المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الافتقار إلى الله تعالى - دروس للشيخ محمد الحسن الددو الشنقيطي - جـ ١٥

[محمد الحسن الددو الشنقيطي]

فهرس الكتاب

- ‌تزكية النفوس

- ‌عناصر تركيب الإنسان وعلاقتها بمراتب الدين

- ‌معنى التزكية

- ‌حكم علم أمراض القلوب وحكم التداوي

- ‌خلاف العلماء في حكم تعلم أمراض القلوب

- ‌حكم التداوي من الأمراض القلبية والبدنية

- ‌أهمية التزكية

- ‌انقسام التزكية إلى تخلية وتحلية والكلام على التخلية

- ‌كيفية التخلية من الأوصاف الذميمة في التعامل مع الله

- ‌مرض الشرك الأكبر

- ‌مرض الشرك الأصغر

- ‌مرض سوء الأدب مع الله

- ‌كيفية التخلية من الأوصاف الذميمة في التعامل مع النفس

- ‌الإنصاف من النفس

- ‌ترك الانتصاف للنفس

- ‌اتهام النفس

- ‌كيفية التخلية من الأوصاف الذميمة في التعامل مع الناس

- ‌أداء حقوق النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌أداء حقوق الوالدين

- ‌أداء حقوق الناس والزهد فيما بأيديهم

- ‌معالجة الأمراض الجامعة

- ‌الكلام على التحلية وذكر مقاماتها

- ‌مقام التوبة

- ‌مقام الشكر

- ‌مقام الخوف والرجاء

- ‌مقام التوكل على الله

- ‌مقام الرحمة وحسن الخلق

- ‌تحقيق الفرائض والسنن

- ‌الافتقار إلى الله تعالى

- ‌الصمت عن فضول الكلام

- ‌قلة الصابرين على سلوك طريق المفلحين

- ‌قصة بني إسرائيل مع طالوت

- ‌ضرورة الصبر في درجات اليقين

الفصل: ‌الافتقار إلى الله تعالى

‌الافتقار إلى الله تعالى

وهذه النوافل آثارها متفاوته جداً فيما يتعلق بالتزكية، فمن أعظم ما يقتضي التزكية ما فيه خضوع ومذلة لله، ولهذا كان كثير من العلماء يحب الفقر ويؤثره، لأنه مقتض منه للرغبة فيما عند الله سبحانه وتعالى، والتعلق به واللجاء إليه، وكان كثير من العلماء يعدون الفقر والحاجة عيداً لأنها تقتضي اتصالهم بالله وكثرة دعائه وكثرة التعلق به، كما قال الشاعر: العيد قالوا غداً ما أنت لابسه فقلت خلعة كاس ثوبه خلع أحرى الملابس أن تلقى الحبيب به يوم التزاور في الثوب الذي خلع إلى أن يقول: عبد يرى الفاقة الأعياد والجمعا الفاقة هي عيده، وكذلك الجمعة هي عيده، لما فيها من اتصال بالله سبحانه وتعالى واللجأ إليه والضراعة بين يديه.

كذلك فالمقصود هنا بالفقر هو الحاجة التي تقتضي من الإنسان أن يمد يديه إلى الله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [فاطر:15] وليس المقصود به الفقر الذي يؤدي بالإنسان إلى الفقر إلى الناس وتكففهم، وتعلق القلب بما في أيديهم، فهذا من المذلة المخالفة لما نحن فيه تماماً، ولذلك فإن الله وصف المهاجرين بالفقر، وهم أعلى أهل الإيمان مقاماً، فعندما قسم الفيء بين المؤمنين بلغ بالمهاجرين أعلى مستوى من مستويات الإيمان فقال:{لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الحشر:8].

فهؤلاء هم أعلى الناس إيماناً ومقامهم فوق المقامات الأخرى، وقد قدمهم الله على الأنصار، وقدم المهاجرين والأنصار على من سواهم من أهل المال فقال:{السَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا} [التوبة:100] فهم أعلى الناس مقاماً، وفقرهم إنما هو إلى الله لا إلى الناس.

وكذلك علينا أن نعلم أن الفقر ليس بانعدام العرض، فكثير من الأغنياء معتبرون من جهة الشرع فقراء، لأنهم متعلقون بما جعله الله تحت أيديهم من المال، فهم بهذا في عداد الفقراء لا في عداد الأغنياء، وكثير من الفقراء هم في عداد الأغنياء، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:(ليس الغنى عن كثرة العرض، إنما الغنى غنى النفس) فالغنى غنى النفس، وليس عن كثرة العرض وكثرة الأموال، بل إن الأموال كثيراً ما تطغي، كما قال الله تعالى:{كَلَّا إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} [العلق:6 - 7] وكثيراً ما يكون الإنسان معبداً لها يخدمها ويعالجها فلا يستفيد منها راحة ولا طمأنينة ولا سعادة، بل هو خادم لها طيلة حياته.

فعلى هذا إذا وصل الإنسان إلى مقام يحب فيه ما يؤدي إلى انكساره بين يدي الله سبحانه وتعالى، وتعلقه به، ورجائه والاتصال به، فهذا هو المقام المطلوب، ومما يعين عليه السهر، لأن كثرة النوم معينة للبدن على النفس، وهي مقتضية لفساد المزاج، ولأن يكون الإنسان الذي هو كثير النوم كثير السعي إلى الراحة، وكثير الأكل والغضب، فلهذا على الإنسان أن يحاول أن يتقلل من النوم ما استطاع.

ص: 29