المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الاشتغال بالجهاد وأما القضية الأخرى وهي قضية الانشغال بالجهاد: أولاً: يجب - دروس للشيخ سفر الحوالي - جـ ٦٢

[سفر الحوالي]

الفصل: ‌ ‌الاشتغال بالجهاد وأما القضية الأخرى وهي قضية الانشغال بالجهاد: أولاً: يجب

‌الاشتغال بالجهاد

وأما القضية الأخرى وهي قضية الانشغال بالجهاد: أولاً: يجب أن نلزم أنفسنا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبالجهاد، فإن هذا مما يظهر الله به الحق على ألسنتهم، فهم يقولون: إن الصحابة اشتغلوا بالجهاد، ونحن اشتغلنا بالموالد والموائد، ولولا الموائد ما كانت الموالد! إذاً هذا يقول: الصحابة في وادٍ وأنا في وادٍ آخر، وهذه شهادة على نفسه، لأن الصحابة الذين جاهدوا ما كانوا يجاهدون فقط بحمل السيف، إنما جاهدوا بالدعوة، وبالعلم، وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتعليم كتاب الله عز وجل وبث سنة النبي صلى الله عليه وسلم.

وأحوج ما تحتاج إليه الأمة الإسلامية هذا الجهاد، فأين الفراغ الذي عندكم؟ ثم يعترفون ويقولون: إن الصحابة لم يحتفلوا بالمولد لأنهم انشغلوا بالجهاد والدعوة وسواها، وهذا أيضاً من العجب! تقولون: لم يفعلوه لأنهم انشغلوا، ونحن حتى إذا لم ننشغل لا يجوز لنا أن نفعله، وإلا كما قال عبد الله بن مسعود عن حلقة الذكر التي رآها: 'إما أنكم أهدى من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، وإما أنكم على ضلالة' ولا بالكثرة ولا عبرة بقضية الانشغال.

كم من الأمور التي أهملناها! وكم تركنا من ديننا! وليس الجهاد هو العائق الوحيد، لكن العائق الذي وقف أمام أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في مثل هذه الأمور وغيرها، هو أنهم يعلمون أن صاحب البدعة مأزور غير مأجور، ولأنهم كانوا وقافين عند كتاب الله، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولذلك لم يفعلوها، وإلا فهي أيسر عليهم من الجهاد، وقد يقال: إن الذين على الرباط وفي الثغور في الفرس والروم منشغلون بالجهاد، لكن الذين كانوا في المدينة، فليلة في السنة لا تؤثر على وقتهم، وخاصة في عمل فيه محبة للرسول صلى الله عليه وسلم، وهم الذين كانوا أكثر الناس ألماً لوفاته صلى الله عليه وسلم، ولفقده، وأكثر حباً له.

تعلمون حديث أم أيمن لما زارها أبو بكر وعمر، فوجداها تبكي على وفاته صلى الله عليه وسلم، فقالا: ما يبكيك يا أم أيمن؟ أما تعلمين أن ما عند الله خيرٌ له صلى الله عليه وسلم من هذه الدنيا؟! قالت: والله ما أبكي وإني لأعلم أن ما عند الله خيرٌ لنبيه صلى الله عليه وسلم من هذه الدنيا، لكن أبكي لأن الوحي قد انقطع من السماء فهيجتهما على البكاء، فبكيا رضي الله عنهما.

أبو بكر رضي الله عنه جاهد بماله كله وتصدق، ويقول له الرسول صلى الله عليه وسلم {ما أبقيت يا أبا بكر؟ فيقول: الله ورسوله}، فلماذا لم ينفق من ماله شيئاً ليحيي ليلة مولد النبي صلى الله عليه وسلم؟ لأنه يعلم أنها بدعة، وأن محبته صلى الله عليه وسلم في إحياء سنته وباتباعه، وبتعظيمه في قلوبهم، وتعظيم أمره ونهيه، وأن ذلك أفضل وأعظم عندهم من أن يبتدعوا في دين الله عز وجل ما ليس منه.

يقول أحد السلف: [[ما عبدت الأصنام إلا بالشبهات]] أي: أن الكواكب والحجارة ما عبدت إلا بشبهة، يقولون: هذا الحجر مبارك، لأن هذا البيت بناه إبراهيم، وهذا الحجر منه فأخذوه، ثم طافوا حوله وعبدوه، فبالشبهات والتلبيسات عبدت الحجارة من دون الله.

فلا نستغرب من أية بدعة من البدع أن يكون حولها شبهات وتلبيسات وتوهمات، فهذه طبيعتها، فلو جاء الكفار مثلاً وقالوا: اكفروا، لما كفر أحد، ولو جاء إبليس وقال: لا تصلوا، فلن يطيعه أحد، لكن يجعل حولها شبهات وتلبيسات وشهوات، ويقول للإنسان: الآن لا يجب عليك الصلاة، وستصليها فيما بعد، حتى يضيع المرء الصلاة، وهكذا.

وهناك قضية أهم من قضية المولد، وهي إهمالنا نحن في تمحيص العقيدة، وفي نشر العلم الشرعي الصحيح، والأمة التي تعلم أن كتاب الله حق، وتعرف العقيدة الصحيحة، والتوحيد الصحيح، مهما حاول الدجالون معها فلن تقبل منهم، لكن مع الجهل ومع الخواء، ومع تخاذلنا وتكاسلنا بالقيام بالدعوة، صار كل من هب ودب يقول ما شاء، ويُسمع له، ولو قال أحد: أنا رسول يوحى إلي، لصدقوه وعبدوه! كما جاء أن الدجال يقول:(أنا الله) فيصدقونه ويتبعونه، كم يؤمن بالدجال؟ كثير، وكم يحارب الدجال؟ قليل، فدعوته يلقى لها رواجاً، لكن متى هذا؟ في غياب الحق، ولو ظهر الدجال والنبي صلى الله عليه وسلم على الحياة، هل كان يجد هؤلاء الأتباع؟! ولو ظهر أحمد القادياني، هل يجد ما وجد من الأتباع؟ لكن الآن أي ناعق يظهر بدعوة سيجد الأتباع، لوجود الخواء في قلوب الناس.

إذا كان طالب العلم شحيحاً بما تعلم، ويقصر في تبليغ الدعوة إلى الله عز وجل، والعامي مشغولاً بدنياه، ويريد أن يعبد الله وتأتيه هذه اللحظات، وهذه الحسنات، ويقول: أنا أعبد الله من خلال الدين، وأؤدي عن نفسي هذا الواجب، حتى إذا قيل له: أنت يا أخي ليس عندك دين فإنه يحضر المولد، ويبرهن لك ويقول: أنا على دين! إذا كان هذا حالنا نحن في تقصيرنا وإهمالنا، فلا نستغرب أن توجد أية بدعة، فمثلاً: كان أحد الدجالين ساحراً دجالاً وكان في مكان قريب من هذا المكان، وكان هناك عشرة شباب يذهبون إليه في الساعة الواحدة ليلاً ويسهرون عنده، ليعلمهم السحر واستحضار الجن، كيف يذهبون إليه ويصدقونه؟ لأن العلم غائب عنهم، حتى هدى الله واحداً منهم ثم شاء الله وكتب، ووضع ذكرياته عن هذا الرجل وذكر اسمه، وكيف كان يعلمهم، وكيف كان كذا وكذا إلى آخره.

وهذا وقع نتيجة الجهل لغياب الدعوة إلى الله عز وجل، ولغياب نشر العلم الشرعي، كلكم -ولله الحمد- تعلمون، وكلكم أفضل مني في هذا ولا شك، لكن هل نحن يد واحدة؟ هذا يعقد مجلساً، وهذا يقيم ندوة، وهذا يكتب مقالة، وهذا كذا، فنحول القطرات إلى تيار.

فإذاً لا بد أن نتعاون جميعاً في مثل هذه المناسبات، ونذكر أنفسنا بهذا الشأن أينما كان، ونتعاون في تأدية الواجب لله، وندعو إليه سبحانه وتعالى، ونحيي سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وسيكون لنا عند الله الأجر الذي وعد به النبي صلى الله عليه وسلم من أحيا سنته.

والحمد لله رب العالمين.

ص: 10