المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مناظرة بين الشافعي وإسحاق بن راهويه - دروس للشيخ محمد المنجد - جـ ١٤٦

[محمد صالح المنجد]

فهرس الكتاب

- ‌عبر وعظات من حياة الإمام الشافعي

- ‌الشافعي وبعض ميزاته

- ‌الشافعي قرشي مطلبي

- ‌ولادة الشافعي في عسقلان وتربيته في الصحراء

- ‌تحول الإمام الشافعي من الشعر إلى الفقه

- ‌رحلة الشافعي إلى مالك في المدينة

- ‌تصدر الإمام الشافعي للفتيا

- ‌سبب تأليف الشافعي لكتاب الرسالة

- ‌مكانة الشافعي عند أهل البدع

- ‌وصف بعض العلماء للشافعي

- ‌وصف يحيى بن أكثم للشافعي

- ‌وصف أحمد بن حنبل للشافعي

- ‌وصف الربيع بن سليمان للشافعي

- ‌وصف يونس بن عبد الأعلى للشافعي

- ‌وعظ الشافعي وعبادته

- ‌بعض تلاميذ الشافعي

- ‌موسوعية الشافعي في جميع الفنون

- ‌شغف الشافعي بطلب العلم

- ‌الشافعي وانقياده لنصوص الكتاب والسنة

- ‌عقيدة الشافعي وموقفه من أهل الكلام

- ‌الشافعي وبعض مناظراته وأخلاقه فيها

- ‌مناظرته مع من يقول بعدم جواز الدعاء في الصلاة بغير القرآن

- ‌مناظرة الشافعي مع الرشيد

- ‌مناظرة بين الشافعي وإسحاق بن راهويه

- ‌تأديب الشافعي لطلابه

- ‌تأديب الشافعي لطالب في نفسه وسوسة في أمر التوحيد

- ‌تأديب الشافعي لطلابه بآداب المناظرة

- ‌الشافعي وتأديبه لأبي ثور

- ‌ملاطفة الشافعي لأصحابه وحسن خلقه معهم

- ‌فراسة الإمام الشافعي

- ‌اهتمام الشافعي بالواقع

- ‌كرم الشافعي وعزة نفسه

- ‌حسن الاستماع والتثبت في السؤال والجواب عند الشافعي

- ‌بعض أبيات الشافعي الشعرية

- ‌صفات الشافعي الخلقية وموته

الفصل: ‌مناظرة بين الشافعي وإسحاق بن راهويه

‌مناظرة بين الشافعي وإسحاق بن راهويه

حصلت مناظرة بين الإمام الشافعي رحمه الله وإسحاق بن راهويه والإمام أحمد موجود يسمع في مسجد الخيف بـ منى، مناظرة مشهورة جداً، وذلك أن الموضوع الذي أثير هو: ما حكم شراء بيوت مكة وبيعها وإجارتها؟ فكانت فتوى الشافعي الجواز، إسحاق بن راهويه يسأله، الشافعي يفتي بالجواز، فقلت: إي يرحمك الله، وجعلت أذكر له الحديث عن عائشة وعبد الرحمن وعمر وأصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم ومن كري بيوت مكة، وهو ساكت يسمع وأنا أسرد عليه، فلما فرغت سكت ساعة، وقال: يرحمك الله -الآن إسحاق يحتج بكلام بعض الصحابة على عدم جواز ذلك في مكة وهذه مسألة خلافية عند أهل العلم على أية حال- فقال الشافعي: يرحمك الله، أما علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(هل ترك لنا عقيل من رباع أو دار)؟ لأنه تصرف فيها قبل فتح مكة وباعها- قال: فوالله ما فهمت عنه ما أراد بها، قال إسحاق: أتأذن لي في الكلام؟ فقال: نعم.

فقلت: حدثنا يزيد بن هارون، عن هشام، عن الحسن أنه لم يكن يرى ذلك، وأخبرنا أبو نعيم، عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم أنه لم يكن يرى ذلك.

فقال الشافعي رحمه الله: أقول لك: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنت تقول: عطاء وطاوس وإبراهيم والحسن، هل لأحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة؟ ثم قال الشافعي مناظراً إسحاق: يقول الله عز وجل: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ} [الحشر:8] المهاجرون من أين أخرجوا؟ من مكة، نسب الدار إلى المالكين أو إلى غير المالكين؟ قال إسحاق: إلى المالكين، قال الشافعي: فقوله عز وجل أصدق الأقاويل، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(من دخل دار أبي سفيان فهو آمن) فنسب رسول الله صلى الله عليه وسلم الدار إلى مالك أم إلى غير مالك؟ قال إسحاق: نسبها إلى مالكها.

فقال الشافعي: وقد اشترى عمر بن الخطاب دار الحجامين فأسكنها، وأيضاً عمر بن الخطاب اشترى دار صفوان ليجعلها سجناً بـ مكة فكونه اشترى دار صفوان فهذا يعني أن شراء بيوت مكة جائز، وذكر له جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم اشتروا دوراً في مكة وجماعة باعوها.

فقال إسحاق: يقول الله عز وجل: {سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ} أي: أنهم كلهم لهم حق العاكف والباد، فقال الشافعي: اقرأ أول الآية: {وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ} [الحج:25] قال الشافعي: والعكوف يكون في المسجد، ألا ترى إلى قوله:{طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ} [البقرة:125]؟ والعاكفون يكونون في المساجد، ألا ترى إلى قوله:{وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة:187]؟ فدل ذلك أن قوله عز وجل: {سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ} في المسجد خاص، فأما من ملك شيئاً فله أن يكري وأن يبيع.

هذه المسألة اختلف فيها أهل العلم، فبعضهم رأى جواز بيع بيوت مكة وشرائها وإجارتها، وبعضهم رأى منع ذلك كله، وتوسط الإمام أحمد فقال بجواز شراء وبيع البيوت في مكة، وعدم جواز الإجارة.

والمسألة من المسائل التي فيها مبررات من قال بالمنع، مثل: إن مكة يفد إليها الناس من جميع الأنحاء، فالأصل أن الذي يسبق إلى مكان هو أحق به، لا نجيز التملك فيها؛ لأننا إذا أجزنا التملك ضيق الناس على الحجاج والعمار، فإذاً الذي يسبق إلى مكان هو أحق به، وليس هناك أجرة ولا تأجير، فإذا انتهت حاجته من مكة ذهب، وجاء غيره فخلفه فيه، وبالنسبة لـ منى ليس هناك خلاف، منى مناخ من سبق، فـ منى الذي يأتي أولاً يأخذ المكان لا شك في ذلك، لكنهم اختلفوا في مكة، هل يجوز البيع والشراء والتأجير فيها أم لا؟ هذه مسألة طويلة، وذكر ابن كثير رحمه الله في كتابه في ترجمة الشافعي توسط أحمد رحمه الله بين الشافعي وإسحاق.

وأيضاً مما يدل على فقهه رحمه الله، ما قال له عبد الله بن محمد بن هارون الفريالي، قال: وقفت بـ مكة على حلقة عظيمة وفيها رجل، فسألت عنه، فقيل: هذا محمد بن إدريس الشافعي، فسمعته يقول: سلوني عما شئتم، أخبركم بآية من كتاب الله، وسنةٍ من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقول صحابي، فقلت في نفسي: إن هذا الرجل جريء، ثم قلت له: ما تقول في المحرم يقتل الزنبور؟ -الزنبور الذي يلسع، من أين تأتي للزنبور بآية وحديث؟ - فقال الشافعي رحمه الله تعالى: قال الله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر:7] وحدثنا سفيان بن عيينة، عن عبد الملك بن عمير، عن ربعي، عن حذيفة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اقتدوا باللذين من بعدي: أبي بكر وعمر) وحدثنا سفيان بن عيينة عن مسعر عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب أن عمر رضي الله عنه [أمر المحرم بقتل الزنبور].

فأولاً أتى بالآية {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} .

ما هو الذي أتى من الرسول؟ (اقتدوا باللذين من بعدي: أبي بكر وعمر) وعمر أمر بقتل الزنبور، فهكذا أجاب رحمه الله تعالى.

ص: 24