الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
آداب الإسلام في الفتن
الحمد لله حمداً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد:
فيا أيها الناس! إن مما لا شك فيه أن كثرة الفتن تزلزل كيان الناس، وأن فتيل الحروب إذا اشتعل عَسُرَ انطفاؤه، وأن التهويش والتشويش والقيل والقال والظن لمما يزيد الأمر سوءاً وتعقيداً، والنار اشتعالاً واضطراماً، ولا جرم! فإن النار قد تذكى بالعيدان، كما أن في مبدأ الحرب كلام اللسان.
ولقد كان السلف الصالح أحرص الناس على اتقاء الفتن، والنأي بأنفسهم عن أن يقعوا في شراكها، بل يستعيذون بالله منها، وكلما لاحت لهم في الأفق فتنة تمثلوا بما رواه البخاري في صحيحه عن خلف بن حوشب: أن السلف كانوا يقولون عند الفتن:
الحرب أول ما تكون فتية تسعى بزينتها لكل جهول
حتى إذا اشتعلت وشب ضرامها ولَّت عجوزاً غير ذات حليل
شمطاء يكره لونها وتغيرت مكروهة للشم والتقبيل
ثم اعلموا -أيها المسلمون- أن من أدب الإسلام في الفتن: كف اللسان وحبسه، وعدم الزج به فيما لا يعني، وزمه عن الفحش والتفحش أو الوقوع في الظن، فإن إطلاق اللسان وسيلان الأقلام خائضة في المدلهمات، ولاجة في المشتبهات والقضايا المزعجات، دون زمام ولا خطام؛ لمن شأنه أن يضعف إيمان المرء المسلم، ويوقعه مواقع الزلل، غير آبه بوصية النبي صلى الله عليه وسلم لـ عقبة بن عامر حينما سأله:{ما النجاة؟ قال: املك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابكِ على خطيئتك} رواه الترمذي.
إن اللهث وراء كل حدث وخبر باللسان تارة، وبالأقلام أضعافها، في البيت والسوق، وفي المجالس والمنتديات، وعبر شبكات تقنية يكثر فيها اللغط دون تروٍ أو توثق أو محصلة من العلم والفهم؛ لمما يُقلل العافية والسلامة من الخطأ، فضلاً عن أن يُقدِّم حلاً عاجلاً سوى الخلط والجهل والتضليل، ولله در أبي حاتم البستي حين قال:"إن العافية عشرة أجزاء: تسعة منها في السكوت؛ لأن من الناس من لا يكرم إلا للسانه، ولا يهان إلا به، فالواجب على العاقل ألا يكون ممن يهان به".
ثم اعلموا -عباد الله- أن الحوارات الشفهية، والمطارحات الورقية لا ينبغي أن تكون لكل راكب، ولا علكاً يلوكه الكل، وأمور الناس بعامة لا ينبغي أن يتصدى لها أي أحد كيفما اتفق، دون تميز بين الغث والسمين، وبينما يعقل وما لا يعقل، وإنه لمن المستكره أن يكون مقدار لسان الإنسان أو قلمه فاضلاً على مقدار علمه ومقدار علمه فاضلاً على مقدار عقله، فلقد روى البخاري في صحيحه عن علي رضي الله عنه أنه قال:[[حدثوا الناس بما يعرفون أتريدون أن يكذب الله ورسوله؟!]] .
فمن هرف بما لا يعرف فهو ممن قال الله فيهم: {قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ} [الذاريات:10] قال قتادة رحمه الله: [[هم أهل الغلظة والظنون]] وروى الإمام أحمد وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {إن أمام الدجال سنون خداعات، يكذب فيها الصادق، ويصدق فيها الكذوب، ويخون فيها الأمين، ويؤتمن فيها الخائن، ويتكلم الرويبضة.
قيل: وما الرويبضة؟ قال: الرجل التافه يتكلم في أمر العامة} .
فعلى حملة الأقلام وذوي اللسان أن يتقوا الله سبحانه، وألا يستخفوا بأحد، وألا يبغوا على أحد من المسلمين، يقول ابن عبد البر رحمه الله:"أحق الناس بالإجلال ثلاثة: العلماء، والإخوان، والسلطان، فمن استخف بالعلماء أفسد دينه، ومن استخف بالإخوان أفسد مروءته، ومن استخف بالسلطان أفسد دنياه، والعاقل لا يستخف بأحد".
ومما يزيد الأمر تأكيداً وتوثيقاً -عباد الله- حينما يكون الخوض فيما قال الله أو قال رسوله صلى الله عليه وسلم، فليس لذلك إلا العلماء والأتقياء الأنقياء، فهم ورثة الأنبياء ومصابيح الدجى.
فحذارِ حذارِ لمن تجاوز طريقهم أن يقع في قول النبي صلى الله عليه وسلم: {من أُفتي له بغير علم كان إثمه على من أفتاه} رواه أبو داود.
وقد قال عبد الله بن وهب: [[قال لي مالك بن أنس: يا عبد الله! لا تحملن الناس على ظهرك، وما كنت لاعباً به من شيء فلا تلعبن بدينك]] .
وقال: سفيان الثوري رحمه الله: [[ما كفيت عن المسألة والفتيا فاغتنم ذلك]] .
فلا تنافس، وإياك أن تكون ممن يحب أن يعمل بقوله، أو ينشر قوله، أو يسمع قوله، وإياك وحب الشهرة، فإن الرجل يكون حب الشهرة أحب إليه من الذهب والفضة، وهو باب غامض لا يبصره إلا العلماء الجهابذة: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْب