المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تذكير الله لهذه الأمة بالنعمة ووجوب شكرها - دروس للشيخ عبد الله الجلالي - جـ ٤

[عبد الله الجلالي]

فهرس الكتاب

- ‌استجيبوا لله وللرسول

- ‌حقيقة الاستجابة في آية: (استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم إلخ)

- ‌الإسلام يحقق الحياة السعيدة

- ‌الجهاد حياة الأمة المحمدية

- ‌اتباع أوامر الله ورسوله سعادة البشرية

- ‌وجوب تقديم طاعة الله ورسوله على طاعة المخلوقين

- ‌قلب الإنسان بيد الله يقلبه كيف يشاء

- ‌قوله تعالى: (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة) وما تحمله من معاني

- ‌العقوبة تعم ولا تخص

- ‌العقوبة أنواع وأعظمها الانحراف عن الدين

- ‌فتنة الانحراف ليست خاصة بالعصاة

- ‌تذكير الله لهذه الأمة بالنعمة ووجوب شكرها

- ‌مصلحة عامة المسلمين مقدمة على المصلحة الخاصة

- ‌سبب نزول آية: (لا تخونوا الله والرسول)

- ‌لا تجوز خيانة الدين لأجل المال والولد

- ‌الكلام على آية: (إن تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً)

- ‌التقوى شرط في تمييز الحق من الباطل

- ‌التقوى شرط لنزول النصر من الله

- ‌انعدام التقوى سبب لانعدام الفرقان

- ‌وجوب العودة إلى الله في الشدائد

- ‌الكلام على آية: (وإذ يمكر بك الذين كفروا)

- ‌اجتماع دار الندوة للمكر برسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌مكر الله بالكافرين وحفظ رسوله منهم

- ‌الأسئلة

- ‌خطأ العلمانية في اعتقاد أن الدين لا يصلح لهذا العصر

- ‌نصيحة في حث الناس على الجهاد في سبيل الله

- ‌دور الشباب المسلم تجاه انتشار المعاصي في البلاد الإسلامية

- ‌الحث على التوكل على الله

الفصل: ‌تذكير الله لهذه الأمة بالنعمة ووجوب شكرها

‌تذكير الله لهذه الأمة بالنعمة ووجوب شكرها

ثم يذكر الله عز وجل المسلمين الأولين ويذكرنا نحن ويذكر كل أمة مرت بها فترتان: فترة خوف وذعر، ثم أبدل الله خوفها أمناً وطمأنينة.

وإذا كانت هذه الآية تتكلم عن أمة فإن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فالله تعالى يقول لأمة المسلمين في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ويذكرهم بحالهم يوم كانوا في مكة، وكانوا مستضعفين في الأرض، فكانت لهم دولة بعد معركة بدر:{وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ} [الأنفال:26]، والمراد بالأرض أرض مكة، ومعنى:(تخافون أن يتخطفكم الناس) يعني: أن يصيبوكم ويأخذوكم بسرعة، فالخطف معناه: الأخذ بسرعة، ما الذي حصل؟ {فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ} [الأنفال:26].

هذه الآية تتحدث عن أمة، لكنها والله تتحدث عنا نحن أيضاً، فقد كنا مستضعفين في الأرض، كنا أمة فقيرة، كنا أمة لا وزن لها في تاريخ العالم، كنا أمة خائفة، كنا أمة لا نملك شيئاً من متاع الحياة الدنيا، فأمننا الله عز وجل، وأبدل خوفنا أمناً، وفجر لنا خيرات الأرض من وراء آلاف الأقدام، فأصبح فقيرنا ملكاً من ملوك الدنيا في ثروته، وأقول هذا لأني رأيت بعيني هاتين رئيس دولة هي أكبر دولة إسلامية، رأيت بيته أقل من بيت أي واحد من عامة الناس في بلادنا هذه، فقلت: سبحان الله: (وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ).

لكن يا أخي! لا ننسى أن الله تعالى ذكر ثلاث فترات أخاف أنها كلها مرت بنا في حياتنا القصيرة، ثلاث فترات: فترة فقر ومسغبة عشناها منذ سنوات ليست بالبعيدة، وخوف وذعر، فأبدل الله خوفنا أمناً، وفقرنا غنى.

فأصبحنا -كما تشاهدون في أيامنا الحاضرة- كأننا نعيش في قصور ملوك، وفي حياة ملوك! ثم بعد ذلك أرى أن هناك شيئاً بدأ يحدث في أيامنا الحاضرة، ما هو السر في ذلك؟ السر في ذلك أن الله تعالى يمتحن الناس بالفقر والمصائب، والخوف والذعر في المرحلة الأولى.

ثم إذا لم تؤدب الأولى الناس يبدل الله تعالى السيئة حسنة، فيبدل الخوف أمناً، والفقر رزقاً.

فإذا لم تنفع الثانية فإن الله تعالى يسلب هذه النعمة دفعة واحدة من هؤلاء الناس، ويكون العذاب، نعوذ بالله من عذاب الله وأليم عقابه! اسمعوا إلى هذا المعنى في قول الله تعالى في سورة الأعراف:{وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ} [الأعراف:94]، البأساء هي الحروب، والضراء: الأمراض والفقر {ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ} [الأعراف:95]، ما معنى بدلنا مكان السيئة الحسنة؟ أبدلنا الضراء صحة وعافية، وثراءً ونعمة ورخاءً، والبأساء بدلها الله تعالى أمناً وطمأنينة؛ لأن البأساء معناها الحروب والفتن، فهذه مرت بنا يا إخوة! بدل الله السيئة حسنة.

قال: {حَتَّى عَفَوا} [الأعراف:95]، زاد العدد، وزادت الأموال، وزادت الخيرات، إذا قيل لأحد الناس: اتق الله يا أخي! فهذه النعمة بيدك لها ضد! ماذا يقول كثير من الناس؟ يقول: ضدها عاشها أبي وجدي، اسمعوا ماذا يقول الله تعالى:{وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ} [الأعراف:95]، ما هي النتيجة؟ {فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} [الأعراف:95]، يا إخواني! يجب أن نخاف من عذاب الله سبحانه وتعالى، وأن نعرف أن لكل شيء ضداً، وأن هذه النعمة التي بأيدينا لا بد أن نرعاها ونشكر الله سبحانه وتعالى، ونقول للناس: اتقوا الله، ونقول لأصحاب السلطة: اتقوا الله، ونقول لهم:{لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الأَرْضِ فَمَنْ يَنصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا} [غافر:29].

وهنا يقول الله تعالى عن هذا الأمر: {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [الأنفال:26]، يعني: مجيء هذه النعم من أجل أن تشكروا الله سبحانه وتعالى، لا من أجل أن يبطر هذا الإنسان ويكفر هذه النعمة، ويستعملها في معصية الله وفيما حرم الله، هذا ليس منهج المسلم، فمنهج المسلم أنه كلما زادت النعمة بيده قال: الحمد لله رب العالمين.

ص: 12