الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الاعتصام بالكتاب والسنة
أول ما يميزهم وأعظم خاصية لهم هي أنهم -كما هو واضح من اسمهم- يتمسكون بكتاب الله تبارك وتعالى، وبسنة رسوله صلى الله عليه وسلم قولاً وعملاً واعتقاداً ظاهراً وباطناً، فلا يأخذون دينهم واعتقادهم من مصدر غير كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، كائناً ما كان ذلك المصدر، ولا يقدمون بين يدي الله ورسوله، ولا يرفعون أصواتهم فوق رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يرضون أن يرفع أحد صوته فوق صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم، بأن يحدث في هذا الدين أمراً مخالفاً لأمره مجانباً لسنته إلا ويرفض ويرد عليه.
وبضدها تتميز الأشياء، فإذا قارنت بين هذا المنهج العظيم، وبين غيره من المناهج فإن الفرق يبدو جلياً وواضحاً، ولسنا بصدد تبيان تلك المناهج بالتفصيل، ولكن لو نظرنا نظرة إجمالية لوجدنا أن المناهج في الأصل هي ثلاثة: المنهج الأول: هو ذلك المنهج الذي ينحى المنحى العقلي، والذي يدعي بزعمه تحكيم العقل والمنطق والبراهين والنظريات العقلية.
والمنهج المضاد له: هو ذلك المنهج الذي يستقي ويستمد من الكشف، أو من الذوق والوجد، أو غير ذلك من المعايير غير العقلية كمعيار العاطفة، أو معيار الوجدان.
وبإيجاز نقول: إن المنحى الأول وهو منحى أهل الكلام عموماً من معتزلة وأشعرية ومن جرى مجراهم، يجعل الدين والإيمان والعقيدة فكرة عقلية، فالإيمان عندهم فكرة عقلية.
والمنهج المضاد الآخر هو منهج أهل التصوف والتنسك والتزهد غير المشروع، فهؤلاء يجعلون الإيمان والدين والعقيدة تجربة روحية.
ولهذا يصعب حصر الفريق الأول وكذلك الآخر؛ لأن العقول تختلف وتتباين، وكذلك التجارب الروحية الذاتية هي أكثر اختلافاً وأكثر تبايناً.
فميز الله تبارك وتعالى أهل السنة والجماعة بالرجوع إلى الكتاب والسنة، فعرفوا للعقل منزله ومكانته، وعرفوا للحقائق والأذواق الإيمانية الحقة قيمتها ومنزلتها، ولكن الحَكَمَ في ذلك كله هو النص من الوحي، من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم كما قال الله تبارك وتعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم:{قُلْ إِنَّمَا أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ} [الأنبياء:45].
ولم يوجد عند أهل السنة والجماعة تصور معارضة أو تضاد بين العقل الصحيح السليم وبين الوحي، ولا بين الذوق الإيماني الصحيح وبين الوحي، فضلاً عن أن يقولوا كما قال أولئك بأنه عند التعارض يقدم العقل، أو يقدم الكشف، أو يقدم أي شيء غير كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
بل إن من أصول أهل السنة والجماعة الثابتة أن أقوال أئمة أهل السنة والجماعة ابتداءً بالصحابة الكرام ومروراً بالتابعين، ثم الأئمة الأربعة والسلف الصالح أجمعين، -على جلالتهم وقدرهم وفضلهم- لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يعارض بها نص من الكتاب والسنة على الإطلاق، فإنما هي بمنزلة بعد منزلة النص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فلا يمكن أن يقدموا قول أحد كائناً من كان على قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن كان صحابياً ذا فضل، أو إماماً مجتهداً مع الاحترام والتقدير لأولئك الأئمة الكرام، فضلاً عن أن يقدموا عليه كلام أحد من المبتدعة الضالين أو أصحاب الكلام، أو أصحاب الأذواق والمواجيد والكشوفات الباطلة، وبهذا تميز منهج أهل السنة والجماعة بالعلم.
وهذا ينقلنا إلى الميزة الأخرى.