المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فضل الحج ومنزلته في الدين - دروس للشيخ عبد الرحمن السديس - جـ ٣٧

[عبد الرحمن السديس]

الفصل: ‌فضل الحج ومنزلته في الدين

‌فضل الحج ومنزلته في الدين

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله وحبيبه وخليله، وصفوته من رسله، الذي بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان، ممن دعا بدعوته واستقام على سنته إلى يوم الدين.

أما بعد:

أيها الإخوة في الله: أحييكم بتحية الإسلام، فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته، وأعتذر للتأخير الذي حصل، والحمد لله أنه لم يكن طويلاً، ولعل هذا التأخير يكون باعثاً على الشوق للسماع والعناية به، أضف إلى ذلك الأجر والثواب الذي يعده الله جل وعلا لمن حضر مثل هذه المجالس مخلصاً للنية، ورابط وتعب حرصاً على سماع الذكر، نسأل الله عز وجل أن يجعلنا وإياكم منهم.

أيها الإخوة في الله: يطيب لي في هذا اللقاء الطيب المبارك أن أتوجه إلى الله جل وعلا بالشكر والثناء؛ أن منَّ علينا بهذا اللقاء الطيب المبارك، الذي يجمع بين شوق المكان في مهبط الوحي ومنبع الرسالة، هذا البلد الأمين الذي شرفه الله عز وجل وعظمه وأعلى ذكره، وفضله على بقاع العالمين.

ثم في هذا الزمان المبارك الذي نعيشه هذه الأيام وهو موسم الحج إلى بيت الله الحرام، تلكم العبادة العظيمة التي ضمن الله عز وجل الجنة لمن أداها على وجهها الشرعي، دليل ذلك قول المصطفى صلى الله عليه وسلم في حديثه كما في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه:{من حج ولم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه} وفيهما عنه رضي الله عنه: {والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة} .

إننا في هذا اليوم المبارك في أول أيام التشريق، وفي ليلة الثاني من أيام التشريق، هذه الأيام المباركة التي يعم فيها الخير، ويقبل الناس فيها من الحجاج وغيرهم على عبادة ربهم، ويقطعون أيامهم ولياليهم بذكره جل وعلا، كما قال الله عز وجل:{وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} [البقرة:203] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: {أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل} .

فنلتقي في هذه الليلة بعد أن منّ الله على الجميع بأداء هذه العبادة العظيمة وبعد أن وقف الحجاج بـ عرفة، ذلكم الموقف العظيم الذي يباهي الله عز وجل به ملائكته ويقول:{انظروا إلى عبادي أتوني شعثاً غبراً من كل فج عميق يرجون رحمتي ويخافون عذابي، أشهدكم أني قد غفرت لهم} .

وما من يوم يعتق الله عبيداً من النار أكثر من يوم عرفة، وما رؤي الشيطان أصغر ولا أحقر ولا أدحر منه من يوم عرفة إلا ما خزي يوم بدر، فبعد وقوف المسلمين هذا الموقف العظيم، يلتجئون فيه إلى الله جل وعلا، ويفوضون أمورهم إليه وحده جل وعلا، ويطّرحون بين يديه رغبة فيما عنده وخوفاً من عذابه.

إن هذا اليوم كفيل أن يعتني به المسلمون ولا سيما من الحجاج، فيقفون في هذا اليوم مخبتين لربهم جل وعلا، خاضعين أذلاء منكسرين بين يديه، فبعد وقوفنا هذا الموقف العظيم الذي أسأل الله جل وعلا بأسمائه الحسنى وصفاته العلى ألا يحرمنا فضله وجوده وكرمه ومغفرته في ذلك اليوم، وأن يجعل الجميع من عتقائه من النار وما ذلك على الله بعزيز.

ثم في هذا اليوم الذي بعد يوم عرفة الذي هو يوم النحر، يوم الحج الأكبر، الذي يقبل فيه الحجاج لقضاء بقية مناسكهم محلين هذا البقعة -أعني: منى - برمي جمرة العقبة، متقربين إلى الله جل وعلا بذبح هديهم وذبح ضحاياهم وما إلى ذلك من العبادات القولية والفعلية.

إن لقاءنا في هذه الأيام المباركة له مذاق خاص، وطعم خاص، إن مما ينبغي علينا ونحن هنا أن نستشعر عظمة هذه الأيام ومكانتها عند الله سبحانه وتعالى، وأسأل الله سبحانه بعد أن منّ علينا بهذا اللقاء الطيب المبارك في هذه الأيام المباركة، وفي هذه المواسم الفاضلة أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأن يكون الحاضرون في هذا المكان وفي هذا الموسم معاهدين الله جل وعلا أن يبدءوا صفحة جديدة من حياتهم، وأن يتوبوا إلى ربهم جل وعلا، وأن يقلعوا عن الذنوب والمعاصي، وأن يستقيموا على شرع الله سبحانه، ويعقدوا العزم والتصميم على ألا يعودوا لمعصية الله مطلقاً.

ثم أشكر الإخوة الكرام في هذه المؤسسة العريقة "الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" الذين قاموا بهذا الواجب وفقهم الله للقيام بمضاعفة الجهد؛ لأن هذا عمل من أهم الأعمال التي يقوم عليها عماد الدين، ويقوى بها عموده، ويدحض الباطل وأهله، فشكر الله سعيهم وحرصهم على إتاحة هذا اللقاء بهذه النخبة الطيبة وهذا العدد المميز الذي لم أكن -يعلم الله- أتوقعه.

وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلني عند حسن الظن لإبداء بعض الخواطر التي تجول في النفس؛ رغبة في إصلاح الحال، والتنبيه على ما ينفع الحاضرين، وما ينفع أمتهم، رغبة في أن نبدأ صفحة جديدة بعد موسم هذا الحج المبارك.

ص: 2