المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الاهتمام بوقف الطاقات البشرية فالمال ليس كل شيء - دروس الشيخ محمد الدويش - جـ ٢١

[محمد الدويش]

فهرس الكتاب

- ‌وقف لله

- ‌ميل النفوس إلى الإبداع والتجديد في كل شيء

- ‌التجديد عند الدعاة إلى الله في الوسائل دون الخوض في الثوابت

- ‌أهمية الوقف والمال في نشر الدعوات والمبادئ

- ‌الاهتمام بوقف الطاقات البشرية فالمال ليس كل شيء

- ‌أهمية وقف النية والقلب لله تعالى في كل الأعمال

- ‌اجعل تفكيرك وقفاً لله تعالى

- ‌اجعل مشاعرك وعواطفك وقفاً لله تعالى

- ‌الوقف لأعمال الخير لا تتعطل منافعه

- ‌الوقف عقد لازم لا خيار فيه ولا رجوع

- ‌حكم ناظر الوقف هنا

- ‌تعدد مجالات الوقف وتنوع مصارفه

- ‌أمثلة من السنة النبوية للذين وقفوا أنفسهم لله تعالى

- ‌الأسئلة

- ‌تعدد المجالات في خدمة دين الله تعالى

- ‌الاهتمام بدعوة الشباب المتواجدين خارج حلقات العلم

- ‌إمكانية أن يقف الإنسان نفسه لله تعالى في جهتين فأكثر

- ‌الاهتمام بحفظ كتاب الله تعالى والعمل به

- ‌الوسائل التي تعين الإنسان على أن يجعل أعماله وقفاً لله تعالى

- ‌الاهتمام بالدعوة إلى الله تعالى مع مجاهدة النفس في تجنب الرياء

- ‌كيفية إعادة النية الفاسدة إلى مكانها الصحيح

- ‌كيفية معرفة أن النفس مخلصة أو غير مخلصة

- ‌كيفية جعل التفكير وقفاً لله تعالى مع وجود المنكرات المنتشرة

- ‌نصيحة للشباب الذين كانوا يحفظون كتاب الله تعالى ثم فرطوا في ذلك وفرطوا في الاستقامة

- ‌وقف الإنسان نفسه لتعليم الناس أمور دينهم

- ‌ينبغي للمسلم أن يكون صاحب همة عالية في أعمال الخير

- ‌نصيحة في أن يهتم الإنسان بما ينفعه في الدنيا والآخرة

- ‌دعوة إلى أن توقف جماعات نفسها لله تعالى

- ‌نصيحة للآباء في أن يوقفوا من أبنائهم لخدمة دين الله تعالى

- ‌أهمية المال في تسيير الدعوات ونهوض المجتمعات

- ‌الاهتمام بالأهل والأقارب قدر المستطاع

- ‌نصيحة في عدم جعل المجالس للكلام في أعراض العلماء وطلبة العلم وتقييمهم

- ‌نصيحة لمن يقضون مجالسهم في المباحات أو الكلام في أعراض العلماء

- ‌إصلاح الإنسان لنيته وقصده

- ‌نصيحة في الاهتمام بالشباب، ومخاطبتهم بما يناسبهم

- ‌التزام الألفاظ الشرعية في الكلام

- ‌الخطاب في غالب أحكام الشريعة عام للرجال والنساء

الفصل: ‌الاهتمام بوقف الطاقات البشرية فالمال ليس كل شيء

‌الاهتمام بوقف الطاقات البشرية فالمال ليس كل شيء

قد ينفق الإنسان مبلغاً كثيراً من المال، ويساهم هذا المال ولا شك مساهمة فعالة في إطعام جائع أو مسكين، وفي نصرة مجاهد في سبيل الله عز وجل، وفي دعم برنامج دعوي، أو مشروع إغاثي، وفي جلب خير للأمة، ولكن هذا يبقى مجرد مساهمة تنقضي مع انقضاء هذا المال، وما أسرع ما يزول، وأما حين يوقف مالاً يبقى أصله ويدر غلته فإنه يبقى خيره عميماً بعد ذلك، (وأحب العمل إلى الله أدومه وإن قل).

وليس هذا بالمال وحده، فلئن كان هذا شأن المال ودوره لدى كل صاحب دعوة ومبدأ، فهل صحيح أن بالمال وحده يستطيع الإنسان أن يحقق ما يريد؟ قد يسوغ أيها الإخوة! لأصحاب المبادئ الأرضية والدعوات الضالة أن يعتمدوا أساساً على المال، فيشتروا قناعات الناس وضمائرهم ومعتقداتهم مقابل المال، ولكن ما يشرى بالمال يمكن أن يأتي من يساوم عليه، والبيع لمن يزيد، والذي يبيع قناعاته ومعتقداته بالمال فهو على أتم الاستعداد أن يتخلى عنها حين ينقضي هذا المال.

أقول: قد يسوغ لأصحاب هذه المبادئ أن يغروا الناس بالمال لاتباعهم، والسير وراءهم، وأما نحن فحين نقول: إن المال أساس وعصب مهم للدعوة إلى الله عز وجل، فإنا لا نقول ذلك لأنا نرى أن يعطى الناس، وأن تشترى معتقداتهم، وأن يحاسبوا بالدينار والدرهم على قناعتهم، إن هذا الدين حق، {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا} [الكهف:29].

إنه حق واضح لا مجال للمساومة عليه، نعم قد يكون تأليف الناس مطلوباً، والمؤلفة قلوبهم لهم سهم من الزكاة، لكن هذا شيء واشتراء ذمم الناس شيء آخر.

إذاً أيها الإخوة! ليس بالمال وحده فقط تنتصر الدعوات، فمع أن المال مطلب ملح وأساس لكن ثمة طاقات أخرى ومطالب أخرى بحاجة إلى أن يعتنى بها، فهناك الطاقة الهائلة والجهد الذي لا يعوض وهو الطاقة البشرية بكل فروعها ومجالاتها، إننا بحاجة إلى أن نحشد الطاقات البشرية لخدمة دين الله سبحانه وتعالى والدعوة إليه، فهل نفكر في جعل صنف من الناس وقفاً لله تعالى؟ نقرأ في القرآن الكريم أيها الإخوة! قوله تعالى عن امرأة عمران:{إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [آل عمران:35]، لقد أحست بالحمل، وكانت خدمة دين الله عز وجل تتصدر قائمة اهتماماتها وتطلعاتها، فنذرت حينئذٍ أن تقف هذا المولود على خدمة دين الله؛ بأن يكون خادماً للمسجد الأقصى الذي بارك الله حوله، والذي اختاره الله عز وجل حيناً من الدهر قبلة يتوجه إليه في الصلاة، إنها الأرض المقدسة التي أمر موسى بني إسرائيل أن يدخلوها، والتي سار بهم إليها بعد ذلك نبي الله يوشع بن نون، والأرض التي هاجر إليها إبراهيم عليه السلام، والأرض التي أسري بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم إليها، والأرض والموطن المشهود له بالفضل على مدى التاريخ، والتي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنها موطن الطائفة المنصورة حتى تشهد آخر ملاحم الإسلام حين ينزل عيسى بن مريم عليه السلام فيقتل الدجال.

ومن ثم لا غرو أن يوقف هذا الغلام وهذا الوليد على خدمة هذا المسجد، واستجاب الله عز وجل لدعائها، ولكن الله عز وجل رزقها خيراً من ذلك كله، فاستجاب الله سبحانه وتعالى لها، {فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ * فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا} [آل عمران:36 - 37].

فاستجاب الله دعاءها وأعاذها وذريتها من الشيطان الرجيم، فكان الشيطان ينخس كل مولود فيستهل صارخاً إلا مريم وابنها عيسى عليه السلام، استجابة لدعوة هذه الأم الصالحة، استجاب الله عز وجل دعاءها فكان هذا الحمل أنثى، {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى} [آل عمران:36]، ولكنها كانت أماً لرسول من أولي العزم من الرسل، يبرئ الأكمه والأبرص، ويحيي الموتى بإذن الله؛ يحيي موتى الأبدان، وقبل ذلك معجزته الأهم والأولى والتي أرسله الله من أجلها أنه كان يحيي موتى القلوب، ويخرج الناس من الظلمات إلى النور.

ونقرأ في القرآن أيضاً عن بيع وصفقة مع أولياء الله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَ

ص: 5