الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مسائل الخلاف ومسايرة العصر
السؤال
إذاً: هذا يفضي إلى الطريقة التي يرجحون بها في مسائل الخلاف، وهذه الطريقة بحسب معرفتي هي طريقة لم يسبق إليها أحد من العلماء، وهي أنهم ينظرون في مسائل الخلاف، ويرون الأنسب لما يزعمونه من أمور العصر، والحقيقة أنه الذي يوافق الهوى، فإن طريقة العلماء السابقين أنهم يوازنون بين الأدلة من حيث قوتها وضعفها وبمرجحات أخرى كما بلغت عند العلماء أوجهاً كثيرة، فهل هذه الطريقة التي يرجحون بها يمكن أن يحكم عليهم من خلالها بأنهم مبتدعة وأنهم خالفوا سبيل المؤمنين السابقين؟
الجواب
لا شك -كما أشرنا وكما ذكرتم- أن القضية هي قضية المعيار، فالمعيار لديهم ليس معياراً شرعياً، وليس هو معيار العلماء الذين ينظرون في الأدلة ويُرجحون بينها بناءً على مرجحات، وعلى نظر صحيح واجتهاد سائغ، وإن كان أحياناً خطأً، إنما المعيار لديهم هو الهوى واتباع المتشابه وترك المحكم كما ذكر الله تبارك وتعالى، فهذا هو الأصل عندهم.
فهم يقدمون النصوص المتشابهة على المحكمة، ويأخذون بالأمور والنصوص المجملة ويقدمونها على المبينة، ويقدمون الآراء الشاذة الغريبة على الإجماع، كما في نظرية الطوفي وغيره، وهي تقديم المصلحة على النص، وهذا رأي شاذ لم يسبق إليه ولم يقل به أحد قبل الطوفي في القرن الثامن.
ومع ذلك، فإن هذا هو أكبر ما يعتمدون عليه الآن، ولو تأملنا حقيقةً لوجدنا أن الهوى هو الدافع الأساسي، وهو مسايرة روح العصر، وهذا هو الأصل عندهم، ثم بعد ذلك أخذوا ينقبون، فإن وجدوا قولاً شاذاً أو ضعيفاً أو مغموراً، أو أن هناك احتمال شبهةٍ أو شذوذٍ أخذوا به، ولهذا يرجعون إلى عموم الآيات التي يمكن أن يتسع مفهومها لمعانٍ واسعة جداً، فيعارضون بها الأدلة الصحيحة الصريحة الأخرى.
فمثلاً: عندما ينظرون إلى الميراث ومعاملة المرأة -مثلاً- يستدلون بقوله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13].
ولا يشك أحد أنها آية عظيمة في كتاب الله سبحانه وتعالى، وتضع معياراً ومنهجاً في التعامل بين الناس؛ لكنهم يعارضون بها أحكام القوامة -قوامة الرجل- وأحكام الميراث، وأحكاماً أخرى كثيرة وهكذا قس على ذلك بقية الأمثلة، فهم بلا شك مبتدعة، وهذا هو منهج ما كان عليه أهل البدع من جهمية وخوارج ومرجئة ولو تأمل المتأمل، فإنه يجد أن العصرانيين هم خليط متمازج من هذه المذاهب القديمة، وأيضاً من آراء الباطنية وإخوان الصفا وأشباههم، ثم أضافوا إليه زبالة وحثالة الفكر الغربي الذي أخذوا منه، من هنا وهناك، ودرسوه، ولذلك لا نجدهم يجتمعون على أصول وقضايا محددة، كل ما يجمعهم هو نسف هذه الأصول، وهذه المصادر، وهذا التراث، ثم بعد ذلك يطلق العنان للشهوات، والآراء، والشبهات، حتى تذهب بالأمة يمنة ويسرة.