الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أهمية التعاون على البر والتقوى
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد صادق الوعد الأمين، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته الغر الميامين، وعلى من تبعهم واقتفى أثرهم ونهج نهجهم إلى يوم الدين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين.
أما بعد: أيها الإخوة المؤمنون! أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله؛ فإن تقوى الله أعظم دافع لإقبال العبد على مولاه، وإن من أعظم التقوى أن يكون المرء مراقباً لله، مستشعراً لعظمة الله، خائفاً من عذاب الله، فإن ذلك فيه -بإذن الله- وقاية عن معصية الله وبعد عما حرم الله.
وإن الوسيلة الرابعة المهمة هي التعاون على البر والتقوى: قال تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة:2]، والمؤمنون إخوة، والمسلم أخو المسلم؛ لا يظلمه ولا يسلمه ولا يخذله، فينبغي أن نتعاون على الطاعات، وأن نتكاتف لإحياء معاني الإيمان في القلوب، وأن نتآزر لننفي عن بيئاتنا ومجتمعاتنا المنكرات والمحرمات.
إن هذه الأمة فضلت لأنها أمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما قال تعالى:{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران:110]، فضلت لأنها أمة بعضها لبعض نصحة، والمنافقون والكافرون بعضهم لبعض غششه، قال جرير رضي الله عنه:(بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام، فزادني: والنصح لكل مسلم) أي: النصيحة الرفيقة الشفيقة، النصيحة الحكيمة الودودة، التعاون على البر والتقوى، والدعوة إلى الخير، وشعور المسلمين بأنهم جسد واحد، فإن لم يتحقق في الأسرة الواحدة وفي الحي الواحد بين الجيران فكيف تريد أن يتحقق في أمة الإسلام على اختلاف أصقاعها وتباين بيئاتها ولغاتها، قال صلى الله عليه وسلم:(مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) رواه مسلم، وفي رواية أخرى:(المسلمون كجسد واحد إذا اشتكى رأسه اشتكى كله، وإذا اشتكى عينه اشتكى كله)، فأين التراحم والتلاحم؟ وأين الذي يجد من يعظه ويذكره إذا نسي؟ ومن يزجره وينهاه إذا أخطأ، ومن يشجعه ويدعوه إذا أقبل؟ هل نتعاون في ذلك كما نتعاون في أمور الحياة الدنيا؟ ترون أهل العمارة الواحدة قد يتفقون على من يحرس لهم عمارتهم، ويتفقون كيف يؤمنون الماء إذا كانوا يحتاجون إليه، ويخصصون حصصاً مالية بينهم، لكننا لم نسمع كيف يوقظ بعضهم بعضاً لصلاة الفجر، ولا كيف يجعلون من وقتهم في أسبوعهم كله ساعة واحدة يتلون فيها كتاب الله، أو يقرءون شيئاً من سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم! إن انعدام التعاون وضعف النصيحة وخلو المجتمع من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو سبب من أسباب الهلاك والدمار، ويعود على الناس جميعاً حتى الصالحين؛ لأن الصالحين إن لم يكونوا ناصحين يوشك أن يكون في صلاحهم فساد وخلل.
عن النعمان بن بشير رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مثل القائم في حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا في سفينة، فكان بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا أرادوا الماء صعدوا إلى من فوقهم، فقالوا: لو خرقنا في نصيبنا خرقاً فاستقينا الماء ولم نؤذ من فوقنا، فلو تركوهم وما أرادوا هلكوا وهلكوا جميعاً، ولو أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً)، فالتعاون ينبغي أن نحرص عليه، والرفقة الصالحة فضل عزيز مهم في هذه الحياة، كما في الحديث:(المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل)، فإذا وجد بين أيدينا المنهج النظري في القرآن الكريم، والمنهج العملي في سيرة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وجاهدنا نفوسنا، وبذلنا بصدق وإخلاص من أعماق قلوبنا وخفايا نوايانا ومن حر مالنا ومن جهد أبداننا ومن المهم من أوقاتنا لنطيع الله سبحانه وتعالى، ثم كان بيننا تعاون وتكاتف على البر والتقوى، وإحياء معاني الإيمان، وإشاعة العلم بهذا الدين، والدعوة إلى رب العالمين، وتشجيع الناس على الطاعات، ونهيهم عن المنكرات والمحرمات؛ فسنجد أننا بالفعل قد بدأنا صفحة جديدة.
فليست كلمة (صفحة جديدة) هي كلمة نرددها، أو هي أسلوب نعتاد أن نقوله كلما جاءت نهاية عام أو بداية عام، بل ينبغي أن نذكر هذه النعم والمنن التي ساقها الله إلينا، فقد كفينا أمر المنهج، وكفينا أمر تفسيره وتطبيقه، وبقي علينا جهاد نفوسنا الضعيفة المريضة، فعلينا أن نعالجها، وأن نجاهدها، وبقي علينا أن نشد من أزرنا، وأن نقوي الأواصر فيما بيننا؛ حتى نستطيع التعاون، وأن نتغلب على شهوات النفوس وعلى فساد البيئات، وأن نكون كما أراد الله سبحانه وتعالى فيما أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم:(المسلم للمسلم كالبنيان يشد بعضه بعضاً).
فنحن عند أن نكون في المسجد نلصق الكتف بالكتف، ونصلي مع بعضنا، لكن كثيراً منا لا يعرف الآخر، ولا يسأل عن حاله، ولا يسعى لمنفعته، ولا يسعى لدفع الضر عنه، وسبب ذلك هذه الأواصر التي ضعفت، وهذه العلائق التي انقطعت، فإنها سبب من أسباب ضعفنا في ديننا، ومن أسباب بعدنا عن هدي نبينا صلى الله عليه وسلم، ومن أسباب مخالفتنا وإعراضنا عن كتاب ربنا.
نسأل الله جل وعلا أن يحيي قلوبنا بالإيمان، وأن ينور بصائرنا بالقرآن، ونسأله سبحانه وتعالى أن يجعلنا بكتابه مستمسكين، وعلى هدي نبيه صلى الله عليه وسلم سائرين.
اللهم اجعلنا ممن يحل حلال القرآن ويحرم حرامه ويعمل بمحكمه، ويؤمن بمتشابهه.
اللهم اجعله حجة لنا ولا تجعله حجة علينا.
اللهم اجعلنا لرسولك صلى الله عليه وسلم متبعين، وفي محبته صادقين مخلصين برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم تول أمرنا، وارحم ضعفنا، واجبر كسرنا، واغفر ذنبنا، وبلغنا فيما يرضيك آمالنا.
اللهم إنا نسألك التقى والهدى والعفاف والغنى، وأن تجعلنا هداة مهديين.
اللهم إنا نسألك العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة.
اللهم إنا نسألك أن تجعل خير أعمالنا خواتمها، وخير أيامنا يوم نلقاك وأنت راضٍ عنا.
اللهم جدد في القلوب إيماننا، وجدد في الحياة أخلاقنا على ما يرضيك يا ربنا.
اللهم وفقنا لما تحب وترضى واصرف عنا ما لا تحبه وترضاه.
اللهم ارزقنا الصالحات والخيرات، واصرف عنا الشرور والسيئات، واغفر اللهم لنا ما مضى وما هو آتٍ، برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وارفع بفضلك كلمة الحق والدين، ونكس رايات الكفرة والملحدين.
اللهم مكن في الأمة لأهل الخير والرشاد، واقمع أهل الزيغ والفساد، وارفع في الأمة علم الجهاد، برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم من أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين بخير فوفقه لكل خير، ومن أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين بسوء فاجعل دائرة السوء عليه يا سميع الدعاء.
اللهم عليك بسائر أعداء الدين فإنهم لا يعجزونك، اللهم أحصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تغادر منهم أحداً، وأرنا فيهم يوماً أسود قريباً يا سميع الدعاء؛ اللهم زلزل الأرض تحت أقدامهم، اللهم خذهم أخذ عزيز مقتدر، اللهم لا ترفع لهم راية، واجعلهم لمن خلفهم آية، اللهم فرق كلمتهم، ودمر قوتهم، واستأصل شأفتهم، واجعل بأسهم بينهم يا قوي يا عزيز يا منتقم يا جبار؛ يا من لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء! اللهم إنهم قد طغوا وبغوا وتجبروا، اللهم إنهم قد أذلوا عبادك المؤمنين، وانتهكوا حرمات المسلمين، اللهم فأنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين يا قوي يا عزيز يا متين، اللهم رحمتك ولطفك بعبادك المؤمنين المضطهدين والمعذبين والمشردين والمبعدين والأسرى والمسجونين والمرضى والثكالى والعجزى يا رب العالمين! اللهم الطف بإخواننا المعذبين في كل مكان يا رب العالمين، اللهم امسح عبرتهم، وسكن لوعتهم، وأجب دعوتهم، وفرج كربتهم يا حي يا قيوم؛ اللهم اجعل ما قضيت عليهم زيادة في الإيمان واليقين، ولا تجعله فتنة لهم في الدين.
اللهم إنهم حفاة فاحملهم، عراةً فأكسهم، خائفون فأمنهم، جائعون فأطعمهم، مشردون فسكنهم يا رب العالمين، اللهم ارزقهم الصبر على البلاء، والرضا بالقضاء، اللهم عجل فرجهم، وقرب نصرهم يا رب العالمين! اللهم واجعلنا في نصرتهم عاملين، اللهم واجعلنا لنصرة دينك باذلين منفقين برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم انصر عبادك وجندك المجاهدين في كل مكان يا رب العالمين، اللهم سدد رميتهم، ووحد كلمتهم، وأعل رايتهم، وقو شوكتهم، وانصرهم على عدوك وعدوهم يا رب العالمين.
اللهم اجعل هذا البلد آمناً مطمئناً رخاءً وسائر بلاد المسلمين.
اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك يا رب العالمين، اللهم وفق ولاتنا لهداك، واجعل عملهم في رضاك، وارزقهم البطانة الصالحة التي تعينهم على الحق والخير يا رب العالمين.
عباد الله! صلوا وسلموا على رسول الله؛ استجابة لأمر الله: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب:56]، وترضوا على الصحابة الكرام، وخصوا منهم بالذكر ذوي القدر العلي والمقام الجلي، وهم: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، وعلى سائر الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين.
والحمد لله رب العالمين!