الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسجد وتعظيمه
الرسول صلى الله عليه وسلم قام ذات يوم فافتقد امرأة -جارية سوداء- ليس لها أية قيمة في المجتمع؛ ولو ذكر الناس جميعاً، فإنها تنسى ولا تذكر، ماذا كانت تعمل؟ كانت تقمُّ المسجد، كانت تجمع النوى والعيدان من المسجد كما جاء في الحديث! هذا عملها فلم تكن تعظ في المسجد ولا تذكر ولا تعلم ولا تفتي؟ فافتقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأل عنها، {قالوا: يارسول الله! إنها توفيت البارحة.
قال: وماذا فعلتم بها؟ قالوا: دفناها قالوا: كيف نزعج رسول الله صلى الله عليه وسلم في الليل من أجل جارية أمة سوداء!! ما كان لها من عمل إذا خرج الناس من المسجد إلا أن تأتي فتجمع القمامة! فالصحابة حباً للرسول صلى الله عليه وسلم وإيثاراً لراحته صلى الله عليه وسلم رأوا أن الأمر قد قضي، ويكفي {قال: هلا آذنتموني، أين قبرها؟ فانطلق وانطلق معه أصحابه، فصلى عليها صلوات الله وسلامه عليه!} انظروا {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج:32]، وهو إمام المتقين صلى الله عليه وسلم.
والله! إن من يقم المسجد هو خير عند الله ممن يسكن القصور في معصية الله عز وجل! لكن كيف نعرف؟! مشكلتنا أننا كبَّرنا وعظَّمنا الدنيا وأهلها، وأصبحنا نتفاخر، يقول الله في القرآن:{أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} [التكاثر:1] زينة وتفاخر وتكاثر!! وأصبحنا نقول: فلان عنده وعنده!! ومات فلان صاحب الأموال والمؤسسات وصاحب الملك! لكن لو مات واحد من السودان كان ينظف المسجد، قلنا: الله يرحمه، قال: ماذا كان عمله؟ وماذا كان عنده! والله لو أعدنا المعايير الشرعية كما في كتاب الله وكما تربى عليها الصحابة، لعظمنا بيوت الله، وعظمنا كل شيء يتعلق ببيوت الله عز وجل، يكفي أنه:{من بنى مسجداً لله كمفحص قطاة بنى الله له بيتاً في الجنة} الله أكبر، بيت في الجنة! سبحان الله بيوت الجنة لبنة من ذهب ولبنة من فضة، الشجرة فيها يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها!! هذه بيوت الجنة! لو عُظِّمت بيوتُ الله، لبنيت ورفعت وشيدت، كيف ترفع؟ ترفع حساً وترفع معنىً؛ أما رفعها حساً، فتكون أجمل وأنظف وأفضل، بشرط أن يخلو ذلك عن الأمور التي قد تدخل في المكروه والبدعة، ولكن تعظم ويختار لها الموقع المناسب، فيختار لها البناء الجميل والفرش الممتاز، وكل ما يخدم المرافق والمصالح والمنافع التي تتعلق بها، ثم ترفع معنىً (وهو المهم) ترفع في القلوب، وتعظم، ويُجلُّ كلُّ من كانت حياته وقيمته مستمدةً من هذا المسجد، وفي هذا المسجد؛ من جاء ليعلم أو يتعلم، من جاء ليعظ أو يستمع لذكر الله ويُوعَظ، فهذا هو الذي نحبه وهذا هو الذي نعظمه، وهذا هو الذي نقدره؛ كما عَظَّمَ صلوات الله وسلامه عليه شأن هذه الجارية ولم يستهن بعملها.
أكثر ما يشغل بال الشباب الزواج! ولا سيما مع هذه المصائب والفتن والمغريات والملهيات والمثيرات التي تريد أن تقحمهم إقحاماً في الرذيلة، والدعاة المضلون كما قال صلى الله عليه وسلم:{دعاة على أبواب جهنم} ينعقون في كل إذاعة ومنبر ومجلة وصحيفة يريدون أن يغروهم بالرذيلة، هؤلاء الشباب ألم يفكروا في الجنة وما فيها من الحور العين؟ ألم يسألوا، ما هو مهر الحور العين؟ ألم يعلموا أن كنس قمامة المسجد هو المهر؟! كنس القمامة من المسجد هو مهر الحور العين، لماذا؟ هب أنني شاب نظيف ولا أريد أن أظهر أمام الناس إلا بأنظف مظهر، ولكنني من أجل بيت الله أذللت نفسي! ولكن لمن؟ لله، أما غير الله فلا نذل له، نذل لله ولكل من أمرنا الله سبحانه وتعالى أن نذل له من الطاعة، والمراد به وجه الله سبحانه وتعالى، فإذا أتيت لأقم المسجد فأنا بهذا العمل أدفع مهر الحور العين.
ولذلك من عرف الله عز وجل، ومن عرف الجنة، والنار، ومن عرف قيمة ذكر الله، فليسابق إلى مثل هذه الأمور، إلى التنافس لإحياء بيوت الله، وإعمار بيوت الله، وإحياء ذكر الله تبارك وتعالى في كل مكان، أن يرفع النداء!! النداء الذي نسمعه، ولكننا نغفل عن معناه! من منا لا يسمع (الله أكبر)؟! من منا لا يسمع:(أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمداً رسول الله حي على الصلاة وحي على الفلاح؟!) نسمعها لكن هل تدبرنا ووعينا معناها ومدلولها في حياتنا؟! كيف نقول: الله أكبر، ونسمع الله أكبر، ونأتي إلى بيت الله، ثم لا نُعظِّم بيت الله، ولا من دعا إلى الله، ولا من قام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مِن أبنائنا وممن يُعلِّم أبناءنا، لا لذاته ولا لشخصه، ولكن لارتباطه بهذا الدين، لأنه يدعو إلى الله وهو أكبر تبارك وتعالى من كل شيء؟! يجب أن يكون كل ارتباط في سبيل الله، وكل ما أريد به وجه الله أكبر عندنا من كل شيء، وأعظم من كل شيء! نحب أبناءنا إذا حفظوا كتاب الله، من يحفظ شيئاً من القرآن، يكون أحب الناس إليك في القرية أو في المدينة! وكذلك من يدعو إلى الله، ومن يعظ، ومن يذكر، تحبه لله، وفي الله، يرتبط قلبك بقلبه كما قال صلى الله عليه وسلم:{الأرواح جنود مجنده، ما تعارف منها ائتلف، وماتناكر منها اختلف} ، يراك فيشعر أنك تحبه، وتشعر أنه يحبك؛ لأنه من جنود الله، ولأنه من أولياء الله، ولأنه ممن يأوي إلى بيت الله، ولأنه ممن يرفع ويعظم شعائر الله، هكذا يجب أن تكون أواصرنا القلبية، ومن هنا تعود إلينا البطولة فيصبح طفلنا وذكرنا وأنثانا وشاعرنا وفقهينا وعالمنا ونحوينا كلهم في ميزان واحد، وهو ميزان التقوى، ويصبح لهذه الأمة معنى آخر، وتنال موقعاً لا تستطيع أن تناله أية أمة في التاريخ.