المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌وقفة مع عباد بن بشر - دروس للشيخ علي القرني - جـ ٢٠

[علي القرني]

فهرس الكتاب

- ‌صدقوا ما عاهدوا

- ‌الحث على دوام ذكر الله

- ‌قدوتنا جيل رباه النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌مواقف من تربية النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌عوامل صدق الصحابة مع الله

- ‌معاصرتهم نزول الوحيين

- ‌معاصرتهم لمحن النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌معايشتهم لجهاد النبي صلى الله عليه وسلم ومشاركتهم فيه

- ‌رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه

- ‌وقفة مع ثابت بن قيس

- ‌وقفة مع عباد بن بشر

- ‌أبو طلحة وجهاده في سبيل الله

- ‌الصحابة وصدقهم مع كتاب الله

- ‌عقبة بن عامر وطلبه العلم

- ‌أقوالهم في طلب العلم

- ‌تضحية الصحابة في سبيل الله

- ‌تنازل صهيب عن ماله من أجل الله

- ‌حكيم وإنفاقه في سبيل الله

- ‌حبيب وتضحيته بنفسه

- ‌عاقبة الصدق

- ‌مواقف من الإخلاص

- ‌أقوال في العفو والصفح عن الآخرين

- ‌حب الصحابة لرسول الله

- ‌دليل المحبة عند ربيعة

- ‌أبو بكر وشدة حبه لرسول الله

- ‌مواقف دلت على حب رسول الله

- ‌أمنيات الصحابة وهممهم

- ‌دروس مستفادة من حياة الصحابة

- ‌لا تحقرن من المعروف شيئاً

- ‌ألحق الطاعة بالطاعة

- ‌الاستعجال من الشيطان

- ‌اترك الفراغ

- ‌المسارعة في التوبة وطلب الخيرات

- ‌لتكن لك خبيئة عند الله

الفصل: ‌وقفة مع عباد بن بشر

‌وقفة مع عباد بن بشر

عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة ذات الرقاع ونزل المسلمون شعباً من الشعاب ليقضوا ليلتهم، فلما أناخوا رواحلهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يحرسنا الليلة؟ فقام عباد بن بشر، وعمار بن ياسر -وقد آخى بينهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا: نحن يا رسول الله! ثم خرجا إلى فم الشعب، فقال عباد لـ عمار: أتنام أول الليل أم آخره؟ فقال عمار: بل أنام أوله، اضطجع عمار غير بعيد.

بقي عباد يحرس جند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأرخى الليل سدوله، وغارت نجومه، هدأت العيون، وسكنت الجفون، ولم يبقَ إلا الحي القيوم، عندها تاقت نفس عباد للعبادة، واشتاق قلبه للقرآن، فقام يصلي؛ ليجمع متعة الصلاة إلى متعة التلاوة، وطفق يقرأ سورة الكهف، يسبح مع آيات الله البينات.

ويراه رجل من المشركين يصلي على فم الشعب، فعرف أنه حارس جيش رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لئن ظفرت به لأظفرن بجيش رسول الله صلى الله وسلم على نبينا محمد فوتر قوسه، وتناول سهماً من كنانته، ورماه به فوضعه فيه، فانتزعه عباد من جسده ورمى به، ومضى يتدفق في تلاوته، ورماه بالآخر فانتزعه، ومضى يتدفق في تلاوته، ورماه بالثالث فانتزعه، وإذا الدماء تنزف منه، فزحف إلى عمار وأيقظه قائلاً: لقد أثخنتني الجراح، عليك بثغر رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ولَّى المشرك هارباً، وأمَّا عمار فنظر -ويا للهول! أثخنته الجراح، فقال: رحمك الله هلا أيقظتني من عند أول سهم رماك به؟ فقال عباد -واسمعوا إلى ما يقول-: [[كنت في سورة أقرؤها، فلم أحب أن أقطعها حتى أفرغ منها، وايم الله؛ لولا خوفي أن أضيع ثغراً أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظه؛ لكان قطع نفسي أحب إلي من قطعها]].

لا نامت أعين الجبناء، لا نامت أعين التنابلة والكسالى والبطالين.

يا بنَ الهُدَى! يا فَتَى القرآنِ! دعكَ مِنَ الأوْهَامِ؛ جلجَلَ أمرُ الله أنْ أَفِقِ.

تلذذوا بمناجاة الله في الخلوات، فما عدلوا بذلك شيئاً.

عبَّر أحدهم عن تلك اللذة بقوله: [[والله لولا قيام الليل بكلام الله ما أحببت البقاء في هذه الدنيا.

ووالله! إن أهل الليل في ليلهم ألذ من أهل اللهو في لهوهم، وإنه لتمر بالقلب ساعات يرقص القلب فيها طرباً بذكر الله، حتى أقول: إن كان أهل الجنة في مثل ما أنا فيه إنهم لفي نعيم عظيم]].

وعبر الآخر عن لذته بمناجاة الله بقوله: والله لو علم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه، لجالدونا عليه بالسيوف.

فقال قائل: وما الذي أنتم فيه تتلذذون، وبه تتلذذون؟

قال: لذة مناجاة الله في الخلوات.

هذه حالهم يا متأمل! هذه حالهم يا متبصر! فما حالنا؟

كُثُرٌ ولكنْ عديدٌ لا اعتدادَ بِهِ جمعٌ ولكنْ بديدٌ غيرُ متَّسِقِ

شككتْ نفسي مهانتكم أنكمُ يا قومِ منْ مُضَر

خَبِّرُونِي أين حِسِّكُم لأزْيَد الوَخْز بالإبرِ

نطقنا بالعربية والقرآن فما نكاد نلحن، ولحنا بالعمل فما نكاد نعرب، قنعنا بفصاحة اللسان مع عُجْمة الجنان:

وكانَ البرُّ فعلا دونَ قولٍ فصارَ البرُّ نُطقاً بالكلامِ

ص: 11