الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إنكار السلف للعقلانية التي تخالف النقل
وقد قال بعض السلف كـ أبي الزناد وغيره: وما برح من أدركنا من أهل الفضل والفقه من خيار أولية الناس، يعيبون أهل الجدل والتنقيب، ويعيبون الأخذ بالعقل أشد العيب، وينهون عن لقائهم ومجالستهم، ويخبرون أنهم أهل ضلال وتحريف.
حتى قال الأصفهاني رحمه الله: إذا رأيت الرجل إذا قيل له: لمَ لا تكتب الحديث؟ يقول: العقل أولى، فاعلم أنه صاحب بدعة.
بل لقد ذهب الشافعي رحمه الله إلى أبعد من هذا حيث جعل ترك السنة، والاعتراض عليها، وعدم الأخذ بها، نوع جنونٍ أو هو جنون وإن لم يكن حسياً، فقد قال رحمه الله: متى عرفت لرسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً ولم آخذ به، فأنا أشهدكم أن عقلي قد ذهب.
ومن هنا وصف ابن تيمية رحمه الله العقل بالصنم، إذا غلا فيه المرء وطغى، فقال رحمه الله: والداعون إلى تمجيد العقل، إنما هم في الحقيقة يدعون إلى تمجيد صنمٍ سموه عقلاً، وما كان العقل وحده كافياً في الهداية والإرشاد، وإلا لما أرسل الله الرسل.
ولله ما أجمل كلاماً لـ ابن القيم رحمه الله يشفي العليل، ويروي الغليل في تقرير هذه المسألة! فيقول: كيف ينقدح في ذهن المؤمن أن في نصوص الوحي المنزلة من عند الله عز وجل ما يخالف العقول السليمة؟! بل كيف ينفك العقل الصريح عن ملازمة النص الصحيح؟! بل هما أخوان لا يفترقان، وصل الله بينهما في كتابه، وإذا تعارض النقل وهذه العقول أخذنا بالنقل الصحيح ورمينا بهذه العقول تحت الأقدام، وحطت حيث حطها الله وأصحابها، فكيف يظن أن شريعة الله الكاملة ناقصة تحتاج إلى سياسة خارجة عنها تكملها، أو إلى قياسٍ، أو معقولٍ خارجٍ عنها، ومن ظن ذلك فهو كمن ظن أن بالناس حاجة إلى رسول آخر بعد محمد صلى الله عليه وسلم.
وحاصل الأمر عباد الله! أن العقل في هذه العصور المتأخرة قد كبا كبوة خطيرة، وأقحم في أمور ينبغي أن يكون العقل فيها تابعاً لا متبوعاً، والسلف الصالح رحمهم الله قد استعملوا الأقيسة والدلائل العقلية، ولم ينكروها بالإطلاق، وإنما أنكروا ما كان منها فاسداً مما يخالف الشرع، ويعلم فساده، مما يتذرع به من يبطل بعض النصوص الشرعية، أو يحرفها بحجة أنها تخالف القواطع العقلية، وهي في الحقيقة خيالات وأوهامٌ وشهوات، لا يميز فيها بين الشخص والصورة، ولا بين الطيف والحقيقة، حتى ركبت بهم متن عمياء، وخبطت بهم خبط عشواء.
ثم نقول لأمثال هؤلاء: إن أردتم إقحام العقول في فرز الشريعة فعقل من مِن البشر نحكم؟ أهو عقل زيد، أم عقل عمرو؟ أعقل رجلٍ، أم عقل امرأة؟ أعقل متزن، أم عقل صاحب هوى؟