المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفرق بين الرهبة والرغبة والوجل والهيبة - دروس للشيخ سفر الحوالي - جـ ٣٠

[سفر الحوالي]

الفصل: ‌الفرق بين الرهبة والرغبة والوجل والهيبة

‌الفرق بين الرهبة والرغبة والوجل والهيبة

ثم قال: 'وأما الوجل فرجفان القلب، وانصداعه لذكر من يخاف سلطانه وعقوبته، أو لرؤيته' فالوجل خوف؛ ولكنه من نوع خاص بالنسبة لشعور الإنسان عندما يرى من يجل أو من يخاف منه أو إذا ذكر عنده من يخافه، ثم قال: 'وأما الهيبة فخوف مقارن للتعظيم والإجلال' فالهيبة خوف؛ ولكنه ليس خوفاً مجرداً، إنما خوف مقترن به التعظيم والإجلال، كما قالت العرب:

أهابك إجلالاً ومابك قدرة علي ولكن ملء عينٍ حبيبها

قال: 'وأكثر ما تكون مع المحبة والمعرفة، والإجلال: تعظيم مقرون بالحب، -ثم قال- فالخوف لعامة المؤمنين' فكل مؤمن لابد أن يخاف الله سبحانه وتعالى، فهذا الذي نعتقده، وكل مؤمن مطالب أن يخاف على نفسه وعلى إخوانه المسلمين، وأن يخاف الله تبارك وتعالى، فالمقصود أن الخوف لعامة المؤمنين والخشية للعلماء، فالعلماء عندهم زيادة خوف مع علم فتصبح خشية، والهيبة للمحبين سواء كانوا من العلماء أم من غيرهم، وهذه ليست متعارضة بل يوجد بينها قدر مشترك قد تزيد صفة، أو جانب من الجوانب في فرد وجانب يزيد في فرد آخر، كما كان الصحابة رضوان الله عليهم والسلف، فبعضهم يزيد عنده جانب الرجاء قليلاً، وبعضهم جانب الخوف، وبعضهم جانب الهيبة، وبعضهم جانب الخشية، فمثلاً أبو سليمان الداراني رحمه الله وعامر بن عبد القيس، وعبد الله بن المبارك، والفضيل بن عياض، وسفيان الثوري، رحمهم الله غيرهم غلب عليهم جانب الخوف، وبعض العلماء يغلب عليهم جانب الهيبة والإجلال والمحبة، والله تبارك وتعالى جعل للنفوس التنوع في التعبدات؛ ليُعْبَد سبحانه وتعالى بكل أنواع العبوديات، وهي في الأصل مشتركة ولها أصل مشترك بين جميع الناس، فيقول: 'الخوف لعامة المؤمنين، والخشية للعلماء العارفين، والهيبة للمحبين، والإجلال للمقربين، وعلى قدر العلم والمعرفة يكون الخوف والخشية، كما قال صلى الله عليه وسلم:{إني لأعلمكم بالله وأشدكم له خشية} ، وفي رواية {خوفاً} وقال:{لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً، ولما تلذذتم بالنساء على الفرش، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله تعالى} فزيادة علم النبي صلى الله عليه وسلم تدل على معرفته بربه وهيبته له تبارك وتعالى، وإجلاله في قلبه، ومن معرفته لما أعده الله تبارك وتعالى للمؤمنين من الثواب، وللمجرمين من العقاب، ومعرفته صلى الله عليه وسلم وعلمه بأيام الله وسنن الله في الذين خلوا من قبلنا.

وهذه القلوب في مثل هذا تتفاوت تفاوتاً عظيماً جداً، وهذا هو موضع زيادة الإيمان ونقصانه وموضع التنافس:{وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} [المطففين:26] ثم يوضح ذلك بقوله: 'فصاحب الخوف يلتجئ إلى الهرب' فيهرب كلما رأى شهوةً دفعته إليها عينه أو أذنه أو قلبه، فعلم:{إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} [الإسراء:36] فيهرب من هذه المعصية ويخاف، وهذا هو حال المؤمن، ثم قال: 'وصاحب الخشية يلتجئ إلى الاعتصام بالعلم' الذي في كتاب الله وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم من أضرار هذه المعصية، ومن فسادها، وأثرها على القلب، وعلى الحياة في الدنيا والآخرة، ولذلك صاحب هذا العلم تحصن بأقوى حصن، فلا يرقى إليه هذا الوحش، ولا يطمع فيه ولا يصل إليه؛ لأنه ليس مجرد هارب، فالهارب قد يُدْرَك؛ لكن الذي يعتصم بحصن حصين لا يُنَال -بإذن الله سبحانه وتعالى فكذلك الإنسان يعتصم بالله سبحانه وتعالى، ويعتصم بالإيمان بالله وبكتاب الله، وبالعلم الذي يقربه من الله ويعرفه بالله عز وجل فلا يأتي شيئاً مما حرم الله؛ لأنه عرف ذلك بما أعطاه الله سبحانه وتعالى وما وهبه من العلم بخطر الذنوب والمعاصي وآثارها وضررها على الإنسان.

ص: 9