المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌استثقال شهر رمضان وأسباب ذلك وحكمه - دروس الشيخ محمد إسماعيل المقدم - جـ ٩

[محمد إسماعيل المقدم]

فهرس الكتاب

- ‌بين يدي رمضان

- ‌التأهب لقدوم شهر رمضان قبل استهلاله

- ‌استثقال شهر رمضان وأسباب ذلك وحكمه

- ‌حال المستبشرين بقدوم شهر رمضان ومواسم الطاعات

- ‌أسباب فرح الصالحين بقدوم رمضان

- ‌تهيئة الصالحين لأنفسهم وتوطينها على تحمل مشقة الصيام

- ‌الامتناع عن الشهوات لله من أجل الحصول عليها في الآخرة

- ‌الفرح عند تمام صيام رمضان بتوفيق الله وشكره على ذلك

- ‌أصناف الناس عند دخول شهر رمضان

- ‌أهل الخير وأهل الشر بين نداء الفعل والترك

- ‌أعمال بغاة الخير خلال شهر رمضان وصفاتهم

- ‌العمرة في شهر رمضان

- ‌الحرص على تعمير المساجد بالطاعات

- ‌التوبة واستغلال شهر رمضان بسائر الطاعات

- ‌المكث بعد صلاة الفجر في المصلى حتى تطلع الشمس

- ‌أعمال بغاة الشر خلال شهر رمضان وصفاتهم

- ‌تعمد الإفطار في نهار رمضان بغير عذر

- ‌ترك الصلاة عمداً

- ‌حكم منع إخراج الزكاة الواجبة وما يترتب على المنع

- ‌الآثار المترتبة على إخراج الزكاة الواجبة

- ‌دعوة إلى الإقبال على الطاعات والابتعاد عن المعاصي والمنكرات

- ‌طرق معالجة ظاهرة تضييع صلاة الجماعة في رمضان وتضييع الأوقات

- ‌كيفية استقبال شهر رمضان

- ‌ضرورة اغتنام التوبة والاستغفار والإنابة خلال شهر رمضان وغيره

- ‌إحسان الظن بالله والتوبة إليه والطمع في رحمته

- ‌آيات الرجاء في القرآن

- ‌العزم الصادق على التوبة

- ‌شروط التوبة

الفصل: ‌استثقال شهر رمضان وأسباب ذلك وحكمه

‌استثقال شهر رمضان وأسباب ذلك وحكمه

إن المستثقلين شهر رمضان هم أهل الغفلة الذين يعدونه إذا نزل بهم كالضيف الثقيل، يعدون أيامه ولياليه وساعاته منتظرين رحيله بفارغ الصبر، يفرحون بكل يوم مضى منه، حتى إذا قرب العيد فرحوا بدنو خروج هذا الشهر، وليس فرحهم من أجل العيد وإنما فرحهم لأنهم تخلصوا من هذا الشهر، وهذا الشعور السيئ عندهم يرجع إلى أسباب عدة: أولها: أنهم اعتادوا على التوسع في الملذات والشهوات المحرمة فضلاً عن التوسع في الشهوات المباحة، فهم يعلمون أن هذا الشهر سيقيدهم ويحجزهم عن الاسترسال فيها، فاستثقلوه حتى قال بعضهم أقوالاً تقشعر منها الجلود وتشمئز منها النفوس، كقول الشاعر ابن الرومي: ألا ليت الليل فيه شهر ومر نهاره مر السحاب ويقول الآخر: رمضان ولى هاتها يا ساقي مشتاقة تسعى إلى مشتاق حكي أنه كان لـ هارون الرشيد رحمه الله غلام سفيه، فلما أقبل رمضان ضاق الغلام به ذرعاً وأخذ ينشد: دعاني شهر الصوم لا كان من شهر ولا صمت شهراً بعده آخر الدهر فلو كان يعديني الأنام بقوة على الشهر لاستعديت قومي على الشهر فأصيب بمرض الصرع فكان يصرع في اليوم عدة مرات، وما زال كذلك حتى مات قبل أن يصوم رمضان الآخر.

كذلك من هؤلاء المتضجرين المستثقلين لهذا الضيف العزيز من يستقبل رمضان بالسفر أو بالهروب من بلاد المسلمين.

ومنهم من يستقبله بإعداد خطط خاصة للطعام وألوان الشراب وغير ذلك.

ومنهم من يستقبله فرحاً مسروراً لما يجده فيه من فرص اللهو والعبث أمام (التلفزيون) أو (الراديو)، أو مع أصدقائه وأترابه في اللعب واللهو.

فهؤلاء جميعاً يستثقلون الشهر، وإذا فرحوا فلا يفرحون بمواسم الطاعات التي فيه، وإنما يبتهجون بمواسم اللهو والعبث التي تزيدهم عن الله عز وجل بعداً.

نقل عن ابن حجر رحمه الله تعالى أنه قال: إن تمني زوال رمضان من الكبائر.

إذاً: المؤمن المملوء بالصبر واليقين في بداية الشهر أو قبل بدايته قلبه يكاد يطير فرحاً بقدومه، ويتمنى أن يكون شعبان يوماً واحداً.

كذلك إذا دخل رمضان فإنه يحزن جداً لكل ساعة أو لكل ليلة تمر منه؛ لأنه يعلم أن تمني زوال رمضان من كبائر الذنوب.

وقال بعض العلماء معلقاً على كلام ابن حجر: ولعله إذا كان بغضاً للعبادة فربما يخشى منه الكفر.

ومما يخالف تعظيم شعائر الله قول العوام: رمضان مريض، أو يخرج الروح، ونحو ذلك.

وذكرنا آنفاً أن أحد أسباب استثقال رمضان عند من يستثقله توسع بعض الناس في الملذات والشهوات المحرمة فضلاً عن المباحة، ولا شك أن التعلق بهذه الشهوات يثقل على القلب العبادة المرتبطة بها، فمن تعلق مثلاً بالمال ثقل عليه عبادة الزكاة والصدقة، ومن تعلق بالأهل والأولاد ثقل عليه الجهاد في سبيل الله عز وجل، ومن تعلق بالطعام والشراب والشهوات ثقل عليه الصيام.

واستثقال الأعمال الصالحة ناتج عن ضعف الإيمان وضعف محبة الله عز وجل في القلب.

فقارن بين قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (وجعلت قرة عيني في الصلاة)، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم:(أرحنا بها يا بلال) بقول من يقول بلسان حاله أو حتى مقاله: أرحنا منها! قارن حال هذا بحال أولئك الذين قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) وقوله: (إيماناً واحتساباً) أي: تصديقاً بفرضيته، ورغبة في ثوابه، طيبة به نفسه، غير كاره ولا مستثقل لقيامه، ولا مستطيل لأيامه، لكن يغتنم طول أيامه لتعظيم الثواب فيه.

ص: 3