المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌جزاء الكفار على أعمالهم في الدنيا - دروس للشيخ عبد الله الجلالي - جـ ٥

[عبد الله الجلالي]

فهرس الكتاب

- ‌نور على نور

- ‌تلخيص ما تصمنه النصف الأول من سورة النور

- ‌تفسير آية: (الله نور السماوات والأرض)

- ‌صلة قوله عز وجل: (الله نور السماوات والأرض) بالآيات التي قبلها والمقصود بالنور فيها

- ‌معنى قوله تعالى: (الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة)

- ‌المقصود بالشجرة المباركة

- ‌قوله: (يهدي الله لنوره من يشاء)

- ‌كيفية الحصول على نور الإيمان

- ‌تفسير قوله تعالى: (في بيوت أذن الله أن ترفع)

- ‌سبب النشأة الصالحة في بيوت المؤمنين

- ‌أنواع رفعة بيوت الله عز وجل

- ‌المقصود بالتسبيح في قوله تعالى: (يسبح له فيها بالغدو والآصال)

- ‌عظم قدر صلاة الفجر

- ‌دلالة قوله تعالى: (يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال)

- ‌حال السلف رحمهم الله في إقام الصلاة وإيتاء الزكاة

- ‌الدافع للرجال الصالحين إلى إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة

- ‌جزاء الخائفين من الله عز وجل

- ‌مثل أعمال الكافرين

- ‌جزاء الكفار على أعمالهم في الدنيا

- ‌الكفر والبدعة تمحق الحسنات والأعمال الصالحة

- ‌أعمال الكفار كالشراب أو كالظلمة في اللجة

- ‌الهداية بيد الله عز وجل

- ‌الأسئلة

- ‌لا تنافي بين الدراسة في المسجد والمدرسة

- ‌إصلاح المجتمع لا يقتصر فيه على المحاضرات فقط

- ‌سبب رخاء بلاد الكفار وحلول المصائب في بلاد المسلمين

- ‌النظر في الطاعة إلى من هو أعلى للحاق به لا إلى المجتمعات الفاسدة

- ‌خطر النظر المحرم

- ‌حكم الملابس القصيرة للفتيات الصغيرات

الفصل: ‌جزاء الكفار على أعمالهم في الدنيا

‌جزاء الكفار على أعمالهم في الدنيا

انظر إلى الفرق بين المؤمن الكافر: المؤمن عمله وقلبه كسراج مضيء دائماً؛ يرى الخير والشر، فيترك الشر ويفعل الخير، لكن إذا نظرت إلى قلب الكافر وإلى عمل الكافر وجدت أعماله على نوعين: أعمال ظاهرها الخير وباطنها الفساد، وأعمال أخرى ظاهرها وباطنها الفساد، فمن الأعمال التي ظاهرها الخير ما يفعله الكفار بما يسمونه بالإنسانية: من بذل المعروف، ومساعدة المحتاج، وقضاء حوائج الناس، وبناء جسور، ومدارس، ومستشفيات، وربما يبنون مساجد، وربما يتصدقون على فقير بدافع يسمونه بالإنسانية، وهذه حسنات، لكن ليس لها قيمة عند الله تعالى في الحياة الآخرة، لكن لها قيمة عند الله عز وجل في الحياة الدنيا؛ لأن الله تعالى لا يظلم مثقال ذرة.

ولهذا يعطي الله هذا الكافر صحة في جسده، ومالاً كثيراً، وأولاداً، وأموراً كثيرة يعجلها له في الحياة الدنيا؛ لأنه ليس عنده نية طيبة، وليس عنده إيمان وإخلاص لله عز وجل، فينال هذا الجزاء في الحياة الآخرة، ولذلك يقول الله تعالى:{مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا} [هود:15]، أي: بعمله، {نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ} [هود:15]، وهذا هو الذي جعل كثيراً من الناس يتعجبون: لماذا فلان الكافر في صحة في جسده؟ ولماذا عنده مال؟ ولماذا عنده أولاد وسيارات ومساكن جميلة؟ ولماذا المؤمنون يعيشون فقراء؟ ولماذا بلاد الكفر تنتشر فيها المصانع ووسائل التقنية الحديثة وبلاد المسلمين متأخرة؟! وكل هذه الأشياء يتساءل عنها الإنسان في كثير من الأحيان، وربما ينحرف -والعياذ بالله- إذا رأى الكفار أقبلت عليهم الحياة الدنيا، وقد زويت عن كثير من المؤمنين.

والسبب في ذلك هو ما ذكره الله عز وجل في قوله: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ} [هود:15]، وهذا الواقع هو الذي جعل كثيراً من الكفار والمعاندين لدين الله ينحرفون، ويتمادون في ضلالهم؛ لأنهم يظنون أن الله تعالى ما أعطاهم هذه الدنيا إلا لأنه يحبهم، كما قال تعالى:{فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ} [الفجر:15]، ولو كان فاجراً كافراً فإنه يقول:(رَبِّي أَكْرَمَنِ)، أنا عزيز على الله، {وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ} [الفجر:16] {كَلَّا} [الفجر:17]، أي: لا أكرم الأول ولا أهان الثاني؛ فهذه الدنيا ما لها قيمة عند الله عز وجل، ولو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى منها كافراً شربة ماء، وإنما الذي حدث هو أن الله عز وجل يبتلي هؤلاء الناس، فيعجل جزاء الكافرين والعصاة والفسقة الذين لا يريدون الحياة الآخرة، يعجل لهم جزاءهم في الحياة الدنيا؛ ليدخرها للمؤمنين في الحياة الآخرة، وهذا هو معنى قوله تعالى:{وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ} [النور:39].

والسراب: أنك عندما تسير في وقت القيلولة في الصحراء تجد من بعد كأن أمامك ماءً، خصوصاً إذا عطش الإنسان، فإذا عطش الإنسان يرى كأن هناك ماءً على وجه الأرض، فيركض وراءه، وكلما دنا من هذا السراب ابتعد السراب؛ لأنه ليس ماءً، بل هو أمر خيالي ليس له حقيقة، وكلما دنا منه ابتعد عنه؛ حتى يهلك هذا الإنسان وهو يلحق هذا السراب.

ص: 19