المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مما ينمي العبادات ويزكيها الإخلاص لله وموافقتها للشرع - دروس للشيخ محمد الحسن الددو الشنقيطي - جـ ١٣

[محمد الحسن الددو الشنقيطي]

فهرس الكتاب

- ‌شخصية المسلم

- ‌شخصية المسلم هي التي تميزه عمن سواه

- ‌من أعظم الأسس التي تميز شخصية المسلم الأساس العقدي

- ‌الأساس العقدي يقتضي صرف العبادة لله وحده

- ‌الأساس العقدي مقتض محبة الله وعبادته ومحبة رسوله

- ‌الأساس العقدي يقتضي من الإنسان الصبر والثبات والثقة بالله وحده

- ‌من الأسس التي تميز شخصية المسلم الأساس التعبدي

- ‌مما ينمي العبادات ويزكيها الإخلاص لله وموافقتها للشرع

- ‌الإنسان مفطور على العبادة

- ‌قيمة الإنسان في هذه الحياة قيامه بالعبادة

- ‌أثر النية الصالحة في رفع الدرجات

- ‌من الأسس التي تميز شخصية المسلم أساس المعاملة مع الله عز وجل

- ‌من حسن التعامل مع الله الصبر عند المصيبة

- ‌من حسن التعامل مع الله دعاؤه والتضرع إليه

- ‌من حسن التعامل مع الله التعرف على عجائب خلقه وتدبيره ولطفه

- ‌من حسن التعامل مع الله التعرف إليه في الرخاء

- ‌حسن تعامل العبد مع ربه يقوم على ثلاثة أسس

- ‌من الأسس التي تميز شخصية المسلم أساس المعاملة مع النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌من الأسس التي تميز شخصية المسلم: أساس المعاملة مع المؤمنين

- ‌الناس في التعامل درجات باعتبار الحقوق الشرعية

- ‌حكمة الله في إيجاد الترابط الاجتماعي لوجود الحاجة بين الناس

- ‌ليس من التعامل الشرعي مع الناس إحصاء ذنوبهم

- ‌من الأسس التي تميز شخصية المسلم الرغبة فيما عند الله والدار الآخرة

- ‌لو دامت الدنيا لأحد لما وصلت إلينا

- ‌كل ما في هذه الدنيا إلى فناء وزوال

- ‌الزهد في الدنيا لا يقتضي إهمال عمارتها

- ‌المبالغة في جمع الدنيا لا يوصل إلى السعادة

- ‌من أسس بناء شخصية المسلم أساس العلم

- ‌من أسس ومقومات شخصية المسلم: المقوم السياسي

- ‌من أسس ومقومات شخصية المسلم المقوم الاجتماعي

- ‌من أسس ومقومات شخصية المسلم المقوم الثقافي

- ‌من أسس ومقومات شخصية المسلم المقوم الاقتصادي

الفصل: ‌مما ينمي العبادات ويزكيها الإخلاص لله وموافقتها للشرع

‌مما ينمي العبادات ويزكيها الإخلاص لله وموافقتها للشرع

كذلك مما ينمي هذه العبادات ويزكيها: الإخلاص فيها لله سبحانه وتعالى وموافقتها لما شرع، وهذان الركنان هما ركنا صلاح العمل: الركن الأول: أن يكون الإنسان مخلصاً في كل حركاته وعباداته وحده ديان السماوات والأرض، لا يشرك معه غيره في شيء من تصرفاته، فهو الملك الحق المبين الذي يقول فيما روى عنه رسوله صلى الله عليه وسلم:(من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه، فأنا أغنى الشركاء عن الشرك) ومن هنا يحاول الإنسان الإخلاص في تصرفاته، وقد كان كثيرٌ من الصالحين إذا بدأ عملاً في العبادة ثم تذكر أن بعض النيات قد ندت عن ذهنه، أو قصر عنها تفكيره رجع عنها إلى الوراء حتى يبتدئ العمل بهذه النيات المخلصة كلها.

والركن الثاني: أن تكون هذه العبادة موافقة لما شرع الله، فكم من أقوام يعبدون ولا يستريحون ولا يفترون؛ لكن عبادتهم غير موافقة لما شرع الله فلا يتقبلها الله:{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ * تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً * تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ * لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ * لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ} [الغاشية:2 - 7]، فهؤلاء خالفوا فلم يتقبل الله تعالى عبادتهم وردها عليهم؛ ولذلك قال بعض العلماء: إن من أكبر المصائب على الإنسان العابد أن يكون أجنى جناياته عبادته التي يريد بها التقرب إلى الله، فإذا كانت الصلاة -التي هي القربة الأولى لدى الإنسان يتقرب بها إلى الله- هي الجناية الكبرى يوم القيامة، فهذا من أعظم المصائب.

ومن هنا فعلى الإنسان فيما يتعلق بعباداته أن يتعلم ما شرعه الله فيها، وأن يحافظ على ذلك، فهذا هو إقامتها والمحافظة عليها، فإنه لا ينبغي أن يمل الناس من دراسة أحكامها وسننها وهيئاتها وآدابها الكثيرة التي لا نرى تطبيق كثير منها، فكثير من الناس يعلم هيئة الركوع ولكنه لا يعطيه وقتاً ولا يطمئن فيه، وكثير منهم يعلم هيئة السجود ولكنه لا يؤديه كما شرع! فنراه منقبضاً يدخل مرفقيه عند بطنه ويمس جنبيه بضبعيه! ويخالف الهدي النبوي في هيئة الصلاة كلها.

إن دراسة الهدي النبوي في العبادة مقتض من الإنسان أن يحسن هذه العبادة، التي هي قيمة وأساس شخصيته، ومن هنا اعتنى كثير من أهل العلم ببيان الهدي النبوي في العبادات، ومن هؤلاء شمس الدين بن القيم رحمه الله الذي ألف كتابه (زاد المعاد في هدي خير العباد)، فحاول أن يجمع فيه الهدي الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم في هيئات التعبدات ليكون ذلك معيناً للمسلم على تطبيق ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومن هؤلاء الحافظ البغوي رحمه الله فقد ألف كتابه (مصابيح السنة) ورتبه في كل عبادة وفي كل باب على فصلين: الفصل الأول: ما جاء في الصحيحين.

الفصل الثاني: ما كان في السنن والمسانيد والمعاجم.

وسمى الأول الصحاح والثاني الحسان، وإن كان أهل الحديث قد لاحظوا عليه هذا الاصطلاح؛ لأن أحاديث السنن منها ما هو صحيح، ومنها ما هو ضعيف فلا توصف كلها بالحسن؛ ولهذا قال العراقي رحمه الله في الألفية: والبغوي قسم المصابحا إلى الصحاح والحسان جانحا أن الحسان ما رووه في السنن عيب عليه إذ بها غير الحسن لكن مع هذا جمع هذا الجمع المفيد الطيب الذي أفاد الناس في مختلف العصور، وجاء بعده الإمام التبريزي رحمه الله فاختصر (المصابيح) واستخرج منها أهم أحاديث الأبواب في كتابه (مشكاة المصابيح)، وهذا الكتاب ميسر وسهل وفي متناول الأيدي، وبالإمكان أن يرجع الإنسان فيه إلى الهدي النبوي في كل تصرفات النبي صلى الله عليه وسلم، فيكون ذلك أصلاً يرجع إليه في إحسان عباداته لله وحده.

إن هذه القيمة التعبدية هي التي بها النور، والإنسان محتاج إليه، فنور بصيرته وفهمه وأدبه مع الله إنما يستقى من قيمته التعبدية، فهي أساس عظيم من أسس شخصيته تستنير بها بصيرته ويستنير بها وجهه وقلبه ويصلح للتلقي عن الله سبحانه وتعالى والتفهم في كتابه، ومن عدم هذه القيمة لم ينل وقار العلم ولا هيبته، حتى لو أفنى عمره في الدراسات ولن يستشعر هذه العظمة والسعادة والراحة القلبية التي عبر عنها أحد العلماء في هذه البلاد بقوله: إن من أعظم النعم التي تذاق بها حلاوة الإيمان أن يأتي إلى الإنسان خطاب من ربه أن افعل كذا، فيكون قد علم حكمه وعرف هيئته الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم فأداه على وفق ما شرع، فيحصل له بهذا سعادة عجيبة.

ص: 8