المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌شرح حديث: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت)) - دروس الشيخ عبد الكريم الخضير - جـ ٥

[عبد الكريم الخضير]

الفصل: ‌شرح حديث: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت))

‌شرح حديث: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت))

الشيخ/ عبد الكريم الخضير

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فقد روى الإمام البخاري ومسلم -رحمهما الله تعالى- من طريق أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت، ومن كان بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره)).

هذا الحديث المتفق عليه ربط هذه الأعمال بالإيمان، بالإيمان بالله الذي لا يصح أي عمل بدونه، الإيمان بالله شرط لقبول الأعمال، {وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَاّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ} [(54) سورة التوبة] فالكافر لا يقبل منه أي عمل، فلا بد أن يكون العامل مؤمناً ليقبل عمله.

وربط أيضاً بالإيمان باليوم الآخر الذي هو ركن من أركان الإيمان بالله، ركن من أركان الإيمان، فلا يصح إيمان إلا باجتماع أركانه الستة، ومنها الإيمان باليوم الآخر، والتنصيص على الإيمان باليوم الآخر، التنصيص على الإيمان باليوم الآخر، مع إمكان الاكتفاء بالإيمان بالله -جل وعلا- الذي يتطلب الإيمان باليوم الآخر، التنصيص عليه ليستشعر الإنسان اليوم الآخر الذي فيه الحساب والجزاء على هذه الأعمال وغيرها، ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر)) وهذا خاص بالمؤمنين، هم الذين يمتثلون مثل هذه الأوامر، ولا يعني أن الكافر غير مخاطب بفروع الشريعة كما يقول الجمهور، بل الكافر مخاطب بفروع الشريعة، وإن كانت صحتها متوقفة على الإيمان بالله عز وجل، فلو عمل عملاً حال كفره لا يقبل، وإذا أسلم لا يؤمر بقضائه، إذن كيف يخاطب بالفروع وهو لا يقبل منه حال كفره ولا يطالب به إذا أسلم يطالب بقضائه؟

ص: 1

يقول أهل العلم: الذين يقولون بخطاب الكافر بفروع الشريعة مثل هذه الأمور وغيرها، وهذا قول أكثر أهل العلم، يقولون: إنه يحاسب عليها يوم القيامة، هو كافر لا يقبل منه أي عمل، لكن في يوم القيامة يضاف في عذابه على الكفر بالله -جل وعلا- يضاف إليه عدم العمل بالفروع، والمسألة معروفة عند أهل العلم، هذا قول الجمهور.

ص: 2

((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت)) مفهوم الحديث أن الذي لا يقول خيراً ولا يصمت إنما يقول شراً أو يصمت عن الخير لا عن الشر مفهوم الحديث أنه لا يؤمن بالله واليوم الآخر، لكن هل هذا المفهوم مراد؟ الذي لا يصمت عن قول الشر، أو يصمت عن قول الخير، هل مفهوم هذا أنه لا يؤمن بالله واليوم الآخر؟ هذا الحديث خرج مخرج الزجر، يعني كما يقول الوالد لولده: إن كنت ابني فافعل كذا، إن كنت ابني احفظ القرآن، يعني هل يفهم من كلامه أنه إذا لم يحفظ القرآن يتبرأ منه ولا يرضى بانتسابه إليه؟ لا أبداً، إنما يقصد منه الحث على هذا العمل، فالمقصود من هذا الحديث الحث على هذه الأعمال، ومنهم من يقول:((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر)) الإيمان الكامل ((فليقل خيراً أو ليصمت)) ولا يراد منه نفي حقيقة الإيمان عن من لا يقول خيراً أو يصمت عن الشر، بدليل الإجماع، إجماع أهل العلم على أن من قال شراً لا يصل إلى حد الكفر فإنه لا يخرج به عن مسمى الإيمان، وإن فسق بقوله الباطل ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً)) فليقل خيراً، والقول يشمل ما ينطق به اللسان، ما ينطق به اللسان مما يتعدى نفعه إلى الغير ومما يقتصر نفعه على صاحبه، فمن قول الخير المتعدي نفعه تعليم الناس الخير، وتوجيه الناس، ونصح الناس، وأمر الناس بالمعروف، ونهيهم عن المنكر، هذا من قول الخير المتعدي نفعه إلى الغير، يعلم الناس، يوجه الناس، يدعو الناس، يرشد الناس، ينصح الناس، يأمر الناس بالمعروف، وينهاهم عن المنكر، هذه أمور يتعدى نفعها إلى الغير وهي مما يقال باللسان، وأما ما يقال باللسان ويدخل تحت قول الخير ما نفعه قاصر على صاحبه، يعني ظاهراً وإن كان هذا القول القاصر والنفع القاصر يعين على النفع المتعدي، ومن ذلكم قراءة القرآن، كثرة الذكر، وجاء في الحث على جميع ذلك ما جاء، جاء ما جاء من النصوص في تعليم الناس الخير، وجاء أيضاً مما يحث على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي هو السبب في كون هذه الأمة خير أمة أخرجت للناس، هذه الشعيرة العظيمة ((من رأى منكم منكراً فليغيره بيده)) وهذا مقرون بالاستطاعة ((فإن لم يستطع فبلسانه)) وهذا هو

ص: 3

الشاهد من الحديث لما نحن فيه، يغير المنكَر بلسانه، وهذا داخل في قول الخير، يأمر الناس بالمعروف، وجد أناس يتساهلون في الواجبات أو يرتكبون بعض المحرمات يأمرهم بالمعروف، يأمرهم بأداء هذه الواجبات، وينهاهم ويحذرهم عن ارتكاب المحرمات، هذا من أعظم القول الذي يدخل في هذا الحديث دخولاً أولياً.

تعليم الناس الخير –العلم- على الجادة المعروفة عند أهل العلم من أبوابه وطرقه مع العناية بالأهم فالأهم، مما يدخل في الحديث دخولاً أولياً، ((فليقل خيراً)) وهذا من الخير، نصح الناس والدين النصيحة، وتوجيههم وإرشادهم، دعوتهم، دلالتهم على الهدى، ((من دل على هدى فله مثل أجر فاعله)) هذا من قول الخير.

تلاوة القرآن جاء فيها ما جاء، وهي من قول الخير، وفضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه، وجاء في الحث عليه ما يجعل المسلم يعنى بكتاب الله -جل وعلا- ((من قرأ القرآن فله بكل حرف عشر حسنات، لا أقول: آلم حرف، بل ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف)) القرآن شأنه عظيم، هو كلام الله، ((وخيركم من تعلم القرآن وعلمه)) فليكن ديدن المسلم وهِجِيراه العناية بكتاب الله عز وجل، يقرأه على الوجه المأمور به بالتدبر والترتيل ليل نهار، وليجعل له حزباً لا يفرط فيه سفراً ولا حضراً.

كيف يسمع المسلم الوعد على مجرد تلاوة القرآن ويفرط ويضيع أوقاته دون نظر في كتاب الله عز وجل؟! فعلى المسلم أن يعنى به، ويعنى بما يعين على فهمه.

ص: 4

أيضاً الذكر لا يزال لسان المسلم رطباً بذكر الله عز وجل، وهو قول بمعنى أنه يلفظ به باللسان فيدخل دخولاً أولياً في هذا الحديث، وجاء في الحث على الأذكار ما يؤكد أن من تساهل فيها محروم، الأذكار لا تكلف شيئاً {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ* الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ} [(190 - 191) سورة آل عمران] على سائر الأحوال يذكرون الله، و ((سبق المفردون)) قيل: من هم يا رسول الله؟ قال: ((الذاكرين الله كثيراً والذاكرات))، والذكر لا يكلف شيء، وهو من قول الخير الداخل في هذا الحديث، من قول الخير الداخل في هذا الحديث، والنبي عليه الصلاة والسلام يكثر من الأذكار، وحث على اغتنام الأوقات بالأذكار، فسبحان الله وبحمده مائة مرة من قالها حطت عنه خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر، سبحان الله وبحمده مائة مرة في دقيقة ونصف، والنبي عليه الصلاة والسلام يستغفر كثيراً، يستغفر في اليوم مائة مرة، وجاء عنه أنه كان يستغفر في المجلس أكثر من سبعين مرة، ونحن أولى؛ لأنه معصوم، والاستغفار جدير وخليق وحري بالمفرطين، فالاستغفار طلب مغفرة الذنوب من الله -جل وعلا-، فإذا كان النبي عليه الصلاة والسلام الذي غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر يكثر من الاستغفار، وجاء في سيد الاستغفار ما جاء، فعلينا أن نعنى بهذا الباب، وهذا يدخل دخولاً أولياً في قول الخير ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً)).

ص: 5

إذا كان لا يستطيع محروم من قول الخير ((أو ليصمت)) والصمت هو السكوت مع إمكان الكلام، الصمت هو السكوت مع إمكان الكلام، وأما السكوت مع عدم إمكان الكلام فإن كان دائماً فهو خرس، وإن كان مؤقتاً فهو عيّ كما يقول العلماء، ليسكت، فإذا كان لا يستطيع أن يقول الخير فعليه بالبدل وهو السكوت، أقل الأحوال أن يسكت عن قول الشر، ولا شك أن قول الخير أكمل من السكوت والحال هنا في مثل هذا الحديث تحتاج إلى مزيد عناية من المسلم، فالإنسان إذا أراد أن يتكلم يتأمل قبل أن يتكلم، هل هذا الكلام يفيده في أخراه أو لا يفيده، ما الذي يدفعه إلى هذا الكلام، ما الذي يجنيه ويستفيده من هذا الكلام؟ وهل هذا الكلام الذي يتكلم به خالص لوجه الله أو مشوب؟ ثم بعد ذلكم إذا شرع في الكلام يحرص على أن يكون له لا عليه من بدايته إلى نهايته، فقد يريد الإنسان أن يتكلم ويشرع في الكلام مريداً بذلك وجه الله عز وجل، ثم لا يلبث أن يدخل عليه الشيطان بما يفسد عبادته التي أشرنا إليها سابقاً من تعليم وتوجيه ونصح وإرشاد وأمر بمعروف ونهي عن منكر، والكلام الذي لا يتعدى نفعه صاحبه.

ص: 6

قد يبدأ في بداية الأمر مخلص لله -جل وعلا-، لاحظ مخالفات عند بعض الناس وقام يتكلم بين أيديهم، منبهاً على هذه المخالفات ثم يدخل عليه الشيطان، ويجعله يرائي الناس بكلامه، ويستحسن استحسانهم، ويؤثر فيه مدحهم، هذا يدخل عليه الشيطان، إن طرده فإنه لا يؤثر في قصده، وإن استرسل معه إلى النهاية فهذا على خطر من حبوط عمله، فعلى الإنسان أن يعنى بلسانه، وآفات اللسان كثيرة، وخطره عظيم، وشره مستطير، ((من أعان على قتل مسلم ولو بشطر كلمة)) شطر كلمة ما هي بكلمة كاملة، ما يقول اقتل، لو يقول:(اق) جاء الوعيد الشديد في بعض الروايات: ((لم يرح رائحة الجنة)) نسأل الله العافية، والكلام أثره على حسب ما يترتب عليه فيعظم جرمه بقدر الأثر المترتب عليه، وجاء تحريم بعض الآفات والتنصيص عليها كالكذب مثلاً الكذب شأنه عظيم، وخطره جسيم، قول الزور، شهادة الزور، هذه لها آثارها، والغيبة، النميمة، البهت، التشبع تشبع الإنسان بما لم يعطَ، يعني دعنا من كونه يضر الناس بلسانه، يكذب عليهم، ويشهد شهادة زور، يبهتهم يغتابهم يمشي بالنميمة بينهم، مجرد التشبع، تشبع الإنسان بما لم يعط، وإظهاره نفسه بغير حقيقته بأن يدعي دعاوى لا تضر الآخرين، وجاء فيه الحديث الصحيح المتشبع بما لم يعطَ كلابس ثوبي زور، والكذب شأنه عظيم، وأعظمه الكذب على الله ورسوله.

من صور الكذب بل من أشنع صور الكذب الكذب على الله بتحريم الحلال وتحليل الحرام {وَلَا تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ} [(116) سورة النحل] فإذا نظرنا إلى هذا الباب –أعني باب الفتوى بغير علم- دخل دخولاً أولياً في الكذب، وليستحضر من يجرؤ على مثل هذا قول الله -جل وعلا-:{وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ} [(60) سورة الزمر] هذا الكذب على الله -جل وعلا- ثم الكذب على رسوله، وجاء فيه الحديث المتواتر:((من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)).

ص: 7

قول الزور وشهادة الزور ((ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ثلاثة: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين)) ثم قال: ((ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور)) وهذا من الكذب، ضرب من الكذب، لكن شأنه عظيم؛ لأنه يترتب عليه اقتطاع حق مسلم ((ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور)) فما زال عليه الصلاة والسلام يكررها حتى تمنى الصحابة سكوته، هذا من قول الشر، فعندنا قول خير، ومنه المتعدي ومنه القاصر، ومنه قول الشر، ومنه السكوت عن الشر، والصمت الذي جاء الأمر به في هذا الحديث، فليقل، فليصمت، أو ليصمت، وليكرم، هذه اللام لام الأمر، فقول الخير مأمور به، الصمت عن الشر مأمور به، يقابل هذين قول الشر والصمت عن الخير، ما جاء في الحديث ممدوح، يؤمن بالله واليوم الآخر، لكن ما يقابل ما جاء في الحديث من قول الشر عندنا قول الخير مأمور به، فليقل خيراً، الصمت مأمور به، والمراد به الصمت عما يضاد قول الخير، وهو قول الشر، يقابل هذين والقسمة رباعية قول الشر والصمت عن الخير، وذكرنا أن مفهوم الحديث وإن كان المفهوم غير مراد أن الذي يقول الشر أو يصمت عن الخير، مفهوم الحديث يدل على أنه لا يؤمن بالله واليوم الآخر، فإما أن يحمل على الإيمان الكامل كما قررنا، أو يقال: إن المراد به الحث على هذه الخصال والعناية بشأنها،، وبهذا الحديث يستدل أهل السنة والجماعة على أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان، من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل، والقول عمل اللسان، وليصمت ترك، والترك عمل عند أهل العلم، يفيده قول الصحابي:

لئن قعدنا والنبي يعملُ

فذاك منا العمل المضللُ

بعض الناس لا يحسب حساب للسانه، فتجده في المجالس لا يسكت، في كلام أحسن أحواله أنه مباح في البداية، ثم يسترسل فيدخل في المكروه، ثم لا يلبث أن يدخل في الحرام، من كان ديدنه الكلام ((كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع)) فكون الإنسان يتخذ هذا مهنة يتصدر المجالس بالقيل والقال، والنبي عليه الصلاة والسلام نهى عن قيل وقال.

ص: 8

وكأن أمر اللسان خفيف عند من لا يعرف شأنه، ولذا قال معاذ بن جبل رضي الله عنه: وإنما لمؤاخذون بكلامنا؟ قال: ((ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس على وجوههم أو قال: على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم)) أحياناً يحصل موقف يحتار الإنسان هل يتكلم أو يصمت؟ هل يرجح الكلام أو يرجح الصمت؟ إذا كان الأمر يتجاذبه أمران، أمر يقتضي الكلام وأمر يقتضي السكوت، لو رشح شخص لوظيفة ما ثم جاء يستشيرك والدين النصيحة، هل تنصحه بالإقدام وأن يقبل هذه الوظيفة أو تنصحه بتركها أو تسكت؟ إذا تعارض عندك الأمران بغير مرجح تسكت؛ لأنك عند التعارض لا تستطيع أن تقول ما هو خير؛ لأنه خفي عليك الخير في هذه المسألة فتلجأ إلى السكوت، لكن إذا ترجح عندك أن قبوله لهذه الوظيفة فيه نفع للأمة فتنصحه بقبولها، وإذا كان ترجح عندك أن تركه لهذه الوظيفة وتعيين غيره أفضل للأمة فتنصحه بتركها، والمستشار مؤتمن.

كثيراً ما يبدأ الإنسان بأمر في أوله خير، أو يتظاهر بالخير، يتكلم في زيد من الناس يقول: سمعت فلان يفتي بكذا، يعني فتوى خطأ، أو زلة من عالم، تجده في أول الأمر يتظاهر بمظهر المشفق على هذا الشخص الذي أفتى والحريص على مصلحة الأمة، ثم لا يلبث أن يسترسل، وينال من الشخص بحيث لا يخرج من المسألة كفافاً.

فعلى الإنسان أن يهتم للسانه، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول:((من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة)) لكن من يستطيع أن يضمن اللسان في الظروف التي نعيشها الآن، وقد ابتلي الناس بالقيل والقال والقنوات ووسائل الإعلام، ولا تكاد تجد إنسان ساكت، هذا نسأل الله العافية أمر يحتاج إلى مزيد عناية.

((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت)) قد يكون الشيء في جملته ليس بخير شر، غيبة مثلاً، والغيبة ذكرك المرء بما يكره، لكن يعارض هذه المفسدة مصلحة كبرى، يعارض هذه المفسدة التي هي الغيبة ذكرك أخاك بما يكره مصلحة أعظم منها.

ص: 9

جاء شخص يستشيرك في شخص خطب ابنته، فكونك تتكلم فيه بما يكره، أنت تعرف عنه أنه متهاون بالصلاة، ويزاول بعض المحرمات، ذكرك أخاك بهذا لا شك أنه يكرهه، وإذا لم يترتب عليه مصلحة فالأصل التحريم، لكن من باب النصيحة واغتفار المفسدة في مثل هذه الصورة، يبين ما فيه من عيب بقدر الحاجة، فإذا كان القصد النصح للمستشير تغتفر المفسدة.

مثلاً ولي الأمر أراد أن يعين شخص في أمر من أمور المسلمين المهمة، وعرف عن هذا الشخص أنه لا يحسن هذا الأمر، أو يريد أن يستغل هذا الأمر استغلال لا ينفع الأمة، فمن باب النصيحة وإن كان الأصل أن الكلام في هذا الشخص وعرضه مصون، لكن يبقى أن المصالح متفاوتة، وبعض المفاسد تغتفر في سبيل تحصيل المصالح الكبرى، فيشار على ولي الأمر أن مثل هذا الشخص لا يصلح لهذه الوظيفة، إن اكتفى بهذا بها ونعمت لا تجوز الزيادة على هذا، لكن إن لم يكتفِ وطلب الاستفصال يبين له بقدر الحاجة، ولا يكون الهدف تجريح الشخص نفسه، إنما يكون الهدف تخليص الأمة من هذا الشخص الذي يريد أن يستغل مثل هذا المنصب استغلالاً سيئاً، وبعض الناس يلتبس عليه مثل هذا.

فالموضوع في غاية الخطورة، وأعراض المسلمين حفرة من حفر النار -كما قال ابن دقيق العيد- وقف على شفيرها العلماء والحكام.

ص: 10

العلماء يتكلمون في الناس وهم بحاجة إلى الكلام في الناس، القاضي لا بد أن يحضر لديه الشهود، ويعدلون ويجرحون، هذا فيه هذا لا بد منه، العلماء بحاجة إلى تعديل الرواة وجرحهم، بل هذا أمر واجب، العالم عليه أن يقول: فلان كذاب، فلان متهم بالكذب، فلان فاسق، هذا لا بد منه، من أجل إيش؟ أن تقبل روايته أو ترد، والقضاة بحاجة إلى مثل هذا لكي يقبلوا شهادة هؤلاء الشهود أو يردوها، فمثل هذا الكلام مستثنى لا يدخل فيما حرم من أعراض المسلمين، ويبقى أن الكلام في الأعراض الأصل فيه المنع، وجوازه على خلاف الأصل فيقتصر منه على قدر الحاجة {لَاّ يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَاّ مَن ظُلِمَ} [(148) سورة النساء] و ((مطل الغني ظلم، يبيح عرضه وعقوبته)) يعني إذا كان لك دين على زيد من الناس فجئت له فقال: غداً إن شاء الله، جئت من الغد قال: يوم الجمعة، جئت يوم الجمعة قال: آخر الشهر، جئت آخر الشهر، قال: والله جاء رمضان، إلى متى؟ هذا مطل، وهو لي الواجد وهذا ظالم أباح الشرع عرضه وعقوبته.

أما بالنسبة للعقوبة يعزره ولي الأمر إذا رفع أمره، وأما بالنسبة لعرضه فأباح منه الشرع قدر الحاجة، لك أن تقول: والله فلان ظلمني، فلان مطلني، لكن لا تقول: الفاعل التارك اللي

، تزيد على قدر الحاجة، وهذا كله داخل في الجملة الأولى من الحديث:((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت)).

ص: 11

والناس بأمس الحاجة إلى هذه الجملة؛ لأن الغيبة والكلام في الأعراض والتفكه في أعراض المسلمين صار ديدن لكثير من الناس، ولو قيل: إنه قل أن تسلم منه المحافل، محافل المسلمين واجتماعاتهم قل أن تسلم من هذا، ولا شك أن ما بين العباد من حقوق لا تقبل الغفران؛ لأن هذا من السجل الذي لا يغفر، حقوق العباد مبنية على المشاحة، والمسلم قد يأتي بأعمال أمثال الجبال من صلاة وصيام وحج وجهاد وغيرها، ثم يكون يوم القيامة مفلساً ((أتدرون من المفلس؟ )) قالوا: المفلس من لا درهم له ولا متاع، قال:((لا، المفلس من يأتي بأعمال)) وفي رواية: ((أمثال الجبال)) ثم ذكر منها ما ذكر، يقول:((يأتي وقد ظلم هذا، وشتم هذا، وأكل مال هذا، وقذف هذا، وتكلم في عرض هذا، يأخذ هذا من حسناته، وهذا من حسناته، وهذا من حسناته)) وبعدين إذا انتهت حسناته أخذ من سيئاتهم فوضعت عليه، فكب في النار، وهو في الأصل أنه جاء بأعمال أمثال الجبال، فعلى الإنسان أن يحرص على اكتساب الحسنات، ثم بعد ذلك يحرص على المحافظة على هذه الحسنات، لا يحرص على اكتساب الحسنات ثم يفرق ويوزع هذه الحسنات فيكون مفلساً يوم القيامة.

((ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره)) وفي رواية: ((فلا يؤذي جاره)) ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم)) والجملة الثالثة ((فليكرم ضيفه)) وفي هذا أمر بالكرم، والكرم خصلة ممدوحة، يقابله البخل، وأعظم منه الشح، وكلاهما مذموم {وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [(9) سورة الحشر] الشح يقابل الكرم، والبخل أيضاً يقابله، فالكرم خصلة ممدوحة وما يقابله مذموم.

والإكرام يكون للجار كما في هذا الحديث ويكون للضيف ((فليكرم جاره)) وجاء في حق الجار والعناية بشأنه والاهتمام به ما جاء من النصوص، وفي الصحيح:((ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه)) فالجار شأنه عظيم في الشرع، وجاء في حقه:((والله لا يؤمن، والله لا يؤمن من لا يأمن جاره بوائقه)) يعني غوائله وشروره.

ص: 12

والزنا بحليلة الجار جاء ما يدل على أنه أعظم من الزنا بعشر نسوة من غير الجيران، فالجار له شأن عظيم، على جاره أن يؤدي هذا الحق ويكرم جاره، والجار جاء تحديده بأربعين بيتاً من كل جهة، ومعروف أن البيوت صغيرة كانت الغرف يسمونها بيوت، الغرفة بمنافعها تسمى بيت، لكن لو أردنا أن نعد أربعين بيت من بيوتنا الموجودة الآن، أربعين من القصور الموجودة الآن من كل جهة، معناه أهل البلد كلهم جيران، وهو كذلك يعني لا يسلم صاحب بيت من جار، لكن الذي في أطرف البلد جار

، في أول الشارع جار لآخر من في الشارع لأنه متمم للأربعين؟ على كل حال المسألة عرفية، وعلى الأقرب فالأقرب يعظم الحق، ولذا جاء التأكيد على حق الجار الذي بابه بجوار بابه؛ لأنه يرى من الخيرات التي تدخل في هذا البيت وتستشرف نفسه إليها فهو أولى الناس بهذه الخيرات، فإكرامه أولى من إكرام الجار الذي هو أبعد منه.

والجيران ثلاثة: جار له ثلاثة حقوق، وجار له حقان، وجار له حق واحد.

فالجار الذي له ثلاثة الحقوق هو الجار في المسكن القريب في النسب الموافق في الدين، فله حق الجوار وحق القرابة، وحق الدين، أخوة الدين.

الجار الذي له حقان: الجار المسلم البعيد في النسب، له حق الجوار وحق الإسلام.

والجار الذي له حق واحد: هو الجار غير المسلم، ليس له إلا حق الجوار، فلا يجوز أن يناله الجار بأذى، بل العكس، عليه أن ينفعه بما ينفعه في أمر دينه، وهذا بالدرجة الأولى مما يجب الاهتمام به، وفي أمر دنياه {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ} [(8) سورة الممتحنة] الجار يبر، القريب ولو كان كافراً يبر ما لم يقاتل في الدين.

ص: 13

الجار له حقوق ومن أعظم حقوقه: إسداء النصيحة له، وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، وتوجيهه وتسديده، وإعانته على حوائجه، فضلاً عن كف الأذى عنه، فعلى الجار أن ينصح جاره، إذا لحظ عليه شيء، تقصير في باب من الأبواب في أمر من أمور الدين عليه أن يبين له، تفوته صلاة الجماعة يبين له، يتساهل في أداء الصلاة في شأن بعض المحرمات على الجار أن يمحض جاره النصيحة، وهذا من أعظم الحقوق؛ لأن تخليصه مما يضره في الآخرة من أعظم الأمور، وجاء في بعض الآثار أن الجار يتعلق برقبة جاره يوم القيامة، ويقول: إنه رآه على معصية ولم ينهه، والارتباط بين الجيران موجود، وأحياناً يكون في بيت الجيران ما لا ترضاه أنت لجارك فضلاً عن أهلك، بعض الناس مع وجود هذه الحقوق يريد أن يوصل الثقة، ويقوي هذه الثقة، لكن المقرر في الشرع أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، عليك أن تزور جارك، وأهلك يزورون جيرانهم، لكن إذا لم يكن هناك منكر ومفسدة فدرء المفاسد مقدم على جلب المصالح، فإذا كان عنده شيء لا ترضاه لنفسك ولا لولدك لا يجوز لك أن تترك ولدك يزور هذا الجار الذي أنت حريص على تربية ولدك وجارك متساهل في هذا الباب، فعليك أن تنتبه لهذا، وإذا كانت الدعوة لوليمة العرس إجابتها واجبة عند أهل العلم فهم يشترطون أن لا يكون ثم منكر لا يمكن إزالته، نعم إذا كان هناك منكر وبالزيارة يزول هذا مقصد وهدف، تكرر عليه الزيارة حتى يزول، لكن إذا كان ميئوس من إزالته فإن مثل هذا لا تجوز زيارته، ويقتصر من صلته ونفعه على ما يحقق المصلحة ولا يترتب عليه مفسدة.

فالجار له حق وله شأن، وجاء في حقه من النصوص ما سمعنا بعضه، لكن يبقى أن الدين هو رأس المال، لا يخدش دينك بسبب صلتك لجارك، ولا لصلتك لقريبك، ولا

{وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا} [(15) سورة لقمان] ولو كان أبوك أو أمك، نعم إذا أمروك بمعصية فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، والمقرر في الشرع أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح.

ص: 14

يوجد الآن قطيعة بين كثير من الناس بهذا السبب، مع الأسف الشديد أنه يوجد قطيعة بدون مبرر، بين الأقارب وبين الجيران، قطيعة بين الأقارب وبين الجيران بدون مبرر، يعني كلاهما على قلب رجل واحد، كلاهما على مستوى واحد من المحافظة والتدين، ومع ذلك هذا لا يدعو هذا، وهذا لا يدعو هذا، لماذا؟ هذا مما ابتلي به الناس اليوم، كثير من الناس يقول: والله ودي أتمنى أن أخي وأولاده يزوروننا أو إخوانه من الأب من الأم أو جيرانه يتمنى زيارته لكن مشكلة، عنده أولاد يعبثون بالأثاث وعنده

؛ لأن مسألة العناية بالمظاهر صارت على حساب الصلات.

يعني بعض البيوت التي تسرح الفرشات بالاستشوار، هذا في يوم من الأيام يبي يدعو أخاه أو جاره مع أطفالهم وبزرانهم يفسدون عليه هذا الأثاث، هذا يصعب عليه كثيراً، ووجدت القطيعة بهذا السبب، يعني صعب أنك تبي تدعو أخاك العزيز عليك أو جارك أو كذا وتجلسه أو أطفاله بملحق وإلا بارتداد وإلا بشيء، وصعب عليك أيضاً تدخل هؤلاء الأطفال في البيت يلعبون بالأثاث والتحف والمفروشات وكذا، فهذا له آثاره السلبية التي أوجدت قطيعة بين الأقارب والجيران، ومثل هذا ليس بمبرر للقطيعة إطلاقاً، هذا ليس بمبرر.

بعض الناس يتجاوز هذه ويقول: الصلة موجودة، وندعو الأقارب، وندعو الجيران، لكن باستراحة، ما لازم يخربون علينا، ويفسدون علينا، هذا يحقق بعض المصلحة، لكن أيضاً كونك تربأ بجارك أو بأخيك عن دخول بيتك هذه بعد مشكلة، فينبغي للمسلم، بل على المسلم أن يتجاوز مثل هذه الأمور يجعل تحقيق مراد الشرع فوق ما يريده هو، فوق ما يريده هو، ولذا العناية بهذه المظاهر من آثارها ما سمعتم، وهي في أصلها أيضاً سرف، ممنوعة من الأصل، كثير منها ممنوع؛ لأنه يدخل في باب السرف، وإذا أدى إلى هذه الحقيقة المرة ازداد سوءاً على سوء، فالجار له حق، والقريب له حق، والمسلم له حق، وإذا اجتمعت الحقوق صارت له ثلاثة حقوق.

ص: 15

العناية بالجار لتسود المودة والألفة والأخوة بين المسلمين، وجاء في الحديث:((لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم)) يعني أقل الأحوال أن تكون مع جارك السلام عليكم، كيف حالك يا أبو فلان، وبعض الناس لا يتنزل لمثل هذه الأمور، وقد يقذف الشيطان في قلبه أنك إنسان لك منزلة، ولك مكانة، وسنك وعلمك خلي الحق لك يا أخي، كيف تتنازل أنت لتقول: يا فلان وتدعو فلان وتذهب إلى فلان لا يا أخي إن جاءوك وإلا الحق لك؟! لا شك أن هذا من تلبيس الشيطان، وفي الحديث الصحيح يقول:((خيرهما الذي يبدأ بالسلام)) وعلى الكبير .. ، نعم الحق له، يعني إذا التقى الكبير مع الصغير الصغير يسلم على الكبير، لكن افترض أن الصغير ما سلم ألا يسلم الكبير ليدخل في حديث:((خيرهما الذي يبدأ بالسلام))؟ ولد مع أبيه مر الولد ما سلم عليه يسلم الأب ويش المانع؟ عم مع ابن أخيه وهكذا، ينبغي للإنسان أن يكون مبادراً، والنبي عليه الصلاة والسلام يبادر الصبيان فيسلم عليهم، ومع الأسف أن الناس كلهم ينظرون إلى بعض العمال نظرة استحقار؛ لأن العامل تجده جالس، ثم يمر هذا فيقول العامل: السلام عليكم، يقول: شوف ها المسكين ذا يسلم وهو قاعد، نعم، خليه يسلم ويش صار؟ يعني صحيح أنك أنت أولى منه بالسلام لكن تركت الأولوية خله يأخذ الأجر، يعني ليس معنى هذا أن الكبير يسقط عنه السلام، أو الجالس أو الراكب أو ما أشبه ذلك، لا، نعم فصحيح أن هذا يكون أولى بالسلام، الصغير أولى بالسلام بالبداءة من الكبير، لكن إذا بدأ الكبير صار خير الاثنين، وبعض الناس يرفع رأسه ويقول: أنا الحق لي، ومتى ما سلم ردينا وإلا بهواه.

يا أخي الصلة مطلوبة من الطرفين، وهذا يكثر بين الأقارب، يقول: والله أنا عمه أنا الحق له أنا بمثال أبوه، عم الرجل صنو أبيه صحيح هذا صحيح، لكن لا صار محروم ما تصير أنت المبادر؟! فالمبادرة من المسلم مطلوبة، فليظفر المسلم بهذا الأجر.

ص: 16

إكرام الضيف أيضاً من أعمال الإيمان ومن خصاله، ولذا جاء في هذا الحديث:((ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه)) فليكرم: اللام لام الأمر، والأصل في الأمر الوجوب، فيجب إكرام الضيف على خلاف بين أهل العلم إذا كان الضيف في بلد فيه فنادق وفيه مطاعم، يعني ليس بمضطر إليك، هل يصل إلى حد الوجوب بحيث يأثم لو لم يكرمه؟ وخلافاً بينهم هل الضيف يشمل المسلم والكافر أو هذا خاص بين المسلمين؟ المسألة خلافية بين أهل العلم، منهم من يرى أن هذا خاص بين المسلمين بدليل أن النفقة الواجبة لا تلزم للقريب الكافر فضلاً عن الإطعام الذي هو في أصله مستحب.

الإكرام للضيف إنما هو جائزته، اليوم الأول، اليوم الأول ضيافته واجبة، ضيافة الضيف في اليوم الأول واجبة، وفي اليوم الثاني والثالث مستحبة، فإكرامه ثلاثة أيام مطلوب، داخل في هذا الحديث الوجوب، كما جاء في بعض النصوص لليلة الأولى، ثم بعد ذلك الثانية والثالثة على سبيل الاستحباب، وما عدا ذلك فهو فضل، ما عدا ما بعد الثلاثة الأيام فهو فضل.

وإكرام الضيف خصلة محمودة بلا شك، والكرم من الخصال التي جاء الحث عليها والتنفير والتحذير من ضدها من البخل والشح.

ص: 17

لكن الكرم له حدود، جميع الخصال التي جاء الحث عليها له حدود، الشجاعة ممدوحة، الحلم ممدوح، الكرم ممدوح، غير ذلك من الخصال لها طرفان، الكرم إذا زاد عن حده دخل في حيز المنع، في الإسراف والتبذير، ولذا جاء التوسط في قوله -جل وعلا-:{وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا} [(29) سورة الإسراء] نعم على الإنسان أن يتوسط في أموره فإذا جاءه ضيف يقدره بقدره، وقد أمرنا أن ننزل الناس منازلهم، بعض الضيوف يكفيه الشيء اليسير، وبعض الضيوف منزلته كبيرة يقدر بقدرها، على أن لا يدخل ذلك في حيز التبذير والإسراف، وبعض الناس من أجل أن يقال، وهذا مع الأسف سائد كثير، يتكلف للواحد ما يكفي المائة، هذا موجود من أجل إيش يا أخي؟ نعم ضيفك عزيز وفاضل وله منزلة ومكانة، لكن يبقى أنه يقدر بقدره، وكما يقول الناس: الآن يتعارفون على أنه من الألفة عدم الكلفة، وأيضاً ليس القدر ما يوضع على الموائد، ليس هذا هو القدر، إنما القدر الذي يكون في القلوب من المودة والمحبة والتقدير والاحترام، وإنزال الناس منازلهم، يعني يذكر أشياء يظنها أو يخيل لبعض الناس أنها من الكرم وهي ليست من الكرم، ومظاهر السرف في هذه الأيام التي وسع الله فيها على المسلمين ظاهرة، والإسراف كفر للنعمة، وكثير مما يقدم في الولائم يكون من نصيب النفايات والأزبال، وهذا مؤذن بخطر عظيم أن ترفع هذه النعمة {لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ} [(7) سورة إبراهيم] وليس هذا من شكر النعمة، وشخص كبير في السن، وقف على زبالة فإذا فيها الطعام كامل، بوادي بذبائحها مكبوبة في الزبالة، فجلس يبكي بجوارها، جلس يبكي بجوارها، قيل له: ما يبكيك؟ قال: أنا بنفسي لا أروي عن أحد، أنا بنفسي بدون واسطة لا أروي عن أحد، شهدت هذا المشهد بفلسطين، ونزلت في الزبالة وأكلت منه حتى شبعت، وانظروا العاقبة، نسأل الله -جل وعلا- أن يحسن للجميع العاقبة.

ص: 18

أقول: نكتفي بما سمعنا في شرح الحديث، ونستغل هذا الوقت للإجابة على الأسئلة إذا كان هناك أسئلة متعلقة في الحديث فهي أولى، وبعض الناس يستفيد من السؤال والجواب أكثر مما يستفيده من الكلام المرسل، يستفيد من السؤال والجواب أكثر وله أصل، جبريل عليه السلام لما أراد أن يعلم الناس الدين جاء بطريقة السؤال والجواب للنبي عليه الصلاة والسلام.

هذا السائل يقول: أنا موظف وفي بعض الأحيان يتكلم الموظفون عما يشاهد في التلفاز والبعض يكرر الأغاني، فما توجيهكم لي ولهؤلاء الموظفين؟

على كل حال الغناء محرم، وإذا صحبه آلات بأن كان لفظه ممنوع، وصحبه آلة لا شك في تحريمه، لكن إذا كرره المكرر من غير آلة، ولفظه ليس فيه محظور، نعم فيه التشبه بهؤلاء الفساق، الذين يعانون هذه المهنة الرديئة، لكن يبقى أنه ليس داخل في الغناء نفسه، هذا لم يغنِ، كرره تكريراً لفظه مباح ولم يصحبه آلة، وأداه بلحنه هو من غير تشبه بلحون الأعاجم، بطرائقهم المعروفة، ولا بلحون أهل الفسق، يبقى أنه .. لكنه ما يكرر مثل هذا الكلام إلا مع إعجابه بالمتكلم، فيخشى عليه من هذه الحيثية.

فمثل هؤلاء ينصحون بعدم تكرير مثل هذا، وأن يوجهوا إلى ذكر الله -جل وعلا- واللهج بحمده وشكره، ويوجهون إلى قراءة القرآن وما ينفعهم، والله المستعان.

يقول: ما رأيكم في المرأة أو الرجل الذي يرفض الزواج بحجة أنه سبب للانقطاع عن طلب العلم وعن الدعوة فتجد الرجل يرفض التفكير بالزواج أو الفتاة ترفض ولو من شاب صالح بسبب أنه سبب لمن سبقوه من الرجال والنساء الذين تزوجوا فانقطعوا عن طلب العلم والدعوة فما توجيهكم؟

ص: 19

هذه الدعوة لا شك أنها من تلبيس إبليس، من تلبيس الشيطان وإلا فالزواج من سنن المرسلين، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: الزواج من سنتي ((فمن رغب عن سنتي فليس مني)) وهو عليه الصلاة والسلام ينام ويقوم، ويأكل اللحم، ويتزوج النساء، يقول:((فمن رغب عن سنتي فليس مني)) والزواج لا سيما مع الاهتمام به من الطرفين، من أن يسعى الزوج للبحث عن المرأة الصالحة ((فاظفر بذات الدين تربت يداك)) والمرأة كذلك تبحث عن الزوج الصالح، وكل منهما يعين الآخر على العلم والعمل، وهذه طريقة مجربة، وإذا كان طالب العلم عنده من الرغبة في العلم، ويستحضر ما جاء في العلم وفي طلب العلم من النصوص التي تحث عليه فلن يعوقه عنه عائق، لا زواج ولا غيره، وواحد من شيوخ شيوخنا أنا ما أدركته لكن ينقلون عنه أنه ليلة زواجه، ليلة الدخلة بالمرأة، دخل بها في تلك الليلة، وقبل أن يقربها تذكر آية أشكلت عليه فنزل إلى مكتبته ومن تفسير إلى آخر إلى أذان الصبح إلى أن أذن الفجر ليلة العرس.

ص: 20

العلم إذا خالط القلب وامتزج باللحم والدم لا يعوق عنه عائق، لكن الذي يريد أن يتعلل بأدنى شيء هذا يبي ينصرف سواءً بزوجة أو بدون زوجة، وواحد من الإخوان معروف موجود الآن تزوج امرأة وهو من طلاب العلم، وهي ليست .. ، هي متعلمة لكن ليس لها نظر في العلم الشرعي، فصار يلح عليها إلا تقرأ تقرأ، ثم أحياناً تقسو عليه وتقول له: دايم علم علم دين دين ويش الكلام هذا؟ وهي من بيت صالح، يعني من بيت علم وفضل، لكن ما لبث مع الوقت، يعني خلال شهرين أو ثلاثة حتى احتاج إلى ما يكفها عن الانغماس والانهماك في العلم، فالعلم إذا حببه الله إلى الشخص بعد النظر في النصوص الذي تحث عليه وترغب فيه، لا شك أنه متعة، وأنا أعرف كثير من طلاب العلم إذا ذكرت له الرحلات في أوقات الربيع وأوقات مواسم الخيرات والأمطار فربيعه في مكتبته، هذا موجود، و ((منهومان لا يشبعان طالب علم وطالب مال)) فإذا وصل الإنسان إلى هذا الحد لن يعوقه عنه عائق لا زوجة ولا غير زوجة، والنساء شقائق الرجال، وجد منهن، يوجد الآن هل يتصور واحد منا أنه توجد امرأة تقرأ فتح الباري ثلاث مرات؟ كبار المشايخ ما قرؤوه ولا مرة، نعم، امرأة الآن لم تصل إلى الثلاثين من عمرها قرأت فتح الباري ثلاث مرات، يعني هذا موجود ولله الحمد، يعني لا نيأس، وإذا بحثت المرأة عن شخص يعينها على العلم، وبحث طالب العلم على امرأة تعينه على طلب العلم لا شك أنها تتم النعمة، وإلا فالعزوبة من أعظم الصوارف عن طلب العلم.

هب أن هذا طالب علم من درس إلى درس، ومن كتاب إلى كتاب، لكن ذهنه مشغول.

يقول: هل كل مجلس يجلس فيه أو يجلس فيه قوم لم يذكروا الله فيه أو الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام إذا انفضوا عنه كأنما انفضوا عن جيفة حمار حتى لو كان مجلسهم من الكلام المباح؟

ص: 21

جاء الخبر بهذا ((وما من قوم يجلسون مجلساً لا يذكرون اسم الله إلا كان عليهم ترة يوم القيامة)) يعني حسرة وندامة، والحسرات تتفاوت، حسرة مرتكب المحرم ما هي مثل حسرة من شغله المباح عن المستحب، وليست مثل حسرة من شغله المستحب عن الواجب، المقصود أنه ما من شخص إلا سيندم، ما من ميت إلا سيندم، وندامة كل شخص بحسبه، حتى العابد الزاهد المقبل على ربه سيندم، لماذا؟ لأنه ما استغل الوقت الأربعة والعشرين ساعة كلها فيما يرضي الله -جل وعلا-، فرط في بعض الأوقات، فيندم على تفريطه بهذا، وإن كان على خير عظيم، فضلاً عمن شغل وقته فيما لا يرضي الله -جل وعلا-.

هذا من الانترنت يقول: هل يجوز أن يتسمى الرجل باسم مستعار في الانترنت باسم رسول الحب أو رسول الهوى؟

رسول إيش معنى رسول؟ يعني هل أرسله الحب؟ يعني الحب أرسله؟ ويش معنى أرسله؟ إذا كان المعنى الأعم بمعنى أنه هو الذي بعثه على متابعة حب العلم، حب العلم بعثه وأرسله إلى تتبع مواطنه في هذه الآلة له وجه، لكن يبقى أن كلمة رسول التوسع فيها غير مرضي، رسول الهوى إيش الهوى هذا؟ إيش معنى رسول الهوى؟ يعني رسول الحب حب الشيء لا سيما إذا كان حبه للعلم أرسله وبعثه على تتبع مواطنه في هذه الآلة لا بأس، أما أن يقول: إنه يتسمى باسم غير اسمه هذا داخل في حيز الكذب.

يقول: هل صوت المرأة عورة إذا كان صوت هذه المرأة ناعم بطبيعتها بحيث لا تميعه هل يجوز لها أن تتكلم بحضرة الرجال أو تلقي السلام فقط أو السكوت؟

أولاً: المسألة مرتبطة بالفتنة، صوت المرأة في الأصل إذا سلم من الخضوع فليس بعورة، هذا الأصل فيه، لكن إذا صحبه الخضوع حرم {فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} [(32) سورة الأحزاب] إذا كان من الأصل صوتها فاتن تمنع للفتنة، تمنع من أجل الفتنة، والسكوت حينئذٍ في حقها أفضل، وأهل العلم يؤكدون على أن المرأة لا تبدأ الرجال بالسلام.

يقول: ما صحت حديث: ((رحم الله امرئ صلى قبل العصر أربعاً)

هذا الحديث حسن، وينبغي الاهتمام بهذه الأربع.

ص: 22

هذه امرأة حامل ولديها بنت وعمرها سنة وأربعة أشهر ولا تزال ترضعها فهل يضر بالمولود الجديد؟ وهل يخاف من ضرر بالمولود مع تغير الهرمونات؟

على كل حال النبي عليه الصلاة والسلام أراد أن ينهى عن الغيلة، ينهى عن الغيلة، وهي: إرضاع الحامل، يقول: فإذا فارس والروم يغولون ولا يضرهم، أراد أن ينهى فانتهى عن النهي وكف عن هذا النهي لأنه رأى فارس والروم لا يضرهم مثل هذا، وبعض الناس يشكل عليه معنى هذا الحديث، حتى بعض السفهاء كتب في الصحف أن الرسول عليه الصلاة والسلام يتأثر في تشريعه بالحضارات الأخرى، يعني تأثر بفارس والروم فعدل عن النهي الذي هو تشريع في الأصل، نقول: لا يا أخي لا تأثر ولا شيء، رسالة النبي عليه الصلاة والسلام عالمية، ودعوته عامة، فكون الأمر يضر بقوم مع أن الأكثر لا يتضرر به، يعني الرسول عليه الصلاة والسلام كما هو رسول للعرب رسول لفارس، رسول للروم، رسول للشرق، رسول للغرب، رسول لجميع من على وجه الأرض، رسول للثقلين، فإذا كان ما يراد النهي عنه

طالب:. . . . . . . . .

اصبر اصبر.

فإذا كان ما يراد النهي عنه الغالب فيه الضرر ينهى عنه، نعم يوجد من يتضرر ببعض الأمور وغيره لا يتضرر بها، يعني يوجد بعض الناس يتضرر ببعض الأشياء، وشرائح كبيرة من الناس لا تتضرر هل مثل هذا يقتضي المنع؟ النبي عليه الصلاة والسلام تصور أن الأمم كلها تتضرر بهذا فأراد أن ينهى، فوجد أن الذين يتضررون هم طائفة من العرب، يعني قد يكون لجوهم تأثير، قد يكون لتربتهم تأثير، قد يكون لطبيعتهم وطبائع أجسامهم تأثير، مدخل لهذا التأثير، لكن بقية الأمم لا تتضرر، والرسالة عالمية للأمم كلها، فتأثر بعض الناس بالشيء لا يؤثر على الحكم العام، بدليل أن بعض الناس يتضرر من التمر مثلاً، نقول: التمر حرام؟ نعم؟ ما يستطيع أن

، بعض الناس يتضرر من شرب اللبن نقول: اللبن حرام؟ لا، لا أبداً.

ص: 23

يبقى أن الحكم حكم كلي أغلبي، كونه يتضرر به بعض الناس لا يلتفت إليه، من يتضرر يمنع منه، فالتي ولدها يتضرر من الغيلة بمعنى أنها ترضعه وهي حامل فيتضرر تكف عن الرضاع، لا ترضعه، ويبقى أن الحكم العام النبي عليه الصلاة والسلام ما منع فهو مباح لمن؟ لمن لا يتضرر، يبقى أن التمر مباح بالإجماع، لكن الذي يتضرر بأكله يمنع منه، الذي يتضرر من اللبن يمنع منه لأنه يتضرر؛ لأن الضرر ممنوع شرعاً، وكل ما يضر بالإنسان لا يجوز له تناوله، فهذه المرأة إذا رأت أن ولدها يتضرر من رضاعها تمتنع من رضاعه، وإذا كان لا يتأثر وهذا موجود حتى على

، في بلدنا من النساء من ترضع وهي حامل ما يتضرر، فلنفهم ما السبب الذي جعل النبي عليه الصلاة والسلام يعدل عن منع الغيلة، نفهمه جيداً؛ لأن بعض السفهاء الآن صاروا يتطاولون على الشرع، ويكتبون ويبحثون عن أمور متشابهة، يتشبثون بها للطعن في شريعتنا، يقول: نعم الرسول تأثر بحضارة فارس الروم وأراد أن ينهى فرآهم ما يغولون، يعني ويش؟ كيف تأثر يعني؟ حقيقة الأمر أن رسالة النبي عليه الصلاة والسلام كما هي للعرب هي لفارس والروم والصين والبربر وغيرهم، جميع من على وجه الأرض من جن وإنس، إلى الثقلين أرسل، فكون طائفة من الناس تضرر والغالب ما يتضررون لا يقتضي أن ينهى، فلما عرف أن أكثر الناس لا يتضرر لا ينهى؛ لأن الحكم للغالب، ويبقى أن من يتضرر من شيء يمنع منه، ولو وكان مباح إجماعاً يمنع منه، يعني إذا كان شخص يتضرر من تمرة واحدة نقول: ما يجوز لك تذوق التمر، إذا كان قال له الطبيب: تأكل ثلاثة، نقول: الرابعة لا تجوز، إذا كان سامح له الطبيب أكل سبع مثلاً، يقال: الثامنة تضرك يا أخي، وما يضر لا يجوز أكله، يبقى أن كل إنسان بحسبه.

فهذه المرأة إن كان ولدها يتضرر كما هي عادة بعض نساء العرب، النساء العربيات في جزيرة العرب بعض النساء يتضرر ولدها فعليها أن تمتنع، والتي لا يتضرر ولدها لا تمتنع.

هذه من أمريكا تقول: بعد الأحداث أصبحت زيارة الأخوات في الله والجارات فيها شك كثير - ما أدري والله إيش هذا الشك؟ - فما هو الضابط في الزيارة بين الأخوات في الله؟

ص: 24

الأصل الصلة، لكن إذا كان يترتب على هذه الصلة ضرر على الواصل أو الموصول، على الزائر أو على المزور فيرتكب أخف الضررين بترك هذه الصلة.

يقول من مصر: هل تأثم الفتاة إذا قررت عدم الزواج؟

عثمان بن مضعون استأذن النبي عليه الصلاة والسلام بالتبتل يعني ترك الزواج، فلم يأذن له، وعلى كل حال الزواج يختلف حكمه من شخص إلى شخص، فبعض الناس يجب عليهم الزواج، ويأثمون بتركه، وهي ما إذا غلب على ظن الواحد منهم أنه إذا لم يتزوج وقع في محرم في فاحشة، مثل هذا يحرم عليه أن يترك الزواج، وبعض الناس يندب في حقه، وبعض الناس من باب المباح، وبعضهم إلى بقية الأحكام التكليفية الخمسة ((يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج)) اللام لام الأمر.

يقول: نود نصيحة لتارك الصلاة خاصة صلاة الفجر، وكذلك نصيحة لبعض الأئمة المتساهلين مع تارك الصلاة؟

صلاة الفجر جاء الترغيب فيها أكثر من غيرها، فجاءت مع صلاة العصر ((من صلى البردين دخل الجنة)) ولما قرر النبي عليه الصلاة والسلام الرؤية، رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة، وأن منهم من يراه في الغداة والعشي، حث على صلاتين، صلاة الصبح وصلاة العصر، وبهما تنال هذه المنزلة، وأثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الصبح؛ لأنهما تقعان في الظلام، وهما لا يصلون إلا لمراءاة الناس، فإذا شابه المرء المنافقين في هذه الخصلة يخشى من أن يطبع على قلبه فيكون منافقاً خالصاً، فعلى المسلم أن يعنى بهذه الصلاة.

وأما بالنسبة للإمام فعليه مسئولية تجاه المأمومين فهو مؤتمن على هذه البقعة، وله الكلمة عليهم، وصلاتهم بيده، والإقامة بأمره، فعليه تبعه أكثر من غيره، مع أن كل من علم بحاله عليه أن ينكر عليه.

يقول: الذين حضروا هذه الجلسة غالبهم طلاب علم، أما الذين يتكلمون فيما لا يعنيهم وأصحاب الصفات التي لا يحبها الله ورسوله في مجالسهم وبيوتهم لم يحضروا، فما هو الحل في رأيك؟ وما هو واجبنا حيال ذلك؟

ص: 25

على كل حال على الإنسان أن يوصل، أن يوصل الخير، ويعلم الناس الخير، ويحذرهم من الشر على أوسع نطاق، ولو كتبت هذه الأمور في مطويات، ووزعت على البيوت، ووضع عليها جوائز بحيث يحفز الناس على قراءتها، بحيث يسمعها من يحضر ومن لا يحضر، يكون هذا هو الأصل.

يقول: أنا امرأة أشاهد صور الرجال في الشاشات والمجلات، وأشعر أني أنظر نظرة إعجاب فهل أنا آثمة؟ وهل من توجيه لي ولأخواتي اللاتي ينظرن لهؤلاء الرجال حتى نترك هذه المشاهدات لهؤلاء الرجال؟

أولاً: المرأة مأمورة بغض البصر كالرجل سواءً، فلا يجوز للرجل أن يكرر النظر في المرأة الأجنبية، كما أنها لا يجوز لها أن تنظر إلى الرجال الأجانب سواءً كانوا على الطبيعة أو على الشاشات أو في المجلات أو غيرها، لا يجوز لها أن تنظر، بل أمرت بغض البصر {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} [(31) سورة النور] والنظر بريد، وهو سهم مسموم من سهام إبليس، المرأة قد تكون من الخيرات الحريصات على الخير، وتسمع لهذا الشيخ كلام، ثم تنصرف عن هذا الكلام إلى الإعجاب بشكله ومنظره، ثم يدخل يقر الخبث في قلبها، ويصيبها المرض وهي تطمع في هذا الرجل، ثم الأمور متيسرة التليفونات موجودة والجوالات ووجد من بعض الصالحات من تقول لبعض المشايخ: أنا أحبك في الله، ثم تسترسل في أمور ورسائل جوال، وعليها شوي شوي حتى يوقعهم الشيطان فيما لا تحمد عقباه، ولا يوجد معصوم من هذه الفتنة، وفتنة النساء على الرجال شر مستطير، كما أن النساء يفتن بالرجال، فعلى المرأة أن تتقي الله -جل وعلا- في نفسها، وعلى الرجل أيضاً أن يبذل من ذلك ما يجب عليه، فعليه أن يغض البصر، وإذا خشي ريبة من امرأة تخاطبه أو تكلمه ولو كانت مستفتية؛ لأنه يظهر من بعض النساء هداهن الله تأتي على صيغة سؤال، على طريقة سؤال، ثم تقول تسترسل يعني مرة ثانية وثالثة، وأنها إذا كانت تحب شخص في الله هل تخبره، وبعد ذلك يدخل الشيطان بينهم، وكم من فريسة وقعت في مثل هذا، نسأل الله السلامة والعافية.

ص: 26

على كل حال إذا وصل الأمر إلى هذا الحد لا يجوز النظر إلى

البتة، ولو كان في أصل النظر من أجل مصلحة تحصيل فائدة أو محاضرة أو فتوى أو ما أشبه ذلك، فدرء المفاسد مقدم على جلب المصالح.

يقول: في حديث الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ((وذلك أضعف الإيمان)) هل يعني ذلك أن من لم ينكر المنكر بقلبه تنتفي عنه صفة الإيمان؟

هذا قرره أهل العلم، وأنه جاء في بعض الروايات:((وليس وراء ذلك من الإيمان شيء)) يعني الذي لا ينكر المنكر بقلبه نسأل الله السلامة والعافية على خطير عظيم.

كيف السبيل إلى المحافظة على الحسنات التي يعملها الإنسان؟

على الإنسان أن يحفظ جوارحه يحرص على كسب الحسنات فالعمر قصير، يحرص على كسب الحسنات، ثم بعد ذلك يحافظ على هذه الحسنات، فيحفظ جوارحه، لا يعتدي على أحد، لا يتكلم في أحد، لا ينم في أحد، لا يكذب على أحد، لا يشهد على أحد شهادة زور ولا غيره، المقصود أنه يحفظ لسانه، ويحفظ جوارحه، و ((المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده)) وأهل العلم يقولون: إن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ((من لسانه)) ولم يقل: من قوله، ليكون الأمر أعم بحيث لو أخرج لسانه مستهزئاً مستهتراً دخل في الحديث، ويده مفرد مضاف يعم التعدي باليد القليل والكثير.

أظن الوقت انتهى وقت الإقامة؟ نكتفي بهذا، والله أعلم.

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

ص: 27