المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الشكر نصف الدين وهو المراد من خلق العباد - دروس للشيخ محمد المنجد - جـ ١٥٢

[محمد صالح المنجد]

فهرس الكتاب

- ‌كيف تكون عبدا شكورا

- ‌معاني شكر العبد لربه

- ‌الفرق بين الحمد والشكر

- ‌أنواع شكر الله لعباده

- ‌توفيقهم للخير

- ‌ثناؤه عليهم في الملأ الأعلى

- ‌مجازاة الكافر عاجلاً على ما يفعل من الخير والمعروف

- ‌إخراج الله لمن دخل النار وفي قلبه أدنى مثقال ذرة من خير

- ‌الشكر نصف الدين وهو المراد من خلق العباد

- ‌كيفية الوصول إلى منزلة العبد الشكور

- ‌العبادة

- ‌الدعاء

- ‌معرفة أن الموفِّق للشكر هو الله

- ‌نسبة النعمة إلى المنعم

- ‌شكر الله على النعم بالنعم نفسها

- ‌سجود العبد لله شكراً عند تجدد النعمة

- ‌دعاء العبد بالمأثور عند رؤية مبتلى

- ‌نظر العبد إلى من دونه في أمور الدنيا

- ‌اعتناء العبد بالنعمة وحفاظه عليها

- ‌شكر الناس على إحسانهم

- ‌أبرز من تكلم في الشكر

- ‌الأسئلة

- ‌حكم اللعب بالجوكر

- ‌حكم زيارة أهل البدع

- ‌حكم إفراد الإخوان في الله بزيارة مع وجود إخوان النسب بجوارهم وعدم زيارتهم

- ‌حكم الإعلام قبل الزيارة

- ‌حكم زيارة العاصي بغرض إصلاحه

- ‌حكم اقتحام بيت العاصي للإنكار عليه

- ‌حكم إشراك نية أخرى مع نية الزيارة

- ‌حكم الجلوس في وسط الحلقة

- ‌حكم تكرير صلاة الاستخارة

- ‌حكم البيع والشراء بعد الأذان الثاني يوم الجمعة بأشكاله

- ‌حكم من صلى وفي فمه بقايا من أكل أو سواك

- ‌حكم الإتيان في الدبر

- ‌الاختلاف في تصنيف ابن المبارك

- ‌جنس البدع أعظم من جنس الكبائر

- ‌موقف المزور الذي يعلم عشق الزائر

- ‌حكم فعل الصالحات بنية الشفاء

- ‌حكم التسمية في دورات المياه

- ‌(صحة حديث: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه

- ‌حكم الطلاق والمرأة حامل

- ‌حكم الزيارة لقصد دنيوي

- ‌الله المستعان على الشحناء والبغضاء

- ‌حكم استئذان الزائر للانصراف وقت الصلاة

- ‌حكم رد الزائر

- ‌حكم تكرير آيات الحجاب والربا والولاء والبراء في الصلاة لكي يحفظها الناس

- ‌حكم زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌حكم إدخال المال البنك لحفظه للضرورة

- ‌حكم الطلاق مزاحاً وإثبات النية فيه

- ‌حكم تقدم المسبل الحليق الذي لا يقرأ قراءة سليمة للصلاة

- ‌حكم الوسوسة في الصلاة

- ‌حكم تقديم بعض العادات على الشرع

- ‌تحويل الذكورة إلى أنوثة من حرف الشيطان للناس

- ‌حكم السؤال في الهاتف في اعتباره زيارة أم لا

- ‌تبعات سقوط الكلفة كلية

- ‌ليست الاستفادة من الوقت من الإثقال على الضيف

- ‌أساليب في صرف كثيري الزيارة

- ‌عدم جواز منع العامل من الزيارة

الفصل: ‌الشكر نصف الدين وهو المراد من خلق العباد

‌الشكر نصف الدين وهو المراد من خلق العباد

أما الشكر فإنه نصف الإيمان، ونصفه الثاني هو الصبر، والله عز وجل جمع بينهما في كتابه، فقال:{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} [إبراهيم:5].

فالصبر والشكر هما الإيمان، تأمل قوله صلى الله عليه وسلم:(عجبت للمسلم إذا أصابته مصيبة احتسب وصبر، وإذا أصابه خير حمد الله وشكر، إن المسلم يؤجر في كل شيء حتى في اللقمة يرفعها إلى فيه).

وهذا هو مقتضى الحديث الصحيح الآخر: (عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير؛ وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكانت خيراً له).

فالإيمان إذاً نصفه صبر ونصفه شكر، فكيف يكون ذلك؟ إن الصبر عن المعاصي، وعما يغضب الله، وكف النفس عن ذلك هذا نصف الدين، والشكر وهو القيام بفعل المأمورات وهو نصفه الآخر، وهل الدين إلا أمر ونهي! وبلغ من منزلة الشكر، ومن عظمة هذه العبادة الجليلة أن الله سبحانه وتعالى جعل المراد من خلق الخلق أن يشكروه، فقال الله عز وجل:{فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ} [البقرة:152] فجعل ذكره وشكره هما الوسيلة والعون على الوصول إلى رضاه سبحانه وتعالى، وقسم الناس إلى شكور وكفور، وأبغض الأشياء إليه سبحانه أهل الكفر، وأحب الأشياء إليه سبحانه الشكر وأهله، قال الله تعالى عن الإنسان:{إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً} [الإنسان:3]، وقال نبي الله سليمان:{هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ} [النمل:40]، وقد تعهد الله ووعد بالسيادة لمن شكر، فقال الله عز وجل:{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم:7]، والله سبحانه وتعالى يقابل بين الشكر والكفر في أكثر من موضع، فيقول:{وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران:144]، والله عز وجل علق كثيراً من الجزاء على مشيئته، فقال مثلاً:{فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ} [التوبة:28]، وقال:{فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ} [الأنعام:41]، وفي الرزق قال:{يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ} [البقرة:212]، وفي المغفرة قال:{يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ} [آل عمران:129]، وقال في التوبة:{ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ} [التوبة:27].

أما جزاء الشكر فقد أطلقه إطلاقاً ولم يعلقه بمشيئته، فقال سبحانه وتعالى:{وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ} [آل عمران:145]، وقال:{وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران:144]، لذلك لما عرف عدو الله إبليس قيمة وعظم الشكر تعهد أن يعمل ليحرف البشرية فيجعلهم غير شاكرين، فقال الله عن إبليس:{ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} [الأعراف:17] ولذلك وصف الله سبحانه عباده الصالحين الشاكرين بأنهم الأقلون، وقال الله عز وجل:{وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ:13]، [ولذلك ذكر أن عمر سمع رجلاً يقول: اللهم اجعلني من الأقلين، فقال: ما هذا؟ فقال: يا أمير المؤمنين! قال الله عز وجل: {وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ} [هود:40]، وقال الله عز وجل:{وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ:13]، وقال الله عز وجل:{إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ} [ص:24].

فقال عمر: صدقت].

وقد مدح الله سبحانه أبا البشرية الثاني -وهو نوح- بأنه شكور، فقال:{ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً} [الإسراء:3].

والدليل على أنه أبوهم الثاني قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ} [الصافات:77]، بعدما أغرق قوم نوح جعل ذرية نوح هم الباقين، فهو أبو البشرية الثاني.

وأمر موسى بأن يكون من الشاكرين، فقال:{يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} [الأعراف:144].

وأول وصية وصى الله بها الإنسان، قال:{وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} [لقمان:14].

ولذلك لما جاء لقمان يوصي ابنه قال له: {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} [لقمان:12] الحكمة التي آتاها الله للقمان أن يشكر الله، فعلم لقمان ولده من هذه الحكمة.

والله يرضى إذا شكره العباد، فقال:{وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ} [الزمر:7].

ومدح إبراهيم الخليل؛ لأنه شكر نعم الله، فقال الله عز وجل:{إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً} [النحل:120] أمة جماعة في واحد، أمة يأتم به:{إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * {شَاكِراً لَأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [النحل:120 - 121].

فالشكر كما ذكرنا قبل قليل هو الغاية من خلق العباد، قال الله عز وجل:{وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل:78].

فلأي شيء خلقكم؟ ولأي شيء أخرجكم من بطون أمهاتكم؟: {لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل:78].

ونبينا صلى الله عليه وسلم سيد الشاكرين وإمامهم صلى الله عليه وسلم، إنه عليه الصلاة والسلام كان يعبد ربه لكي يكون شكوراً لربه، ولذلك جاء في صحيح البخاري عن المغيرة قال:(قام النبي صلى الله عليه وسلم حتى تورمت قدماه، فقيل له: أتفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، قال: أفلا أكون عبداً شكوراً) شكوراً لهذه النعمة، وهي أنه غفر لي ما تقدم من ذنبي، وجاء مثله أيضاً في صحيح البخاري عن عائشة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوم الليل حتى تتفطر -تتورم وتتشقق- قدماه، فقالت عائشة: لم تصنع هذا يا رسول الله! وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: أفلا أحب أن أكون عبداً شكوراً.

فلما كثر لحمه صلى الله عليه وسلم صلى جالساً، فإذا أراد أن يركع قام فقرأ ثم ركع).

ولكن كيف نكون من عباد الله الشاكرين؟ كيف نصل إلى منزلة العبد الشكور؟

ص: 9