الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوهن عند المسلمين وأسبابه
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102] .
أما بعد:
فيا أيها الناس: لقد ظل العالم الإسلامي بأسره مئات الأعوام وهو متجانس متماسك يشد بعضه أزر بعض، ويأرز إلى عقيدته الجامعة كلما هدد كيانه خطر أو ادلهم خطبٌ، بل لقد بلغت ولاية الإسلام على هذه البسيطة ما بين نقطة المغرب الأقصى إلى حدود الصين، كلها أقطار متصلة وديار متجاورة يترحل فيها المسلم حيث شاء، ليس له أرض يسميها بلاده، وإنما بلده هنا أو قل هنالك، حيث يبعثها المنادي الله أكبر، يفضل القفر والشظف على لزوب أرض يصدأ القلب في رباها أقطار إسلامية أخذ بصولجان الملك منهم ملوك عظام وخلفاء أجلاء، فأداروا بشوكتهم الإسلامية وجه الأرض إلا قليلاً، لا يهزم لهم جيش إلا لماماً، ولا يرد قول على قائلهم، ولا تدخل عليهم داخلة من نفس ضعيفة متهالكة، قلاعهم وصياصيهم متلاقية، حضارتهم ومغارسهم في سهوبهم وأخيافهم.
بيد أن الفساد بقضه وقضيضه لمَّا دب في نفوس كثير من المسلمين بمرور الزمن، وتمكن من طباعهم حرصٌ وطمع هما باطلان قطعاً، ثم فانقلبوا بعد ذلك مع الهوى، وقنعوا بألقاب ومسميات هي أشبه بالسنور يحكي انتفاخاً صولة الأسد، وما يتبع ذلك من مظاهر الفخفخة وأطوار وأطوار النفخة ونعومة العيش، واختاروا موالاة الأجنبي عنهم المخالف لهم في الدين والعقيدة، ولجئوا للاستنصار به، وطلب العون منه، واستجدائه بالمدمع لا بالمدفع، استبقاءً لأشباح مآرب بالية ونعوم زائلة.
ومنذ فقدان الأندلس وقع تغير رهيب في حياة المسلمين، وأخذت أرضهم تنقص من أطرافها {وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ} [الرعد:41] ففقدت أقطار وأمم، وغدت سهولهم بلا قع، وأوديتهم أباطح، حتى صاروا أثراً بعد عين، وخبراً بعد ذات، كما انتهكت محارم ومقدسات، ودارت رحى الحرب عليهم، حتى تداعت عليهم أمم الكفر وشعوبه، ودب فيهم قول المصطفى صلى الله عليه وسلم:{يوشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها، قالوا: أمن قلة نحن يومئذٍ يا رسول الله؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن، قالوا: وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت} رواه أحمد وأبو داود.
فانظروا -عباد الله- إلى الوهن الذي هو سر الضعف الأصيل، حيث يعيش الناس عبيداً لدنياهم، عشاقاً لأوضاعهم الرتيبة، تحركهم شهواتهم وشبهاتهم، وتموج بهم كالخاتم في الإصبع، وتسيرهم الرغائب المادية كما يسير الثور في الساقية؛ يتحرك في مدار محدود فاقد الهدف معصوب العينين، وهذا هو الوهن -عباد الله- حينما يكره المسلمون الموت، ويترقبونه كامناً في كل أفق، فيفزعون من الهمس، ويألمون من اللمس، يؤثرون حياة يموتون فيها كل يوم موتات على موت يحيون بعده حياة سرمدية.
وإن تعجبوا -أيها المسلمون- فعجب مواقف كثير من المسلمين اليوم وقد أحاطت بهم الغواسق من كل جانب، فخبطوا خبط عشواء، أفلست النظم، وتحطمت كثيرٌ من المجتمعات، وتدهورت القوميات والعولمة، وانثنت الحريات اللادينية المزعومة، فالعجب كل العجب أن يكون النور بين أيديهم، والرائد نصب أعينهم؛ ثم هم يلحقون منهومين بركب الأمم الكافرة في نهجهم وسلوكهم، ويستسمنون ذا ورم فلا يستطيعون رشاداً، ولا يهتدون سبيلاً!!
حال هؤلاء:
كالعيس في البيداء يقتلها الظما والماء فوق ظهرها محمول
والواقع العلقم أيها المسلمون: هو أن أهل الكفر والإلحاد أشغلوا المسلمين عن نورهم، وأبعدوهم عن مصدر العزة، وأغروهم بأطياف وموضات زعموها في السياسية تارة، وفي الإعلام أخرى، وفي الإعلام والقهر والجبروت ثالثة، ورابعة في مكافآت الصمت وغض الطرف إلا من رحم الله.