المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌النفس بين المجاهدة والدعة - دروس للشيخ سعيد بن مسفر - جـ ٥٩

[سعيد بن مسفر]

فهرس الكتاب

- ‌فوربك لنسألنهم أجمعين (1، 2)

- ‌السؤال الأول: (عما كانوا يعملون)

- ‌تذكرة الآخرة وأحوال أهل النار

- ‌النفس بين المجاهدة والدعة

- ‌السؤال الثاني: (ماذا أجبتم المرسلين)

- ‌الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو قومه

- ‌صبر نوح عليه السلام على دعوة قومه

- ‌نماذج أخرى من الرسل ودعوتهم

- ‌البصر والسمع في ميزان إجابة الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌مصير من يهجر القرآن

- ‌الأسئلة

- ‌درجة حديث (من استمع إلى مغن) من حيث الصحة والضعف

- ‌حكم التعزية في الإسلام وكيفيتها

- ‌تعريف النياحة وبدع العزاء

- ‌حكم نقض الشعر عند الغسل بالنسبة للحائض

- ‌حكم من واقع زوجته في صيام التطوع

- ‌ما يجوز للرجل الذي عقد على امرأة ولم يدخل بها

- ‌حكم فرقعة الأصابع في الصلاة وتشبيكها

- ‌صيام الأيام البيض

- ‌حكم قضاء السنن الرواتب

- ‌حكم صلاة المسبل إزاره

- ‌تفسير قول الله عز وجل: (ولكن لا تواعدوهن سراً)

- ‌حكم التبرع بالدم والأعضاء البشرية للمرضى

- ‌كثرة الدروس والمحاضرات في مساجد المدينة الواحدة

- ‌حكم أكل مال اليتيم

- ‌عمة الزوجة ليست محرماً للزوج

- ‌حكم استئذان الزوجة من زوجها قبل الدخول بها

- ‌حكم رفع اليدين بالدعاء أثناء الخطبة

- ‌حكم حلق اللحية

- ‌وجوب اختيار الرجل الصالح للمرأة من قبل وليها

- ‌حكم السؤال بوجه الله تعالى

- ‌الأسباب المؤدية لضياع شباب المسلمين

- ‌الإقدام على الله بالتوبة طريق الفوز والفلاح

- ‌اختيار الزوجة الصالحة

- ‌حكم المعاكسات وجزاء مرتكبها

- ‌حكم رسم ما له روح

- ‌مجاهدة الشيطان عند الوسوسة في الصلاة

- ‌حكم كتابة الأشعار الغزلية في الزوجة وغيرها

- ‌حكم البكاء عند سماع القصص من السيرة النبوية

- ‌ما يقوله الزوج عند دخوله على زوجته في أول ليلة

- ‌حكم الصلاة بين الأذان والإقامة

- ‌درجة حديث (تخيروا لنطفكم)

- ‌أنواع الحب وحكم كل نوع

- ‌حكم صيام المرأة بغير إذن صريح

- ‌حكم استئذان المرأة ولدها للخروج

- ‌الأبراج والحظوظ شرك وكهانة

- ‌حكم قضاء الصوم لمن أدركه رمضان قبل أن يقضي

- ‌اختيار الزوج الصالح للمرأة

- ‌حكم الصور المطوية والملفوفة والمهانة

- ‌حكم تقبيل المرأة كبيرة السن على رأسها

- ‌اشغل نفسك بالطاعة حتى لا تشغلك بالمعصية

- ‌عدم طاعة الوالد فيما يخالف الشرع

- ‌مجاهدة الشيطان عند قراءة القرآن وإخلاص النية

- ‌معرفة أهل الأهواء على حقيقتهم طريق للابتعاد عنهم

- ‌الخوف من الله من صفات المؤمنين الصادقين

الفصل: ‌النفس بين المجاهدة والدعة

‌النفس بين المجاهدة والدعة

النفس أيها الإخوة! تحب الدعة، وتكره القيود، تحب اللعب والغفلة، وأنت تعرف نفسك إذا أعطيتها لعبة، فإنك تبذل فيها أربع أو خمس ساعات لا تمل ولا تكل، لكن أعطها كتاب علم أو آية أو حديثاً تضيق، لكن ما هو موقفك أنت أمام نفسك؟ هل الانهزام أم السيطرة؟ اسمعوا لهذه الآية الكريمة:{وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ} [النازعات:40] وماذا؟ {وَنَهَى} [النازعات:40] لم يستسلم {وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى} [النازعات:40] الهوى هو: الكيف الذي يقولون الآن: أنا على كيفي، وأنا على هواي، وأنا حر.

أنت حر لكن سوف تندم فيما بعد، وعلى هواك الآن وعلى كيفك، لكن إذا دخلت الحفرة فأنقذ نفسك هناك، والله ستذهب الحرية والكيف والهوى، وتتمنى لو ترجع كي تلغي كيفك، وتشطب على هواك، وتبعد حريتك، وتعلن عبوديتك وخضوعك لربك فتستسلم؛ لكن لا تجاب إلى هذا، وهل أجيب إنسان على هذا الطلب؟! يا إخواني! لماذا لا نستقرئ التاريخ، فمنذ آدم عليه السلام إلى يومنا هذا، هل وجد شخص طلب الرجعة وأرجعه الله؟ لا.

إذاً لماذا نماطل في العمل، حتى يصير الإنسان إلى هذا المصير الأسود؟ -أعوذ بالله وإياكم منه- فالنفس تحب الدعة، ليكن موقفك من نفسك السيطرة، والحديث صحيح في سنن الترمذي:(الكيس من دان نفسه) دانها أي: غلبها وسيطر عليها؛ لأن النفس مثل الحصان، إن ركبته قادك، وإن أطلقته داسك ثم ركب عليك، وكثير من الناس الآن هو مطية نفسه، نفسي تقول لي! عقلي يقول لي! كيفي يقول لي! لكن عندما يكون عبداً لمولاه وخالقه، فنفسه تمشي مثل الحمار تحته، فيأمر نفسه بالصلاة فتنصاع له، وتدغدغه للدخان فينهاها؛ لكن الذي نفسه ركبته، فإذا رأى (سيجارة) قام إليها متلهفاً، وإذا سمع الأغنية أصغى لها، وإذا رأى فتاة ضيع دينه؛ لماذا؟ لأن نفسه مسيطرة.

أما المؤمن المسيطر على نفسه فلا: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات:40 - 41] نسأل الله وإياكم من فضله: (الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت) الكيس في اللغة: العاقل الفطن اللبيب، صاحب العقل والنظرة البعيدة، ومن سيطر وقهر وغلب نفسه، وعمل لما بعد الموت، فالدنيا في يده والدين في قلبه، والآمر هو الدين، والدنيا هي المأمورة، ولذا تمشي كلها في طاعة الله، يأتيه المنصب يقبله لكنه يسخره في دين الله، تأتيه الأموال يأخذها لكنه ينفقها في سبيل الله، يأتيه الأولاد يقبلهم لكنه يربيهم على طاعة الله، الزوجات كذلك يربيهن على طاعة الله، كل شيء في حياته يسخره في هذا الاتجاه؛ لماذا؟ لأن الآمر هنا (عمل لما بعد الموت) رفع نظره وعلا ببصره إلى ما بعد هذه الحياة.

والخامل العاجز الكاسل الفاشل من أتبع نفسه هواها، والشيطان يأخذه من زبالة إلى زبالة، من زبالة الغناء إلى زبالة الزنا، إلى زبالة اللواط، هذه زبالات وقاذورات من تلطخ بها هنا فلا تنظفها إلا النار، إلا من كان يتنظف منها هنا، لكن من توسخ بهذه القاذورات، ثم لقي الله وهو ملطخ بها فأين نغسله؟ لا يوجد في الآخرة إلا مغسلة واحدة، اسمها: جهنم ينظف فيها، فإن كانت الأوساخ عالقة -أي: سطحية- نظف بقدرها، ثم يخرج جوهرة، ويذهب إلى الجنة إن كان موحداً، وإن كانت هذه الأقذار والأوساخ عميقة داخلة في قلبه من كفر ونفاق -والعياذ بالله- يخرجه من الدين، فهذا لا يطهره شيء وإنما يقعد فيها حتى أبد الآبدين.

والعاجز -والتعبير عنه بالعاجز يدل على أنه إنسانٌ شهواني، ضعيف الإرادة، خسيس النفس، عاجز الهمة، لا يصلح للجنة- إنما نظر بعينه الهابطة، فلم يرفع نظره، ولو رفعه لرأى الحور العين، وعندما يرى الحور العين يقول:

تهون علينا في المعالي نفوسنا ومن يخطب الحسناء لم يغلها المهر

ونحن أناس لا توسط بيننا لنا الصدر دون العالمين أو القبر

فهو عندما يرفع نظره، ويرى الحور العين، ويرى القصور العالية والأنهار الجارية، والثمار الدانية، ويتذكر أنه في يوم من الأيام سوف يدخل هذه الجنة، وفي يوم من الأيام سوف يدعى إلى سوق المزيد، وفي يوم من الأيام سوف يدعى للمحادثة مع الله عز وجل، والمكالمة مع ربه، كما جاء في الحديث الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:(إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة النصف لا تضامون في رؤيته) وكما جاء في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما منكم إلا وسيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان) هذا المؤمن، أما العاجز فلا يستطيع؛ لأنه أَتْبَع نفسه هواها، ومع عجزه وضعفه وخسته ودناءة نفسه -أيضاً- يتمنى على الله الأماني، ويقول: أريد الجنة، تريد الجنة! الجنة لها طلاب، والطريق شاق.

يقول ابن القيم في الجواب الكافي وفي الفوائد: يا مخنث العزم! الطريق شاق، والعقبة كئود، قذف فيه في النار إبراهيم، وعرض فيه على السكين إسماعيل، وألقي فيه في الماء يونس، وشج فيه وجه النبي صلى الله عليه وسلم، وبنيت عليه جماجم الشهداء، لو عرف من قتل في سبيل الله لسالت منه الجبال رءوسهم.

وهذا على المعاصي أربعة وعشرين ساعة، وهو يقول: الله غفور رحيم، إن شاء الله نحن على خير، يحسن الظن بربه ويسيء العمل مع الله.

يقول الحسن البصري في هذا: [إن قوماً غرهم حسن الظن بالله حتى خرجوا من الدنيا ولا حسنة لهم -يقولون: نحسن الظن بالله- كذبوا والله لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل] لكنهم أساءوا الظن بالله، وظنوا أن الله يجزي الجنة على المعاصي فأساءوا العمل وهذا من سوء الظن بالله، أن تظن أن ربك يعطيك على السيئة حسنة، وهو يقول:{مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ * وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [النمل:89 - 90].

فمن الآن يا أخي! لا تستسهل شيئاً ولا تستبسطه، تقول: لا أريد الدخان؛ لكن أريد الشيشة أخف منه، فليس هناك خيارات، ولا يوجد بدائل ولا أنصاف حلول، هناك إيمان وكفر، هناك إسلام، وهناك معاصٍ ونفاق، فأنقذ نفسك يا أخي! من الغيبة والنميمة والورق واللعب والمنكرات، وكن عبداً ربانياً، والتحق بربك، ولا تعمل عملاً يسوؤك غداً أن تراه.

يقول الحسن البصري رحمه الله: [اكنز ما تود وتحب أن تراه] أما أن تكنز عقارب وحيات وجمراً فهذا لا ينبغي، بل لا بد أن تكون من أهل الإيمان، الذين يعرفون كيف يغتنمون هذه الحياة، ولا يفرطون في شيء، محافظين على أمر الله عز وجل، هذا هو السؤال الأول.

ص: 4