المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌موقف الإمام أحمد من فتنة خلق القرآن وثباته - دروس للشيخ علي بن عمر بادحدح - جـ ٩

[علي بن عمر بادحدح]

فهرس الكتاب

- ‌في صحبة الإمام أحمد

- ‌جولات وقبسات من مواقف وسيرة الإمام أحمد بن حنبل

- ‌الجولة الأولى: قبسات ومواقف من ورع الإمام أحمد

- ‌الجولة الثانية: قبسات ومواقف من طلب الإمام أحمد للعلم

- ‌الجولة الثالثة: حسن تعامل الإمام أحمد مع أصدقائه

- ‌الجولة الرابعة: مواقف من خوف الإمام أحمد من الله عز وجل

- ‌الجولة الخامسة: مواقف من وقار وهيبة الإمام أحمد

- ‌الجولة السادسة: مواقف من تعظيم الأئمة للإمام أحمد

- ‌الجولة السابعة: مواقف من متابعة الإمام أحمد للرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌الجولة الثامنة: مواقف من تواضع الإمام أحمد وهيبته

- ‌الجولة التاسعة: مواقف من عدل وإنصاف الإمام أحمد لغيره

- ‌الجولة العاشرة: مواقف من عبادة الإمام أحمد وصلته بربه عز وجل:

- ‌الجولة الحادية عشرة: نماذج من أدعية الإمام أحمد

- ‌موقف الإمام أحمد من فتنة خلق القرآن وثباته

- ‌الدروس المستفادة من فتنة خلق القرآن ووقت نشوئها

- ‌صور من تعذيب الإمام أحمد في الفتنة

- ‌موقف الإمام أحمد ممن يريد أن يثنيه عن موقفه من فتنة خلق القرآن

- ‌موقف الإمام أحمد ممن آذاه

- ‌أثر الوشاة والمنافقين في إيذاء العلماء والدعاة والمصلحين

- ‌أثر مناظرة الشيخ الشامي لابن أبي دؤاد على الخليفة الواثق

- ‌ثبات الإمام أحمد في الفتنة وثباته أمام الشيطان عند الوفاة

- ‌الأسئلة

- ‌الآثار المترتبة على القول بخلق القرآن

- ‌موقف الإمام أحمد من خلق القرآن والخروج على الحاكم

- ‌العلاقة بين الإمام أحمد وأحمد بن نصر الخزاعي

- ‌ذكر مراجع سيرة الإمام أحمد وما حصل له

- ‌طلب الرد على من يطعن في المناهج الدراسية وغيرها

الفصل: ‌موقف الإمام أحمد من فتنة خلق القرآن وثباته

‌موقف الإمام أحمد من فتنة خلق القرآن وثباته

إن أمر الفتنة والمحنة التي وقعت للإمام أحمد هي أبرز صورة ومرحلة من مراحل حياته، بدأت في العام الثامن عشر بعد المائتين واستمرت إلى العام الرابع والثلاثين بعد المائتين، وابتلي فيها الإمام أحمد بصور شتى، كان منها: السجن، والضرب ومنها: أن يعلق من رجليه فيدلى رحمة الله عليه، وكان منها: أن يلف في بساط ويداس وهو في داخل البساط حتى يدمى رحمة الله عليه، وكان كالطود الشامخ؛ لأن عنده حجة مفحمة وبرهاناً قاطعاً أعيا به العقول وأخرس به الألسنة، ووقف الجميع أمامه لا يملكون إلا حجة الضعيف، وحجة الضعيف هي القوة والبطش، تلك الحجة التي أظهرها فرعون مع موسى، فإنه لما انقطعت حجته وحيلته قال:{لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ} [الشعراء:29] وهي الحجة التي قالها النمرود لما أعيته الحجة مع إبراهيم الخليل عليه السلام فلذلك أذكر أولاً بعض المواقف والرؤى التي كانت قبل المحنة ذكرت في كتاب كامل عن محنة الإمام أحمد بن حنبل يقول أحدهم: رأى الإمام أحمد في المنام: كأن عليه بردة مخططة وكأنه بالرجل يريد المسير إلى الجامع يوم الجمعة، فاستعبرت بعض أهل التعبير؛ فقال: هذا يشتهر بالخير؛ قال: فما أتى عليه إلا قريب حتى ورد ما ورد من المحنة.

ويروى عن الإمام أحمد أنه قال: رأيت في المنام علي بن عاصم فأولت علياً بالعلو، وعاصماً عصمة من الله عز وجل فالحمد لله على ذلك، فعلا بين الناس ذكره، وعصمه الله عز وجل من الفتنة والمحنة، ومن عجيب ما كان عنده من الحجة مثل هذه المواقف، كان إذا أرادوه على شيء قال: ائتوني بشيء من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان بعضهم ربما جاء ببعض الآيات التي يستشهدون بها مثل قوله:{اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الزمر:62] أليس القرآن شيئاً؟ إذاً: فيكون مخلوقاً، هذه هي أصل فتنة خلق القرآن، فيقول لهم: يقول الله عز وجل: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا} [الأحقاف:25] فدمرت كل شيء إلا ما أراد الله عز وجل فلا يكون هذا عموماً مطلقاً، بل فيه ما هو مستثنىً بأمر الله سبحانه وتعالى، ويحتجون عليه باحتجاجات أخرى فإذا به يرد عليهم هذه المقالات كما احتجوا بقوله سبحانه وتعالى:{إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [الزخرف:3] فقالوا: أليس القرآن مجعولاً فإذاً هو مخلوق؛ فقال لهم: يقول الله سبحانه وتعالى: {فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ} [الفيل:5] فهل معناها خلقهم كعصف مأكول، أو أن الجعل ما يصير إليه الشيء وينتهي إليه.

وذكروا له قوله تعالى: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ} [الأنبياء:2] والمحدث مخلوق، فقال لهم:{ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ} [ص:1] فقال هنا: القرآن ذي الذكر هو القرآن، فهو معرف بأل، وأما (ذكر) غير المعرف فلا يراد به القرآن، فكلما جاءوه بحجة ألجمهم حجة أخرى، فما استطاعوا أن يظهروا عليه بالحجة، فأرادوا أن يكون ظهورهم عليه بالقوة والفتنة والمحنة.

ص: 14