المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌جواز الكذب وتقديم الرخصة الشرعية لمصلحة المسلمين - دروس للشيخ محمد المنجد - جـ ١٧٤

[محمد صالح المنجد]

فهرس الكتاب

- ‌الغلام المؤمن وأصحاب الأخدود [1،2]

- ‌نص حديث الغلام المؤمن وأصحاب الأخدود

- ‌روايات قصة الغلام المؤمن

- ‌فوائد قصة الغلام المؤمن وأصحاب الأخدود

- ‌هذه القصة تمثل دور دعوة كاملة

- ‌أهذه القصة تجربة حية مرتبطة بكل زمان ومكان إلى قيام الساعة

- ‌ميزة أهل الحق الوضوح وميزة أهل الباطل الدجل والتضليل

- ‌خطورة تعريض الطفل للكفر والزندقة والبدع والخرافات

- ‌توجيه الطاقات النادرة والذكية إلى خدمة الدين

- ‌إذا أراد الله الهداية للعبد يسر له الأسباب الشرعية

- ‌ترك التعقيد في عرض قضايا الدين والعقيدة

- ‌الإسلام دين الامتحان والابتلاء

- ‌جواز الكذب وتقديم الرخصة الشرعية لمصلحة المسلمين

- ‌الحق والباطل طرفا نقيض ولابد من التمييز

- ‌إقرار الفطرة بإحقاق الحق وبطلان الباطل

- ‌حقيقة الألوهية مرتكزة في الفطرة

- ‌إثبات الكرامة للأولياء

- ‌التجرد من الحسد والاعتراف بالفضل للآخرين

- ‌التكتم والسرية لمصلحة الدين

- ‌استخدام الغلام للمعجزات التي أعطاه الله إياها في الدعوة وانتشار أمره

- ‌عدم أخذ الأجرة على الرقية لمصلحة الدعوة

- ‌وضوح المنهج في الدعوة إلى الله عز وجل

- ‌الطغاة يستميلون أهل الحق إما بالترغيب أو الترهيب

- ‌بداية الابتلاء الحقيقي

- ‌السر في قتل الغلام بطريقة أخرى

- ‌أهمية لجوء الداعية إلى الله عند اشتداد الكرب

- ‌التركيز على قضية توحيد الألوهية

- ‌التضحية من أجل مصلحة دعوة الناس إلى الدين

- ‌قوة الإيمان وعمقه في نفوس المؤمنين والصبر على البلاء من أجله

- ‌إذا أراد الله شيئاً غير ما يريده الكفار لم تنفع خططهم

- ‌العاقبة والانتصار الحقيقي للمؤمنين

- ‌ترك الاغترار بالكافرين

- ‌لابد من العمل للإسلام دون النظر إلى النتيجة

- ‌المعركة بين المسلمين والكفار معركة عقيدة

الفصل: ‌جواز الكذب وتقديم الرخصة الشرعية لمصلحة المسلمين

‌جواز الكذب وتقديم الرخصة الشرعية لمصلحة المسلمين

ثم قال: (فإذا أتى الساحر ضربه، فشكا ذلك إلى الراهب) هذه الشكوى -أيها الإخوة- ليست اعتذاراً عن مواصلة الطريق، ولا تذمراً، يعني ما قال له: أنا ضربت من أجلك، من الآن لن آتيك ولن أتعلم منك، ما قصد الغلام بالشكوى التذمر أو الاعتذار عن مواصلة الطريق؛ وإنما شكوى لأصحاب الخبرة لإيجاد الحلول المناسبة للمشكلة، فالناس اليوم عندما يتعرضون لأدنى أذى يتركون الدين، الواحد إذا قال له مديره في العمل: لا تصل في وقت العمل لو وجد زبائن، فلو صليت طردتك من العمل، لأدنى إيذاء تهديد بالطرد من العمل ترك الصلاة.

فإذاً أيها الإخوة! الإيذاء الذي يحصل للإنسان من جراء التمسك بالدين، إذا صبر عليه الإنسان هذا، يعني أنه مسلم حقيقي، وإذا ما صبر، يعني أنه مسلم مزيف، هنا ماذا يقول الحديث؟ (فقال الراهب: إذا خشيت الساحر، فقل: حسبي أهلي، وإذا خشيت أهلك، فقل حبسبي الساحر) لأن هذا الغلام الآن يُضرب من جهتين، إذا ذهب إلى الساحر وجلس عند الراهب تأخر عن الساحر وضربه الساحر، وإذا رجع من عند الساحر إلى أهله في البيت تأخر عليهم، فيضربه أهله، فما هو الحل الذي أوجده له الراهب؟ قال له: إذا قال لك الساحر: لماذا تأخرت؟ قل له: أهلي أخروني، وإذا قال لك أهلك: لماذا تأخرت؟ قل لهم: اليوم كانت المعلومات زيادة، هنا قد يسأل سائل فيقول: أليس هذا بكذب؟ كيف يكذب الغلام؟ وكيف أن الراهب يعلم الغلام الكذب والكذب نعرف أنه محرم؟ فنقول: أيها الإخوة: من رحمة الله عز وجل أنه حرم الكذب، لكن الله أباحه في مواضع، فأباح الكذب مثلاً للإصلاح بين الناس، وأباح الكذب في الحرب؛ حادثة نعيم بن مسعود الثقفي معروفة، لما أسلم في معركة الأحزاب وذهب إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم:(ادفع عنا ما استطعت إنما أنت رجل) أنت واحد افعل الذي تقدر أن تفعله، واليهود محيطون بالمسلمين من الوراء، والأحزاب من كفار قريش وغطفان وغيرهم من الأمام والمسلمون بين فكي الكماشة، هذا رجل واحد ماذا فعل في الحرب؟ كذب كذبة أنهت الحرب كلها- ومن شاء التفاصيل فليرجع إلى كتب السيرة- فإذاً الكذب في الحرب على الكفرة ليس على المسلمين جائز لمصلحة الدين ولمصلحة المسلمين، ولو أن أحداً -مثلاً- سب إنساناً في مجلس، وهذا السب بلغ الشخص الذي وقع عليه السب، وجاءك أنت أحد الذين كانوا في المجلس، وقال: صحيح فلان شتمني؟ فأنت لو أتيت من باب الإصلاح بينهما وقلت له: لا.

ما شتمك ما تكلم عليك تكلم على واحد آخر، أنت ماذا قصدت بهذه الكذبة؟ الإصلاح حتى لا يحدث بينهما شقاق، هل يوجد أحد تضرر من هذه الكذبة؟ لا، هل يوجد منها مصلحة؟ نعم، منها مصلحة عظيمة، فإذاً في هذه الحالة أباح الإسلام الكذب في حالات ضيقة جداً، وليس حالات مفتوحة كل واحد يكذب متى أراد، في حالات ضيقة جداً أُبيح الكذب، فالآن مصلحة الدين عند الراهب وعند الغلام تقتضي أن الغلام يكذب، ولو ما كذب هل يمكن أن يتعلم؟ لا، ولو قال الحقيقة: أنا أمر على راهب يعلمني، كانوا أخذوا هذا الراهب منذ زمن، لكنه من أجل مصلحة الدين، والسلامة من الشر وتعلم العلم، صار الكذب في هذه الحالة جائزاً.

نلاحظ -أيضاً- هنا أن الراهب اهتم بإيجاد الحل للغلام الذي اشتكى إليه، وهذا يفيدنا نحن الآن لو أن أحداً من الناس اشتكى إلينا في ضائقة يجدها بسبب تمسكه بدينه، فإن من واجبنا نحن أن نسعى في إيجاد حل لمشكلة هذا الرجل، من باب الأخوة الإسلامية لا بد من إيجاد الحلول لمشاكل المسلمين، ليس أن تعرض المشكلة فقط ثم يكون مصيرها في سلة المهملات، يجب أن نوجد الحلول للمشاكل.

كذلك مما نستفيد منه في هذا المقطع: أننا إذا وجدنا رخصة شرعية تيسر أمور الناس ولا تخالف الشريعة، ليست أمراً محرماً، وفي نفس الوقت تيسر على الناس ضائقة يعيشونها، فإننا في هذه الحالة نقدم الرخصة لهم، إذا كانت رخصة شرعية، نقدم رخصة لهم، ولا نجعلهم يستمرون في معيشتهم في الحرج، لا، لا نجبرهم على أخذ العزيمة، فلو أن أحداً في الصحراء لم يجد ماء إلا ما يكفيه للشرب كيف يتوضأ؟ لا نقول: والله يا أخي اعطش حتى لو هلكت في سبيل الله عليك أن تتوضأ، بل نقول له: هناك رخصة شرعية وهي التيمم، وآخر يشق عليه أن ينزع الجوارب دائماً وهو في العمل حال البرد، ما نقول: لا.

يجب عليك تحمل البرد، وتتحمل هذه العزيمة، نقول: هناك رخصة إذا كانت الرخصة شرعية، فنيسر على الناس في حدود الشرع وليس أن نسلك مسلك الجهلة، فنيسر على الناس بالحق والباطل، بعض الناس يقول: يا شيخ! يسر ولا تعسر والدين يسر، وبالتيسير هذا نبيح للناس شراء الأسهم الربوية، والتعامل بالحرام، وسماع المنكرات، وحضور مجالس اللغو والباطل باسم التيسير، يجب أن يكون التيسير شرعياً موافق للشريعة.

ص: 13