المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌توسع مجالات الدعوة - دروس الشيخ محمد الدويش - جـ ٥٢

[محمد الدويش]

فهرس الكتاب

- ‌حاجتنا إلى التربية

- ‌الحاجة إلى التربية

- ‌ماذا نعني بالتربية

- ‌من يمارس التربية

- ‌القناعة بأهمية التربية

- ‌مسوغات المطالبة بالتربية

- ‌كثرة الفتن والمغريات

- ‌ضخامة الدور المنوط بالصحوة

- ‌المعاني الكبيرة التي يحتاج المسلم إلى أن يتربى عليها

- ‌عمق الخلل التربوي في المجتمع

- ‌الخلل في واقع الصحوة

- ‌الانفصام الواقع في المؤسسات التربوية بين النظرية والتطبيق

- ‌توسع مجالات الدعوة

- ‌لم يكن أسلافنا بمعزل

- ‌متطلبات في طريق التربية

- ‌العناية بموضوع التربية

- ‌وضع أهداف تربوية واضحة

- ‌سلوك طريق التربية الجادة

- ‌بذل الجهود في التربية

- ‌الأسئلة

- ‌نصيحة تربوية لمن في سن المراهقة

- ‌نصيحة لشخص مسئول عن مجموعة من الشباب وكيف يربي من هو حديث الاستقامة

- ‌كيفية التعامل مع الضعف الموجود عند القادة المربين

- ‌كيفية التعامل تربوياً مع القوافل الكثيرة من التائبين

- ‌التوفيق بين القيم الدينية والتعليم المؤسسي المنحل

- ‌أهمية الثقافة التربوية لمن يمارس التربية

- ‌مشكلة قلة المربين

- ‌إهمال تربية الأبناء

- ‌وسائل التربية ليست توقيفية

- ‌الاكتفاء بالخطب والمحاضرات في التربية

- ‌الجوانب التربوية المطلوبة

- ‌أهمية رفع مستوى التربية عند المربين

- ‌التكامل بين الجوانب التربوية والجهادية والدعوية

- ‌التربية والتأديب بالضرب

الفصل: ‌توسع مجالات الدعوة

‌توسع مجالات الدعوة

المسوغ الأخير: توسع مجالات الدعوة وجوانبها: هذا التوسع أدى إلى نتائج منها: النتيجة الأولى: التوسع الأفقي لجيل الصحوة، وازدياد قوافل التائبين، الذين يمثلون خلفيات تربوية متناثرة، فهذا رجل كان مدمن مخدرات، هذا رجل كان صاحب فساد أخلاقي، هذا رجل جاء من الشارع.

المهم أننا نرى أفواجاً من التائبين والعائدين والمنخرطين في سلك الصحوة، والذين يمثلون خلفيات تربوية متناثرة، هذا الجيل وهذه الأفواج أليست بحاجة إلى التربية؟ أليست بحاجة إلى جهد يغسل عنها غبار الماضي؟ لا ينبغي أن نفْرط في السذاجة، ونتصور أن هذا الشاب الذي عاش سنوات طويلة في الفساد وفي تلك التربية السيئة أنه من خلال قناعة عاجلة وقناعة سريعة تحول إلى إنسان مصلح، وإلى شاب مستقيم لمجرد ذلك التغير في مظهره، لا.

أقول: ازدياد قوافل التائبين، وازدياد التوسع الأفقي لجيل الصحوة، مع أنه أمر يبعث على الفأل، فإنني أشعر أننا لا نتعامل معه إلا من خلال نظرة واحدة فقط، وهي نظرة التفاؤل، ونظرة الحديث بإفراط عن هذه القوافل العائدة إلى الله، وهذه نظرة سليمة وإن كانت تحتاج إلى نوع من التوازن، أعني: هل فكرنا تفكيراً آخر، وهل طرأ يوم من الأيام على ذهننا أن هذه الأفواج المتقاطرة والوافدة بحاجة إلى تربية، بحاجة إلى غسل أوضار الماضي، بحاجة إلى إعداد؛ حتى لا تكوِّن بعد ذلك خللاً من الداخل، وحتى لا تمارس بعد ذلك الفساد وتمارس الخلل في الصحوة من الداخل، فتضرب الصحوة من خلال هؤلاء الذين لا يملكون إلا مجرد العاطفة فقط؟ كذلك النتيجة الثانية لسعة مجالات الدعوة وجوانبها: كثير من الطاقات الدعوية والعاملة انشغلت في هذه البرامج العامة التي تخاطب الجماهير، وتتحدث مع الجماهير، مما أدى إلى فقدان جهودها التربوية، كانت هناك طاقات كثيرة موظفة في الميدان التربوي والعمل التربوي، وكانت تمارس التربية للشباب أياً كان ميدان هؤلاء، ولكن مع سعة مجالات الدعوة انفتحت أبواب، فتفرغت وانشغلت كثير من هذه الطاقات لملء ذاك الجانب وذاك الجانب العام، ونحن لا نهمل هذا الجانب، ولكن نحن الآن فقدنا طاقات.

والمفترض مع زيادة قوافل التائبين والعائدين، ومع التوسع الأفقي للصحوة أنا نحتاج إلى عدد أكثر ممن يمارس التربية، فأصبحنا نجد أننا نعاني من النقص والقصور في هذه الطاقات، ونعاني أيضاً من ازدياد الحاجة التي لا تفي بها تلك الطاقات السابقة.

كذلك الكثير من الجوانب والمجالات العامة لها نتائج مغرية وبريق عاجل يغري الشباب، مثلاً قد ترى بعض جوانب الدعوة الجماهيرية التي تتم عن طريق مخاطبة الجماهير، وتحريك عواطف الناس، لها نتائج عاجلة، ولها بريق عاجل قد يغري، فيتوجه الكثير إلى مثل هذه المجالات.

إنها مجالات مهمة لا ينبغي أن تهمل، ولكن لا ينبغي أن تكون هي المجال الوحيد، ولا ينبغي أن ننخدع بها ونترك المواقع المهمة، ونهمل التربية والعناية بالإعداد؛ لأجل الانخداع والسير وراء مثل هذا البريق العاجل، والبريق اللامع.

وذلك أن الجهد التربوي يحتاج إلى عمل طويل وبعيد ونتائج، ثم نتائجه مع ذلك غير منظورة، فمثلاً: أستطيع أن أصور لك التربية مثل الطفل في البيت، كل يوم ينمو، لكنك لا تشعر بهذا النمو ولا تقيسه، لكن الإنسان البعيد عندما يرى ابنك بعد سنة يقول: لقد تغير ابنك.

الآن لو قلت لإنسان: نريدك أن تحمل بقرة من الدور الأسفل إلى الدور العلوي لم يقدر؛ لكن لو كان يحملها كل يوم منذ أن ولدت، يحملها اليوم، وعندما يأتي من الغد سيحملها وهكذا، فسيجد أنه بعد فترة يحمل تلك البقرة الكبيرة.

أقول: التربية تمتاز بميزتين: أولاً: أنها تحتاج إلى عمل طويل، وجهد مضن، ثم نتائجها غير منظورة ولا قريبة، فليست مثل العمل العام والجماهيري الذي نتائجه واضحة وسريعة، ومن هنا فإذا كانت التربية تحتاج إلى جهد، وعمل طويل، ونتائجها غير سريعة ولا مغرية فإن الإنسان الذي تربى على الاستعجال، ويريد الثمرة عاجلة، تغريه النتائج العاجلة، ومن هنا فسينصرف الكثير عن الميدان التربوي؛ نظراً لأنهم يخدعون ببريق العمل الجماهيري، والأعمال العامة التي يجد أن الآلاف والجميع يهتدون ويصيرون وراء هذا العمل، فيهمل ذاك الجانب المهم.

مرة أخرى: أنا لا أهمل هذه الأعمال، وأرى أنها كلها مهمة، لكن أن تكون هي النظرة التي ننظر إليها، وألا ننظر إلا بهذه العين، وأن نحتقر العمل التربوي من خلال الانخداع ببريق العمل الجماهيري أيضاً، فهذا خطأ.

كذلك أيضاً النتيجة الرابعة من نتائج توسع مجالات الدعوة: قيادات المستقبل لابد أن تكون من قواعد وجيل الحاضر: فنحن نحتاج إلى قيادات تقود الدعوة على كافة المستويات، قيادات علمية، قيادات دعوية، قيادات فكرية، قيادات على المستويات العليا، قيادات وسيطة، لابد أن تقود هذه الصحوة قيادات، وليس صحيحاً أن القيادات هي القيادات العليا من شخص أو شخصين فقط قيادة علمية وقيادة فكرية، لا، فإننا سنحتاج إلى قيادات على مستويات أقل، إلى أن نصل إلى آخر حد.

هذه القيادات لابد لها من تربية، والجيل الذي

ص: 13