المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الأموال التي تجب فيها الزكاة وأنصبتها - دروس للشيخ العثيمين - جـ ١٢

[ابن عثيمين]

الفصل: ‌الأموال التي تجب فيها الزكاة وأنصبتها

‌الأموال التي تجب فيها الزكاة وأنصبتها

أيها المسلمون: لئن سألتم: ما هي الأموال التي تجب فيها الزكاة؟ فإننا نقول: إن الله بحكمته ورحمته لم يجعل الزكاة واجبة في كل شيء، وإنما جعل الزكاة في الأموال النامية حقيقة أو حكماً، إن الزكاة واجبة في الذهب والفضة على أي حال كانت، سواء كانت جنيهات وريالات، أم قطعاً من الذهب والفضة، أم حلياً من الذهب والفضة سواء كان ذلك للبس أو للبيع أو للتأجير، فالذهب والفضة جاءت نصوص الكتاب والسنة بوجوب الزكاة فيهما عموماً بدون تفصيل فمن ادعى خروج شيءٍ من أفراد هذه العمومات فعليه الدليل وإلا فقد قامت عليه الحجة لأن العام يشمل جميع أفراده، لقول النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة:(إنكم إذا قلتم: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فقد سلمتم على كل عبد صالح في السماء والأرض) فإذا جاءت النصوص عامة في وجوب زكاة الذهب والفضة، فمن أخرج الحلي منها فعليه الدليل من كلام الله أو من كلام رسوله صلى الله عليه وسلم.

وأما إخراج الحلي بالأقيسة الضعيفة فإنه لا عبرة به، وإنني أقول: هناك نصوص من السنة خاصة في إيجاب الزكاة في الحلي فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه: (أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم ومعها ابنة لها وفي يد ابنتها مسكتان غليظتان من ذهب، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: أتعطين زكاة هذا؟ قالت: لا، قال: أيسرك أن يسورك الله بهما يوم القيامة سوارين من نار، فخلعتهما فألقتهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت: هما لله ورسوله) قال الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام: رواه الثلاثة وإسناده قوي، وقال علامة هذه المملكة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز: إن إسناده صحيح، وإذا كان هذا الحديث على هذه القوة ومؤيداً بعمومات الكتاب والسنة فما بالنا نتتبع الرخص في هذا الأمر العظيم.

إن العلماء إذا اختلفوا في مسألة فإن مرجعهم إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم لا إلى قول فلان وفلان، وليس قول أحد من الناس حجة على الآخرين إلا أن يكون مؤيداً بكتاب الله أو بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول الله تعالى:{وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} [الشورى:10]، ويقول تعالى:{فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} [النساء:59].

ولئن سألتم: هل تجب الزكاة في الذهب والفضة سواء كانت قليلة أم كثيرة؟ فإن الجواب على ذلك: أن جميع الأموال الزكوية لا تجب فيها الزكاة إلا إذا بلغت نصاباً.

نصاب الفضة مائة وأربعون مثقالاً.

وزن ستة وخمسين ريالاً سعودياً من الفضة، فما دون ذلك لا زكاة فيه.

أما نصاب زكاة الذهب فإنه عشرون مثقالاً.

وزن خمسة وثمانون غراماً فما دون ذلك فلا زكاة فيه.

ومقدار الزكاة في الذهب والفضة ربع العشر، وطريق ذلك أن تقسم ما عندك على أربعين فما خرج بالقسمة فهو الزكاة، وتجب الزكاة أيضاً في الأوراق النقدية إذا بلغت ما يساوي ستة وخمسين ريالاً سعودياً من الفضة وفيها ربع العشر.

وتجب الزكاة كذلك في الديون التي في ذمم الناس إذا كانت من الذهب أو الفضة أو الأوراق النقدية، وبلغت نصاباً بنفسها أو بضمها إلى ما عنده من جنسها سواء كانت حالة أم مؤجلة، ولكن الديون على الفقراء لا زكاة فيها إلا إذا استلمها الإنسان فإنه يزكيها لمدة سنة واحدة.

وكذلك الديون عند شخص أو جهة لا يمكنك مطالبتها فإنه لا زكاة فيها حتى تقبضها ثم تزكيها بسنة واحدة.

وتجب الزكاة في عروض التجارة وهي ما أعده الإنسان للتكسب من عقار أو أثاث أو مواشٍ أو سيارات أو مكائن أو أطعمة أو أقمشة أو غيرها فتجب فيها الزكاة وهي ربع عشر قيمتها عند تمام الحول، فإذا تم الحول وجب على التاجر أن يثمن ما عنده من العروض ويخرج ربع عشر قيمتها سواء كانت القيمة مثل الثمن أو أقل أو أكثر، فإذا اشترى سلعة بألف ريال مثلاً، وكانت تساوي عند تمام الحول ألفين وجب عليه زكاة ألفين، وإذا كانت لا تساوي عند الحول إلا خمسمائة لم يجب عليه إلا زكاة خمسمائة، وإذا كان لا يدري هل تزيد عن ثمنها الأول أو تنقص فإنه يعتبر الثمن الأول؛ وذلك لأن الزيادة والنقص مشكوك فيهما وما شك فيه فإنه يرجع فيه إلى اليقين.

ولا زكاة في المال حتى يحول عليه الحول، فلو نفذ المال قبل تمام الحلول بنفقة أو تلف أو نقص عن النصاب فلا زكاة فيه، ولو مات المالك قبل تمام الحول ولو بأيام فلا زكاة عليه، وإنما تجب الزكاة على الورثة بعد تمام الحول من موت مورثهم إذا تمت شروط الوجوب في حقهم، ويستثنى من ذلك عروض التجارة، فإن ربحها تابع لأصلها، لأن الفرع يتبع الأصل كما قررناه فيما سبق، وكذلك لو استبدل العروض بعضها ببعض فإن المعتبر حول الأول، مثاله: إذا اشتريت سلعة بألف ريال مثلاً، وبقيت عندك وقبل أن يتم الحول بعتها واشتريت سلعة أخرى للتجارة، فإنك تزكي السلعة الثانية إذا تم حول السلعة الأولى لأن عروض التجارة يقوم بعضها مقام بعض.

وإذا كان الشخص يملك المال شيئاً فشيئاً مثل الرواتب الشهرية فلا زكاة على شيء منه حتى يحول عليه الحول، أما إذا كان ينفق رواتبه كل شهر بشهره، فإنه لا يجب عليه شيء من الزكاة في هذه الرواتب لأنها تنفق، ولكن إن كان عنده أموال أخرى فليزكها.

أما إذا كان لا ينفق جميع الراتب في الشهر فإنه إذا تم الحول يخرج زكاة ما عنده والأحسن والأريح له أن يخرج زكاة الجميع وتكون بالنسبة لما لا يتم حوله معجلة.

وإذا كان للإنسان عقار يسكنه أو سيارة يركبها أو مكينة لفلاحته أو عقارات يؤجرها فإنه ليس فيها زكاة، ولكن الزكاة فيما يحصل منها من الأجرة.

وإذا كان للإنسان أرض يريد أن يبني عليها مسكناً له أو للإيجار فلا زكاة عليه فيها.

وكذلك إذا أبقاها للحاجة يقول: إن احتجت بعتها وإلا أبقيتها فلا زكاة عليه فيها، وكذلك إذا أبقاها متردداً فيها هل يبيعها أو لا فلا زكاة عليه فيها.

وكذلك إذا كان عنده عقار انتهت حاجته منه فعرضه للبيع فلا زكاة عليه فيه؛ لأن هذا ليس من عروض التجارة، ولكنه من الأموال التي انتهت حاجته منها وأراد بيعها.

فيا عباد الله! اتقوا الله عز وجل واعرفوا ما أوجب الله عليكم في أموالكم، وأدوا الزكاة طيبة بها نفوسكم محتسبين بها الأجر من الله، فإن الله يقول:{مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:261].

والزكاة من سبيل الله، بل إخراج الزكاة أفضل من إخراج المال في الجهاد، لأن الزكاة ركن من أركان الإسلام.

أسأل الله أن يعينني وإياكم على خلاص ذممنا من الواجب له ومن الواجب لعباده، وأن يعيننا على ما فيه صلاحنا وفلاحنا وزكاتنا إنه جواد كريم، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

ص: 3