المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌شرح حديث الثلاثة النفر الذين سدت عليهم الصخرة فم الغار - دروس للشيخ الألباني - جـ ١٧

[ناصر الدين الألباني]

الفصل: ‌شرح حديث الثلاثة النفر الذين سدت عليهم الصخرة فم الغار

‌شرح حديث الثلاثة النفر الذين سدت عليهم الصخرة فم الغار

أول جملة نفاجأ بها في هذه الرواية هذه الزيادة: (يرتادون لأهلهم) ، لأن الحديث الذي سبقت الإشارة إليه وكان تقدم معنا في أول الكتاب، ليس فيه هذه الجملة (بينما ثلاثة نفر ممن كان قبلكم يتمشون إذ أصابهم مطر) إلى آخر الحديث، لم يذكر في ذاك الحديث حديث ابن عمر ما الذي أخرج هؤلاء في الطريق وفي الصحراء حتى أصابهم المطر فلجئوا إلى الغار، وهنا يبين لنا السبب فيقول:(يرتادون لأهلهم) أي: يطلبون الرزق والمعاش، يضربون في الأرض كما أمر الله عز وجل، فهذا هو الذي خرج بهم ذلك المخرج.

(فأصابتهم السماء، فلجئوا إلى جبل فوقعت عليهم صخرة، فقال بعضهم لبعض: عفا الأثر، ووقع الحجر) هذا أيضاً تعبير لم يرد هناك: (عفا الأثر، ووقع الحجر، ولا يعلم بمكانكم إلا الله، فادعوا الله بأوثق أعمالكم، فقال أحدهم: اللهم إن كنت تعلم أنه كانت امرأة تعجبني فطلبتها فأبت عليَّ، فجعلت لها جعلاً، فلما قربت نفسها تركتها، فإن كنت تعلم أني إنما فعلت ذلك رجاء رحمتك وخشية عذابك فافرج عنا، فزال ثلث الحجر، وقال الآخر: اللهم إن كنت تعلم أنه كان لي والدان، فكنت أحلب لهما في إنائهما، فإذا أتيتهما وهما نائمان قمت حتى يستيقظا، فإذا استيقظا شربا، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك رجاء رحمتك وخشية عذابك فافرج عنا، فزال ثلث الحجر، وقال الثالث: اللهم إن كنت تعلم أني استأجرت أجيراً يوماً، فعمل إلى نصف النهار، فأعطيته أجره فسخطه ولم يأخذه، فوفرتها عليه حتى صارت ذلك المال، ثم جاء يطلب أجره فقلت: خذ هذا كله، ولو شئت لم أعطه إلا أجره الأول، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك رجاء رحمتك وخشية عذابك فافرج عنا، فزال الحجر وخرجوا يتماشون) رواه ابن حبان في صحيحه، ورواه البخاري ومسلم وغيرهما من حديث عمر، هكذا في نسختي، فمن كانت عنده كذلك فليصححها وليجعلها من حديث ابن عمر، ورواه البخاري ومسلم وغيرهما من حديث ابن عمر بنحوه، وتقدم -أي: في أول الكتاب- في الإخلاص في العمل لله عز وجل.

نعود إلى الحديث ونتفقه في بعض فقراته ونشرح ما قد يغمض منها (خرج ثلاثة فيمن كان قبلكم) أي: من أهل الكتاب (يرتادون لأهلهم فأصابتهم السماء) هذا من أسلوب العرب، أن يطلق السماء على اعتبار أنها موضع المطر على المطر (فأصابتهم السماء) أي: أصابهم مطر، على حد قول الشاعر:

إذا نزل السماء بأرض قومٍ رعيناه وإن كانوا غضابا

إذا نزل السماء بأرض قوم، أي: قامت الساعة، وإنما المقصود بالسماء هنا المطر.

فأصابتهم السماء، أي: المطر فلجئوا إلى جبل، أي: إلى غار في جبل، هذا من الاختصار الذي جاء في هذا الحديث، وبيانه في حديث ابن عمر المشار إليه والمتقدم في أول الكتاب.

(فلجئوا إلى جبل فوقعت عليهم صخرة) أي: سدت عليهم الغار كما في ذاك الحديث: (فقال بعضهم لبعض: عفا الأثر) أي: بسبب نزول الأمطار لو فقدهم أهلهم لم يستطيعوا أن يتتبعوا أثرهم؛ لأن الأثر انمحى بسبب الأمطار والسيول، فكأن أحدهم يقول: إننا انقطعنا عن الدنيا، فلا أحد يعرف أين صرنا (عفا الأثر ووقع الحجر) أي: الصخرة التي سدت عليهم الغار (ولا يعلم بمكانكم إلا الله، فادعوا الله بأوثق أعمالكم) ولا يعلم بمكانكم هنا إلا الله، وأنا مررت عليها ولم أنتبه لها، وهكذا يقع فيه القارئ أو المصحح؛ لأنه يقرأ أحياناً من ذهنه.

ص: 4