المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الأسرة تستقبل التأثيرات التي يتعرض لها الطفل من محيطه الخارجي وتعيد تقويمها - دروس الشيخ محمد الدويش - جـ ٤٢

[محمد الدويش]

فهرس الكتاب

- ‌الرسالة التربوية للأسرة

- ‌الأسرة هي المدرسة التربوية الأولى للطفل

- ‌خصائص الأسرة التي تكسبها الأهمية التربوية الأولى

- ‌الأسرة هي الدائرة الأولى من دوائر التنشئة الاجتماعية

- ‌الأسرة هي الجماعة الأولى التي يرتبط بها الطفل وينتمي إليها

- ‌الأسرة هي الجماعة التي يرتبط بها الفرد ارتباطاً لا ينفصم

- ‌الأسرة هي الكيان الذي يتميز بالتماسك رغم اختلاف شخصيات أفراده

- ‌الأسرة هي النظام الاجتماعي الأكثر ثباتاً على مدى التاريخ

- ‌الأسرة هي أكثر الأنظمة الاجتماعية استغراقاً لوقت الطفل

- ‌الأسرة تنفرد بالتأثير على الطفل في سنوات عمره الأولى

- ‌الأسرة تستقبل التأثيرات التي يتعرض لها الطفل من محيطه الخارجي وتعيد تقويمها

- ‌الأسرة هي الميدان الحقيقي لإشباع الطفل بحاجاته النفسية

- ‌الأسرة أكثر حرصاً على أفرادها

- ‌العوامل الأسرية التي تؤثر على الطفل

- ‌كيف تؤدي الأسرة رسالتها

- ‌أهمية التعامل مع الأسرة على أنها مؤسسة اجتماعية

- ‌ضرورة أن تكون النظرة التربوية نظرة شمولية

- ‌ضرورة السعي في زيادة الخبرة التربوية لدى الآباء والأمهات

- ‌الاستفادة من تجارب الآخرين في مجال التربية

- ‌الاعتناء بالاستقرار الأسري

- ‌ضرورة توفير الوقت الكافي للأسرة من قبل أفرادها

- ‌إعطاء الأولوية للأسرة

- ‌الاعتناء بالمشكلات الاجتماعية التي تواجه الأسرة

- ‌أخذ الجانب التربوي بعين الاعتبار عند تعدد الزوجات

- ‌الأسئلة

- ‌بعض الكتب المختصة بتربية الأبناء

- ‌كيفية التعامل مع الولد الناشئ بين بنات والعكس

- ‌أثر الزواج المتأخر في تربية الأولاد

- ‌كيفية التعامل مع الطفل الذي يصدر عنه سلوكيات خاطئة

- ‌الفرق بين الانترنت والبث المباشر من حيث الأثر في تربية الأولاد

- ‌دعوة المجتمع إلى رعاية الأسرة لا يعني أنها ليست جزءاً من مكوناته

الفصل: ‌الأسرة تستقبل التأثيرات التي يتعرض لها الطفل من محيطه الخارجي وتعيد تقويمها

‌الأسرة تستقبل التأثيرات التي يتعرض لها الطفل من محيطه الخارجي وتعيد تقويمها

ثامناً: الأسرة تختار من البيئة ما تراه مهماً ثم بعد ذلك تقوم بتفسيره وتقويمه وإصدار الأحكام عليه، فكل ما يتعرض له الطفل، سواء ما يهبط إليه في المنزل من خلال وسائل الإعلام ووسائل التأثير، أو ما يواجهه من خلال الدائرة الأوسع من أسرته القريبة من خلال الأقارب أو ما يواجهه من خلال المدرسة والمجتمع، كل هذا تتعامل معه الأسرة وتقوم باختيار ما تراه مناسباً، ثم تقوم بتفسيره وإصدار الأحكام عليه، ومن هنا تكون القيم التي يتشربها الطفل متأثرة بنظرة الأسرة إليها وبتعبيرها عنه، فتشكل هذه القيم معايير يتعامل من خلالها مع ما يواجهه في المستقبل من مؤثرات في المجتمع.

فمثلاً: الطفل الذي يعيش في أسرة تحتقر المتدينين والتدين، سيتشرب هذه القيم من خلال ما يراه ويسمعه من والده ووالدته، وعندما تستقر عنده هذه القيم ويأتي إلى المدرسة ويجد معلماً متديناً فإن نظرته إلى هذا المعلم ستكون نظرة احتقار وانتقاص؛ لأنها نظرة تلقاها من خلال ما غرسته الأسرة عنده.

خذوا نموذجاً آخر: الطفل الذي يعيش في أسرة متدينة، وليس فقط متدينة بل وتتقن التربية؛ لأنه ليست كل أسرة متدينة تحسن التربية وتربي بطريقة صحيحة، حين ينشأ الطفل في أسرة متدينة تحسن التربية يأتي إلى المدرسة التي تعتبر أول تجربة له مع عالم مفتوح، بغض النظر عن تجربته مع المجتمع قبل المدرسة فهي تبقى تجربة محدودة من خلال علاقاته العائلية، وتبقى غالباً لها صلة وثيقة بثقافة الأسرة وبتربية الأسرة؛ لأن هناك في الغالب قدراً من الانتماء الفكري والقيمي والثقافي بين الأسرة والمحيط المجاور، من خلال الأقارب ومن خلال أخواله وأعمامه، فيبقى التغيير محدوداً، حتى حينما يحتك بالشارع يبقى التغيير محدوداً من خلال نوعية الجيران الذين يحتك بهم، ولكن حين يأتي إلى المدرسة فيجد في فصله 35 طالباً ينتمون إلى أسر متفاوته، وتربية مختلفة، وأنماط اجتماعية مختلفة، وشرائح اقتصادية مختلفة، وثقافات مختلفة، فينتقل نقلة أخرى تصدمه، فهو سيبدأ باختيار أصدقاء، كيف سيختار الأصدقاء؟ هو تلقائياً من خلال تلك القيم التي غرستها عنده الأسرة سيجد أنه يتناغم مع هذا النوع دون ذاك، فيجد أن الأصدقاء المحافظين الذين لا يسمع منهم كلمة بذيئة، ولا يرى منهم سلوكاً بذيئاً يجدهم أقرب إليه، وأكثر تناغماً معه فيميل إليهم.

أما الطفل الآخر الذي اعتاد على سلوك عدواني وسلوك متمرد فإنه يميل إلى تلك الفئة التي تناسبه، والطفل الآخر الذي لم يهذب سلوكه فاعتاد على اللغة غير المهذبة، وعلى الألفاظ السوقية، وعلى الأخلاق والسلوكيات الشاذة، يتجه تلقائياً إلى اختيار أصدقائه ممن يتناسب مع طريقته وتفكيره ونظرته للأمور.

إذاً: فالأسرة هنا أسهمت في غرس هذه القيم في الطفل وصار يتصرف من خلالها من حيث لا يشعر، فيحكم على الناس من خلال ما تلقاه، نظرته إلى معلمه لا تنفك عن نظرة الأسرة إلى الآخرين وتقويم الأسرة للآخرين، القيم التي تغرسها الأسرة عنده للرجل الفاضل وكذلك بالنسبة للفتاة للمرأة الفاضلة المحافظة، والإنسان بطبيعته لا ينظر إلى الأمور نظرة محايدة، يعني: كل المواقف التي تراها وتنظر إليها تمر إليك من خلال قناة، هذه القناة تقوم بعملية فلترة لهذه المواقف، فلا تنظر أنت للمواقف نظرة محايدة، ولا تنظر للأشخاص نظرة موضوعية وتحكم عليهم بحكم موضوعي، وإنما هذه النظرة تمر من خلال تلك القناة التي تمثل إطارك المرجعي الذي تشكل من خلال التربية الأسرية، ثم بعد ذلك التربية المدرسية تعدل وتطور في هذا الإطار، هذا الإطار المرجعي الذي تشكل عندك يتحكم في محتوى ما تتلقاه، في أحكام ستصدرها على الناس، وفي نظرتك للأمور، ولهذا أنت لا تنظر إلى الأمور كما هي، بل تنظر إليها من خلال إطارك المرجعي، ومن خلال القيم والمفاهيم والموازين التي اكتسبتها، فحكمك على الناس وتقييمك لهم ونظرتك لهم، فضلاً عن حكمك على السلوكيات المقبولة أو الشاذة، كل هذا ليس حكماً موضوعياً وليس حكماً محايداً كما يقال، إنما هو حكم يمر من خلال هذه القناة التي تقوم بإعادة فلترة هذه المواقف بإصدار أحكام عليها ما بين شخص مقبول وغير مقبول، أو سلوك مقبول وغير مقبول.

والسلوك بحد ذاته مجرداً من هذه القيم يبقى سلوكاً محايداً تتفاوت أحكام الناس بالنسبة له، فالذي يعده بعض الناس سلوكاً مقبولاً آخرون يعدونه سلوكاً شاذاً، وقس على ذلك الأشخاص الذين يعجب بهم فئة من الناس لا يعجب بهم آخرون، من أين نتلقى نحن هذه الأحكام؟ من خلال هذا الفلتر، ومن خلال هذا الإطار المرجعي الذي شكلته الأسرة، ثم لما جاء إلى المدرسة بدأت المدرسة تتحكم فيه بحيث تزيد وتنقص، وتعدل فيه وتقوم، المهم أن الأسرة شكلت هذه القيم التي ينظر من خلالها الطفل، وتنظر من خلالها الفتاة، وينظر من خلالها المراهق والمراهقة، بل والأب بعد ذلك إلى الأمور كلها، ومن ثم فهو لا ينظر إلى المجتمع ولا ينظر إلى الحوادث نظرة محايدة وإنما ينظر إليها من خلال إطاره المرجعي، بغض النظر عن كون هذا الإطار المرجعي يتفق مع ا

ص: 11