوك الطريق نتيجة ما يلزم أن يكون عالم، أن أعرف شخص كنا في المرحلة المتوسطة والثانوية، وهو يدرس معنا عمره أكثر من سبعين سنة، ثم واصل بعد ذلك، يمكن مات عن تسعين سنة، وهو يطلب العلم، ومع ذلك لم يدرك شيئاً من العلم، يعني ما يمكن أن تستفتيه لا في الوضوء ولا الصلاة، هذا لا شك أنه حرم من العلم، لكن ((من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة)) حرم من هذا ولا ما حرم؟ ما حرم، فالأجر مرتب على سلوك الطريق، وأهل العلم يقررون على أن طلب العلم ومزاولة العلم أفضل من جميع نوافل العبادة، فعلينا أن نجد ونجتهد ولو تقدم بنا السن، يعني كثير من طلاب العلم يدرس في الدراسة النظامية الابتدائية ست سنوات، المتوسط والثانوي ست سنوات، الجامعة أربع سنوات، الدراسات العليا بمرحلتيها قل: ست سنوات مثلاً، كم هذه؟ اثنين وعشرين سنة، وقد يتخرج يعرف ما مر به من المسائل، وهذه المسائل التي بحثها في رسائله جودها وأتقنها على وجه؛ وإن كانوا يتفاوتون في هذا، ثم بعد ذلك بقية العلم، العلم بحور، إذا لم يكن له اهتمام من الصغر في العلم قد يكون دكتور وهو ما يحفظ المفصل، ولا يحفظ من السنة شيء، وتسأل عن الفقه والأحكام الفقهية بأدلتها ما عنده شيء، ما عنده إلا شيء مر عليه بس، لا أكثر ولا أقل، فهذا عليه أن يلتفت من جديد، ولا نقول: إن عمرك الآن اثنين وثلاثين خمسة وثلاثين سنة لا ما يلزم، أسس من جديد، ما يمنع والذي أسس من جديد أدرك والذي سوف وقال: والله أنا ما عندي استعداد أبدأ بالمتون مع الأطفال وصغار السن وأنا دكتور أستاذ في الجامعة، وأقرأ مع الصغار هذا مو بصحيح، هذا يحرم العلم، ولن يتعلم العلم مستحٍ ولا مستكبر، هذا مستكبر عن طلب العلم، هذا كونه يأنف مع كبر سنه وكثرة شهاداته أن يدرس المتون الصغيرة اللائقة بصغار الطلاب، يأنف من هذا، ما هو بصحيح، والأمور -ولله الحمد- تيسرت جداً، يعني بإمكان الإنسان وهو في بيته يعني إذا كان يأنف من أن يجلس بين يدي الشيوخ؛ لأن عنده شهادات وعنده مؤهل ولا أقول أن من حصل على الشهادات يأنف عن هذا أبداً، مجالس العلم معمورة بكبار الأساتذة وكبار القضاة

ص: 12

وكبار الدعاة، لا، لا يقال مثل هذا؛ لكن قد يوجد، قد يوجد من يحصل على شهادة الدكتوراة وهو ما عنده علم إلا في ما تخصص به، لكن العلوم الأخرى لا بد أن يأخذ منها ما يكفيه وما يعينه على فهم الكتاب والسنة.

فالآن -ولله الحمد- المتون التي يحتاجها طلاب الطبقة الأولى موجودة مطبوعة ومشروحة بشروح مطبوعة وشروح مسجلة، ودروس مسموعة عن طريق الأجهزة ووسائل الاتصال، فكل شيء متيسر، بإمكان الإنسان وهو جالس في بيته بين أولاده وإن كان تفريغ النفس هو الذي يحقق الهدف، وهو جالس في بيته مرتاح بيده هذا المتن، الآجرومية أو الورقات أو الأربعين المتون الصغيرة للمبتدئين، أو الأصول الثلاثة والله هذا شرح الشيخ فلان، نسمع الشرح والمتن بيده يقيد أيش المانع؟ وعنده أرضية للقبول، مثل هذا، أرضية للقبول، يعني مدة سنة واحدة يطلع شيء، عرف هذه المتون كلها، وتصورها وسهل عليه تخصصها؛ لأن هذه العلوم تخدمه في تخصصه، المقصود أنه لا يأس ولو كبرت السن، ولو ضعفت الحافظة، ولو ضعف الفهم.

فعلى الإنسان أن يجد ويجتهد، ويحرص على التعلم بصغار العلم قبل كباره؛ لأن هذه الطبقات وهذه التدرجات والدرجات التي جعلها أهل العلم للمتعلمين مثل السلم الذي تصعد بواسطته إلى السطح، الدرجة الأولى ثم الثانية ثم الثالثة ثم الرابعة، لكن لا تستطيع أن تطلع درجتين أو ثلاث جميعاً، لكن قد يقال في ظروفنا التي نعيشها إذا انتبه طالب العلم، وقرر أن يسلك هذا الطريق، ثم جاء إلى حلق العلم عند المشايخ وجد الشيخ فلان في كتاب متوسط، للمتوسطين، لكنه في أثنائه، هو في كتاب البيوع، والأصل أن يبدأ من الطهارة، وجاء إلى شخص آخر معه كتاب البخاري وفي آخره، وجاء لثالث، ما يجد شيوخ يلبون رغبته ويستقبلونه ويبدأؤن العلم من أوله، عليه أن يبحث وعليه أن يلح على من يتوسم فيه أنه ينفعه ليبدأ فيه من الأول، لكن إذا ما وجد يتابع دروس المشايخ ويعكف بين أيديهم، ويثني ركبته أمامهم، ومع ذلك يأخذ هذه المتون، ويفيد من الشروح المطبوعة والشروح المسجلة على هذه المتون، وبإمكانه أن يلحق الركب.

ص: 13

يقول سؤال ثاني: أنا أود التقليل من نومي وأجد في ذلك المشقة، ولا أستطيع الحفظ، إن نمت أقل من خمس ساعات فما التوجيه؟

أخي لا بد أن تعطي بدنك حظه من الراحة، وله عليك حق، وإذا لم تخدمه ما خدمك، لو لم تخدمه ما خدمك، النعال إذا انقطعت، إذا انقطعت النعل التي تدوسها برجليك، إذا انقطعت وأردت إصلاحها لا بد أن تحملها، تحملها لتحملك، أنت ما حملتها عبث فأنت ما تستفيد منها إلا إذا أفتدها، يعني شخص معه دراجة بنشرت هذه الدراجة، والمصلح والمهندس، مهندس الدراجات بعيد عنه، ولا يستطيع أن يقودها، ليست دابة تقاد، لا بد أن يحملها لتصلح وليستفيد منها، فبدنك لا بد من أن تريحه ليقبل، والذهن لا بد له أن يستجم، ومع ذلك هذا النوم عبادة، إذا كان الهدف منه أن تستجم للعلم والعمل، عبادة، فلا تقلق إذا كان نومك بهذه المدة، خمس ساعات أو ست ساعات، نوم طبيعي وعادي ولا بد منه، وإن كان الأطباء يقولون أن النوم يتفاوت بحسب الاختلاف في السن، فالصغير يحتاج من الراحة أكثر مما يحتاجه الكبير، ويتدرج إلى أن يصل أبو السبعين والثمانين إلى أربع ساعات مثلاً، لكن -على كل حال- لا بد من النوم لأن فيه الاستجمام والراحة لحفظ النفس.

يقول: حدثنا عن سيرة طلبك للعلم للقدوة والفائدة ولإحياء الهمم.

هذا أظن في شريطين أو ما أدري في موكب الدعوة ذكرنا بعض الشيء، وإن كان حقيقة أنا لا أرغب في مثل هذا، والسيرة مبثوثة في الإنترنت، وذكروا فيها أشياء، والله المستعان.

فيه كتابات بالقلم الرصاص وليست واضحة

هذا يقول: أريد أن أسلك الجادة في طلب العلم، فهل من توضيح للسبيل في ذلك؟ وكيف نحافظ على قيمة الوقت، وجزاكم الله خيراً؟

ص: 14

على كل حال إذا استشعرت أنك تطلب أمراً عظيماً جاء فضله بنصوص الكتاب والسنة، والإشادة به مستفيضة في نصوص الكتاب والسنة، وإذا استشعرت مثل هذا ضحيت في كل غالٍ ونفيس، من أجل تحصيله، وأدركت أن الوقت والعمر كله عبارة عن أنفاس ودقائق، فأي نفس وأي دقيقة تضيع سدى، لا شك أنها خسارة وهي عمرك الحقيقي، فلا تفرط في عمرك، وأما بالنسبة للجادة فهناك أشرطة سميت كيف يبني طالب العلم مكتبه؟ هذه فيها تقسيم الطلاب إلى فئات، وما يقرأ في المرحلة الأولى، وما يقرأ في المرحلة الثانية والثالثة، وكيفية الإفادة من هذه الكتب.

فالمتون ألفها أهل العلم معتصرة لتحفظ، والشروح ألفوها وبسطوها وكتبوا عليها الحواشي لتفهم، فهناك طريقة لحفظ المتون، وهناك طريقة لقراءة الشروح وسرد المطولات، ولها أشرطتها، وتكلمنا عليها في المناسبات.

هذا طلب مكرر: يقول: يتمنى أن لو كان هناك درس ولو شهري في جدة.

هذا طلب موجود ومكرر حقيقة، والأخوان يلحون في هذا، لكن مع ارتباطنا بالدروس شبه يومية بالرياض يصعب علينا، وأما إذا جئنا إلى درس المحرر بمكة فمثل هذا اللقاء قد يحصل، لكن لم يكن في كل شهر أو شهرين يعني لو كان في كل فصل دراسي مرة يكن خير -إن شاء الله- وأما بالنسبة للدورات في الإجازات فالنظر الآن في الطلبات قائم، فإذا وجدت فرصة -إن شاء الله تعالى- لا أتأخر.

يقول: هل طاعة الأم في طلاق الزوجة، خصوصاً إذا كانت الزوجية .... -ما كمل- يعني إذا كانت الزوجية، يعني دخل بها، وهل عدم رغبة الوالدة من عقوق الوالدين، أفيدونا، وشكراً؟

ص: 15

النبي عليه الصلاة والسلام قال لعبد الله بن عمر: ((أطع أباك)) لكن عليك أن تنظر في السبب الذي من أجله طلبت الأم الطلاق، لأنه قد يكون السبب ليس بوجيه، وحينئذ قد يكون فيه ظلم على الزوجة، وفيه ضرر على الولد، والطاعة بالمعروف، لكن إن أبدت سبباً وجيهاً يقتضي الطلاق فيرد هنا ما قاله النبي عليه الصلاة والسلام لعبد الله بن عمر:((أطع أباك)) نعم ليس كل الآباء مثل عمر، لكن علينا أن ننظر في السبب، إذا قال طلق زوجتك، إبراهيم عليه السلام لما جاء إلى إسماعيل وطرق الباب، ردت الزوجة، وقال:(غير عتبة دارك) فهم منها الطلاق، فطلق، فمن مثل إبراهيم عليه السلام، ومن مثل عمر بن الخطاب يعني لأدنى سبب يتسلط الأب أو تتسلط الأم على طلاق الزوجة، لا شك أن هذا ظلم للزوجة، وضرر للزوج، فمثل هذا إذا لم يكن الطلب وجيهاً يعني مجرد تعنت، أو لسبب لا شيء، أو لسبب يسير يمكن معالجته فالطاعة بالمعروف، وعلى الولد أن يبر بوالديه، وعليه أن ينظر في مصالحهما، وألا يقدم عليهما أحداً؛ لأن الغيرة إنما تأتي للوالدين الذين تعبا على الولد، ثم بعد ذلك في يوم وليلة ينقلب خيره كله لأهله، ويفهم من حديث:((خيركم خيركم لأهله)) أنه لا بد أن يكون الخير كله لأهله، ويترك من عداهم من الأهل، وهذا كلام ليس بصحيح، الوالد والد، والوالدة والدة، ولهما من الحقوق ما جاءت النصوص القطعية التي لا تحتمل التأويل بوجوب برهما والنظر في مصالحهما، لأنهم إذا كان الجهاد موقوف على رضاهما ((أحي والداك)) قال: نعم، قال:((ففيهما فجاهد)) فهذا هو الجهاد، فكيف بغيره؟ ومع الأسف أنه يوجد من طلاب العلم من أغفل هذا الجانب، يكن لهذا الطالب مجموعة من الشباب يرتبط معهم، وهم شباب فيهم خير يحضرون الدروس، وبقاؤهم في المساجد كثير في المكتبات وغيرها؛ لكن من السهل جداً أن يأتي الزميل ويضرب منبه السيارة عند الباب فمباشرة يخرج الولد، ويذهب مع زميله من صلاة العصر إلى منتصف الليل، وهذا أبرد على قلبه من الماء البارد في الصيف، لكن بالإمكان أن تقول له أمه: نريد أن نزور خالتك فلانة، أو أختك فلانة، في الحي نفسه ثم يتثاقل، هذا خلل، هذا خلل، إيش معنى أنك تجيب زميلك وترتاح

ص: 16

إليه وتسهر معه، وقد تقضي حوائجه، وأمك أقرب الناس إليك، وأحق الناس وحقها أوجب الواجبات عليك، ثم بعد ذلك يصعب عليك.

ذكروا في ترجمة شخص أنه حج مراراً حج ثلاث مرات أو أربع من بغداد حافياً ماشياً ثلاث مرات يحج من بغداد ماشي، لما قدم إلى الحجة الثالثة دخل البيت فإذا بالأم نائمة فاضطجع بجانبها انتبهت فإذا به موجود قالت: يا ولدي أعطني ماء، القربة معلقة أمتار، يقول: أنا متعب، وكأني ما سمعت الكلام، كأني نائم، سكتت، ثم بعد ذلك أعادت، يا ولدي أعطني ماءاً، ومثل، تركها، في المرة الثالثة راجع نفسه، أذهب آلاف الأميال ماشياً والأم تطلب من أمتار الماء، يعني هل هذا يدل على صدق في النية، وإخلاص لله -جل وعلا- في هذا الحاج؟ ما الذي يظهر من هذا الصنيع؟ الذي يظهر أنه ما حج لله؛ لأن المسألة هذا أوجب، يعني حج نافلة، يحج ماشياً آلاف الأميال، أو بضعة أمتار لإجابة أمر واجب، فلما أصبح ذهب وسأل، لو سأل فقيه وقال: أنا حججت وتوافرت الشروط والأركان والواجبات وما فعلت محظور ولا تركت مأمور، قال: حجك صحيح ومسقط للطلب، ومجزيء، والفتوى على هذا، ما فيه إشكال ما يؤمر بإعادته، لكنه ذهب إلى شخص نظره إلى أعمال القلوب أكثر من نظره إلى أعمال الأبدان، فقال له: أعد حجة الإسلام، أعد حجة الإسلام؛ لأن حجك ليس لله، لو كان لله ما ترددت في قبول الماء، لكن لا شك أن مثل هذا لا يمكن أن يفتى به، لكن يذكر هذا مثال على ما يقع من بعض الشباب الملتزمين المنتسبين إلى طلب العلم، بل بعضهم ينتسب إلى الدعوة، فيسهل عليه أن يطلب منه زميله أن يخرج معه في رحلة لمدة أسبوع، لكان لو قالت له أمه: نزور فلانة أو علانة، أختي أو خالتي أو عمتي أو ما أشبه ذلك صعب عليه، فعلينا أن نعيد النظر في تصرفاتنا، وأن يكون هوانا تبعاً لما جاء به النبي عليه الصلاة والسلام.

يقول: ما قولكم في تعلم البرمجة اللغوية العصبية؟

ص: 17

هذه البرمجة التي يدعون أن من نتائجها المشي على النار، وقد يدعون الطيران في الهواء، وأكل المواد الصلبة، وحمل الأثقال التي لا تحملها الجمال ولا البغال، ويقولون: أن هذا ممكن بالتدريب والتمرين، وأن هذا مجرد خفة، أنا أقول: لا فرق بين هذا وبين السحر؛ لأن من السحر ما هو تمويه، ومنه ما له حقيقة، وقد يكون السحر لا يلزم أن يكون أن السحر في مبادئه شرك، ما يلزم، قد تعينه الشياطين من غير تقديم قرابين، في أول الأمر تعينيه هكذا ثم بعد ذلك إذا توسط في الطريق وتورط انسحبوا عنه، فلا يستطيع أن يرجع، سيسمونه الناس دجال، ولا يستطيع أن يتقدم حتى يقدم، ثم بعد ذلك يضطر أن يقدم، والشياطين لا شك أنها تستدرج.

وأقول: لو قدر أن هذا الكلام صحيح وليس فيه إعانة من الشياطين، وأنا لا أحيط به، لكن ليس في مقدور البشر أن يمشي على النار، اللهم إلا أحد اثنين، أما أن تخرق له السنة الإلهية إذا كان بمنزلة إبراهيم عليه السلام، أو يكون بمعونة شياطين، وإلا السنة الإلهية أن النار محرقة، فإما هذا وإما هذا، وعلى كل حال إذا التبس الحق بالباطل، لو قلنا: أن هذا على سبيل الافتراض حق، إذا التبس الحق بالباطل لا يجوز استعمال هذا الحق الذي يحصل فيه اللبس، كما يقرر أهل العلم في الكلام، الكلام إذا كان يحتمل وجهين منع، إذا كان يحتمل وجهين منع، وجه محرم ووجه مباح يمنع، وقل مثل ذلك وأكثر في الأفعال.

يقول: ما الفرق بين التشدد في الدين والتربية الذاتية مع ذكر الأمثلة على كل نوع، فقد أشكلت على كثير من التائبين الجدد؟

على كل حال التشدد في الدين أن يعمل بأكثر مما طلب منه شرعاً، أو يزيد على القدر المحدد شرعاً، يزيد على القدر المحدد شرعاً فيلتزم به ويلزم به غيره، يتشدد يتنطع في الأمور التي فيها فسحة، نعم، كون الإنسان يحزم نفسه ويرتكب العزائم، ويقلل من الرخص، ويترك كثير من المباحات خشية أن تجره إلى المكروهات والشبه ثم إلى المحرمات، هذا ورع وليس بتشدد، لكن لا يلزم به غيره، إنما يلزم الناس بما دل عليه الكتاب والسنة.

ص: 18

فالإنسان قد لا يتوسع في أمور الدنيا، من الناس من لا يركب السيارة، وموجود، لكن مع ذلك هل له أن يحرم على الناس ركوب السيارة؟ ليس له ذلك، من الناس من لا يستعمل الكهرباء، يجوز له أن يحرم على الناس استعمال ما أحل الله لهم؟ أبداً، لكن هل يلزم بأن يستعمل الكهرباء أو يركب السيارة، وهو يرى الإباحة ما يرى التحريم، ولكنه يقول: أنا لا أتوسع في هذه المباحات، وأحمل نفسي على العزيمة، وأربيها على هذا، لئلا تجرني إلى ما هو

هذا لا يلام، إلا إذا حصل بسبب ذلك ترك واجب، يقول: أنا لا أركب السيارة، لكن مكة لا أستطيع أن أحج إلا بسيارة، لكن أنا لا أركب السيارة، نقول: يجب عليك أن تركب السيارة، لكن في أمورك العادية وحاجاتك التي تقضيها بدون سيارة ما نلزمك تركب سيارة، لكن لا تحرم على الناس ما أحل الله لهم؛ فكون الإنسان يحزم نفسه، ويعامل نفسه بالعزائم لا يلام، وقد كان جمع من السلف يتركون تسعة أعشار الحلال خشية أن يقعوا في الحرام، فكوني لا أتوسع في المباحات لا ألام، لكن كوني أحرم على الناس ما أحله الله، هذا محل اللوم، وهذا محل التشدد.

هذه أسئلة الإشكال فيها التشعب في العلوم والفنون، وكيفية دراسة ومدارسة العلوم مع وجود الأعمال الأخرى من دراسة أو عمل ومع وجود واجبات شرعية أخرى.

فهذا يقول: إن اهتممت بالحفظ مع استطعت أن أقرأ في الشروح والمطولات.

وهذا يقول: إن حفظت في أكثر من كتاب تشوشت.

وثالث يقول: إن قصرت نفسي على كتاب مللت.

ورابع يقول: إن تفرغت لطلب العلم فرطت في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

ص: 19

ونقول لهؤلاء كلهم: كل يعرف نفسه، فأول ما يبدأ به الإنسان التوصيف الدقيق لنفسه، وقدرته على الحفظ والاستيعاب والفهم لما يقرأ، ومع ذلك عليه أن يعنى بالحفظ، فلا علم إلا بالحفظ، ويمثل الحافظ وغير الحافظ، الحافظ بمن زاده التمر، التمر إذا كان معك كيس فيه تمر، وأنت مسافر تأكل منه على أي حال، تمد يدك وتأخذ وتأكل منه وأنت في الطريق ماشي، لا يعوقك هذا، لكن إذا كان زادك البر وأنت مسافر تحتاج إلى أن تنزل وتحتاج إلى أن تطحن هذا البر ليكون دقيقاً، ثم بعد ذلك تعجنه بالماء، ثم بعد ذلك تقطعه وتطبخه ويأخذ منك وقت طويل، وهذا التمر نظير من يحفظ، ما يحتاج إلى الجهد ولا يحتاج إلى عناء.

أما من علمه في الكتب فهذا يحتاج إلى معاناة، فإن أبعد عن كتبه تعطل، وإذا كان بين كتبه يحتاج إلى مراجعة، يحتاج في كل مسألة إلى أن يراجع، وإن كان أهل العلم يقولون بالنسبة للفقيه، إما أن يكون بالفعل، أو بالقوة القريبة من الفعل، فالفقيه بالفعل هو الذي يحفظ المسائل بأدلتها ويستحضرها، فإذا سئل أجاب، عن الحكم بدليل أن هذا فقيه بالفعل، لكن الذي لا يستطيع استحضار المسائل لكنه يصل إلى هذه المسائل بأقصر مدة يذهب إلى الكتب يفتح الكتاب مباشرة يقف على المسألة ينظر فيها من مضانها ويصدر عن قول راجح، هذا فقيه لكن بالقوة القريبة من الفعل، وليس بالفعل، وهناك ثالث لا يوجد عنده فقه لا بالفعل ولا بالقوة، تسأله عن مسألة في الطهارة يمسك لك الكتاب يفتح أواخره هذا فقيه بالقوة أو بالفعل؟ لا هذا ولا هذا، تسأله عن مسألة في الجنايات يفتح لك أول الكتاب، هذا ليس بفقيه أصلاً، وبعض الناس تسأله عن مسألة يفتح الكتاب يفتح صفحة قبل أو صفحة بعد ورقة قبل أو ورقة بعد لا أكثر ولا أقل، هذا فقيه بالقوة القريبة من الفعل.

ص: 20

لكن يبقى أن الفقيه بالفعل الذي تحضره المسائل في ذهنه هذا هو الفقيه الحقيقي، الفقيه بالقوة يعني ما حكموا على الإمام مالك أنه ليس بفقيه لما سئل عن مسائل كثيرة وقال: لا أدري؛ لأن بإمكانه أن يصل إلى الحكم في أقرب مدة، كثير من الطلاب فقهه بهذه الطريقة، لكن يبقى أنه إذا زادك حاضر ما هو مثل إذا كان غائب، فالتمر لا يحتاج إلى عناء، مثل الحفظ، والقوة القريبة من الفعل مثل البر تحتاج إلى معاناة تحتاج إلى طبخ تحتاج إلى غير ذلك، فعلينا أن نعنى بالحفظ، ومع الحفظ يكون الفهم.

وطلاب العلم يحتارون كثيراً في تقديم هذا أو هذا، ولكنه لا بد منهما معاً، وفي أول العمر في الصبا يحرص طالب العلم على كثرة المحفوظ؛ لأن الذي يحفظ في حال الصبا يستقر ولا ينسى، ثم بعد ذلك إذا تقدمت به السن يكون حرصه على الفهم، فإذا حفظ ثم فهم توفرت له الآلة التي يستطيع بها إدراك العلم، فعليه أن يسدد ويقارب.

يقول أيضاً: مسألة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي هي خصيصة هذه الأمة، وهي سبب خيريتها كما قال الله -جل وعلا-:{كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ} [(110) سورة آل عمران]، فقدم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الإيمان، وهل يصح أمر بالمعروف ونهي عن المنكر بدون إيمان؟ لا يمكن أن يصح، لكن تقديمه للاهتمام به، والعناية بشأنه، وأنه هو خصيصة هذه الأمة، التي به فضلت على سائر الأمم وإلا فكل الأمم يؤمنون بالله، إذن ما لنا مزية إذا كان ما عندنا إلا الإيمان، لكن عندنا أمر بمعروف ونهي عن منكر، ومع أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغيرها من شعائر الدين لا تصح إلا بعد الإيمان فتقديمه يدل على أهميته، وبنو إسرائيل إنما لعنوا على لسان داود وعيسى ابن مريم، بأي شيء؟ كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه.

ص: 21

فعلينا أن نهتم بالعلم والعمل، وفي أول الأمر يكون الاهتمام بالعلم أكثر ليكون العمل بعد ذلك على بصيرة، ثم بعد ذلك يعنى طالب العلم بالعمل، إذ هو الثمرة المرجوة من العلم، فعلم لا عمل معه، لا خير فيه، بل هو وبال على صاحبه، بل لا بد من العمل، الإنسان يتعلم ليش؟ لأي شيء؟ ليحقق الهدف الذي من أجله خلق، وتحقيق العبودية لله -جل وعلا-، ليعبد الله على بصيرة، ليستنير الطريق وينيره لغيره، وإلا ما الفائدة من العلم بلا عمل، وينظرونه بالشجر بلا ثمر.

الأسئلة كثيرة جداً جداً لا يمكن أن يحاط بها في لقاءات كثيرة فضلاً على أن تكون في لقاء واحد.

يقول: هذا يعاني من فوات صلاة الفجر كثيراً.

أولاً: لا بد من بذل الأسباب، ولا بد من انتفاء الموانع، فعليك أن تبذل الأسباب فتضع المنبهات، وتكل أمر إيقاظك إلى من يقوم به، ومع ذلك عليك أن تبذل السبب بانتفاء الموانع، فلا تسهر إذا كان يترتب على السهر فوات صلاة الفجر، وإذا كان المقرر عند أهل العلم أنه ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وصلاة الصبح مع الجماعة واجب، والنوم المبكر إذا كان لا يتم به هذا الواجب إلا به فهو واجب، يجب عليك أن تنام مبكراً، والسهر مذموم، والنبي عليه الصلاة والسلام كان يكره النوم قبل صلاة العشاء، والحديث بعدها، لكن إذا كان الحديث بعدها فيه خير، فترجم أهل العلم منهم البخاري (باب السمر في طلب العلم) أو في العلم فمثل هذا لا بأس به، وتحدث النبي عليه الصلاة والسلام بعد صلاة العشاء مع أهله ساعة.

وثبت في النصوص عن أهل العلم مع الصحابة ومن دونهم أنهم يسهرون، لكن على أيش؟ على الخير، فمنهم من يقسم الليل إلى أجزاء ينام ثلثه، ثم يتعلم ويطلب العلم ويقرأ ويبحث ثلث، ثم يصلي ثلث، يصلي ثلث الليل، بهذه الطريقة لا شك أن الإنسان يصل إلى مراده، نعم هذه صعبة على النفوس لكن بالجهاد تسهل، بالمجاهدة تذل، ثم بعد ذلك تكون سجية للإنسان، وتكون لذة ومتعة، فالسلف منهم من قال: كابدنا قيام الليل عشرين سنة، ثم تلذذنا به عشرين سنة، فالمسألة لا بد من المرور بمرحلة المجاهدة، طلب العلم شاق يحتاج إلى مجاهدة في أول الأمر، ثم يكون لذة، يتلذذ به طالب العلم.

ص: 22

والمعلم في أول الأمر يجاهد، كثير من مشايخ وقضاة وطلاب العلم ودعاة في بعض المناطق تسأل هل في هذا البلد دروس؟ يقول لك: ما فيه دروس، تسأل القاضي، يقول: والله جلسنا، جلسنا في رجب مثلاً، جلس عندنا عشرة طلاب، ثم جاء رمضان انقطع الدرس ثم استأنفاه بعد العيد ما حضر إلا خمسة، ثم جاء الحج وانقطع الدرس بعد الحج حضر اثنين، ما يبي يجلس للاثنين؟ قلت: يا أخي تجلس لواحد، أنت إذا أردت أن يقرأ عليك الكتاب وجئت بشخص يقرأ عليك الكتاب لا تدفع له أجرة؟ قال: أدفع له أجرة، قلت: إذن جرب أنت أثبت واصبر، وتجاوز هذه المرحلة، مرحلة امتحان، كل الناس مروا بهذا، أنا أعرف شخص يحضر دروسه في الفجر فضلاً عن المغرب ما يقرب من ألف، الآن، دروس المغرب جموع غفيرة، أنا أدركته قبل ثلاثين سنة، ما عنده إلا طالب واحد، وليس بسعودي بعد، ثم صبر إلى أن أقبل الناس عليه، فلا بد من تجاوز هذه المرحلة، مرحلة الامتحان، ثم بعد ذلك تتلذذ، والله المستعان.

ص: 23

فطالب العلم عليه أن يجتاز هذه المرحلة، والمعلم عليه أن يجتاز هذه المرحلة، والعابد الذي يريد العبادة النوافل شاقة على النفس، وبعض الناس يفتح له أبواب ويغلق عليه أبواب، عنده استعداد يجلس خمس ساعات يقرأ القرآن، لكن تشق عليه سجدة التلاوة، فضلاً عن صلاة ركعتين، نقول: عليك أن تجاهد نفسك لترويضها من أجل الصلاة؛ لأن الصلاة من أفضل الأعمال، بعض الناس عنده استعداد يبذل الألوف المؤلفة ولا يصوم يوم، يقال: عليك أن تجاهد نفسك في الصيام، في هذه الباب، ليفتح لك، فإذا جاهدت نفسك وتجاوزت هذه المرحلة أبشر تجد من اللذة والمتعة والأنس ما يجعلك تتمنى أن لو كان اليوم أطول، وأحياناً منهم من يتمنى وقرأنا في سير بعض العباد، أنهم يتمنون أن الحر أشد، والوقت أطول، لأنهم لا يحسون بتعب ما دام القلب مرتاح فالبقية كلها مرتاحة، والذي يتعامل مع الله -جل وعلا- القلب، البدن شبه المعدوم في هذا الباب، كيف ذلك؟ شخص جاوز المائة ويصلي خلف شخص في صلاة التهجد ويقرأ في التسليمة جزء كامل من القرآن، ففي صلاة التهجد يقرأ خمسة أجزاء في التسليمة الأخيرة في يوم من الأيام، وهذا الشخص جاوز المائة ويصلي قائم واقف خلف هذا الإمام، في التسليمة الأخيرة الخامسة خفف الإمام؛ لأنه سمع مؤذن يؤذن الأذان الأول والعادة جرت أنه إذا أُذن الأذان الأول معناه أن المسجد هؤلاء انتهوا من الصلاة، فظن أنه تأخر على المصلين فخفف فلما سلم اتجه إليه هذا الشيخ الكبير الذي جاز المائة، وأخذ يوبخه ويقرره ويقول: ليال قليلة وجاء وقت اللزوم يعني آخر الوقت فكيف تخفف؟.

ص: 24

أو شباب يتذمرون نجد مسجد يصلي صلاة العشاء مع التراويح بأقل من نصف ساعة؟ وهذا يمتلأ من الشباب ليش؟ لأنه يخفف، لكن الذي يطول عليهم لو يزيد خمس دقائق يتذمروا وضاقوا ذرعاً بهذا التطويل، وبعضهم عنده استعداد يخرج من هذا المسجد، والتسليمة بأقل من خمس دقائق ويخرج من هذا المسجد ساعة يتحدث من أحد، وبلغنا عن شخص كبير في السن من عشر سنوات أو أكثر يصلي جالس، في يوم العيد صارت عارضة، تعرفون العارضة؟ نعم، فأخذ يعرض مع الناس قائم بيده السيف وقتاً طويلاً، فلما نوقش يا ابن الحلال تصلي جالس من سنين والآن

والله لو كنتم تعلمون ما الذي حملني على رجلي فأنا أعلم، ما أدري ما الذي شالني؟ فالتعامل في مثل هذه المواقف القلب الذي يتعامل تجد شخص تقول: كيف هذا يستطيع أن يعيش؟ وبعد ذلك إذا وقف في الصلاة كأنه سارية، لا يتحرك، وبعض الناس يراوح بين رجليه قبل أن تتم الفاتحة، ملل وقلق، وسببه عدم ترويض النفس على العبادة.

النبي عليه الصلاة والسلام غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ومع ذلك قام حتى تفطرت قدماه، هذا شكر النعمة، ولهذا لما قيل له قال:((أفلا أكون عبداً شكوراً؟! )) فعلى الإنسان أن يشكر الله -جل وعلا- على ما أعطاه وأولاه من نعم، وأسدى إليه من دفع للنقم. والله أعلم.

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

ص: 25