المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌استثمار هذه السنن والاستفادة منها - دروس الشيخ محمد الدويش - جـ ٩

[محمد الدويش]

فهرس الكتاب

- ‌حتى يغيروا ما بأنفسهم

- ‌حاجة المسلمين إلى التعرف على سنن الله في الكون والمجتمعات

- ‌الأدلة على اعتبار هذه السنن من الكتاب والسنة

- ‌ورود قصص القرآن بذكر هذه السنن دليل على أن هناك سنناً تحكم الكون

- ‌الإشارة في كتاب الله إلى طائفة من السنن التي تحكم حياة الناس

- ‌الأدلة على ذلك من السنة

- ‌استفادة الناس من السنن المادية حينما اكتشفوها ووظفوها

- ‌موقفنا من السنن المادية

- ‌السعي لاكتشافها

- ‌تفسير الأحداث من خلال هذه السنن

- ‌الرؤية المستقبلية للأحداث

- ‌استثمار هذه السنن والاستفادة منها

- ‌نتائج الاهتمام بالسنن المادية

- ‌نحن مسئولون عن هذا الواقع الذي وصلنا إليه

- ‌لا يتم التغيير إلا إذا غيرنا ما بأنفسنا

- ‌تغيير الواقع أمر ممكن

- ‌عدم اليأس من تغيير الواقع

- ‌ضرورة القراءة المتأنية لمداخل النفوس

- ‌شمولية التغيير لجميع جوانب الحياة

- ‌ينبغي الربط بين معرفة هذه السنن والإيمان بالقضاء والقدر

- ‌الأسئلة

- ‌كل شيء بقضاء الله وقدره

- ‌ضرورة الاستمرار في التغيير، وعدم التعلق بالأشخاص

- ‌كيفية التعامل مع من يسوغون الواقع ويبررونه

- ‌سبب حصول المصائب على المؤمنين

- ‌السبيل إلى نجاة الأمة

- ‌الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبب في نجاة الأمة

- ‌أهم الأمور المعينة على التغيير

- ‌لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم من خير أو شر

- ‌كيفية الجمع بين سنن الابتلاء وسنن الانتقام

- ‌لا يكون التغيير حتى تغير الأمة من حالها

- ‌الكتب التي ينصح بالرجوع إليها في هذا الموضوع

- ‌نصيحة في كيفية تغيير ما في النفس

- ‌تغيير الحال يؤثر في الأمور الدينية والدنيوية

- ‌معنى السير في قوله تعالى (قل سيروا في الأرض فانظروا)

- ‌الحل لانحطاط الأمة وتقهقرها

- ‌الاهتمام بالدعوة في المناطق النائية

الفصل: ‌استثمار هذه السنن والاستفادة منها

‌استثمار هذه السنن والاستفادة منها

الأمر الرابع: أن نستثمر هذه السنن، وأن نستفيد منها ونحن نتطلع للتغيير في مجتمعاتنا، ونحن نسعى إلى عالم أفضل، فننطلق من خلال إدراكنا لهذه السنن.

إننا نقرأ في كتاب الله تبارك وتعالى ونقرأ في التاريخ عوامل نهضة الأمم وعوامل رقيها، فنحن إذاً حين نتطلع للنهضة والرقي علينا أن نسلك هذه العوامل، ونأخذ بهذه الأسباب، ونقرأ عوامل الانحطاط والانهيار وحلول العذاب والبوار.

ونحن إذ نحرص على حماية أنفسنا من عذاب الله تبارك وتعالى فيجدر بنا أن نجتنب هذه الأسباب، وأن نحذر بني قومنا منها.

أليس جديراً بنا إذاً ونحن نتطلع للتغيير، ونحن نطلع للإصلاح، ونحن نسعى إلى التغيير في مجتمعات المسلمين أليس جدير بنا أن نتأمل هذه السنن، وأن نعيها، وأن ننزلها على واقعنا، وأن نسعى من خلال التعامل معها إلى التغيير في واقعنا ومجتمعاتنا؟ وهذا يضيف علينا عبئاً كبيراً، وهذا يجعلنا ندرك أن المسئولية وأن واجب الإصلاح والتغيير لا يقف عند مجرد الجهود المرتجلة، وعند مجرد أعمال مبعثرة هنا وهناك، بل حركة الإصلاح والتغيير في مجتمعات المسلمين تحتاج إلى دراسة متأنية، وتحتاج إلى بحث عن سنن التغيير والسعي إليها.

ولهذا نقف في نهاية هذا الحديث حول سنة من هذه السنن بعد أن عرفنا من خلال هذا الاستعراض أهمية السنن الكونية: أهميتها في تفسير مجرى الأحداث، وأهميتها في التنبؤ بها، وأهميتها في توظيفها واستثمارها للرقي بالأمم، ولتجنب عوامل الانحطاط، يقول تبارك وتعالى:{إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} [الرعد:11]، ويقول تبارك وتعالى:{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} [الأنفال:53].

وقد أشار صلى الله عليه وسلم في السنة النبوية إلى هذا المعنى، فيقول صلى الله عليه وسلم:(إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلاً لن يرفعه عنكم حتى تراجعوا دينكم)، ويقول صلى الله عليه وسلم أيضاً:(يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، قالوا: أمن قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟! قال: أنتم كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من قلوب عدوكم المهابة منكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن، قالوا: وما الوهن؟ قال: حب الدنيا، وكراهية الموت).

وقد سأل النبي صلى الله عليه وسلم ربه ألا يهلك أمته بسنة بعامة، وسأل ربه ألا يجعل بأسهم بينهم، فمنعه الله تبارك وتعالى ذلك، قال: حتى يكون بعضهم يقتل بعضاً، ويسبي بعضاً.

ويقول صلى الله عليه وسلم: (يا معشر المهاجرين! خصال خمس إن أدركتموهن وأعوذ بالله أن تدركوهن: ما ظهرت الفاحشة في قوم حتى يعلنوا بها إلا ابتلاهم الله بالطواعين والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا) ، فهذه سنة تفسر لنا ما نراه الآن في العالم المعاصر، وتبقى نذير خطر لأولئك الذين يسعون إلى إغراق مجتمعات المسلمين بالفساد والإباحية، (وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله إلا جعل الله بأسهم بينهم، وما نقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالمؤنة وجور السلطان، وما منعوا زكاة أموالهم إلا حبسوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا).

إنها سنن كونية نراها الآن حاضرة في المجتمعات المعاصرة التي ابتلاها الله تبارك وتعالى بهذه العقوبات بما كسبت أنفسهم، إن هذا أيضاً مصداق لقوله تبارك وتعالى:{إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} [الرعد:11]، وهو أيضاً مصداق لقوله تبارك وتعالى:{قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} [آل عمران:165]، {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} [آل عمران:165]، {فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} [الشورى:30]، وهو حديث يكثر في القرآن الكريم، بل إن قراءة قصص الأولين والغابرين في كتاب الله تبارك وتعالى تؤيد هذا المعنى وتشهد له، فالله تبارك وتعالى لم يكن مغيراً نعمة أنعمها على قوم إلا وقد غيروا ما بأنفسهم، ولم يكن تبارك وتعالى مغيراً سوءاً حل بقوم إلا وقد غيروا ما بأنفسهم.

ص: 12